د.محمد عبد القادر الفقي
لا نكون مغالين إذا قلنا إن الحضارات البشرية كلها قامت على أكتاف علم المواد Materials Science. فمنذ فجر التاريخ، ارتبط وجود الإنسان على الأرض بالمواد التي تزخر بها الطبيعة من حوله، سواء كانت نباتية أو حيوانية أو معدنية. وكانت المعادن – بوجه خاص – ضرورية للتقدم البشري وتطوره عمرانيا ومعيشيا وحضاريا. واستطاع علماء الأنثروبولوجيا تحديد الحقب التاريخية التي مر بها الإنسان على كوكب الأرض من خلال تتبعهم للمواد التي استخدمها البشر خلال فترات ازدهار الحضارات، ونسبوا كل عصر إلى مادة محددة؛ مثل العصر الحجري، والنحاسي، والبرونزي، وعصر الحديد. وارتبط التقدم في اكتشاف مواد جديدة بقدرة المجموعات البشرية على الابتكار، وبمستويات وفرة تلك المواد محليا، واستثمارها في مختلف أوجه الحياة.
ما هو علم المواد؟
يُعَدُّ علم المواد من العلوم المهمة والمتجددة؛ إذ إنه العلم الذي يقود إلى معرفة وفهم المواد، ويدرس العلاقة بين بنية المادة الهندسية وخواصها. وتكثر في هذا العلم الأبحاث التي تعنَى بالحصول على مواد جديدة ذات خواص مميزة.
أما تاريخ علم المواد History of Materials Science فيعرّف بأنه دراسة الكيفية التي استُخدِمت بها مختلف المواد، انطلاقا من التأثر بتاريخ الأرض وثقافات الشعوب.
يمكن تتبع هذا التاريخ من خلال دراسة الآثار، والمخطوطات القديمة، والتأريخ بالكربون المشع، والمعالم الطبيعية، وبقايا مصاهر المعادن وخبثها، وبراءات الاختراع، ودراسة تأثير الإنسان في البيئة المحيطة.
تطور علم المواد
يمكن تقسيم المواد التي نعرفها حاليا إلى خمسة أقسام هي: المعادن والسبائك، والزجاج والخزفيات (السيراميك)، والبوليمرات واللدائن، وأشباه الموصلات، والمواد المركبة. ولكل قسم خواصه الفيزيائية والكيميائية التي تجعل دراسة تاريخه أمرا مهما للوقوف على مسيرة تطوره عبر الزمان.
المعادن ما قبل التاريخ
تعرف فترة ما قبل التاريخ بأنها الحقبة الزمنية التي سبقت معرفة الإنسان بالكتابة والتدوين، وهي فترة تمتد من بداية وجود الإنسان على الأرض حتى الألف الثامن قبل الميلاد، وفيها صنع الإنسان أدواته من الحجر العادي. وثمة آثار ونقوش في مناطق عديدة ترجع إلى هذه الحقبة. فقبل 2.6 مليون سنة، ابتكر الإنسان المنتصب بعض الأدوات الحجرية، مثل الفأس، حيث عثر على بعضها في إثيوبيا. وأكد العلماء توافر مثل هذه الأدوات بعد ذلك في مناطق عدة من شمال أفريقيا والصحراء الكبرى.
ويمكن تقسيم فترة ما قبل التاريخ إلى نظام الحقب الثلاث: العصر الحجري، والعصر النحاسي والبرونزي، والعصر الحديدي.
وفي العصر الحجري الوسيط، منذ نحو 6000 سنة قبل الميلاد، ظهرت الأواني الفخارية في الشرق الأوسط. وفي العصر الحجري الحديث تطورت الأدوات الحجرية، وأصبحت أكثر تنوعا.
المعادن وبزوغ فجر الحضارة
في لحظة ما – نحو 4 آلاف سنة قبل الميلاد – بزغت الحضارة، التي مع حلولها نضجت التقنية الكيميائية، وأصبح من الممكن تطوير تقنيات تتطلب بنى خاصة دائمة (مثل الأفران لصهر الفلزات)، كما أصبح من الممكن تسجيل عمليات تصنيع المواد وتكرارها وتحسينها. وكانت معظم المواد المعدنية في ذلك الوقت موجودة في الطبيعة في شكل خامات، أي مزيج معقد من الأملاح والسيليكات مثل الفلسبار والبيريت والبوكسيت. أما الفضة والذهب – من جهة أخرى – فيمكن أن يوجدا في الطبيعة على شكل فلز نقي.
