د. محمــد شريــف الأسكنـدراني
في إطار ما يشهده عالمنا اليوم من تطور تكنولوجي مذهل في شتى الميادين عامة وفي مجال الفضاء على وجه الخصوص، فقد أضحت تلك المجالات تتطلع بشغف كبير إلى عائلات جديدة من مواد غير تقليدية، يُطلق عليها اسم المواد المتقدمة Advanced Materials، التي تتربع على صدارتها المواد
المتراكبة Composite Materials. والصناعات المرتبطة بمجال الفضاء Aerospace Industry تتطلب مواد غير مألوفة تجتمع فيها خواص فريدة ومتعددة لا تتوافر مجتمعة بأي مادة من المواد التقليدية المعروفة مثل المواد الفلزية، والمواد السيراميكية، والبلمرات.
وتُعد المواد المتراكبة النانوية Nanocomposite Materials من أهم فئات المواد المتقدمة التى بزغ فجرها مع نهاية القرن المنصرم، نتيجة لتزاوج العقل البشري بإمكاناته الخلاقة مع التقنيات الحديثة في مجال إنتاج المواد الهندسية. وهي بذلك تفتح آفاقًا مستقبلية مشرقة مع قرب العالم من استقبال العقد الثالث من ألفيته
الثالثة، لتضيف آمالاً عريضة في حل مشكلات باتت مستعصية. ونستعرض هنا ماهية المتراكبات النانوية وتطبيقاتها الراهنة والمستقبلية في مجال صناعة المركبات الفضائية.
ماهيـــــــــة المتراكبات ؟
يُقصد بالمتراكبات أو المواد المتراكبة تلك الفئة من المواد الهندسية التى يتم إنتاجها عن طريق إضافة نسب وزنية أو حجمية معينة من مادة أو أكثر، تعرف بالمواد
الداعمة Reinforcement Materials، إلى مادة الأساس المعروفة باسم مادة القالب Matrix.
ويتم دمج وخلط المواد الداعمة مع مادة القالب بشكل جيد يضمن الحصول على مُتراكبة متجانسة تتوزع بداخلها جسيمات المواد الداعمة توزيعًا مثاليًا. ويُشترط في اختيار المواد الداعمة أن تتمتع بالحياد الكامل، بحيث لا تتفاعل مع بعضها بعضا أو مع مادة الأساس لتحتفظ بهويتها الفردية داخل مادة القالب. ويستهدف إنتاج المواد المتراكبة إضافة خواص معينة إلى مادة القالب أو إضافة سمات وصفات لم تكن متأصلة بها. فعلى سبيل المثال، المادة الرئيسية المكونة لإطار المركبات هي المطاط. والمطاط من البلمرات المعروف عنها سهولة التشكيل عند تعرضها لأدنى قيم من الضغوط.
لذا فليس من المنطقي أن يتم توظيف المطاط الخالص لصنع تلك الإطارات التي تتعرض لكثير من الضغوط أثناء سير المركبة.
لذا يتم إضافة طبقة متشابكة من أسلاك الصلب الرفيعة الُسمك لتدعيم مادة المطاط، مما يرفع مقاومته للإجهادات التى تتعرض لها أثناء التشغيل. وتُعد متراكبة الخرسانة المؤلفة من قالب أسمنتي – مادة الأساس – المُضاف إليه أنواع مختلفة من المواد الداعمة مثل الزلط، ومواد سد الفجوات والفراغات بالقالب الأسمنتي مثل الرمل، من أشهر وأقدم المواد المتراكبة التى عرفها الإنسان.
تكنولوجيا النانو والمواد المتراكبة
أضافت تكنولوجيا النانو بُعدًا مهما في إنتاج فئة حديثة من المتراكبات تعرف باسم المتراكبات النانوية، وذلك من خلال تخليق حبيبات متناهية الصغر تقل مقاييس أبعاد أقطارها عن 100 نانومتر، بحيث يتم توظيفها كمواد نانوية داعمة ومقوية تعرف باسم الدُعامات النانوية Nano-Reinforcements لمادة الأساس. وأثبتت تلك الجسيمات النانوية قدرة فائقة على تحسين خواص مادة الأساس، ورفع مقاومتها وصلادتها.
