Doctor Muhammad Abdul qadir Alfiki
كاتب متخصص في تاريخ العلوم
إذا قلنا إن مسيرة الحضارة الإنسانية عبر التاريخ هي عينها مسيرة التطور في وسائل النقل، فإننا لا نجافي الحقيقة. فعلى مر العصور، قامت الحضارات على عاتق وسائل النقل، وكلما حدث تطور في هذه الوسائل ازدهرت حضارة جديدة، وانهارت حضارة قديمة. ولما كان من الصعوبة بمكان تتبع جوانب التطور الحضاري للبشرية منذ ظهور الإنسان على الأرض، فإن الأمر أكثر مشقة إذا حاولنا الإلمام بكل أبعاد التطور في وسائل النقل والمواصلات قديما وحديثا. لذا، سنكتفي بتركيز الأضواء على أهم المحطات التي شهدت انطلاقات مؤثرة في تاريخ النقل.
وسائل النقل قديمًا
كان تطور النقل خلال مراحل التاريخ بطيئًا جدًّا؛ إذ كان الناس يحملون بضائعهم على رؤوسهم أو ظهورهم أو يجرونها على الأرض. ولم يكن لدى أسلافنا أي وسيلة للانتقال سوى الأقدام. ومع ذلك، فإنهم استغلّوا عناصر الطبيعة التي تُساعدهم على التنقّل والحركة. وثمة إشارات أركيولوجية تدل على أنّ سكّان أستراليا تمكّنوا من التنقُّل عبر البحر قبل ما بين 60 إلى 40 ألف عام باستخدام مُجسّمات خشبية بسيطة تطفو فوق الماء. وفي العالم القديم، استخدم الإنسان الزوارق في النقل.
وأظهرت بحوث أثريّة أن زورق (بيس)، الذي عُثِر عليه في إحدى قرى هولندا عام 1955، يُعَدُّ أقدم قارب وصل إلينا. وأظهرت عملية التأريخ بالكربون المشع للزورق أنه شُيِّد بين عامي 8040 ق.م. و7510 ق.م. وهو يتكون من جذع من الصنوبر الاسكتلندي، واستُخدِم حجر الصوّان وعاج الفيل في تجهيزه. وبعد ذلك، استخدم البشر المجداف في توجيه الزورق، واستعمل لذلك لحاء الشجر ثم الخشب ثم مواد أخرى.وبعد العصر الجليدي الأخير، أي نحو عام 6000 ق.م، لجأ ساكنو المناطق الجليدية إلى ابتكار الزلاجات كوسيلة للبحث عن الطعام والتنقل. وتشير الكتب المقدسة إلى أن نبي الله نوحا عليه السلام أنشأ سفينة كبيرة نقل فيها أتباعه وزوجين من كل الأحياء للنجاة من الطوفان، وكان ذلك قبل أكثر من 5000 عام.
ومع كر الأعوام، تعلّمَ أجدادنا الكيفية التي يستخدمون بها الحيوانات لنقل الأحمال والبضائع. وربما تم تدجين الحمير والخيول بين عامي 5000 ق.م. و 3000 ق.م. ثم دُجِّنت الإبل خلال الفترة الواقعة بين عامي 3000 و 2000 ق.م. وفي مصر القديمة كان الحمار هو وسيلة النقل الرئيسية؛ لأنه يتسم بقدرته على التحمل والصبر. كما استخدم المصريون القدماء الثيران في نقل الأحجار الثقيلة من المحاجر إلى أماكن بناء المعابد، واستخدموها أيضًا في جر عربات دفن الموتى.
اختراع العجلة
لاحظ بعض البشر قديمًا أن جذوع الأشجار عند استخدامها كبكرات تساعد على تحريك الأحمال الثقيلة. وربما تكون هذه الملاحظة هي التي قادت إلى اختراع العجلة. وفي أواخر العصر الحجري الحديث، صنع السومريون في بلاد الرافدين أول مركبة ذات عجلات. وكان ذلك أول نقلة نوعية في وسائل النقل. وقد استعمل البابليون العربات ذات العجلات الأربع عام 3000 ق.م.، إذ تم اكتشاف أول دولاب للعربة في العالم بمحافظة دير الزور السورية في موقع (ماري – تل الحريري). ونحو عام 3100 ق.م.، اخترع قدماء المصريين القارب الشراعي، وصنعوه من حزم من قصب البردي ربطوا بعضها ببعض. ونحو عام 2700 ق.م.