ويرى بعض مؤرخي العلوم أن العصر النحاسي بدأ بعد عام 4000 قبل الميلاد. ومع ذلك، فقد عرف إنسان العصر الحجري النحاس، واستعمله في عمل خرز الزينة والأساور. وفي الفترة ما بين سنة 6 آلاف و 7 آلاف قبل الميلاد استطاع الإنسان تشكيل هذه المادة بالطرق.
وبدءا من نحو 5500 سنة قبل الميلاد، بدأ الحدادون بإعادة تشكيل المعادن المحلية من النحاس والذهب، دون استخدام للنار، من أجل صناعة الأدوات والأسلحة. ولم يبدأ تشكيل النحاس عن طريق التسخين واستخدام المطرقة إلا زهاء عام 5000 قبل الميلاد.
وعرف المصريون القدماء النحاس، وكيفية استخراجه من خاماته التي كانوا يحصلون عليها من مناجمه في شبه جزيرة سيناء، وذلك نحو (4500 قبل الميلاد – 4200 ق. م.)ـ
وفي العصر البرونزي ظهر علم السبائك، وبدأ علم الفلزات، حيث عرف الإنسان كيفية صهر أملاح النحاس مع الفحم النباتي في البواتق والأفران، واختزال تلك الأملاح.
وعرف سكان الأمريكتين القدامى النحاس في وقت متأخر مقارنة بسكان العالم القديم، غير أنهم لم يعرفوا البرونز.
وقد بدأ العصر الحديدي في مناطق الشرق الأوسط والهند واليونان في القرن الثاني عشر قبل الميلاد. وعرف الفراعنة ذلك الفلز منذ عام 3500 قبل الميلاد. ومن المؤكد أن آثارهم الباقية المصنوعة من الحديد قد صنعت في تلك الأزمنة الغابرة من حديد الشُّهب السهل الطرق.
واكتشف الفينيقيون معدن الفضة في تلال إسبانيا والبلاد الأخرى المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط، وذلك منذ نحو ألفي عام قبل الميلاد. وفي القرن الثاني الميلادي، إبان فترة حكم أسرة (هان) Han Dynasty بالصين، أصبحت صناعة الفولاذ شائعة.
وقد شهد القرن الرابع الميلادي إنتاج عمود دلهي الحديدي، البالغ ارتفاعه 22 قدما (7 أمتار)، ووزنه ستة أطنان، والذي صُنِع من الصلب المقاوم للتآكل الكيميائي ، إذ لم يتعرض للصدأ قط، وهو يُعَدُّ أقدم مثال باق حتىاليوم عن التقدم التقني الذي حدث حينذاك في الهند. ومن المدهش أن العلماء عجزوا عن تفسير كيفية إنجاز هذا الصرح العظيم في ذلك الزمن البعيد.
المعادن والإمبراطورية الرومانية
استخدم قدامى الرومان الفؤوس المصنوعة من الحجر والخشب بدلا من الخناجر المصنوعة من العظم في وقت مبكر من حياة الصيادين الأوائل في أوروبا. وكان استعمال المعادن بعد ذلك هو العامل الرئيسي في قيام الإمبراطورية الرومانية. فقد استخدم الرومان في بناء حضارتهم بعض المواد، كالخشب والعظام والحجر والطين. واستمرت بعض الإنشاءات الرومانية قائمة حتى اليوم بفضل طبيعة الأرض التي بنيت عليها تلك الإنشاءات.
المعادن عند العرب والمسلمين
إلى جانب الأنواع المختلفة من الأحجار، عرف عرب الجاهلية بعض المعادن الفلزية، لاسيما الحديد، وقامت في بلادهم صناعات عليه، وبخاصة في نجد والحجاز، وكانت هذه الصناعات تشمل إنتاج بعض الأواني المنزلية، وصناعة الأسلحة التي كانت لها أهمية كبرى في حياة الجاهليـين، وازدادت قيمتها بعد قيام الدولة الإسلامية، وحاجة المسلمين إلى مدّ فتوحاتهم وتأمين ما فتحوه.
