أ.د. محمد شريف الاسكندراني
باحث علمي رئيسي في معهد الكويت للأبحاث العلمية، (الكويت)
على مدار العصور الماضية، تمرس علماء المواد ومهندسو إنتاج السبائك الفلزية على تخليق سبائك قوية ومتينة تتسم بخصائص جيدة، حتى قبل أن يدركوا ويتفهموا البنية الداخلية المهيمنة على تلك الخصائص. واقتصرت طرق إنتاج السبائك في الماضي على عملية تسخين وصهر العناصر المكونة للسبيكة، لضمان تفاعلها وذوبانها معا من أجل تكوين السبيكة المطلوب إنتاجها. وبعد الحصول على السبيكة تُخضَع لعدة أيام لإجراء عمليات ميتالورجية عليها، مثل المعالجات الحرارية والميكانيكية، من أجل تحسين خصائصها وزيادة قوتها، مما يضمن الحصول على منتج صلب ومتين يتحمل عمليات التشغيل المستقبلية.
السبائك الفلزية نانوية الحبيبات
إن تصغير مقاييس أبعاد الحبيبات الداخلية للمواد يؤدي إلى تحسين خصائصها المُختلفة، كالخصائص الميكانيكية المتمثلة في رفع مقاومة السبيكة ومتانتها، وزيادة صلادتها وقدرتها على تحمل الإجهادات الخارجية التي تتعرض لها أثناء عملية التشغيل. وأدت نتائج الأبحاث التي أُجريت في الثمانينات من القرن العشرين إلى تكثيف الأنشطة البحثية المتعلقة بدراسة السلوك والخصائص الميكانيكية للسبائك الفلزية نانوية البنية الحبيبية Nanocrystalline Metallic Alloys، وتخليق عائلات جديدة منها تتفوق في خصائصها الميكانيكية على نظيرتها من المواد التقليدية كبيرة الحبيبات.
وأظهرت نتائج الأبحاث أن المقاومة القصوى لإجهاد الشد Ultimate Tensile Strength التي تبديها، على سبيل المثال، سبيكة الحديد والنيكل تتضاعف نحو خمس مرات عند تصغير مقاييس أبعاد الحبيبات الداخلية للسبيكة. هذا في الوقت الذي تتضاعف فيه صلادتها لتصل إلى نحو ستة أمثال ما كانت عليه.
تطبيقات متنوعة تستخدم سبائك المواد الفلزية نانوية البنية الحبيبية في كثير من التطبيقات التكنولوجية المتقدمة، فهي تدخل كعنصر أساسي في تصنيع المُنتجات المبتكرة المُستخدمة في صناعة هياكل السيارات ومحركاتها (سبائك الألمنيوم Al وسبائك المغنيسيوم Mg)، وفي صناعة الطائرات والمركبات الفضائية (سبائك التيتانيوم Ti)، وفي صناعة المحولات والمحركات الكهربائية (سبائك المواد المغناطيسية Magnetic Materials مثل سبائك الحديد Fe والكوبالت Co والعناصر الأرضية النادرة Rare Earth Elements)، وصناعة الموصلات فائقة الموصولية الكهربائية المُستخدمة في صناعة الحواسيب فائقة السرعة (مثل سبائك النيوبيوم Nb المُضاف إليها مواد لأشباه الموصلات مثل الجيرمانيوم Ga القصدير Sn)، والرقاقات الإلكترونية (كفلز النُحاس ذي الحبيبات النانوية)، وصناعة الأغشية والرقاقات المُستخدمة في تغطية سطوح المُعدات والأدوات الفلزية بغرض حمايتها من التآكل عن طريق البري والصدأ (مثل سبائك الزنك Zn النيوبيوم التيتانيوم)، وصناعة أوعية وبطاريات تخزين الهيدروجين (مثل سبائك المغنيسيوم)، وصناعة بطاريات السيارات والمركبات (سبيكة الرصاص – الكالسيوم Pb-Ca)، وصناعة أغطية فلزية رقيقة السمك لتغليف هياكل المركبات الفضائية والصواريخ لحمايتها من الانهيار إثر تعرضها لدرجات الحرارة المرتفعة خلال رحلاتها في الفضاء الخارجي (سبائك التنغستن W المولبديوم Mo) .