بدأوا باستخدام السفن الخشبية للتجارة عن طريق البحر. وعقب ذلك، انتشرت صناعة السفن ذات القلاع العظيمة والمجاديف بمصر. وقد نقل المصريون القدماء على هذه السفن المسلات العملاقة، والتماثيل الضخمة، وكتل الغرانيت الضخمة التي استخدمت في بناء الأهرام. وقد عُرِف أول أسطول بحري في التاريخ في عهد (سنفرو) أول ملوك الأسرة الفرعونية الرابعة (2500 ق.م.)؛ إذ يخبرنا (حجر بالرمو) أنه في عهد هذا الملك عادت من سورية أربعين سفينة محمّلة بخشب الأرز، وأن هذا الملك بنى سفنا بلغ طولها مئة ذراع (نحو 170 قدمًا).
وبحلول القرن الحادي عشر ق.م. تقريبًا، شرع سكان الصين في إنشاء شبكة للطرق البرية الترابية بين مدنهم الرئيسية. وبنى الفرس شبكة طرق مشابهة في أثناء القرن السادس ق.م.
النقل في اليونان وروما
في أثناء القرن الخامس ق.م.، أنشأ الإغريق، سكان بلاد اليونان القديمة، حضارة بالغة التقدم، وساعدت سفنهم التجارية على نشر هذه الحضارة غربًا. ومع انتشار تلك الحضارة ازدادت عمليات الشحن، حيث توسع الإغريق في التجارة البحرية، كما أنهم ابتكروا السفن ذات الساريتين، وزادوا عدد الأشرعة من واحد إلى أربعة. وقد أنشا بطلميـوس أورغـاطس الثـاني (المتـوفى عام ١١٧ ق.م.) أســطولا تجاريًّا كبيرا عبر به البحــر الأحمــر والمحـيط الهنــدي حتى وصل إلى الهنـد التي كانت قبلـة أنظـار التجـار اليونانيين. ولما كانت الإمبراطورية الرومانية تضمّ جميع الأراضي المطلة على البحر المتوسط، فقد أنشأ الرومان أكبر شبكة موسعة من الطرق المعبدة؛ فكان للطريق قاعدة تضم عدة طبقات من الحجر المطحون والحصى.
وبحلول القرن الثالث الميلادي كان أكثر من 80 ألف كيلومتر من الطرق المعبدة تربط روما بكل جزء من إمبراطوريتها تقريبًا. وأنشأ الرومان أكبر أسطول من سفن الشحن الرومانية؛ بحيث توفر لمدينة روما معظم حاجتها من الحبوب. وكان بإمكان السفينة الواحدة منها حمل نحو 1000 طن من البضائع. وبنى الرومان منارات لمساعدة سفن الشحن على دخول الموانئ.
عند العرب والمسلمين
استفاد أهل الجزيرة العربية قديمًا من موقعها المتوسط بين قارات العالم القديم فاشتغلوا بالتجارة، وأنشأوا شبكة من الطرق البرية، كان أشهرها ذلك الجزء من طريق البخور الذي كان يخترق الجزيرة العربية من جنوبها إلى شمالها موازيًا البحر الأحمر، ليغذي مراكز الحضارات في العراق ومصر واليونان. واحتكر اليمنيون القدماء الطريق البري الذي يصل بلادهم بالشام، واستخدموا قوافل الإبل في نقل منتجاتهم وموادهم الأولية. كما احتكروا المواصلات البحرية بين موانئ اليمن والسواحل الأفريقية.
