بقلم رشدة رفيق
عندما بدأت جائحة كوفيد-19 لجأ الناس إلى الإنترنت والخدمات المتوفرة عبر الشبكة الرقمية لطلب ما يحتاجون إليه من البقالة والعمل والتعلم عن بُعد وحضور حفلات الزفاف وحتى استشارة الطبيب. لكن، يقول محمد سليم العلويني، أستاذ الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسوب الذي أشرف على دراسات رائدة حققت اكتشافات في تقنيات الشبكات اللاسلكية: “هذه الضرورة الأساسية ما زالت ترفًا لا يمكن تحمل تكلفته بالنسبة إلى نصف سكان العالم على الرغم من توفرها في كثير من الأحيان”. وما يثير استياءه هو أن هذا الخلل يبدو واضحًا وضوح الشمس. وبصفته محفزًا للتغيير، يركز العلويني، جنبًا إلى جنب مع فريقه البحثي في مختبر نظرية الاتصال بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، على إعطاء الأولوية لإيجاد حلول تساعد على جسر “الفجوة الرقمية” الموجودة داخل كل دولة.
من خلال إجراء أبحاث مكثفة لاختبار مجموعة من المفاهيم النظرية والمنهجية والنماذج في الاتصالات اللاسلكية والضوئية ومنخفضة الطاقة المتعلقة بإنترنت الأشياء Internet of Things، تمكن من دراسة الطريقة التي تتسسبب من خلالها شبكات النطاق العريض – 3G أو أعلى – بخلل كبير يحول دون أن تتحول بعض المجتمعات إلى مواطنين رقميين، في حين ارتفع معدل انتشار الإنترنت عالميًا إلى 59.5% مع 4.66 بليون مستخدم نشط.
بالعودة إلى تونس حيث وُلد، لم يكن لدى العلويني بعد المدرسة الثانوية مباشرة أدنى فكرة عن المجال المهني الذي قد يلتحق به. شيئًا فشيئًا ساعدته الخلفيات المهنية لوالديه على الاهتداء إلى ما يرغب به.
خلال نشأته في كنف أبيه المهندس وأمه المعلمة، نما لديه شغف بفن الاتصالات اللاسلكية المنتقلة من نقطة إلى أخرى من خلال الأشكال الثنائية للأصفار والآحاد، مما جعله يدرك لاحقًا أن نظام بيئة الاتصالات يوفر فرصًا كبيرة للبحث العلمي.يقول العلويني: “برعتُ في الرياضيات والفيزياء، ولهذا حصلت على منحتين دراسيتين في كل من المدرسة الوطنية العليا للاتصالات École Nationale Supérieure des Télécommunications وجامعة بيير وماري كوري Université Pierre et Marie Curie، وكلتاهما في فرنسا”. بعدها تابع دراسته لنيل درجة الماجستير في الهندسة الكهربائية من معهد جورجيا للتكنولوجيا Georgia Institute of Technology في الولايات المتحدة حيث حصل على درجة الدكتوراه من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا California Institute of Technology في أواخر تسعينات القرن العشرين. بعد أن استقرت به الحال حاليًا في ثُوَل، وهي قرية صيد نابضة بالحياة تحولت إلى حرم أكاديمي جميل يطل على البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية، يعرب العلويني عن أمله في أن تتوفر تغطية إنترنت شاملة يسهل للجميع الحصول عليها. ولكن توقعاته كصاحب رؤية تصطدم بتحديات خاصة بها.
ففي توقعاته التي طورها في دراسة نشرها عام 2020، على سبيل المثال، تتقدم دول مثل فنلندا والصين وكوريا الجنوبية واليابان بالفعل نحو النشر الكامل لشبكات 6G بحلول عام 2030. ما الذي يجعل إذًا دولًا أخرى غير متصلة بالإنترنت في عصر يشهد الانتشار واسع النطاق للهاتف المحمول؟ يقول العلويني: “إن الأمية وقلة الرغبة في تطوير الاتصال بالشبكة والأجهزة القابلة للارتداء ونماذج الأعمال غير المستقرة والإغلاق السياسي والتصميم الرديء لنقاط توصيل الأجهزة، هي بعض من المشكلات الماثلة أمامنا”.
هناك بالطبع أوجه قصور أخرى في القطاع. ولمعرفته بها، تابع عمله البحثي على الشبكات الفضائية-الجوية-الأرضية المتكاملة ثلاثية الأبعاد وصولًا إلى السماء والفضاء، باستخدام أنظمة طائرات من دون طيار (درونات) متصلة ومركبات جوية غير مأهولة ومركبات جوية تُرسل إلى ارتفاعات عالية وتُسمى أقمارًا شبه اصطناعية Pseudo–satellites وأجيال جديدة من مجموعات الأقمار الاصطناعية.
نجح العلويني في تثبيت قطعة أخرى من الأحجية في مكانها عندما عمل على شبكات لاسلكية عالية السرعة تحت الماء. وعلى الرغم من أنه قادر على تصور تخطيط شبكة 6G متقدمة، فإن العلويني ينصح بتوخي الحذر. ويقول فيما يتعلق بالحفاظ على خصوصية بيانات المستخدم التي لا يمكن تعقبها نظرًا لأنها تتطلب منهجيات خوارزمية وتصنيع أجهزة ذكية: “إن شبكة 6G لا تتطلب نطاقًا تردديًا أكبر لسحب سرعات من 1 تيرابايت في الثانية فحسب، بل يجب أن تركز على الإنسان. … عندها فقط يمكننا تمهيد الطريق للتحضُّر المسؤول عن طريق تحويل النموذج إلى قرى ذكية وخدمة البشرية في المستقبل من دون بنية تحتية مكلفة أو توليد شعور بالإهمال”.
بغض النظر عن هذه النتائج المقترحة متعددة الأهداف، أثبت العلويني بعد أن صار أحد أعضاء هيئة التدريس المؤسسين في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية أنه قوة ثابتة تعمل على تعزيز زيادة المعرفة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وجرى الاستشهاد بأبحاثه في العديد من المقالات وبراءات الاختراع والجوائز.
يقول الحاصل على جائزة الكويت في مجال العلوم التطبيقية لعام 2020 التي تمنحها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي (كيفاس): “يُقاس تحقيق النجاح الحقيقي بنوعية الطلبة الذين يرتقون خلال رحلتهم المهنية من مبتدئين إلى أكاديميين أكفاء يسيرون على نهج واضح للتعلم والاكتشاف كل عام”.