تشخيص التهاب زائدة الأطفال وتدبيره العلاجي
د. نصر مصطفى خباز
يعد التهاب الزائدة أكثر الطوارئ الجراحية البطنية للأطفال شيوعا على نطاق العالم. في الولايات المتحدة، يقدر عدد حالات التهاب الزائدة التي تحدث سنويا ب 86 حالة في كل 100 ألف شخص، ويقدر عدد عمليات استئصال الزائدة التي تجرى للأطفال سنويا ب 70 ألفا. في العقود الماضية، خضع تشخيص التهاب الزائدة وتدبيره العلاجي لتغيرات كبيرة. نشأت هذه التغيرات عن مجموعة متنوعة من الأسباب، منها التقدم الحديث في تنظير البطن (فحص محتويات جوف البطن والحوض بمنظار البطن الذي يدخل من طريق شق صغير في جدار البطن)، والمخاوف المتعلقة بالتعرض للإشعاع، والتقدم في وسائل التصوير التشخيصية للأطفال.
أعراض التهاب الزائدة وعلاماتها
العَرَض شذوذ دال على المرض يشعر به المريض مثل الألم البطني. أما العلامة فهي شذوذ دال على المرض أيضا لكن يمكن للطبيب كشفه عند فحص المريض، مثل الإيلام البطني (شعور المريض بالألم في منطقة ما من البطن عندما يضغط الطبيب عليها بيده).
1 – الأعراض
يبدأ الظهور النموذجي لالتهاب الزائدة بالبدء التدريجي لألم حول السرة، ثم انتقاله إلى الربعية السفلية اليمنى. عندما يحدث غثيان وقيء، فإنهما في الحالات النموذجية يتبعان بدء الألم. القهم (فقد الشهية) والحمى (ارتفاع درجة حرارة الجسم فوق الحد الطبيعي) هما أيضا شكويان شائعتان، ويكون حدوث الإسهال أقل شيوعا. يحدث انثقاب الزائدة بعد بدء العرض الأول، الذي هو الألم عادة، بفترة تراوح بين 24 ساعة و36 ساعة. وعندما يحدث الانثقاب، يمكن أن يزداد الألم كثيرا وقد يصبح أكثر تعمما (منتشرا على نطاق أوسع). وبسبب الاستجابة الالتهابية الزائدة، يترافق الانثقاب في أحوال كثيرة مع حميات أعلى (ارتفاعات أعلى في درجة حرارة الجسم)، وأعراض جسمية زائدة، وقيم مختبرية زائدة (زيادة عدد كريات الدم البيض).
إن سبب هذا الترقي (الاستفحال أو التعاظم) في الأعراض يكمن في فيزيولوجيا البطن والصفاق (الغشاء المصلي الذي يبطن جدار جوف البطن ويغطي الأحشاء البطنية). في البداية، تنسد لمعة الزائدة، ما يؤدي إلى تمددها وزيادة الضغط داخل لمعتها. يسبب هذا التمدد تنبيه الأعصاب الصدرية الواردة الحشوية من الثامن إلى العاشر، ما يفضي إلى ألم خفيف حول السرة. يتطور الضغط داخل اللمعة الزائد إلى إعاقة الإمداد الدموي للنسج، واعتلال المخاطية، و- في نهاية المطاف – إلى التهاب كامل جدار الزائدة. ينتشر هذا الالتهاب إلى الصفاق الجداري (الغشاء المصلي الذي يبطن جدار جوف البطن)، ما يؤدي إلى ألم جسدي متوضع في الربعية السفلية اليمنى وأعراض بنيوية مشتملة على الحمى، والغثيان، والقيء، والقهم (فقد الشهية). يؤدي نخر (تموت) جدار الزائدة في نهاية المطاف إلى انثقابها.
على الرغم من أن تلك الصورة تعد الصورة النموذجية التي يظهر بها التهاب الزائدة، فهي لا تحدث إلا عند أقل من %50 من الأطفال. ومع ذلك هناك موجودات معينة تزيد أو تنقص احتمال وجود التهاب الزائدة. تعد هجرة الألم من وسط البطن إلى الربعية السفلية اليمنى ووجود الحمى أهم الموجودات التي تزيد هذا الاحتمال. ينقص غياب الحمى احتمال التهاب الزائدة بمقدار الثلثين. يفضي الالتباس في الصورة السريرية إلى تأخر في التشخيص، فضلا عن زيادة معدل التهاب الزائدة الثاقب (المتسبب في انثقابها) عند المرضى الأطفال. يكون معدل انثقاب الزائدة مرتفعا (متراوحا بين 80 و%100) عند الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ثلاث سنوات بسبب عدم وجود قصة يعول عليها (قصة موثوق بها). أما الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 10 سنوات و17 سنة فيكون معدل انثقاب الزائدة عندهم %20.