وأسهم علماء المسلمين في تطوير علم المعادن. ولعل عطارد بن محمد الحاسب (ت 206 هـ/ 821 م) أول من ألّف كتابًا في هذا العلم باللغة العربية. وهذا الكتاب هو (منافع الأحجار)، وفيه ذكر أنواع الجواهر والأحجار الكريمة. أما أقدم نص ورد إلينا عن أسماء الجواهر التي تعدّن من الأرض، فهو ما جاء في أمالي الإمام جعفر الصادق، إذ ذكر منها الجص (أكسيد الكالسيوم)، والكلس (كربونات الكالسيوم)، والمرتك (أكسيد الرصاص)، والذهب، والفضة، والياقوت، والزمرد، والقار، والكبريت، والنفط. ثم جاء جابر بن حيان ليضيف بعض المعادن الأخرى، مثل الأسرب (نوع من الرصاص).
ويعدّ الشيخ الرئيس أبو علي الحسين ابن سينا أول من صنّف المعادن، حيث قسّمها إلى: الأحجار، والذائبات، والكباريت (أو الكبريتيدات)، والأملاح (أو المتبخرات). وكان أول من دحض الفكرة القائلة بأن المعادن يمكن تحويلها من معدن إلى آخر، نافيا بذلك نظرية الإكسير التي آمن بها كثيرون، وظنوا أنهم بها يقدرون على تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب. ومع ذلك، كان ابن سينا يرى أن المعادن تتغير في صورتها ولا تختلف باختلاف أصباغها.
وتناول البيروني في كتابه (الجماهر) علم المعادن، فقد درس فيه الكثير من المعادن الشائعة في عصره، وتمكَّن من إيجاد الوزن النوعيِّ بدقة لثمانيةَ عشرَ حجرًا وفلزًّا، لا تكاد تختلف قيمتها عن قيمة الوزن النوعيِّ المحدد بالطُّرق الحديثة.
أما التيفاشي صاحب كتاب (أزهار الأفكار في جواهر الأحجار)، فقد ابتكر أول تصنيف علمي صحيح للمعادن، وهو التصنيف القائم على أساس تشابه الخواص، أي ضم المعادن المتقاربة في فصل واحد، وكان العلماء من قبله يصنفون المعادن بحسب الترتيب الأبجدي.
وفي القرن الحادي عشر الميلادي، صُنِع الفولاذ الدمشقي في سورية عن طريق تفحيم (كربنة) الحديد، أي تحمية الحديد المطاوع إلى درجة الاحمرار مع مواد كربونية، ثم يسقى ذلك الحديد المكربن للتخلص من زوائد الفحم قبل الطرق إلى قضبان. ويتسم هذا الفولاذ بقساوة استثنائية وصفاء متموّج. ومن هذا الفولاذ صُنِع السيف الدمشقي الذي لا يصدأ مهما طالت الأيام، والذي يتصف بقدرته الكبيرة على القطع، ومتانته المذهلة، ومرونته الكبيرة. وكان حدّ ذلك السيف من المضاء بحيث يشطر نسيج العنكبوت الطائر في الهواء.
في عصر النهضة لم يسجل لنا التاريخ شيئا ذا بال حول تقدم علم المعادن في أوروبا في العصور الوسطى. ولم يبدأ هذا التقدم إلا بعد اطلاع الأوروبيين على المؤلفات العربية في هذا العلم. وبدأ التاريخ الفعلي لعلم المعادن في أوروبا في القرن الخامس عشر الميلادي، حيث طوّر يوهان غوتنبرغ سبيكة معدنية. وفي القرن السادس عشر الميلادي، نشر فانوتسيو بيرتغوتسو كتاب (بيروتكنيا) Pirotechnia، الذي يعد أول كتاب منهجي عن المعادن. وفي القرن السابع عشر الميلادي، ابتكر غاليليو غاليلي علمي (مقاومة المواد وعلم الحركة) اللذين ضمّنهما أول البيانات الكمية حول علم المواد.
