د. وجدي سواحل
تؤكد الوثيقة الدولية للتعليم العالي للقرن الحادي والعشرين أن عملية «تطوير المهارات الريادية يجب أن تصبح من الاهتمامات الرئيسية للتعليم العالي، من أجل تسهيل توظيف خريجي الجامعات الذين يجب ألا يقوموا بدور الباحثين عن عمل فحسب، بل أيضاً، وقبل كل شيء، يجب أن يكونوا ذاتيي التوظيف».
وتتناول هذه المقالة مفهوم الجامعة الريادية Entrepreneurial University وأهميتها في بناء اقتصاد المعرفة ومكافحة الفقر والبطالة، من خلال تحويل دور الجامعة من التركيز على التوظيف إلى التركيز على مبدأ خلق فرص العمل، والشراكة الحقيقية مع أصحاب المصلحة، من القطاعات العامة والخاصة والخريجين، ونقل التقنية والمعرفة، والتعليم القائم على الإبداع والابتكار، والقيادة القادرة على توفير الإمكانات المادية والمعنوية لرواد الأعمال. كما تتناول وضع التعليم الريادي في الوطن العربي والخطوات التي يجب اتباعها لتفعيل التعليم الريادي في المدارس والجامعات ومؤسسات التعليم العالي.
أنماط التعليم العالي
الجامعة التقليدية التعليمية: هي منظمة أو هيئة تعليمية تتمحور رسالتها حول الاهتمام بالتدريس والجودة التعليمية، من خلال برامج تعليمية ومقررات دراسية محددة، وما تمنحه من درجات علمية لتخريج طلبة يمكنهم العمل في مؤسسات الدولة.
وتندرج معظم الجامعات العربية تحت مظلة الجامعات التقليدية التعليمية التي يمكن أن تكون جامعات عامة أو متخصصة، مثل جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية أو جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن للبنات.
الجامعة البحثية: هي هيئة علمية وتقنية تهتم بالاستكشاف والابتكار، كأسلوب للتدريس وتطوير التعليم، وتركز على برامج البحوث المكثفة والشمولية في كثير من المجالات الأكاديمية والمهنية والبحوث الأساسية والأكاديمية. وتهتم بالجودة البحثية من خلال منح درجات الماجستير والدكتوراه.
وتعتبر جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية هي الجامعة البحثية الوحيدة في الوطن العربي. وتسعى بعض الجامعات العربية للتحول إلى جامعات بحثية؛ مثل جامعة العلوم والتكنولوجيا في الأردن وجامعة الملك سعود بالسعودية.
جامعة ريادة الأعمال: هي منظمة تنموية معنية بالشراكة بين الجامعة والصناعة والحكومة لبناء القدرات التنموية والاقتصادية للدولة، من خلال إنتاج خريج ذاتي التوظيف. والجامعة الريادية كغيرها من الجامعات التعليمية والبحثية تهتم بتقديم مستوى تعليمي وبحثي جيد، لكنها تركز على الممارسة العملية للإنتاج خلال العملية التعليمية والبحثية. كما أنها تهتم بالشراكات الجامعية لتحويل منجزات الأبحاث العلمية والتقنية التي حققتها الجامعة إلى ثمار نافعة من خلال تحويلها إلى مشروعات إنتاجية.
جامعات تكاملية
إن الجامعات الريادية نموذج إبداعي للتكامل بين الجامعة والحكومة والصناعة، ولكي تصبح قادرة على تلبية حاجات السوق من الكفاءات العلمية المختلفة، ونقل المعرفة من مرحلة المعرفة العلمية البحتة إلى مرحلة الإنتاج وخدمة المجتمع، فإنها تستند إلى نموذج التجديد الثلاثي الحلزون Triple Helix. وهو نموذج تجديد لولبي يشتمل على عدة علاقات متبادلة بين الجامعات والصناعة والحكومات في مراحل مختلفة من عملية إنتاج ونقل التكنولوجيا والمعرفة، وذلك لتحفيز عملية الإبداع والتطوير، وهي عملية تراكمية تنشأ من خلال أفكار ومشروعات صغيرة ومتوسطة، إلى أن تصل إلى مشروعات ومؤسسات كبرى قادرة على تأصيل المعرفة في المجتمع.
ويوجد في الوطن العربي نحو 600 جامعة ومعهد تعليم عال ونحو 550 مركزا بحثيا مستقلا أو مرتبطا بالجامعة، ولا يوجد ضمن هذه الجامعات ما يمكن تصنيفه على أنه جامعة ريادة أعمال بالتعريف الدقيق للمصطلح.
لكن في الآونة الأخيرة، قامت بعض الجامعات في الدول العربية – مثل الكويت ومصر ولبنان والسعودية والإمارات والمغرب – بإنشاء مراكز ريادة أعمال من أجل دفع مسيرة العمل الإبداعي، والابتكار والتشجيع والاحتضان، وتقديم الاستشارات العلمية والبحثية والتطويرية، ونشر الوعي بأهمية العمل الحر من خلال برامج محددة. وكذلك استثمار الموارد البشرية المؤهلة والمتخصصة والإمكانات والقدرات المعرفية المتوافرة بالجامعة وتسخيرها لخدمة المجتمع بشكل عام، والقطاع العام وقطاع الأعمال بشكل خاص.
وتساهم هذه المراكز الريادية في تثقيف وتحفيز الطلاب وأفراد المجتمع على اتخاذ المبادرات لخلق أفكار ناجحة قائمة على الابتكار، والاهتمام بالتطوير وتعميق حركة البحث العلمي وربطها بحاجات المجتمع.
وتقدم تلك الجامعات الدعم الفني والتسهيلات الممكنة للمشروعات المقدمة وتوجه الرواد للحصول على التمويل والتراخيص اللازمة، ومنح الطلبة وغيرهم من المتقدمين بالمشروعات فرصة لقاء رجال الأعمال لتسريع تطبيق مشروعاتهم.
وحديثاً قامت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم في الإمارات بإنشاء شبكة حاضنات الأعمال العربية، وذلك من أجل تطوير ودعم حاضنات الأعمال في الوطن العربي، عن طريق دعم تنمية مهارات روّاد الأعمال، وتعزيز تبادلهم للمعرفة والتعليم حول الموضوعات ذات الصلة، ومد جسور العلاقة بين رواد الأعمال والأطراف الممولة في المنطقة، لإثراء فرص العمل في الوطن العربي. كما تعمل على إنشاء مراكز حاضنات أعمال جديدة في الجامعات وإنشاء المراكز البحثية المختصة في ريادة الأعمال في الوطن العربي.
و الجدير بالذكر أن المؤشر العالمي لريادة الأعمال الصادر في 28 يناير 2015 بواسطة المعهد العالمي لريادة الأعمال والتنمية في واشنطن بأمريكا، أشار إلى أن دولة الإمارات هي الأفضل عربياً في مؤشر ريادة الأعمال ومؤسسات التنمية لعام 2015، تلتها قطر والسعودية والكويت، في حين كانت مصر والمغرب في المراتب الأخيرة.
وبالنسبة إلى أفضل عشر دول في ريادة الأعمال في العالم، فقد أوضح التقرير أن هذه الدول هي أمريكا وكندا وأستراليا وبريطانيا والسويد والدنمارك وآيسلندا وتايوان وسويسرا وسنغافورة.