وعرف العرب قبل الإسلام بناء السفن واستخدامها في صيد الأسماك واستخراج اللؤلؤ، وركوب البحار حتى الهند والصين. وبعد ظهور الإسلام، بنى حكام المسلمين السفن من أجل نشر الدين الجديد ولغايات التجارة، وأنشؤوا العديد من الطرق في جميع أنحاء الدولة الإسلامية. وطليت معظم تلك الطرق بالقطران في القرن الثامن الميلادي لأول مرة في التاريخ. وكان القطران يُستخرَج من النفط الموجود في حقول النفط بالعراق. وأسهم علماء المسلمين في تطوير العلوم التي ساعدتهم على عبور القفار وركوب البحار، مثل علوم الفلك والجغرافيا وحساب المثلثات. واستخدموا البوصلة، ورسموا الخرائط الملاحية، وكانت سفنهم تجوب البحرين المتوسط والأحمر، والخليج العربي، وبحر العرب، والمحيطين الهندي والأطلسي. ووفقًا لوثائق صينية قديمة، كانت سفن العرب والمسلمين تُشاهد في ميناء (كانتون) الصيني، منذ عام 51هـ (671م).
وفي ظل الحكم الإسلامي، عرفت الأندلس تطورات تقنية مهمة في مجال نقل مواد البناء، فقد تم تسخير العجلات الضخمة لتحريك معدات النقل الثقيلة المسخرة لحمل الكتل الصخرية الضخمة التي اقتلعت من محاجر بعيدة إلى قرطبة. ومما لا شك فيه أن عملية النقل هذه استخدمت خلالها مختلف التقنيات التي يتطلبها سحب الحجارة من المقلع ورفعها على العربات، وجرّها وفق قوانين دقيقة؛ وهو ما عدّه ابن خلدون صناعة قائمة بذاتها سماها “جر الأثقال بالهندام”. وقد تواترت الاستعانة بهذه التقنية في نقل الرخام من أماكن نائية إلى ورش البناء بمدينة الزهراء، إذ اشتمل قصر (الناصر) وحده على 4000 سارية؛ ولم يكن مصدرها واحدًا، فقد جلبت من مناطق بعيدة.
وجاءت أول إشارة عربية إلى بوصلة في شكل إبرة مغناطيسية في وعاء من الماء من السلطان والفلكي اليمني “الأشرف” في عام 1282م.
النقل في العصور الوسطى
خلال فترة العصور الوسطى، تطوّر تصميم وبناء السفن تطورًا كبيرًا. ففى القرن السادس الميلادي استُخدم الشراع المثلث الشكل، الذي يمكن توجيهه للعمل حتى عندما تبحر السفينة عكس الرياح. وفي البر، كان الأثرياء يسافرون أحيانًا في عربات مغطاة. وقد أُنجزت عدة اختراعات مفيدة في مجال النقل. فقد ظهر طوق الحصان الصلب في القرن التاسع، فنقل بذلك ثقل الحمولة إلى أكتاف الحصان، فأصبحت الخيول قادرة على سحب ثقل مضاعف أربع أو خمس مرات من ذي قبل. وظهرت حدوة الحصان الحديدية في أوروبا زهاء عام 900م، فحافظت على حوافر الحصان من الأذى. وفي القرن الحادي عشر، ظهر العمود الأفقي للعربة، فأمكن للعربات أن تجرّها مجموعات من الخيول. وبحلول القرن الثاني عشر، تعلّم الأوروبيون استخدام البوصلة البحرية من العرب. وتمكن ملاحوهم باستخدامها من قيادة سفنهم حتى عندما تكون السماء ملبدة بالغيوم. كما اخترع الأوروبيون الدفة في القرن نفسه، مما ساعدهم على تسهيل عملية توجيه السفن في البحر.
وبحلول القرن الخامس عشر تم تصنيع السفن بثلاثة صَوَارٍ. وأخذ الأوروبيون يبنون سفنًا قادرة على القيام برحلات طويلة في المحيطات. وفي القرن السادس عشر، كان النقل في أوروبا لا يزال بطيئًا وغير مريح. فالطرق كانت مسارات ترابية، تحتاج إلى إصلاح بين الحين والآخر. وكان الناس لا يزالون يسافرون وينقلون البضائع بالخيول.
