د. وليد الذربان
يعتبر طب الأسنان من أكثر فروع الطب تطوراً وازدهاراً، وأسرعها تلقفاً للتطورات الحاصلة في مجال المواد والأدوات المستخدمة في الصناعة الطبية. وبينما كان علاج الأسنان في الماضي مقتصراً على إزالة النخر ووضع الحشوات وقلع الأسنان التالفة؛ صار بالإمكان حالياً علاج السن بصورة أفضل، بل تعدى ذلك إلى تأهيل كامل للفم. ومع هذا التطور في مواد وأدوات طب الأسنان صار بالإمكان إعادة بناء فم المريض، بدءاً من الأنسجة اللثوية للأسنان وصولاً إلى الحالة المثالية التي ترضي المريض وتقوي أسنانه وتدعم ثقته بنفسه. هذا التطور الكبير في طب الأسنان لم يعد مقتصراً على علاج الآلام فقط، بل تجاوز ذلك إلى صناعة الابتسامة المشرقة والسعادة ودعم الثقة بالنفس.
وثمة تقارير علمية لمنظمات معنية بشؤون المسنين تقول إن نسبة من سيبلغ عمرهم 70 عاماً من سكان العالم في تزايد مستمر، وهذا يضع طب الأسنان في مهمة صعبة تتمثل في توفير التعويض السني المناسب لهذه الشريحة من المرضى الذين يحتاجون إلى تعامل خاص بسبب التغيرات النفسية والاجتماعية والصحية التي يعانونها.
ولعل من أهم فوائد الأسنان توفير الناحية الجمالية والوظيفية واللفظية للإنسان؛ فعند فقد إحدى الأسنان أو مجموعة منها، فإن ذلك سيؤثر على طبيعة الإنسان والمهام الأساسية اليومية التي يؤديها، ومنها عملية مضغ الطعام بصورة جيدة، نتيجة حدوث خلل في توازن الأسنان وسوء في الإطباق. وإذا لم يتم التعويض عنها بأي نوع من أنواع التركيبات السنية فإن عملية مضغ الطعام تكون غير مكتملة، وهو ما يؤثر سلباً على عملية الهضم التي تتم في المعدة.
ترميم الأسنان وتعويضها
تعرف تركيبات الأسنان بذلك القسم من طب الأسنان الذي يهتم بترميم الأسنان وتعويضها، وبالنسج المحيطة بها للمحافظة على منظر فم المريض وصحته ووظائفه. ويتم ذلك بترميم أسنان المريض المتضررة أو بالتعويض عن الأسنان المفقودة ونسجها الفموية والوجهية أو كليهما معاً.
تنقسم تعويضات الأسنان طبياً إلى ثلاثة أقسام رئيسية، الأول: تعويضات الأسنان المتحركة، والثاني: تعويضات الأسنان الثابتة، والثالث: تعويضات الوجه والفكين.
التركيبات المتحركة
تتمثل تركيبات الأسنان المتحركة في ذلك القسم من تعويضات الأسنان الذي يعنى بعتويض الأسنان المفقودة والنسج المحيطة بها إما جزئياً أو كلياً ببدائل صنعية قابلة للنزع من فم المريض.
والهدف الرئيسي لهذا النوع من التركيبات هو إعادة الوظيفة المضغية إلى المريض، وتصحيح منظر الوجه والمحافظة على صحة المريض العامة وتمكينه من التكلم بوضوح، والشعور بالراحة والثقة عند وجود الجهاز في فمه، دون إحداث تغيرات في وضع اللسان والشفتين والخدين بعد قلع الأسنان.
تتألف تركيبات الأسنان الجزئية والكاملة المتحركة من الأسنان المصنوعة إما من مادة الأكريل أو من مادة السيراميك المقاربة للون الأسنان، ومن قاعدة التركيب المصنوعة إما من مادة الأكريل أو من معدن الكروم كوبلت المغلف بالأكريل المقارب للون أنسجة الفم.
التركيبات الثابتة
عندما تكون السن مكسورة أو ممتلئة بحشوة كبيرة، أو في حالة وجود تلف بالغ في السن نتيجة للنخر أو لوجود شكل الأسنان غير المنتظم، قد يقترح طبيب الأسنان تركيب تاج أو أكثر لعلاج المشكلة. توفر هذه البدائل الصناعية المتانة والحماية لما تبقى من بنية الأسنان وتضيف رونقاً إلى الابتسامة ببدائل لا يمكن نزعها من الفم.
