By Reham Alawadhi
تتذكر دارين المُعجل Dareen Almojil أنها كانت ترغب في أن تصير عالمة أحياء بحرية منذ سن الرابعة عشرة. إذ بدأت تفكر في الأمر عندما راح والدها يصطحبها معه في رحلات الصيد في نهاية كل أسبوع تقريباً. بعد أن يرسيا قاربهما قرب الشواطئ الرملية في أم المرادم أو جزيرة قاروه، كانا يسبحان أو يصطادان في المياه اللازوردية.
كان خيالها يسرح بها إلى الأسماك التي تعيش تحت سطح الماء، وإلى ما يحيط بها وما تقتات عليه. وأكثر ما أثار اهتمامها هو أنها تستطيع أن تشعر بالسمكة لكن دون أن تراها. كان بإمكانها فقط أن تشعر بحركة شد في الطرف الآخر من خط الصيد. تلك الطبقة العاكسة من الماء، المتلألئة في ضوء الشمس، كانت تختزن ما يكفي من الألغاز لإثارة فضولها.
عندما نمت تلك الرغبة في إشباع ذاك الفضول إلى حد كبير، ابتكرت أداة على شكل مخروطي في أسفلها قطعة زجاج. كانت تضعها تحت الماء لمراقبة الأسماك، وعندما لم يعد ذلك مُرضياً على نحو كافٍ، بدأت تمارس الغطس السطحي ثم تطور الأمر في النهاية إلى تعلم الغوص.
لقد استحوذ البحر على أحاسيسها وكذلك كل ما يحتويه في تلك السن المبكرة، لذلك ليس من المستغرب أن تصير المُعجل اليوم عالمة أبحاث ما بعد الدكتوراه في علم الإيكولوجيا الجزيئية، مع خلفية في علم الحيوان وعلم الأحياء البحرية.
عندما قررت التقدم بطلب للحصول على منحة لدراسة علم الأحياء البحرية في الولايات المتحدة، كانت البعثة مقصورة على الذكور، لأن منهج الدراسة يتضمن رحلة استكشافية لمدة ستة أشهر في البحر. وكانت قد عقدت العزم على دراسة علم الأحياء البحرية، لذلك رفضت تغيير التخصص للدراسة في الخارج وبدلاً من ذلك بقيت في الكويت لدراسة علم الحيوان وعلوم البحار في جامعة الكويت.
بعد الحصول على شهادتها الجامعية، أرادت تطوير مزيد من المهارات، فقررت عندها متابعة درجة الماجستير في علم الإيكولوجيا الجزيئية في جامعة جيمس كوك James Cook University في أستراليا، حيث أكدت على أهمية وقيمة الخبرة التي تلقتها في العمل الميداني.
عملت طيلة ثلاث سنوات في مشروع حماية السلاحف في الكويت، فاكتسبت بذلك خبرة عن الطبيعة في وطنها. من هناك، انطلقت لمتابعة دراستها للحصول على درجة الدكتوراه في المجال نفسه من جامعة كيمبريدج University of Cambridge بالمملكة المتحدة، وتطور تفكيرها النقدي في أثناء ذلك.
لقد ركز هذا المجال بشكل أكبر على علم الوراثيات Genetics وهي تقول إن ذلك أكسبها مهارات تسمح لها بطرح أسئلة أكثر تنوعاً والمشاركة في مجموعة متنوعة من المجالات.
عن ذلك تقول: “كان هذا هو التحدي الرئيسي بالنسبة لي. … أن أمحوَ كل شيء تعلمته لكي أكون ما أنا عليه – الشكل والقالب الذي وُضعتُ فيه – لأتمكن من طرح الأسئلة بحرية أكبر؛ لأصير عالمة أفضل؛ ولأمتلك فكراً نقدياً”.
ظهرت عقبة أخرى كان على المُعجل مواجهتها أثناء دراستها للدكتوراه عندما كانت تحاول فهم الاحتياجات الأساسية للمحافظة على أسماك القرش في شبه الجزيرة العربية.
تختلف بعض أسماك القرش في المنطقة العربية من حيث الشكل عن الأنواع نفسها في مواقع مختلفة؛ وهذا يعني أن لها هياكل خارجية مختلفة فيما يتعلق بشكل الخطم والعينين ولون الزعانف وموقعها أو شكلها. كما لم يكن هناك مرجع موجود للمقارنة بسبب نقص الموارد والمعلومات في منطقة الخليج.