وفي ذلك القرن، قام عدة مكتشفين برحلات عبر المحيطات، ووصلوا إلى الهند والأمريكتين. وفي النصف الأول من ذلك القرن، أفاد ليون الأفريقي بوجود ما يمكن تعريفه بأنه أقدم “تلفريك” في العالم، إذ كان عبارة عن سلة ضخمة متصلة بحبال مجدولة وقوية، وتعمل بواسطة بكرات، بحيث تسمح لعشرة أفراد بعبور (وادي سبو) في المغرب، على ارتفاع 70 مترًا فوق سطح النهر.وتحسّنت وسائل النقل في القرن السابع عشر، فبدأت التجارة عبر المحيطات بالازدهار، وأنزل صانعو السفن سفن شحن أكبر لتستوعب التجارة المتزايدة. واحتاجت السفن إلى أشرعة أكثر لزيادة السرعة. وخلال القرن الثامن عشر الميلادي تحسّن النقل البري، فقد أنشأت فرنسا وبريطانيا طرقًا معبدة.
وحُفِر العديد من القنوات في أواخر القرن 18 مما أدى إلى رخص عمليات نقل البضائع، وأسهم ذلك في حدوث الثورة الصناعية. وفي هذه الأثناء، اخترع الأخوان (مونتغولفييه) في فرنسا منطاد الهواء الساخن في عام 1783م. ثم اختُرِع المنطاد الهيدروجيني في العام نفسه. وفي عام 1785م طار جان بيير بلانشارد وجون جيفريز فوق القنال الإنجليزي في منطاد هيدروجيني. ومع اختراع المنطاد، شرع المخترعون في التفكير بصناعة آلة أثقل من الهواء تكون قادرة على الطيران بوسائلها الخاصة. وفي البداية، جاءت فكرة الطائرات الشراعية، ففي عام 1799، قام الإنجليزي جورج كايلي بتصميم طائرة شراعية حديثة نسبيًا لها ذيل للتحكم في مسارها.
النقل بالسكك الحديد
في عام 1776م، اخترع جيمس وات أول محرك يعمل بالبخار ليستخدم بعد ذلك في القطارات. وفي عام 1807، تم افتتاح أول سكة حديد باستخدام عربات تجرها الخيول، وتربط بين سوانزي وممبلز في جنوب غرب ويلز ببريطانيا. وفي عام 1802. وفي عام 1825، أنشأ جورج ستيفنسون سكة حديد ستوكتون ودارلينغتون في شمال شرق إنجلترا، التي تُعَدُّ أول سكة حديد عامة تعمل قاطراتها بالبخار في العالم. وكان أول خط سكة حديد رئيسي هو ذلك الذي شيّده ستيفنسون أيضًا، وجعله يمتد من ليفربول إلى مانشستر، وافتتح عام 1830. وفي عام 1863، تم بناء أول سكة حديد تحت الأرض في لندن.
وبحلول سبعينات القرن التاسع عشر، امتدت القضبان الحديدية في الولايات المتحدة الأمريكية من الساحل إلى الساحل، وربطت المزيد من المناطق الداخلية أكثر من أي وقت مضى. وفي عام 1890، بدأ تشغيل أول قطار مترو أنفاق كهربائي في لندن، وافتتح الخط المركزي في عام 1900.
في القرن التاسع عشر
في القرن التاسع عشر، أحدثت السفينة البخارية ثورة في النقل البحري. فبحلول عام 1815 كانت البواخر تعبر القنال الإنجليزي. وكانت (سافانا) هي أول باخرة تعبر المحيط الأطلسي في عام 1819. واعتبارًا من عام 1829، بدأت الحافلات العامة التي تجرها الخيول في العمل بلندن. وسرعان ما تبعت ذلك مدن أخرى. وفي عام 1856، طار جان ماري لو بريس في أوروبا بطائرة شراعية عام 1856. وفي عام 1856، قدم البريطاني هنري روبنسون براءة اختراع لتلفريك أحادي الكابل.
وفي عام 1858م، ظهرت الدواسات في النماذج الأولى للدراجات، وبفضل ذلك أصبحت الدراجة إحدى وسائل المواصلات الشعبية. وفي عام 1863م، اُختُرِع مترو الأنفاق. وفي عام 1888م، اخترعت البحرية الإسبانية أول غواصة تعمل بالطاقة الكهربائية.