والتركيبات الثابتة تعطي مظهراً تجميلياً طبيعياً وتحقق نسبة مضغ عالية إن لم تكن مماثلة للأسنان الطبيعية. لقد بات من الممكن تحقيق حلم الكثير من الناس في الحصول على ابتسامة جميلة عبر أسنان حسنة المظهر ناصعة البياض. ولإعادة تأهيل المريض بتركيبات وتجميل الأسنان لابد أن تكون هنالك دراسة شاملة للحالة، بحيث نكون على علم بمظهر وعمل الأسنان قبل أن نبدأ عملية العلاج، ولابد أن يكون ذلك واضحاً للمريض قبل البدء بمعالجتها.
وتنقسم تركيبات الأسنان الثابتة إلى التيجان والجسور وتركيبات الزراعة والقشور التجميلية.
للتيجان أنواع عدة: منها التاج الكامل المعدني، وهو واحد من الترميمات السنية ذات القوة العالية المستخدمة للأسنان الخلفية. ومن مساوئ هذا النوع من التيجان أنه غير تجميلي.
وتاج المعدن المغطى بالسيراميك هو أيضاً من الترميمات السنية ذات القوة العالية، ويتكون من معدن ذي لون قاتم مغطى بسماكة كافية من السيراميك قادرة على إخفاء لون المعدن وتوفير النواحي التجميلية والمظهر المنسجم مع الأسنان المجاورة.
تاج السيراميك الكامل
تاج السيراميك الكامل هو التاج الأكثر جمالاً في التعويضات السنية الثابتة، ونظراً لغياب المعدن تحت السيراميك فإنه لا يوجد عائق أمام مرور الضوء من خلال التاج إلى السن المحضرة، ومن ثم يكون تاج السيراميك الكامل أكثر انسجاماً مع الأسنان الطبيعية المجاورة من حيث اللون.
يستخدم هذا النوع من التيجان عندما تكون هنالك متطلبات تجميلية عالية، وعندما تكون الحشوات التجميلية غير قادرة على إخفاء العيوب الناتجة من النخر وتغير اللون. لا يفضل استخدام هذا النوع من التيجان عندما تكون المتانة هي المطلب الأول من التركيب، حيث يفضل استخدام تاج المعدن المغطى بالسيراميك لما يوفره من متانة وقيمة جمالية في آن واحد.
تقسم تيجان السيراميك الكاملة إلى عدة أنواع منها الإنسيرام والإيماكس والزركونيوم والسيراميك. وقد يتكون التاج منفرداً من نوع واحد أو من دمج نوعين منهما.
التاج الجزئي هو تاج يستخدم لتعويض الجزء المفقود من سطح السن، بحيث يتم المحافظة على باقي أجزاء السن من دون الحاجة إلى تحضيرها.
قشرة السيراميك
أما قشرة السيراميك فهي غطاء رقيق مصنوع من مادة السيراميك يثبت في الأسنان الأمامية. تستخدم هذه القشور لإضفاء ناحية جمالية مثالية على الأسنان في حالات التلوث الشديد التي يستعصي معها تبييض الأسنان، وفي حالات تعديل وضعية الأسنان عندما يصعب إجراء تقويم لها، وفي حالات التشوهات الخلقية للأسنان الأمامية الخالية من النخر. لا يستخدم هذا النوع من التركيبات إذا كان معدل النخر عالياً عند المريض وفي الأسنان المتآكلة والمتهدمة.
تتميز قشور السيراميك بالسماح بنفاذ الضوء، وهي بذلك تشبه مثيلاتها من الأسنان الطبيعية عند تعرضها للضوء، وهذا يتيح لها تعزيز الناحية الجمالية والطبيعية للأسنان. وقشور السيراميك هذه لا يتغير لونها ولا تتآكل بمرور الزمن، لكنها تحتاج إلى إزالة جزء بسيط من الطبقة الأمامية الخارجية حتى يتم تثبيتها، وعند فشلها فإنها قد تؤدي إلى مضاعفات للأسنان. وعند استخدام هذه النوعية من التركيبات يجب مراعاة العناية الفائقة بنظافة الأسنان وتجنب استخدامها في قطع الأشياء القاسية والصلبة.