وفي القرن الثامن عشر الميلادي، حصل ويليام شامبيون على براءة اختراع لعملية إنتاج معدن الزنك عن طريق تقطير الكالامين calamine والفحم النباتي.
تاريخ صناعة الخزفيات (السيراميك)
كان مصطلح السيراميك Ceramics يطلق في الماضي على المنتجات المصنوعة من المواد الأرضية كالطين ومخلوطاته، والتي يتم حرقها، وهي تتضمن الفخار، والخزف، لكن اللفظ امتد معناه ليشمل أيضاً مواد البناء، والأسمنت، والزجاج، ومواد التجليخ، والطلاء الزجاجي، والطلاء بالمينا.
وخلال العصر الجليدي يبدو أن الإنسان استطاع حرق الطفلة أو الطين. وأقدم ما عثر عليه من أواني السيراميك يبلغ عمره نحو 18 ألف سنة.
ويُعَدُّ الخزف الصيني من أشهر المواد السيراميكية شعبية وانتشاراً، وتعود بدايات تاريخ تصنيعه إلى عام 600 بعد الميلاد. وفي القرن الثامن الميلادي، اُختُرِع خزف البورسلين في عهد أسرة تانغ Tang Dynasty في الصين. كما اختُرِع الخزف المزجج بالقصدير tin-glazing من قبل الكيميائيين والخزافين العرب في البصرة بالعراق.
تاريخ صناعة الزجاج
لا يعرف على وجه اليقين الوقت الذي بدأت فيه صناعة الزجاج، فثمة أبحاث تظهر أن إنتاجه عُرِف في منطقة الشرق الأدنى القديم في القرن العاشر قبل الميلاد. وهناك الآن من الدلائل ما يؤكد أن المصريين القدماء صنعوا الزجاج أيضا في وقت مبكر، حيث وجدت في مقابرهم آثار لهذه المادة، ويرجح بعض الباحثين أن صناعة الزجاج كانت معروفة في بلاد ما بين النهرين نحو عام 3000 قبل الميلاد. وفي القرن الثالث قبل الميلاد، ابتكر قدامى الهنود طريقة صنع ما عُرِف باسم فولاذ ووتز wootz steel، الذي يعدّ أول فولاذ يتم إنتاجه باستخدام البوتقة crucible.
وفي نحو عام 2500 قبل الميلاد، ابتكر الفينيقيون صناعة الزجاج الدمشقي الملون. وفي القرن الأول قبل الميلاد، ازدهرت تقنيات نفخ الزجاج على طول المناطق الساحلية لفينيقيا (التي كانت تشغل ما يعرف اليوم بلبنان وسورية وفلسطين).
صناعة الأسمنت
تدلّ الأبنية العتيقة جدا (كأهرام مصر) على أن الإنسان القديم اكتشف بعض أنواع الملاط، واستخدمها كمادة لاصقة، على غرار الأسمنت المعروف حاليا. وقد استعمل الفراعنة ملاط حجر الجبس الخام، في حين استخدم كل من قدامى الإغريق والرومان ملاط الجير الخام، وذلك من خلال اللصق به بصورة خالصة، أو بخلطه بعصارة الجير أو خرسانة الرمل أو مسحوق الأحجار أو مسحوق الآجر. فضلا عن ذلك، كان قدامى الإغريق يستخدمون الرماد البركاني الذي يوجد في جزيرة سانتورين Santorin كمادة لاصقة في البناء. أما الرومان فكانوا يتخذون شيئا مشابها ذا لون أسود، يحصلون عليه بمقادير كثيرة من منطقة بـوزولي بإيطاليا قرب خليج نابولي.