بدء صناعة السيارات
لم تبدأ صناعة السيارات بمفهومها الحالي إلا بعد تصميم المحركات وصناعتها. فخلال الفترة من 1860 إلى 1880 اخترع الفرنسي إتيان لينوار والألمانيان نيكولاس أوتو ويوجين لانجن المحرك ذا الاحتراق الداخلي. وصنع لينوار أول نموذج لسياراته عام 1860. وفي عام 1885، صنع الألماني كارل بنز أول سيارة تعمل بالغازولين (البنزين). وفي عام 1886، استخدم لينوار وقودًا هيدروكربونيًّا سائلًا مع مازج وقود بدائي. وبعد تطوير هذه السيارة، وطرح نماذج منها للبيع، أصبحت أول سيارة متوفرة تجاريًّا في التاريخ. وفي عام 1886م، أوجد دايملر أول وسيلة نقل بأربع عجلات. وفي عام 1888، بدأ الإنجليزي دانلوب باستخدام العجلات المطاطية المنفوخة في السيارات (بدلا من العجلات الخشبية). وفي عام 1891، قدم ويليام موريسون سيارات تعمل بالطاقة الكهربائية في الولايات المتحدة.
المحاولات الأولى للطيران
منذ قديم الزمان، ورغبة الإنسان في تقليد الطيور في ارتيادها السماء تشغل باله. فقد ترك الفراعنة وراءهم رسومًا تظهرهم محلقين بأجنحة. ولدى الصينيين والإغريق والساسانيين حكايات أسطورية عن الطيران. وفي عام 852م، حاول (عباس بن فرناس) القيام بأول محاولة للقفز بمظلة من مئذنة الجامع الكبير في (قرطبة)، فسقط على الأرض، وأصيب بأضرار طفيفة. وقد صنع ابن فرناس بعد ذلك آلة تتألف من جناحين كبيرين من الحرير وريش النسور. ثم صعد تلة في منطقة (الرصافة) من ضواحي قرطبة. ثم قذف بنفسه إلى الهواء، وبقي في الجو لفترة وجيزة قبل أن يسقط على الأرض. وقد جرت بعد ذلك عدة محاولات للطيران.
وفي منتصف القرن السادس عشر، رَسَم الفنان ليوناردو دا فنشي مخططات عديدة لآلة مجنحة خفاقة على هيئة طائر سميت (أورنيثوبتر)، وهي آلة صممت لتحزم على الظهر. وقد استوحى فكرتها من أسلوب طيران الطيور وحركة أجنحتها. وفي عام 1633م، اخترع تركي يدعى لاغاري حسن شلبي أول صاروخ مأهول أطلقه باستخدام 300 رطل من مسحوق البارود وقودًا له. وقد حمله الصاروخ عاليًا في الجو، وفتح لاغاري عدة أجنحة، ثم هبط على الماء سالمًا أمام قصر الخليفة العثماني.
بعد محاولات الطيران السابقة بعقود قليلة، بدأ عصر المنطاد. ففي 8 أغسطس 1709، قام البرازيلي بارتولوميو دي غوسماو بأول رحلة باستخدام منطاد الهواء الساخن. ولم يكتب النجاح للتجربة. ثم جاء الفرنسي جاك تشارلز فاخترع أول منطاد يعمل بالهيدروجين عام 1783م. وفي 19 سبتمبر 1783، طار الأخوان (مونتغولفيه) بمنطاد مملوء بالهواء الساخن. وفي عام 1785م، اخترع جان بيير بلانشارد مظلة الهبوط (الباراشوت).
في القرن العشرين
بحلول القرن العشرين كانت المركبات ذات المحرك قد حققت ثورة في المواصلات. وكانت السفن البخارية العابرة للمحيطات والسفن الهوائية والقطارات البخارية والسيارات تحمل الناس أبعد وأسرع مما عهدوه من قبل.
في 24 يوليو 1908، شغلت شركة Von Roll أول عربة تلفريك جبلية مخصصة لنقل الركاب. وفي عام 1910، حلق هنري فابر بأول طائرة مائية ناجحة.