دفع ذلك المُعجل إلى التعاون مع أحد زملائها، أليك مورAlec Moore، والخبير في هذا المجال، ويليام وايت William White، للبدء بتجميع البيانات والصور وزيارة أماكن تجمع أسماك القرش المختلفة [المناطق التي تُصاد فيها أسماك القرش] لوضع دليل ميداني مصور.
كتبوا ونشروا كتاب أسماك القرش واللخكم في الخليج العربي، وهو كتاب أكدوا أنه سيفهمه الباحثون في المستقبل وكذلك الغواصون أو الأشخاص العاديون ممن لديهم اهتمام بهذا المجال.
أمكن نشر الكتاب بشكل خاص بفضل تبرعات أمضت المُعجل أربع سنوات في جمعها من خلال الترويج للمشروع والتواصل مع المهتمين.
والسبب الذي جعل المُعجل تسعى للمحافظة على أسماك القرش هو أن معدلاتها آخذة في الانخفاض في الخليج وفي العالم. وقد أظهرت بعض الدراسات من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وكذلك دراستها الخاصة التي أجرت خلالها مقابلات مع صيادين في الكويت والبحرين واليمن وسلطنة عُمان، أن معدلات انخفاض هذه الأسماك التي أبلغ عنها الصيادون الأكبر سناً تختلف عن تلك التي تحدث عنها الصيادون الأصغر سناً.
ومن خلال مقارنة إجابات الصيادين الأكبر سناً مع صيادين في منتصف العمر أو من الشباب، وجدت أن النشطاء الشباب الذين يعملون على المحافظة على البيئة والصيادين الشباب لديهم مرجعيات خاطئة عما يمكن أن تكون عليه وفرة أسماك القرش الطبيعية. ونظراً لأننا لم نعش في وقت كانت فيه أسماك القرش وفيرة، فإن مرجعنا لما هو وفير غير صحيح ومستنفد بالفعل.
وتقول: “لهذا السبب من المهم مقابلة الصيادين الأكبر سناً ووضع تقدير كمي لمرجعياتهم (…) حتى يتسنى لنا معرفة ما سيكون خط الأساس الذي يجب أن نستهدفه للمحافظة على وفرة صحيحة من أسماك القرش”.
تقول المُعجل إن مصائد أسماك القرش لها تاريخ طويل – سواء في المنطقة أو على مستوى العالم – ولكن في ثمانينات القرن الماضي، ونظراً للازدهار الذي حققه الاقتصاد الصيني، فإن تزايد الثروة في يد أفراد الطبقة الوسطى عنى أنه صار بوسع مزيد من الناس وبصورة مفاجئة شراء زعانف سمك القرش لإعداد حساء زعانف القرش، وهو طبق فاخر في الصين.
وتضيف قائلة: “نظراً إلى أنه لا يوجد الكثير من اللوائح المنظمة وضعف إنفاذها في مصايد الأسماك في الشرق الأوسط، فإن ذلك يجعلها أحد المحاور المهمة لتزويد السوق الدولية”.
وهناك سبب آخر جعل مناطق صيد أسماك القرش مسألة أكثر إلحاحاً وهو تحسُّن الأدوات والمرافق التي تستخدمها مصائد الأسماك.
وتقول دارين: “في الماضي كانوا أكثر اعتماداً على القوارب الشراعية وأدوات الصيد البدائية. … أما اليوم فلديهم قوارب آلية وقوارب للصيد التجاري بالخيوط الطويلة، ومن ثم زاد ضغط الصيد أيضاً”.
لضمان حماية صغارها وتغذيتها بشكل جيد في السنة الأولى من حياتها، تبحث إناث أسماك القرش عن أماكن حضانة آمنة تلد فيها. وعادة ما تكون هذه المواقع قريبة من المناطق الساحلية، وهي مناطق غالباً ما تلجأ البلدان إلى تدميرها للبناء عليها؛ وهذا يعني أن أسماك القرش لا تجد شواطئ محمية لصغارها.
كما تميل الإناث إلى العودة إلى مناطق ولادتها نفسها لتلد فيها، وهذا يعني في بعض الأحيان أن أنثى القرش لا تعثر في النهاية على موقع للولادة نظراً لبناء منشآت فيه. هنا ترتبك إناث القرش وتلد في منطقة خاطئة، مما قد يؤدي إلى نفوق الجراء.
