تقنيات الاستشعار عن بعد تتنبأ بالعواصف الترابية وتراقـب تغـير المنـاخ
اختصاصية الفيزياء هالة الجسار تتحدث عن عملها مع الوكالة ناسا لمعايرة قياسات رطوبة التربة في الصحراء الكويتية المرصودة من الفضاء والتحقق منها
رطوبة التربة هي عامل رئيسي يؤخذ بعين الاعتبار عند استكشاف وتوقع استجابة الأرض للتغيرات البيئية. في هذا السياق، قالت الدكتورة هالة خالد الجسار، الأستاذة المساعدة في قسم الفيزياء بجامعة الكويت ومسؤولة فريق أبحاث الفضاء وفيزياء المناخ: “إن نسبة المياه في عينة من التربة هي مؤشر مهم إلى مدى تأثير زيادة غازات الدفيئة في المناخ”.
معرفة التغيرات في رطوبة التربة تسمح للعلماء برصد الطقس بدقة أكبر، والتنبؤ بمكان وتوقيت حدوث الأمطار الغزيرة أو العواصف الرملية.
في المناطق القاحلة، يعني النقص في رطوبة التربة أن التربة صارت مفككة مما يسهِّل على الرياح التقاطها ورفعها ويتسبب بعواصف الغبار. وتُخلف هذه العواصف القوية آثاراً اجتماعية واقتصادية شديدة. فهي تؤثر سلباً في الزراعة والصناعة والمياه وجودة الهواء وصحة الإنسان. ويُعرف أن مادة السيليكا، على سبيل المثال، التي تشكل نحو %60 من غبار الصحراء الذي تذروه الرياح، تسبب التهاب الرئة المزمن وسرطان الرئة وعدداً من أمراض المناعة الذاتية.
قالت الجسار: “إن رطوبة التربة هي أيضا العامل البيئي الرئيسي الذي يقيِّد نمو النبات؛ إن رصد ورسم التغييرات في رطوبة التربة في الصحارى مهم جداً لتقدير انبعاث الغبار وإدارة أنظمة الري بشكل أفضل ومكافحة تدهور التربة”.
تُستخدم الأقمار الاصطناعية المزودة بأجهزة استشعار تعمل بالموجات المَيكروية Microwave sensors لمراقبة رطوبة التربة على الأرض. وتتيح البيانات المستخلصة للعلماء إنشاء نماذج لدعم الزراعة وإدارة المخاطر المتصلة بتغير المناخ، بما في ذلك العواصف الرملية.
إن ارتفاع درجات الحرارة العالمية يزيد من تواتر حدوث العواصف الترابية وكثافتها. أما الذيـــن يعيشــون في مناطـــق لا يمكــن تجنــب العواصف الترابية فيها، فإن الاستعداد لذلك هو أفضل طريقة لتجنب الخسارة المادية والحفاظ على الصحة. إن توقع العواصف الترابية يحسِّن قدرة الناس على الاستعداد لمواجهتها واتخاذ تدابير مثل البقاء في المنازل أو أمكنة العمل، وارتداء أقنعة الوجه الواقية، وتغطية الممتلكات والمعدات.
وقالت الجسار: “إن هدفنا هو استخلاص قياسات رطوبة تربة دقيقة من الأقمار الاصطناعية من أجل تطوير نمذجات حاسوبية تعتمد على الفيزياء والرياضيات، وتساعدنا على توقع العواصف الترابية في الكويت”.
مستويات الرطوبة قبل العاصفة
هناك بعثتان فضائيتان مخصصتان لقياس رطوبة التربة: بعثة مستشعر رطوبة التربة وملوحة المحيط Soil Moisture Ocean Salinity sensor (اختصارا: البعثة SMOS) التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية European Space Agency (اختصارا: الوكالة إيسا ESA)، والأخرى Soil Moisture Active Passive (اختصارا: البعثة SMAP) التابعة للإدارة الأمريكية للملاحة الجوية والفضاء National Aeronautics and Space Administration (اختصارا: الوكالة ناسا NASA). يلتقط المستشــعران انبـــعاثات الموجـــات المَيكرويــة Microwave emissions من سطح الأرض ويستخدمان الخوارزميات لتحويل قياسات الأقمار الاصطناعية للموجات المَيكروية إلى تقديرات لرطوبة التربة.
عمومًا، تعتبر قياسات الموجات المَيكروية المرتبطة بنطاقات التردد Lا(1 – 2 غيغاهرتز) وCا(4 – 8 غيغاهرتز) وXا(8 – 12 غيغاهرتز) حساســة لثابــت العـــزل الكهربـــائي للتربــة Dielectric constant of soil، وهي خاصية كهربائية تعتمد إلى حد كبير على محتوى الرطوبة. ويمكن للترددات المنخفضة قياس رطوبة التربة عند أعماق أكبر. ويمكن لمستشعرات النطاق L الموجودة حالياً على البعثتين SMOS وSMAP التقاط رطوبة التربة حتى عمق خمسة سنتيمترات.
