بقلم ياسمينة الملا
في عصر يزداد فيه الإقبال على اتباع نظم غذائية صحية وتناول الأغذية العضوية، يشكل تناول نسب عالية من الملح تهديدًا حقيقيًا لنوعية الحياة ونمط العيش وطول العمر.
تحث منظمة الصحة العالمية، على سبيل المثال، على التقليل من تناول الصوديوم لتخفيف ضغط الدم وخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكتة الدماغية وأمراض القلب التاجية لدى البالغين. وهي تنصح بتناول نحو خمسة غرامات من الملح يوميًا، أي ما يعادل أقل بقليل من ملعقة صغيرة.
في الكويت، يبلغ متوسط تناول الصوديوم أكثر من ضعف الكمية الموصى بها، وذلك وفقا للدكتورة نوال الحمد، نائب المدير العام لشؤون تغذية المجتمع في الهيئة العامة للغذاء والتغذية.
منذ عام 2018، تعمل د. الحمد وفريقها على مشروع بحثي تموله مؤسسة الكويت للتقدم العلمي (كيفاس) للحصول على بيانات أساسية حول كمية الملح التي يستهلكها الكويتيون. وعلى الرغم من أن الدراسة ما زالت جارية، فقد أظهرت تقديرات من أبحاث مختارة أن الكويتيين الذين تتراوح أعمارهم بين 21 و 65 عامًا يستهلكون من 10 إلى 14 غرامًا من الملح.
هذا المشروع هو جهد تعاوني؛ إذ بادر مسؤولا المشروع د. الحمد ود. جوزيف لونغنيكر، من كلية الصحة العامة في كلية الطب بجامعة الكويت، بضم جهودهما إلى جهود وزارة الصحة التي وافقت على استخدام مرافق الرعاية الصحية الأولية لإجراء مقابلات مع الأشخاص المختارين للبحث وسحب الدم في مرافق المختبر، ومعهد دسمان للسكري -أحد المراكز التابعة لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي- حيث تُحلَّل عينات الدم والبول وتُجمع وتُخزَّن لأهداف بحثية في المستقبل.
تتمثل أهداف المشروع البحثي في تقدير كمية الملح التي يستهلكها الكويتيون الراشدون، من أجل وضع حلول فعالة وواقعية لتقليل استهلاكه وزيادة الوعي بالمخاطر الصحية للاستهلاك المرتفع له؛ لثبوت ارتباطه بارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية مثل النوبات القلبية والسكتات الدماغية.
تبلغ نسبة ارتفاع ضغط الدم بين الكويتيين البالغين 25 في المئة، وهي نسبة عالية نسبياً بحسب د. الحمد التي قالت: “عندما تطلب إلى الأشخاص التوقف عن تناول الملح، فإنك تنقذ حياتهم لأن ارتفاع ضغط الدم مرتبط بزيادة معدلات الاعتلال والوفاة”.
ينجم ارتفاع ضغط الدم لدى بعض الأشخاص عن أسباب جينية، لكنه قد يظهر لدى بعضهم الآخر نتيجة اتباع نمط حياة غير صحي، وهو يشير في كثير من الأحيان إلى اتباع عادات أكل غير صحية وقلة الحركة الجسدية أو انعدامها.
غالبًا ما يُشار إلى ارتفاع ضغط الدم باسم “القاتل الصامت” لأنه ربما لا تظهر له أعراض، ومن ثم ربما يجهل المرء أنه يعاني ارتفاعَ ضغط الدم، ومن هنا ربما يشكل الاستمرار في استهلاك نسب عالية من الملح خطرًا كبيرًا على حياته. عدا ذلك، كما أوضحت د. الحمد، فإن ضغط الدم طويل الأمد الذي يُترك من دون علاج ربما يؤثر في الكلى.
كرست د. الحمد حياتها المهنية لتقليل تناول الملح بين سكان الكويت، لذا طلبت الموافقة على تشكيل لجنة للحد من تناول الملح في الكويت أثناء عملها في وزارة الصحة. وحصلت على الموافقة على ذلك في عام 2011 ووُضعت لها خطة عمل.