وفي 1921، اخترع هنري روبنسون بالمر المونوريل (قطار أحادي السكة)، وتم تدشين أول مونوريل من هذا النوع في عام 1925. وفي أوائل عام 1980، ظهرت أولى السيارات ذاتية التحكّم في جامعة كارنيجي ميلون. وفي عام 1995، أصبحت بوينغ 777 أول طائرة صممت بالكامل بواسطة الحاسوب. وفي 13 أكتوبر عام 1997 استطاعت السيارة النفاثة (ثراست أس أس سي)، التي كان يقودها البريطاني آندي غرين اختراق الحاجز الصوتي لأول مرة، حيث وصلت سرعتها إلى 1220 كيلومترا/ ساعة.
تطورات الطائرات والقطارات
يعود الفضل إلى الأخوين أورفيل وويلبر رايت في تطور الطيران، باختراعهما الطائرة الحديثة التي تستخدم قوة المحركات في رفع الطائرة. ففي عام 1903م، استخدم هذان الأخوان محركًا يعمل بالبترول لتشغيل طائرة صغيرة. وكان ذلك أول تشغيل لطائرة أثقل من الهواء يمكن التحكم فيها. وفي 23 أكتوبر 1906، نفذ البرازيلي سانتوس دومون أول رحلة بطائرته أمام الجمهور في باريس. وقد طارت الطائرة لمسافة 221 مترًا. وفي 7 نوفمبر عام 1910، قام الأخوان رايت بأول رحلة تجارية في العالم. كانت هذه الرحلة بين دايتون وكولومبوس، واستمرت ساعة ودقيقتين، قطعت فيها الطائرة مسافة 100 كيلومتر.
وفي عام 1947م، طورت الطائرة الأسرع من الصوت، واستخدمت لأغراض عسكرية. وفي عام 1970م، صممت الطائرات العملاقة التي تستطيع نقل نحو 850 مسافرا في الرحلة الواحدة. ويُعَدُّ القطار المغناطيسي (قطار ماغليف) أحد الابتكارات الجوهرية في وسائل النقل الحديثة، لسرعته الفائقة. ويعود تاريخ ابتكار هذا القطار إلى عام 1914، حيث عرض المخترع إيميلي باشليت نموذجا مصغرا لطريقة عمله. وفي عام 1966 عرض العالمان جيمس باول وجوردن دانبي أول نظام عملي لهذا القطار باستخدام موصلات فائقة التوصيل. وفي عام 1877، طوّر الإيطالي إنريكو فورلانيني طائرة حوامة (هليكوبتر) بدون طيار تعمل بمحرك بخاري. وفي عام 1936، صمم الألماني أنتون فلتنر أول حوامة ذات جناح دوار. وفي عام 1962، بدأت أول خدمة نقل للركاب بالحوامات.
آفاق المستقبل
استنادًا إلى التطور العلمي الكبير في مجال التقنيات الذكية، والذكاء الاصطناعى، وما ستسفر عنه الثورتان الصناعيتان الرابعة والخامسة، فإننا سنشهد في السنوات المقبلة وسائل ومعدات جديدة للنقل. كما أن الوسائل المتاحة حاليا ستشهد تطورًا كبيرا في نماذجها الجديدة، من حيث السرعة والكفاءة والقوة واستهلاك الوقود والخامات المستخدمة في تصنيعها وعوامل الأمن والسلامة، والانسيابية والجمال. وستجمع بين الروبوتات وأنظمة القيادة الذاتية، مع ربطها بالأقمار الاصطناعية وأنظمة التحكم عن بعد.
ومع أن التقنيات الجديدة في مجال النقل ستجعل حياتنا أسهل، فإنها ستصبح أيضًا أكثر تعقيدًا، وستكون أكثر قدرة على تحديد الوقت الذي تحتاج فيه المركبة إلى التزود بالوقود والتنظيف والصيانة، وستجعلها قادرة على التنقل في الظروف الجوية الصعبة وعبر التضاريس الوعرة أو البعيدة التي يتعذر الوصول إليها، وستتجاوز الاختراعات الجديدة في مجال النقل حدود خيالنا. ولأن رحلة التطور مستمرة، فإننا لا نعرف ما الذي يخبئه لنا المستقبل القريب أو البعيد. فلننتظر، فإن غدًا لناظره قريب.