الـوقـود الـثـلـجــي

مـصـدر جـديـد لـلـطـاقـة مـن أعـمـاق الـبـحــار

 حسني عبد الحافظ
باحث وكاتب وصحفي ، (مصر)

في ضوء تنامي الطلب العالمي على الطاقة، تبذل الدول جهودا كبيرة في سبيل البحث عن مصادر جديدة يُمكن أن يُعوَّل عليها كبديل للطاقة الأحفورية الناضبة. وخِلال السنوات القليلة الماضية، كُشِف عن وجود مستودعات هائلة من الطاقة في الطبيعة، منها الطاقة الكامنة بأقفاص ثلجية في قيعان البحار والمحيطات، التي يرى بعض الباحثين أنها ستكون مصدرًا مهمًا من مصادر الطاقة في المستقبل.

فما الوقود الثلجي؟ وما مكامن وجوده؟ وما أهميته في خريطة الطاقة العالمية في المستقبل؟

ماهية الوقود الثلجي

داخل تراكيب ثلجية صغيرة، فيما يُشبه الأقفاص، تنحبس جُزيئات غاز لاقطبية من الروابط الهيدروجينية التي تُعرف باسم الكلاثريات Clathrate، أو هيدرات الغاز hydrates، والتي يكون فيها الجُزيء المُستقِل الحركة هو الماء، والجُزيء الضيف (المحبوس) هو الغاز. ولولا حدوث التأثيرات المُتبادلة بين الجُزيئين لانهارت الشبكة الهيدروجينية، وتشكَّل إما ماء سائل، أو بلُّورات ثلجية.

   وكان أوَّل من أشار إلى تلك الهيدرات السير همفري ديفي  Humphry Davy عام 1810، واعتُبِرَت حينها بمثابة فضول وعبث مختبرير، إلى أن جاء عام 1930، وبدأت هذه الهيدرات تُمثل مُشكِلة رئيسية في انسداد أنابيب نقل الغاز، لاسيما خلال اشتداد البرد، فتنبَّه العُلماء إلى ضرورة البحث حول طبيعتها، وسُبل إيجاد وسائل للحد من تداعياتها السلبية على أنابيب نقل الغاز.

  وفي عام 1964، اكتشف أفراد طاقم حفَّار كانوا يعملون في أحد حقول الغاز الطبيعي بمنطقة ميسوياكا في إقليم سيبيريا أوَّل دليل على وجود هيدرات الغاز في الطبيعة على هيئة مُتجمَّدة.وفي عام 1970، اكتشف فريق ألماني هيدرات الغاز ضِمن الرسوبيات القاعية في المحيط الأطلسي، والأجزاء الجنوبية من المُتجمِّد الشمالي. ثم تواصل اكتشاف المزيد من المخزون في العالم. وأكبر مخزون لها اكتُشِف داخل الرُكام البحري على امتداد الجرف القاري، وفي بقاع دائمة التجمُّد بالمنطقة القطبية الشمالية.

ثــلاثــة أنــواع

اكتشف العُلماء أن هيدرات الغاز الثلجية، ليست نوعــًا واحدًا، بل ثلاثة أنواع، هي:

ــ النوع الأوَّل: تتألَّف وِحدة خليَّته من 46 جزيء ماء، موزَّعة على مجموعة من الأقفاص المُتباينة الحجم، وعادة يكون كُل قفصين صغيرين مُقابلين لسِتة أقفاص كبيرة. وتتخذ الأقفاص الصغيرة شكل مُتعدد السطوح (اثنا عشري)، وكُل سطح خُماسي أضلاع. أما الأقفاص الكبيرة، فبنيتها الهندسية ذات 14 وجهـًا، وتتضمَّن 12 خُماسي أضلاع، واثنين من سُداسي الأضلاع، من الغازات التي تحوي بنيتها غاز (CO2) في هيدرات ثنائي أكسيد الكربون، والميثان في هيدرات الميثان.

ــ النوع الثاني: تتألَّف وِحدة خليَّته من36 جُزيء ماء موزَّعة على 16 قفصا صغيرا، مُقابل ثمانية أقفاص كبيرة. وتتشابه الصغيرة مع مثيلتها في النوع الأوَّل في حين تظهر الكبيرة على نحو هندسي، من 12 خُماسي أضلاع، وأربعة سُداسيات أضلاع، والهيدرات عبارة عن غازي الأكسجين والنيتروجين.

ــ النوع الثالث: تتألَّف وِحدة خليَّته من 34 جُزيء ماء، وتنقسم إلى ثلاثة أشكال من الأقفاص، هما اثنان صغيران من شكلين مُختلفين، والثالث أكبر وأوسع. والبنية البلُّورية لهيدرات هذا النوع من الغاز يدخل في تكوينها البوتان، وهيدروكربونات أخرى.