تطور علم البوليمرات
تُعَدُّ كلمة البوليمر نحتا من المقطعـين اللاتينيين: بـولي poly بمعنى متعدد، ومير mer الجزء؛ أي إن الكلمة تعني متعدد الأجزاء. واستُخدِم هذا المصطلح في عام 1866 في مقال نُشر لـ (برتيللو Berthelot) في مجلة المجتمع الكيميائي الفرنسية، حيث قال: «عند تسخين الإستيرين styrene إلى درجة حرارة 200 مئوية، فإنه يُحوّل نفسها خلال بضع ساعات إلى بوليمر راتنجي resinous polymer». وكان ذلك أول البوليمرات الصناعية المعترف بها. وفي عام 1920 اقترح هرمان شتادونغر استخدام لفظة البوليمرات بمفهومها المعروف اليوم.
وقد عرفت البوليمرات منذ القدم، كما هي الحال مع المطاط الذي يستخرج من الأشجار التي كانت تسمى وقتذاك بالأشجار الباكية crying trees. كما استخدم الإنسان البوليمرات الطبيعية قبل مئات القرون، فقد صنع ملابسه من القطن والصوف والحرير وجلود الحيوانات. واستخدم البوليمرات – كالزيوت النباتية والشحوم الحيوانية – في طعامه. ومنذ آلاف السنين استعمل الراتنجات الطبيعية كالصمغ العربي والأصماغ الحيوانية والإسفلت الذي استخدم في طلاء القوارب.
تاريخ صناعة اللدائن
تعد اللدائن (البلاستيك) إحدى صور البوليمرات. ولهذا؛ فإن تاريخ اللدائن يتقاطع جزئيا مع تاريخ البوليمرات. وبسبب العلاقة الوشيجة بين الاثنين، فقد شاع بين الكثيرين تسمية البوليمرات باللدائن (المواد البلاستيكية)، وهذا خطأ؛ لأن البوليمرات تضم – إلى جانب اللدائن – أصنافًا كثيرة من المواد التركيبية والطبيعية المتباينة في الخواص. ويعتقد أن أول اكتشاف لمادة لدنة (بلاستيكية) يعود إلى عام 1840 م عندما حصل الفرنسي هنري فيكتور رينو مصادفة على مسحوق أبيض يرتكز في تركيبه على الكبريت. ولم تستثمر تلك المادة إلا عام 1928. وفي عام 1869 تمكّن الأخوان الأمريكيان هيات Hyatt من اكتشاف مادة السليلويد celluloid البلاستيكية، التي حلّت محلّ العاج في صناعة كرات البلياردو.
وفي عام 1891 تمكّن الفرنسي لويس ماري هيلير بيرنيغاوت من صناعة الحرير الصناعي (الرايون Rayon) من السليلوز.
وفي عام 1900 اكتشف جاك إدوين براندنبرغر وهو مهندس نسيج سويسري، ورق السيلوفان Cellophane، وهو أيضا مادة بلاستيكية، وشاع استخدامه في تغليف المنتجات، بما في ذلك الدفاتر والكتب.
وفي عام 1907 نجح كيميائي من نيويورك، اسمه ليو بايكيلاند Leo Baekeland في اكتشاف مادة الباكليت Bakelite في شكل مادة غرائية سائلة تتصلب بعد صبها في أي وعاء لتأخذ شكله، وهي مادة لا تشتعل أو تحترق أو تنصهر أو تذوب في أي مذيب أو حمض معروف؛ أي إنها تتصف بثباتها الدائم وعدم تغير شكلها تحت أي ظرف من الظروف، على عكس مادة السليلويد التي يمكن صهرها مرات لا تحصى وتغيير شكلها.
وفي الأربعينيات من القرن العشرين، شهد العالم استخدام العديد من المواد البلاستيكية، من بينها: النايلون والبوليتين والتيريلين والأكريليك.
تاريخ المواد المركبة
يمكن تعريف المواد المركبة بأنها المواد التي تتكون من خليط من مواد تشترك فيما بينها لإعطاء خصائص مطلوبة لا توجد في أي مادة واحدة من مواد هذا الخليط، مع احتفاظ كل مادة بخواصها الأساسية التي كانت تملكها منفردة، ومثال ذلك أن البوليمرات المقواة هي عبارة عن خليط من البوليمرات ومواد أخرى ذات جساءة stiffness عالية كألياف الزجاج أو البورون.