وهناك عدد من التطبيقات الطبية، منها إنتاج الشرائح والمسامير المُستخدمة في تثبيت العظام المكسورة داخل الجسم (سبائك الصلب المقاوم للصدأ وسبيكة التيتانيوم- ألمنيوم- فانديوم Ti6Al4V)، وإنتاج الدعامات الخاصة بتوسيع شرايين القلب (سبائك التيتانيوم) ، وتخليق حبيبات الذهب النانوية المُتوقع استخدامها في القضاء على الأورام السرطانية داخل الجسم، وتخليق حبيبات الفضة النانوية المُستخدمة في قتل أنواع عديدة من البكتيريا والمُرجح توظيفها في قتل أنواع مختلفة من الفيروسات.
المتراكبات النانوية
تعد المتراكبات التي تتزاوج بها خصائص عديدة ناشئة عن خلط مادتين أو أكثر من دون الدخول في تفاعل كيميائي أحد أنواع المواد الهندسية المتميزة، نظرا إلى تطبيقاتها الكثيرة في المجالات الهندسية. ومن الطبيعي أن يثمر هذا التآلف بين عدة مواد مختلفة في الخصائص ومتباينة في السلوك ميلاد مادة متراكبة ليس لها نظير، حيث يجتمع فيها عدد كبير من الخصائص المتفاوتة. وقد أضافت تكنولوجيا النانو بُعدًا مهما جديدًا إلى تلك الفئة من المواد، وذلك من خلال تخليق حبيبات متناهية في الصغر، توظَّف كمواد داعمة ومقوية، لتكون بمنزلة دعامات نانوية Nano-Reinforcements لمادة الأساس. وأثبتت تلك الحبيبات تفوقها على نظيرتها من مساحيق الحبيبات كبيرة الحجم في تحسين مادة الأساس، ورفع مقاومتها وصلادتها.
تصنيف المتراكبات النانوية
يمكن تصنيف المتراكبات النانوية، شأنها شأن المتراكبات التقليدية، نسبة إلى نوع مادة القالب – مادة الأساس المُراد إضافة سمات وخصائص جديدة لها عن طريق دعمها بحبيبات نانوية لمادة أو مواد أخرى تختلف عنها – التي تكون عادة من مواد لينة أو ضعيفة، أو تفتقر إلى إحدى الخصائص المهمة.
متراكبات الكربون
تتميز تلك الفئة من المتراكبات بانخفاض تكلفتها وسهولة الحصول عليها من مصادر متعددة غنية بالمواد الكربونية مثل الفحم. وتصنع متراكبات هذا النوع من القوالب بطريقة تكنولوجيا المساحيق Powder Technology، وذلك من خلال كبس وتجميع مساحيق الكربون الناعمة باستخدام المكابس الساخنة عند درجات حرارة عالية.
وعلى الرغم من أن معظم المواد المقوية المضافة إلى هذا النوع من القوالب تكون عادة أليافا كربونية Carbon Fibers نانوية البنية، فإن تلك المواد المضافة قد تختلف وتتنوع، وذلك بناء على طرق تصنيع المتراكبة والخصائص المطلوب الحصول عليها.
وتُعد قابضات السيارات “دوبرياج” Clutches ووسائد فرامل Brake Pads الطائرات من الأمثلة التطبيقية المهمة التي توظف هذا النوع من المتراكبات.