2 – العلامات
يظهر %44 من الأطفال علامات سريرية لانموذجية متعددة. تشتمل الموجودات النموذجية عند الفحص الجسمي على ما يأتي: 1. الإيلام (المضض) عند الجس (الإيلام بالجس) والدفاع (شعور الطبيب بقساوة ناشئة عن تشنج العضلات) في الربعية السفلية اليمنى، و2. الأصوات المعوية القاصرة النشاط، و3. الإيلام الناجم عن القرع (النقر على سطح البطن بالإصبع)، و4. الإيلام الارتدادي (شعور المريض بالألم عند قيام الطبيب بالرفع المفاجئ ليده الضاغطة على البطن).
إجراءات أولية
إن زيادة عدد كريات الدم البيض إلى أكثر من 12000-10000 كرية في الملي متر مكعب تزيد احتمال وجود التهاب الزائدة بشكل كبير. وتجري معظم المراكز الطبية أولا فائق الصوت، وتتبعه بالتصوير المقطعي المحوسب أو بالفحوص السريرية المتتابعة إذا كان فائق الصوت غير مشخص. وتبلغ دقة التصوير المقطعي المحوسب لتشخيص التهاب الزائدة الحاد %96، في حين تبلغ دقته لتشخيص انثقاب الزائدة %72.
ويتميز فائق الصوت بمزية كونه منخفض التكلفة وعدم تعريض المريض للأصباغ والإشعاع، فضلا عن تقديمه لمعلومات حركية. ومع ذلك، له مساوئ عدة منها كونه فحصا شديد الاعتماد على مهارة الطبيب الذي يجريه وكون بنية جسم المريض وموضع الزائدة يقيدان هذا الفحص. تراوح دقة فائق الصوت عند الأطفال بين 89 و%98. لا يتأثر التصوير المقطعي المحوسب بقدّ المريض (حجمه)، ولا بموضع الزائدة، ولا بتوافر الفنيين الخبراء. تشتمل المساوئ على زمن التحضير الطويل، فضلا عن التعرض للأصباغ داخل الوريد والإشعاع.
وأظهرت بعض الدراسات أن تشخيص التهاب الزائدة يمكن التوصل إليه بالقصة (المعلومات التي يحصل عليها الطبيب في أثناء استجوابه للطفل نفسه، إن كان قادرا على إعطاء معلومات دقيقة، أو لوالدته أو والديه عندما لا يكون الطفل قادرا على التعبير عما حدث له)، وفحص جسم الطفل، والاستعمال الانتقائي لفائق الصوت. يمكن لجراح الأطفال تمييز التهاب الزائدة من الاضطرابات البطنية الأخرى بدقة قدرها %92. إن المرضى المصابين بالتهاب زائدة مشتبه فيه يمكن تقييمهم بنجاح من دون استعمال التصوير المقطعي المحوسب في معظم الأحيان.
المعالجة بالمضادات الحيوية
هناك دراسة واحدة من تركيا تم فيها انتقاء 16 مريضا خارجيا (غير مقيم في المستشفى) عانوا ألما لمدة أقل من 24 ساعة ومعالجتهم بمضادات حيوية بالحقن فزالت الأعراض عند جميع المرضى. لا تزال الخبرة في هذه المعالجة محدودة ولا يوصى بها، وإنما يوصى بالاستئصال الجراحي للزائدة.
المعالجة الجراحية لالتهاب الزائدة
المعالجة الفضلى لالتهاب الزائدة هي استئصالها الجراحي. هناك نوعان من استئصال الزائدة، هما:
1. استئصال الزائدة المكشوف، الذي فيه يجري الجراح شقا واحدا كبيرا نسبيا في جدار البطن في الربعية السفلية اليمنى واصلا حتى جوف البطن، ثم يخرج الأعور والزائدة خارج البطن من طريق هذا الشق ويجري عملية استئصال الزائدة تحت الرؤية المباشرة. وسمي الاستئصال بالمكشوف نظرا إلى أن الشق الذي يجريه الجراح يؤدي إلى الكشف عن ساحة العملية برفع الغطاء (الذي هو جدار البطن السالم غير المشقوق) عنها.