تنفرد المواد المتراكبة باحتكارها لخواص فريدة، فهي خفيفة الوزن، ومتينة،و لها مقاومة عالية لمقاومة الإجهادات، مما جعلها مواد مرغوبة في تصنيع المركبات بكل أنواعها. وتعد متراكبات القوالب الزجاجية المدعمة بألياف النايلون من أهم المواد الهندسية المستخدمة في إنتاج دراجات السباق. وتعد متراكبات ألياف الكربون Carbon Fibers المواد الأكثر شهرة المستخدمة في إنتاج هياكل السيارات، هذا في الوقت الذى تنفرد فيه متراكبات القوالب الفلزية مثل سبائك الألمنيوم – تيتانيوم المُدعمة بالألياف الزجاجية بخواص ميكانيكية فريدة علاوة على كونها مواد خفيفة الوزن، مما يؤهلها للاستخدام في التطبيقات العسكرية الخاصة بتصنيع هياكل الطائرات المقاتلة.
وعادة ما يتم تصنيف المتراكبات عموما نسبة إلى هوية مادة القالب، وذلك وفقًا إلى التصنيف الآتي:
متراكبات الكربون
تتميز تلك الفئة من المتراكبات عن غيرها، بانخفاض تكلفتها وسهولة الحصول عليها من مصادر متعددة غنية بالمواد الكربونية مثل الفحم. ويتم تصنيع متراكبات هذا النوع من القوالب بطريقة تكنولوجيا
المساحيق Powder Technology، وذلك من خلال كبس وتجميع مساحيق الكربون الناعمة، باستخدام المكابس الساخنة عند درجات حرارة عالية.وعلى الرغم من أن معظم المواد المقوية المضافة إلى هذا النوع من القوالب تكون عادة عبارة عن ألياف كربونية نانوية البنية، فإن تلك المواد المضافة تختلف وتتنوع، وذلك بناء على طرق تصنيع المتراكبة والخواص المطلوب الحصول علىها. وتُعد قابضات السيارات “دوبريياج” Clutches ووسائد فراملBrake Pads الطائرات، بعض الأمثلة التطبيقية المهمة التى يتم فيها توظيف هذا النوع من المتراكبات.
متراكبات المواد السيراميكية
على الرغم من تميز قوالب هذا النوع من المواد السيراميكية بارتفاع صلادتها، ومقاومتها للإجهادات الناشئة عن أحمال الضغط، مع ثباتها الحرارى والكيميائى، بيد أنها فقيرة في التوصيل الكهربائي والحراري. لذا، تتنوع المواد النانوية المضافة إلى تلك القوالب، من عناصر أو سبائك فلزية، مواد سيراميكية أو ألياف زجاجية تبعا للخواص المطلوب الحصول عليها والتطبيقات التي ستوظف فيها. وتستخدم هذه الفئة من المتراكبات في تصنيع منتجات التشغيل التي تعمل عند درجات الحرارة العالية، مثل أجزاء من محركات الصواريخ، أو تلك الأجزاء المعرضة لعوامل البري والصدأ والتآكل أثناء التشغيل، ومنها بعض أجزاء الماكينات والمحركات.
المتراكبات الزجاجية
تتشابه المواد الزجاجية Glasses مع المواد السيراميكية في كثير من الخواص، فهي مواد قصفة ذات صلادة مرتفعة وثبات حراري عال. وتتألف متراكبات هذه الفئة من القوالب عن طريق إضافة مواد صلبة مثل حبيبات نانوية الأبعاد من الأكاسيد الفلزية أو الألياف. وتتميز متراكبات هذا النوع بمقاومتها الفائقة للإجهادات عند التشغيل في درجات الحرارة العالية، مما يوفر لها عوامل النجاح للاستخدام في صناعة مكونات أجزاء المحركات المقاومة
للحرارة Heat Resistance Parts for Engines، وفي تصنيع أجزاء المحركات التي لها صلة بالعوادم ومخلفات الاحتراق الداخلي، مثل غرف العادم وحلقات تجميع العادم.