جهود آسيوية

في عام 2016، أعلنت اليابان عن مُخطط يستهدف استحداث وتطوير تقنيات يُمكِن بواسطتها الاستثمار في حقول الغاز الثلجي، واستخراجه على نحو اقتصادي. وتضمَّن هذا المُخطط أربعة محاور رئيسية، هي: تطوير تقنية حفر آمنة لتوضعات كلاثيرات الغاز، وتطوير تكنولوجيا تسمح بالإنتاج التجاري، وتحديد التأثيرات على الحياة البحرية وعلى الخصائص الجيولوجية لقيعان المحيطات، وتحديد التأثيرات على المناخ العالمي. وأثمرت جهود اليابان للتنقيب عن النفط والغاز والمعادن اكتشاف مخزون كبير من الغاز الثلجي في مياهها الإقليمية.

    وبعد أشهر قليلة من إعلان اليابان لخِطتها، أعلنت الصين عن برنامج طموح لهيدرات الغاز في بحر الصين الجنوبي، ونجحت في استخراج كميَّات منه مما شجَّعها على تشييد مِنصَّة حفر استخرجت على مدار عِدة أيام نحو 309 آلاف متر مُكعَّب من الغاز.

وأعلنت الصين حديثا اكتشاف حقلين جديدين لترسيبات هيدرات الغاز يُقدَّر احتياطيهما بنحو مئة بليون متر مُكعَّب، وذلك ضِمن عمليات مسح جيولوجي في بحر الصين الجنوبي.

 وشجَّعت تلك الاكتشافات دولاً مِثل الهند على وضع خِطط لاستخراجه، فأعلنت عن مشروع لتطوير تقنيات تُمكِّنها من استغلال آبار مُستودعاته من هيدرات الغاز، التي تُقدَّر بما يُعادل150  ضعف احتياطياتها من الغاز الطبيعي.

حــقــائــق..وتــقــديــرات

 أظهرت نتائج دراسات علميَّة أن نحو 23 % من مساحة سطح الأرض هي بقاع دائمة التجمُّد، ومن ثم يُمكن أن تكون مخزونــًا هائلاً لهيدرات الغاز، يفوق المخزون العالمي من الغاز الطبيعي التقليدي بعِدة مرَّات. وذكرت دراسة لوكالة المسح الجيولوجي الأمريكية أن المخزون العالمي لغاز الميثان، الناتج عن الهيدرات، يُعادل ضِعف كميَّة الكربون الداخل في تركيبة إجمالي كل أنواع الوقود الأحفوري، في أقل التقديرات تحفظًا.

   وبينت الأبحاث كثافة تركيز الوقود الثلجي، إذ إن كُل لتر من الهيدرات الغازية، في حالتها الصلبة، يحوي نحو 160لترا من غاز الميثان عند الشروط النظامية من الضغط والحرارة، وأن ما تحويه من طاقة يُعادل نحو 184000 وِحدة حرارية بريطانية (BTU)، لكُل قَدَم مُكعَّبة، وهذه تُعتبر طاقة مُضاعفة قياســًا بنواتج مصادر الطاقة الهيدروكربونية الأُخرى مِثل الطاقة النفطية.

   وإذا كان الغاز الطبيعي التقليدي يوفِّر حاليًا نحو 25 % من الطاقة اليومية التي يستهلكها العالم، وأن نحو 2.4 تريليون متر مُكَّعب من هذا الغاز يُستَهلك كُل عام، ما يعني أن كامل المخزون المُكتَشف سيُستَنزَف في غضون 60 عامـًا إضافيَّة، وأن أحفاد طلبة المدارس الثانوية قد يشهدون نهاية استخدام هذا الغاز، فإن الوقود الثلجي قد يواصل إمداد سُكَّان العالم بالغاز، وتوفير استهلاكهم من الطاقة لعِدة قُرون مقبلة.

 وأظهر تقرير لوزارة الطاقة الأمريكية أن مُتوسِّط المخزون الاستراتيجي من الوقود الثلجي في الولايات المتحدة يتجاوز 200 ألف تريليون قدم مكعبة، وأن البدء باستخراج 1 % فقط منه سيُساعد على مُضاعفة المصادر الذاتية من الطاقة المُستَهلكة فيها، وسيُمكِّن من تلبية اشتراطات بروتوكول كيوتو.

 وفي الوقت الحاضر، ثمة أكثر من 50 دولة تعمل في مجال التنقيب عن الوقود الثلجي، إما بطريقة مُنفرِدة أو في إطار بحث جماعي مُشترك.

 واتجهت بعض هذه الدول لإنشاء وتطوير منصَّات استخراج هذا الوقود من حقوله الطبيعية، لكنها تواجه صعوبات تتعلَّق بالتكلفة الاقتصادية، وعدم امتلاكها مُعدَّات مُتطورة يمكن استخدامها في عمليات الاستخراج.

Exit mobile version