المهندس أمجد قاسم
ينتهي المطاف بكميات هائلة من المخلفات البلاستيكية في بحار العالم ومحيطاته، حيث تطفو فوق المياه وتكون جزرا عائمة، مشكلة خطرا حقيقيا على حياة كثير من الكائنات البحرية. وحتى وقت قريب كان معظم بني البشر يتجاهلون تلك النفايات، لأنها بعيدة عن رؤيتهم المباشرة، و لعدم معرفتهم بتأثيراتها السلبية فيهم.
وعلى الرغم من الاعتقاد السائد أن المواد البلاستيكية لا تتحلل أبدا نظرا لأنها مصنوعة من مشتقات نفطية تتسم بالثبات، فقد تبين للباحثين أن الظروف المناخية كضوء الشمس والأشعة فوق البنفسجية والحرارة العالية وحركة الأمواج، قادرة على تحطيم وتفكيك الروابط الكيميائية الطويلة الموجودة في البلاستيك. ومع استمرار تعرض تلك المخلفات لتلك الظروف، فإن القطع الكبيرة من البلاستيك تتحطم إلى قطع صغيرة بعضها صغير جدا يصعب مشاهدته بالعين ويطلق عليها “الميكروبلاستيك Microplastics»، و هي مواد كيميائية سامة في معظم الأحيان، ويكون حجمها أقل من خمسة مليمترات.
مصادر متعددة
سنة تلو أخرى، تتراكم كميات هائلة من القطع الصغيرة من البلاستيك في البحار والمحيطات نجمت عن تفكك المخلفات البلاستيكية الكبيرة كالقوارير وأكياس التسوق، التي ألقيت في المياه وجرفتها الأمواج والتيارات البحرية بعيدا عن الشواطئ. وتظهر الدراسات البيئية أن كل كيلومتر مربع من البحار يحوي في المتوسط نحو 60 ألف قطعة من الميكروبلاستيك.
ويختلف تحلل البلاستيك في مقالب النفايات عن البلاستيك الموجود في البحار والمحيطات، إذ إن البلاستيك الذي يتم دفنه في مكبات النفايات لا يتعرض في الغالب لضوء الشمس والتقلبات المناخية، ومن ثم لا يتحلل ويبقى كما هو لسنوات طويلة قد تبلغ أكثر من ألف عام، في حين أن البلاستيك الملقى في المياه، وخصوصا في المياه الدافئة، يكون عرضة للتحلل خلال وقت قصير ربما يبلغ عاما واحدا بفعل الأشعة فوق البنفسجية والحرارة وحركة الأمواج، وهو ما يؤدي إلى تحول جزء كبير من تلك المخلفات إلى ميكروبلاستيك.
وهنالك جزء كبير من جزيئات الميكروبلاستيك الموجودة في البحار والمحيطات تأتي مع مياه الصرف الصحي المنزلية، ويكون مصدرها كريمات التجميل ومعاجين الأسنان وبعض أنواع غسولات الوجه والمنظفات المنزلية ومثبطات الحريق وغيرها من المنتجات الحديثة.
قاتل خفي
ينتهي المطاف بالقطع الصغيرة من البلاستيك والميكروبلاستيك في أجسام الكائنات البحرية، كالعوالق أو البلانكتونات والكائنات اللافقارية وكذلك الأسماك والطيور البحرية وحتى الحيتان والأسماك، سواء بابتلاع تلك المخلفات البلاستيكية بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر من خلال افتراس الكائنات الكبيرة لكائنات أصغر منها تحوي أجسامها تلك المخلفات، مما يؤدي إلى تسمم تلك الكائنات وموتها، ومن ثم تأثر النظم الإيكولوجية البحرية، وحتى الإنسان.
ونظرا للخطر الداهم لمخلفات الميكروبلاستيك على الكائنات البحرية، فقد أجرت جهات علمية عدة دراسات لبيولوجية مياه البحار، منها دراسة للبحر المتوسط شارك فيها 20 باحثا من جامعات أوروبية. وأظهرت الدراسة احتواء مياهه على أكثر من 500 طن من المخلفات البلاستيكية المتناهية الصغر، التي تبتلعها العوالق والبلانكتونات. وهذه الكائنات الصغيرة جدا مصدر غذائي مهم للكائنات البحرية حيث تلتهمها الأسماك والكائنات البحرية وتدخل في السلسلة الغذائية لها، وربما تصل إلى غذاء الإنسان في نهاية المطاف. وأظهرت الدراسة أن النفايات البلاستيكية تعد القاتل الأكبر في البحر المتوسط، حيث تبين وجود أكثر من 250 بليون جزء بلاستيكي تلوث مياهه.
وهنالك دراسة أخرى أظهرت أنه يتم إلقاء نحو ثمانية تريليونات من الحبيبات البلاستيكية المتناهية الصغر في المسطحات المائية في الولايات المتحدة يوميا. وهذه الكميات ذات تأثير سلبي في الكائنات البحرية، ومنها المحار، حيث يعتقد الباحثون أن المحار الذي يتعرض لها تتراجع قدرته على التكاثر إلى النصف تقريبا، إضافة إلى تأثيراتها السلبية على كامل الشبكات الغذائية البحرية.
ويعتقد الباحثون أن النفايات البلاستيكية مسؤولة عن قتل أكثر من 100 ألف من الكائنات البحرية سنويا، كالثدييات والسلاحف والطيور والشعاب المرجانية، التي يؤدي تراكم تلك النفايات عليها إلى منع وصول المياه إليها وموتها. وما يفاقم من حجم المشكلة عدم إمكانية التخلص من نفايات الميكروبلاستيك خلال حملات التنظيف التي يتم القيام بها للمسطحات المائية؛ بسبب صغر حجمها وصعوبة رصدها والكشف عنها.
مسؤولية مشتركة
إن هذه المعاناة المستمرة للبحار والمحيطات تستلزم اتخاذ تدابير وقائية صارمة لمنع وصول المخلفات البلاستيكية إليها أو الحد منها قدر المستطاع، مع التشجيع على إعادة تدوير المنتجات البلاستيكية، والاستعاضة عنها بتلك الصديقة للبيئة.
وتبين منظمة السلام الأخضر أن نحو %20 من المخلفات البلاستيكية تصل إلى المياه من السفن والزوارق والمنصات البحرية، في حين تأتي النسبة المتبقية من اليابسة حيث تنقلها الأمواج والتيارات البحرية وحركة المد والجزر والرياح، حيث تلتهمها الطيور والكائنات البحرية ظنا منها أنها غذاء لها، مما يؤدي إلى موتها والقضاء عليها وعلى صغارها.