2. استئصال الزائدة التنظيري البطني، الذي فيه يجري الجراح شقا واحدا صغيرا، أو ثلاثة شقوق صغيرة في جدار البطن تصل حتى جوف البطن، ثم يدخل منظار البطن والأدوات الجراحية من طريق هذا الشق أو هذه الشقوق، ويجري عملية استئصال الزائدة في جوف البطن مستعينا بشاشة عرض لرؤية ساحة العملية.
ويستعمل الجراح المضادات الحيوية قبل العملية لإنقاص احتمال حدوث المضاعفات التالية للعملية.
إن استئصال الزائدة عملية بسيطة ومأمونة، وتحتاج إلى إقامة في المستشفى لمدة يومين إلى ثلاثة أيام عند الأطفال الذين أصيبوا بالتهاب زائدة غير مصحوب بمضاعفات، مثل انثقابها. إذا حدث انثقاب الزائدة، يستأصل الجراح الزائدة ويعطي مضادات حيوية لعدة أيام، ويراقب المريض لاحتمال حدوث مضاعفات، مثل عدوى الجرح أو خراج البطن أو انسداد الأمعاء بالالتصاقات.
وفي نحو 10 إلى %20 من عمليات استئصال الزائدة، يكتشف الجراحون أن الزائدة طبيعية. وهذا لا يعد خطأ طبيا نظرا إلى أن عواقب (نتائج) تأجيل عملية استئصال الزائدة للطفل الذي يشتبه في التهابها لديه تكون خطرة. عندما يكتشف الجراح أن الزائدة طبيعية يقوم بالبحث في البطن عن سبب آخر للألم البطني ويعالجه إن كان بحاجة إلى معالجة جراحية. عادة يستأصل الجراح الزائدة الطبيعية حتى لا ينشأ التهاب زائدة في المستقبل، وحتى لا يحدث التباس في المستقبل نتيجة وجود شق في الربعية السفلية اليمنى، فيعتقد الطبيب الفاحص أن هذا الشق أجري لاستئصال الزائدة.
تشريح الأعور والزائدة
الأعور هو الجزء الأول من المعى الغليظ ويكون متواصلا مع القولون الصاعد. وهو جيبة معوية مقفلة (أي مسدودة من إحدى نهايتيها ومفتوحة (نافذة) من الأخرى) تقع في الحفرة الحرقفية اليمنى، التي هي السطح الداخلي الأملس لعظم الحرقفة الأيمن الذي تنشأ عنه العضلة الحرقفية. تقع الحفرة الحرقفية اليمنى في الربعية السفلية اليمنى (الشكل 1).
الزائدة الدودية، أو، اختصارا، الزائدة، هي عضو أنبوبي شبيه بإصبع اليد الصغيرة ناشئ عن الأعور تحت مستوى موضع اتصال اللفائفي (الجزء النهائي من المعى الدقيق) بالأعور. للزائدة نهايتان، إحداهما حرة مقفلة (مسدودة أو مغلقة) تسمى القمة، والأخرى مرتكزة على الأعور تسمى القاعدة التي لها فتحة تسمى فوهة الزائدة التي بها يكون جوف الزائدة، المسمى اللمعة، متصلا بجوف الأعور. يراوح طول الزائدة بين 7 و10 سنتيمترات (الشكل 2).
تقع قاعدة الزائدة في معظم الأحيان خلف نقطة اتصال الثلث الوحشي (الخارجي) بالثلث المتوسط من الخط المائل الواصل بين الشوكة الحرقفية العلوية الأمامية والسرة، وتسمى هذه النقطة نقطة مكبرني على الخط الشوكي السري. تكون هذه النقطة موضع الإيلام الأعظم في التهاب الزائدة الحاد. الإيلام (المضض) في منطقة ما هو شعور المريض بالألم عندما يضغط الطبيب على تلك المنطقة بيده في أثناء الفحص الجسمي. في عمليات استئصال الزائدة المكشوف يجرى عادة شق مائل في جلد البطن مار من هذه النقطة وعمودي على هذا الخط، ويسمى هذا الشق شق مكبرني (الشكل 3).