وقد لجأ إنسان ما قبل التاريخ إلى استخدام المواد المركبة، المتمثلة في الطين والقش، لبناء الكوخ الذي يحميه من العوامل الجوية، إذ تسهم إضافة التبن إلى الطين في جعله مادة مركبة قوية.
ويعَدُّ السيف الدمشقي، الذي سبقت الإشارة إليه، أفضل نموذج لمعرفة القدماء بالمواد المركبة. كما كان اكتشاف سر تشكيل الخرسانة المسلحة نموذجا لأهمية المواد المركبة، حيث تتكون من مواد أساسية، هي: الرمل، والحصى والأسمنت.
واعتبارا من ستينيات القرن العشرين، بدأ انتشار المواد المركبة؛ نظرًا لخواصها الميكانيكية الممتازة مقارنة بوزنها المنخفض، فدخلت في كل المجالات الهندسية، على الرغم من أنها ولدت أصلا في عالم صناعة الطائرات ومركبات الفضاء، حيث تؤدي خفة الوزن دورًا رئيسيًا في اختيار المواد.
تطور علم المواد
خلال القرن الثامن عشر الميلادي ابتكر أليساندرو فولتا Alessandro Volta أول مركم (بطارية) كهربائي من معدني النحاس والزنك وحمض الكبريتيك.
وفي القرن التاسع عشر الميلادي، اخترع توماس يوهان سيبك Thomas Johann Seebeck المزدوجة الحرارية thermocouple، وكان قد اكتشف في سنة 1821 التأثير الكهروحراري، عندما أنتج تيارا كهربائيا من قطعة من معدنين مختلفين بعدما عرضها لحرارة عالية. وفي عام 1820م اكتشف الكيميائي الدنماركي هانز كريستيان أورستد Hans Christian Ørsted مادة الفلفلين (الببرين piperine)، وكانت هذه المادة أحد الإسهامات المهمة في علم الكيمياء؛ لكونها مادة مساعدة (حفازة) في تحضير الألمنيوم.
وفي عام 1844م، حصل الكيميائي الأمريكي تشارلز غوديير Charles Goodyear
1800 – 1860م على براءة اختراع المطاط المبركن vulcanized rubber، حيث اكتشف أن مادة الكبريت تساعد على تقليل لُزوجة المطاط. وعلى الرغم من فوز غوديير بهذا الفضل، فقد أثبتت الأدلة الحديثة أن سكان منطقة وسط الأمريكتين (الممتدة تقريبا من وسط المكسيك إلى كل من بليز، وغواتيمالا، والسلفادور، وهندوراس، ونيكاراغوا وكوستاريكا) استخدموا كرات مطاطية وغيرها في وقت مبكر منذ عام 1600 قبل الميلاد. وفي القرن التاسع عشر الميلادي أيضا، تم اكتشاف العمليات الفوتوغرافية القائمة على الفضة.
علم المواد الحديثة
في مرحلة مبكرة من القرن العشرين الميلادي، كانت معظم كليات الهندسة تضم قسما للتعدين وربما قسما للسيراميك أيضا. وقد بُذِل الكثير من الجهد آنذاك في دراسة أطوار الأوستينيت والمارتنسيت والسمنتيت. ولم يكن فهم أساسيات المواد الأخرى وقتذاك متقدما بما فيه الكفاية حتى تدرج هذه المواد في الدراسات الأكاديمية. وتعد جامعة نورث وسترن في مدينة إيفانستون Evanston بولاية إلينوي أول جامعة تنشئ قسما لعلم المواد في عام 1955.
وكان لرابطة أبحاث المواد The Materials Research Society دور فعال في إيجاد علم المواد في شكله المعاصر المتعارف عليه وإبراز هوية هذا الحقل الجديد القديم. وكانت تلك الرابطة من بنات أفكار بعض الباحثين في جامعة بين ستيت ببنسلفانيا، حيث انبثقت من المناقشات التي أجراها الأستاذ رستم روي Rustum Roy مع زملائه في عام 1970. وعقد الاجتماع الأول للرابطة في عام 1973. واعتبارا من عام 2006، تحولت تلك الرابطة إلى جمعية دولية ترعى عددا كبيرا من الاجتماعات السنوية.