ومع ذلك، فإن وجود النباتات والغلاف الجوي يخفضان قياسات الموجات المَيكروية التي تهدف إلى قياس رطوبة التربة. وتعزل خوارزميات الاسترجاع Retrieval algorithms هذه الآثار المخفِّفة من قياسات القمر الاصطناعي لتقدير الإشارة المرتبطة حصرياً برطوبة التربة.
بدأت الجسار العمل مع الوكالة ناسا قبل إطلاق القمر SMAP لمعايرة قياسات رطوبة التربة في صحراء الكويت والتحقق منها. ويقوم فريقها بجمع قياسات رطوبة التربة الأرضية وتكييف خوارزميات الاسترجاع مع خصائص صحراء الكويت للتحقق من تقديرات القمر الاصطناعي.
عن ذلك قالت الجسار: “إن العمل الميداني المكثف المطلوب للتحقق من صحة الاستشعار عن بعد ربما يمثل تحدياً”. ويجري عادة التحقق من صحة بيانات رطوبة التربة عبر مقارنتها بالقياسات الميدانية في الموقع. وبينما تعد القياسات الميدانية هي الطريقة الأكثر دقة لقياس رطوبة التربة عند نقطة معينة، فربما لا تمثــل المسـاحات الشاســعة مقارنـة بالرقعــة الأخطاء الناتجة عن اسقاط قياسات النقاط على عموم المنطقة التي يغطيها القمر الاصطناعي، ويجدر احتساب متوسط قياسات رطوبة التربة منعدة محطات، أو استيفاء تلك القياسات ميدانيا. يجدر احتساب متوسط قياسـات رطوبةـ التربـة مـن عـدة محطات،
أو استيفاء تلك القياسات.
قارن مشروع SMAP التابع للوكالة ناسا بيانات رطوبة التربة التي التقطها القمر الاصطناعي في صحراء الكويت بالبيانات الواردة من ست محطات أرضية دائمة وتلك المستقاة من الموقع الاختباري في الصحراء. كما قورنت مجموعة بيانات رطوبة التربة التي التقطها القمر SMAP بقياسات رطوبة التربة التي التقطها مستشعر القمر SMOS.
أخبرتنا الجسار عن الكيفية التي أجرى بها فريق SMAP العلمي الكويتي نحو 78 رحلة ميدانية لجمع عينات من موقع اختبار SMAP في الصحراء المفتوحة الواقعة إلى الغرب من مدينة الكويت. وقالت: “وجدنا انحرافا موجبا في المحطة يبلغ 0.034 م3 وصححناه في قراءات جهاز الاستشعار”. كان هذا الانحراف مشابهاً لما حصل عليه الباحثون عند مقارنة بيانات رطوبة التربة التي قاسها القمر SMOS في صحراء الكويت بقياسات المحطة.
أظهرت البيانات التي جُمعت خلال حملتين ميدانيتين في عام 2016 أن اختلافات رطوبة التربة كانت متسقة عبر موقع اختبار SMAP، وأن القياسات المَيكروية التي التقطها القمر الاصطناعي عكست هذا الاتساق في المكان والزمن.
واستكشفت الجسار وزملاؤها أداء نمذجة خلــط العــازل الكهربــائي Dielectric mixing model، يجمع بين الخصائص العازلة للتربة مع مراعاة خصائصها الفيزيائية مثل درجة حرارتها وملمسها، في صحراء الكويت. ووصف الفريق في ورقـة بحثيةـ نشـرت في عـام 2019 كيف أن نطاقات التردد L هي الأكثر حساسية لرطوبة التربة في التربة المكشوفة .
وتواصل الجسار وفريقها أبحاثهم حول درجة حرارة التربة وعمق رطوبة عينة التربة لانبعاثات الموجات المَيكروية عند ترددات مختلفة، مع مراعاة خشونة التضاريس والتصحيحات الجوية. كما يخططون لربط الانخفاضات المرصودة عن بعد في رطوبة التربة بانبعاث الغبار ومشكلات الإنسان الصحية في الكويت والشرق الأوسط.
ورأت الجسار أن إعداد نمذجات الطقس والمناخ القائمة على البيانات الجيوفيزيائية التي تُجمع من الأقمار الاصطناعية يخدم غرضاً أكبر. وقالت: “يمثل تغير المناخ مشكلة كبيرة وله عواقب مباشرة وغير مباشرة على كوكبنا الحي. … من خلال العلوم الفيزيائية، يمكننا فهم نظام الأرض المعقد والعمل على إيجاد حلول”.