يضاف إلى هذا تزايد عدد الصيادين. ففي الماضي، كان يقتصر الأمر على الصيادين الذين يأتون من عائلة امتهنت الصيد تقليدياً. هؤلاء، وفقاً لدارين، هم صيادون حقيقيون ويفهمون البيئة البحرية جيداً لأن الصيد مورد يعتمدون عليه لكسب العيش. ومن ثم، فمن مصلحتهم المشاركة في جهود المحافظة على الثروة السمكية، وهذا هو السبب في أنهم يلجأون إلى أوقات الراحة من الصيد، وإلى الالتزام بمنع الصيد في بعض المواسم، وإلى تغيير موارد الصيد.
أما الفئة الجديدة من الصيادين فهم غير متفرغين. هؤلاء هم صيادون لديهم وظيفة يومية، يصطادون فقط في أوقات فراغهم، أو حتى يوظفون وافدين للقيام بذلك نيابة عنهم. بالنسبة إليهم، تقول دارين، إنه نشاط آني أكثر من كونه مورداً طويل الأجل، وهذا يؤدي إلى عدم وجود الرغبة لديهم في المحافظة على الموارد أو حمايتها أو اتباع الممارسات المستدامة. بالنسبة إليهم، إذا كانت المخزونات البحرية آخذة في الانخفاض، فعليهم أن يغتنموا فرصتهم الآن ويصطادوها قبل زوالها.
ولاحظت المُعجل أيضا أن الصيادين التقليديين كانوا أكثر صدقاً خلال المقابلات التي أجرتها في إطار بحثها، إذ ذكروا أن مخزون الصيد آخذ في التراجع وحددوا مقدار ذلك وفق تقديرهم.
أما “الوافدون فكانوا يخفون هذه المعلومات ويقولون إن كل شيء على ما يرام، لم يتغير شيء؛ مخزون الصيد مزدهر بالفعل”، وفق دارين. وفي رأيها فإن “أحد الأسباب التي تجعلهم يقولون هذا هو أنهم لا يريدون أن تضع السلطات أي لوائح جديدة من شأنها أن تحد من كمية صيدهم”.
لدى الكويت بعض القوانين الصادرة منذ الثمانينات القرن العشرين، ولكنن تقول المُعجل إنها، عندما بدأت في فهم المنطق الكامن وراءها، وجدت أنها لم تستند إلى دراسات أو احتياجات المحافظة على البيئة؛ بل قائمة على على طلب السوق.
وتقول المُعجل إن الكويت طبقت الآن قوانين جديدة تحظر صيد أسماك القرش، ولكن بسبب ضعف التنفيذ الفعال ونقاط التفتيش، ما زال هناك بعض الصيادين الذين يصيدون أسماك القرش ويبيعونها في السوق السوداء.
إضافة إلى عملها حالياً كباحثة ما بعد الدكتوراه في جامعة نيويورك في أبو ظبي New York University in Abu Dhabi، في الإمارات العربية المتحدة، أسست المُعجل “المثلث” Muthalath، وهي منصة علمية مستقلة تساهم في تقدم العلوم والأبحاث في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
عندما عادت المُعجل إلى الكويت لأول مرة شعرت بالعزلة الشديدة ولم تكن مُدركة لما يحدث في المجالات العلمية في المنطقة. دفعها ذلك إلى إنشاء منصة المثلث حيث يمكن للناس عرض معلومات حول الفعاليات الجارية في المجالات العلمية والأبحاث والمؤتمرات والمناقشات وفرص العمل.
وتقول: “أعتقد أن لدينا مشكلة في المنطقة حيث لا يوجد العديد من الروابط التعاونية بين المؤسسات المختلفة ولا يوجد الكثير من تبادل المعرفة. … إذا كنا نرغب في تطوير العلم، أعتقد أننا بحاجة حقاً إلى جعله متاحاً”.
إن قدرتها على الوصول إلى الأحواض البحرية في الكويت عنى بالنسبة للمُعجل أن تتفقد على الدوام حيوانات البحر بما فيها من النو وبخاخات البحر، أو ما تسميه “كائنات البيئة البحرية الغريبة” – التي تغطي عوامات المحيط.
عن ذلك تقول “عندما تكونين طفلة، تتعرفين على الحيوانات الأرضية وهكذا تعرفين أكثر عن الزرافة والأسد والحشرات. … لكن الحياة البحرية تحت الماء؛ إنه بمثابة عالم مختلف. هناك العديد من المخلوقات ذات الأشكال الغريبة والسلوك الغريب والكثير من العجائب المذهلة”.