عملت د. الحمد مع شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية لتقليل كمية الملح في الخبز الذي تنتجه. وفي غضون عامين، أمكن تقليل كمية الملح في الخبز سواء المصنوع من القمح الكامل أو القمح الأبيض بنسبة 20 %. وأشارت إلى أن الكويت كانت أول دولة في منطقة شرق المتوسط تحقق هذا الإنجاز.
لقد أمكن تحقيق ذلك عن طريق تقليل الملح على مراحل، بنسبة 10 % في كل مرة، حتى لا يلاحظ المستهلكون التغير في المذاق.
عن ذلك قالت: “عليك تقليل الملح ببطء، حتى يعتاد الناس على مذاق الطعام من دون ملح. لا تكمن المسألة في إيجاد بديل، فنحن نريدهم أن يعتادوا على تناول كميات أقل من الملح. لقد فعلنا ذلك بتكتم لأنه بمجرد التحدث عن الأمر، سيبدأ الناس بمعارضة الفكرة حتى قبل أن يجربوها”. ومن ثمَّ، لم يُعلن عن خفض الملح حتى عام 2015.
حاولت الحمد تطبيق الطريقة نفسها التي اتبعتها مع شركة المطاحن والمخابز الكويتية مع شركات الألبان، لكنها لم تكن مجدية “لأن تقليل الملح في الجبن يحتاج إلى تشريع”، كما أوضحت.
كان هدف الباحثين الآخر هو الوجبات الخفيفة لأن الأطفال يستهلكون الكثير منها في الكويت. وهكذا تواصلوا مع الشركات المحلية في الكويت التي تنتج رقائق البطاطس والذرة. وفي غضون ستة أشهر، أمكن تقليل محتوى الملح في العديد من منتجاتها بنسبة تتراوح من 20 إلى%80.
لتشجيع مزيد من الشركات على تقليل محتوى الملح أيضًا، تعاونوا مع وزارة التربية وأعطوا الأولوية لمنتجات الشركات التي خُفض محتوى الملح فيها لبيعها في مقاصف المدارس.
لم تعتمد الكويت بعدُ أي شكل من أشكال التشريعات التي تركز على تقليل الصوديوم في الأطعمة المعبأة أو المصنعة، ومن ثم فإن بحث د. الحمد تجريبي إذ يهدف إلى جمع بيانات مهمة يمكن استخدامها للإرشاد والتوجيه.
وبينما يجري العمل مع الشركات لتقليل كمية الملح في منتجاتها على أساس طوعي، فإن إقناع المشرِّعين بتمرير مشاريع قوانين تطالب باتباع سياسات إلزامية لتقليل الملح في جميع المنتجات أمر مهم جدا. قالت د. الحمد: “لا نريد فقط أن يقلل الناس من كمية الملح، لكن نريدهم أيضًا أن يتخذوا القرار الصحيح ويختاروا الأطعمة الأفضل لهم. … الكمية مهمة وكذلك الجودة”.
طُرحت مسألة زيادة تناول الصوديوم منذ عقود عدة، ولكن في السنوات الأخيرة سلّط العديد من الأطباء واختصاصيي الصحة الضوء عليها بهدف حل هذه المشكلة القديمة.
ويعد بحث د. الحمد جزءًا لا يتجزأ من هذه المساعي، لأنه بمثابة دليل لأصحاب المصلحة المعنيين والمشرِّعين والناس عمومًا للعمل على اتخاذ خطوات مناسبة لتقليل استهلاك الملح وتبني أسلوب حياة أكثر مراعاة لصحة الجسم.
ويعمل الباحثون حاليًا على وضع حد أعلى – أعلى كمية ممكنة – من الملح في النقانق واللحوم المحفوظة الباردة (لانشون). وقد أمهلوا الشركات حتى يناير من العام المقبل لتقليل كمية الملح إلى ما دون الحد الأقصى.
قالت د. الحمد: “نعطيهم ما لا يقل عن ثمانية إلى اثني عشر شهرًا. علينا أن نمنحهم الوقت لأن لديهم العديد من المنتجات التي ما زالت في المخازن”.