متراكبات السيراميك
على الرغم من تميز قوالب هذا النوع من المواد السيراميكية بارتفاع صلادتها ومقاومتها للإجهادات الناشئة عن أحمال الضغط مع ثباتها الحراري والكيميائي، فإنها فقيرة في التوصيل الكهربائي والحراري. لذا تتنوع المواد النانوية المضافة إلى تلك القوالب من عناصر أو سبائك فلزية أو مواد سيراميكية أو ألياف زجاجية تبعا للخصائص المطلوب الحصول عليها والتطبيقات التي ستوظف فيها. وتستخدم هذه الفئة من المتراكبات في تصنيع منتجات التشغيل التي تعمل عند درجات الحرارة العالية، مثل أجزاء محركات الصواريخ، أو تلك الأجزاء المعرضة لعوامل البري والصدأ والتآكل أثناء التشغيل، كبعض أجزاء الماكينات والمحركات.
المتراكبات الزجاجية
تتشابه المواد الزجاجية Glasses مع المواد السيراميكية في كثير من الخصائص، فهي مواد قصفة ذات صلادة مرتفعة وثبات حراري عال. وتتألف متراكبات هذه الفئة من القوالب عن طريق إضافة مواد صلبة مثل حبيبات نانوية من الأكاسيد الفلزية أو الألياف. وتتميز متراكبات هذا النوع بمقاومتها الفائقة عند التشغيل في درجات الحرارة العالية، مما يوفر لها عوامل النجاح للاستخدام فى صناعة مكونات أجزاء المحركات المقاومة للحرارة Heat Resistance Parts for Engines، وأيضا في أجزاء المحركات التي لها صلة بالعوادم ومخلفات الاحتراق الداخلي مثل غرف العادم Exhaust Chambers وحلقات تجميع العادم Exhaust-Collector Rings.
المتراكبات الفلزية
تعد قوالب الفلزات أكثر أنواع القوالب شيوعا واستخداما. ويتوقف اختيار الفلز المستخدم في تصنيع مادة القالب على الغرض من استخدام المتراكبة النانوية والخصائص المرجوة منها. فمثلا، إذا كان الهدف هو تأليف متراكبات للاستخدام فى بيئة أو أجواء مؤكسدة Oxidizing Environments عند درجات الحرارة العالية، فإن قوالب فلز التنغستن تكون الأنسب لهذا الغرض، نظرا إلى الثبات الحراري والكيميائي لهذا الفلز المقاوم للانصهار. ولقوالب العناصر الفلزية الخفيفة، مثل الألمنيوم والمغنيسيوم مكانة مرموقة في الصناعات التي يكون الوزن فيها عاملا مهما، مثل صناعة السيارات والطائرات والمركبات الفضائية.
وتتألف المتراكبات الفلزية من قوالب لمواد فلزية تضاف إليها نسبة بسيطة من مواد مدعمة لعناصر فلزات حرة أو مواد سيراميكية.
متراكبات البلمرات
تتكون قوالب هذا النوع من المتراكبات من مادة البوليستر Polyesters أوالفينيل إستيرز Vinyl Esters، وذلك نظرًا إلى شيوع استخدامهما وقلة تكلفتهما. وتُدعّم هذه القوالب عادة بالألياف الكربونية النانوية أو أنابيب الكربون النانوية، وكذلك بأنابيب الصلصال الطبيعي أو المُخلق. وسبب اخيتار هذه الأنواع من المواد النانوية الداعمة هو لما تتميز به من مقاومة عالية وصلادة، إضافة إلى أنها خفيفة الوزن، ومن ثم لن تؤثر سلبا في خصائص هذه القوالب من ناحية الوزن. وتتميز الألياف والأنابيب النانوية للكربون بعدم تأثرها بالرطوبة وبثباتها الكيميائي العالى وارتفاع مقاومتها لكل الأحماض والقلويات والمذيبات عند درجة حرارة الغرفة.
وتوظف متراكبات هذا النوع من القوالب البلمرية في تصنيع الأدوات الرياضية، مثل مضارب التنس و عصي مضارب الغولف وتصنيع قضبان صيد الأسماك. وهذه المتراكبات من المواد الواعدة لاستخدامها في هياكل السيارات والطائرات.