المتراكبات الفلزية
تعد قوالب الفلزات أكثر أنواع القوالب شيوعا واستخداما. ويتوقف اختيار الفلز المستخدم في تصنيع مادة القالب على الغرض من استخدام المتراكبة النانوية والخواص المرجوة منها. فمثلا، إذا كان الهدف هو تأليف متراكبات للاستخدام في بيئة أو أجواء مؤكسدة Oxidizing Environments عند درجات الحرارة العالية، فإن قوالب فلز التنغستن تكون الأنسب لهذا الغرض ؛ نظرا للثبات الحراري والكيميائي لهذا الفلز المقاوم للانصهار. وقوالب العناصر الفلزية الخفيفة، مثل الألومنيوم والمغنسيوم تجد مكانا مرموقا في الصناعات التي يكون الوزن فيها عاملا مهما، مثل صناعة السيارات والطائرات والمركبات الفضائية.
وتتألف المتراكبات الفلزية من قوالب لمواد فلزية تضاف إليها نسبة حجمية بسيطة من مواد مدعمة لعناصر فلزات حرة أو مواد سيراميكية.
متراكبات البلمرات
تتألف قوالب هذا النوع من المتراكبات من مادة البوليستر Polyesters أوالفينيل إستيرز Vinyl Esters، وذلك نظرًا لشيوع استخدامهما وقلة تكلفتهما. وعادة ما يتم تدعيم هذه القوالب بالألياف الكربونية النانوية أو أنابيب ألكربون النانوية، وكذلك أنابيب الصلصال الطبيعي أو المُخلق. وسبب اخيتار هذه الأنواع من المواد النانوية الداعمة يرجع لما تتميز به من مقاومة عالية وصلادة، علاوة على أنها خفيفة الأوزان، ومن ثم لن تؤثر سلبا على خواص هذه القوالب من ناحية الوزن. وتتميز الألياف والأنابيب النانوية للكربون بعدم تأثرها بالرطوبة، وبثباتها الكيميائي العالي وارتفاع مقاومتها أمام كل الأحماض والقلويات والمذيبات، عند درجة حرارة الغرفة.
وتوظف متراكبات هذا النوع من القوالب البلمرية حاليا في تصنيع الأدوات الرياضية مثل مضارب التنس و أعصية مضارب الغولف، وتصنيع قضبان صيد الأسماك. كما أن هذه المتراكبات تعد مواد واعدة حين تستخدم في بعض أجزاء هياكل السيارات والطائرات. وأدى التطور المطرد في السنوات الأخيرة في مجال تصنيع البوليمرات والمواد المركبة،، إلى إحداث طفرة تكنولوجية هائلة في مجال الطب الحديث عموما وطب العظام والأجهزة التعويضية بصفة خاصة. وبالتوازي مع ما تحتكره متراكبات البوليمر من خواص وصفات غير مألوفة، فإنها أيضا تتميز بتوافقها الحيوي الكبير مع الجسم البشري، مما أهلها للاستخدام في مجموعة واسعة من التطبيقات الطبية.
المواد المتراكبة والمركبات الفضائية
أدى التقدم والنجاح الهائل في تطبيقات متراكبات البوليمرات المُدعمة بألياف الكربون والمستخدمة في تصنيع الصواريخ الحربية إلى تطوير توظيف تلك المتراكبات في المركبات الفضائية Space Vehicles وصناعة هياكل الأقمار الصنعية Satellites. وعلى مدار العقود الخمسة المنصرمة تم توظيف ألياف الكربون في تقوية وتدعيم قوالب للبوليمرات وإنتاج متراكبات البوليمرات المقواة بألياف الكربون د Composites (FRPs)، وكذلك في تقوية سبائك الألمنيوم، والتيتانيوم المستخدمة في تصنيع هياكل السيارات الرياضية والدراجات، وكذلك في مجال صناعة الطائرات المدنية والعسكرية.
و يتم إضافة تلك الألياف بنسب حجمية معينة على النحو الذى يضمن تحسين وتطوير الخواص الميكانيكة لمادة الأساس ووقايتها من خطر الانهيار عند تعرضها لضغوط جوية مختلفة وعند درجات حرارة متباينة أثناء رحلاتها بالفضاء الخارجي. وتعمل تلك المواد المُضافة على زيادة مقاومة مادة الأساس من عوامل الصدأ خلال فترة وجودها في ظروف بيئية وجوية قاسية بالفضاء الخارجي.