تعتبر المواد المستخدمة في صناعة قشور السيراميك هي نفسها المستخدمة في صناعة تيجان السيراميك الكاملة.
قشرة اللومينيرز
تتميز قشرة اللومينيرز عن مثيلاتها من السيراميك بأنها لا تحتاج إلى تحضير للأسنان في إعطاء المظهر الجمالي، وذلك إذا لم يكن هنالك ميلان أو بروز في الأسنان.
أما الجسور فهي عبارة عن تركيب يستخدم فيه سن بديلة أو أكثر لتعويض الأسنان المفقودة، بحيث تكون مثبتة بالأسنان الجانبية عن طريق التيجان. بهذه الطريقة يعطى المريض أسناناً ثابتة لتعويض الناحية الوظيفية والجمالية للأسنان. من الأمور السلبية في هذا النوع من التركيبات هو الاضطرار إلى حفر الأسنان الجانبية لتثبيت الجسر، وتكون في معظم الأحيان سليمة ولا تحتاج إلى علاج.
زراعة الأسنان
زراعة الأسنان هي عبارة عن وضع عدد من الغرسات من مادة التيتانيوم محددة الطول والعرض تزرع في العظم تحت التخدير الموضعي لتعويض الأسنان المفقودة من الناحية الوظيفية والجمالية. وتتطلب هذه العملية الانتظار مدة معينة حتى يتم التحام الغرسة مع العظم، ثم يتم وضع التركيب – سواء الثابت أو المتحرك – عليها.
يتطلب الأمر وجود عظم كاف من الناحية الكمية والنوعية ليتحمل زراعة الأسنان، وفي حالة عدم وجود كمية كافية من العظم يتم إضافة عظم طبيعي أو صناعي في المكان المراد إضافة غرسة فيه. كما تتطلب زراعة الأسنان أن تكون اللثة والأسنان المحيطة بالغرسة سليمة لمنع حدوث أي مضاعفات.
نظام جديد
أحدث ما توصلت إليه صناعة الأسنان ظهور نظام تكنولوجي يعتمد على صناعة التركيبات عن طريق الحاسوب (CAD/CAM System). يتيح هذا النظام الجديد صناعة التركيبات في مدة قصيرة جداً بدلاً من الانتظار الطويل، كما هي الحال في الطرق التقليدية.
تعتمد هذه التقنية الحديثة علي قياس ثلاثي الأبعاد بالتصوير أو بأشعة الليزر لصورة السن المحضرة، ونقلها إلى ذاكرة الحاسوب، ومنها تظهر على الشاشة حيث يقوم الطبيب المعالج بواسطة برنامج حاسوبي خاص بإضافة بعض التفاصيل لتصميم الشكل المطلوب، ثم يتم اختيار قطعة من مادة السيراميك أو ما يماثلها لوضعها داخل الجهاز, بحيث تتناسب مع جهة التركيب المطلوب ولونه. تعطى الأوامر بعدها من برنامج الحاسوب لجهاز حفر دقيق، لنحصل في النهاية على تركيب يتناسب مع الأبعاد الدقيقة التي تم تصويرها في فم المريض.
تعويضات الوجه والفكين
هي ذلك القسم من تركيبات الأسنان الذي يسهم في بناء الفم والفكين والأنسجة الوجهية المحيطة ببدائل صناعية يتم تثبيتها في مكانها، إما بمواد لصق طبية أو باستعمال الزراعات السنية.
إن سر نجاح تركيبات الأسنان هو تسترها بين الأسنان الطبيعية بحيث لا يمكن تفريقها عن الأسنان المجاورة. فليس المهم صنع أسنان بيضاء، بل المهم ألا يعرفها أحد.
ولابد من المحافظة على تركيبات الأسنان والعناية بها من أجل استمراريتها وتوفير بيئة صحية لمستخدميها، ونخص هنا التركيبات الثابتة التي لا تختلف عن العناية بالأسنان الطبيعية من استخدام لفرشاة الأسنان، والخيط السني dental floss، والزيارة الدورية للطبيب. >