د. عبدالرحمن لطفي أمين
تعتبر السالمونيلا جنسا من البكتريا التي تسبب أحد الأشكال الأكثر شيوعا من التسمم الغذائي في جميع أنحاء العالم. وعلى مر التاريخ كان لمرض حمى التيفوئيد – الذي تسببه بكتريا السالمونيلا التيفية – أثر كبير في تفشي العديد من الحالات الوخيمة، وجرى التعرف – في نهاية المطاف – إلى وجود صلة وثيقة بين هذا المرض والغذاء أو المشروبات الملوثة.
كارل جوزيف إيبرت، وهو طبيب وطالب في مستشفى رودولف فيرشو، كان أول من اكتشف عصية السالمونيلا في الغدد اللمفاوية في البطن والطحال في عام 1879. وبعد أن نشر ملاحظاته في عامي 1880 و 1881، أكد اكتشافه في وقت لاحق العديد من علماء البكتريا الألمان والبريطانيين، منهم روبرت كوخ.
سميت تلك البكتريا “بالسالمونيلا” نسبة إلى العالم “ دانيال إلمر سلمون”، وهو عالم بيطري في الكائنات الحية الدقيقة كان يدير برنامج أبحاث في وزارة الزراعة الأمريكية نحو عام 1800. وقد اكتشف جنبا إلى جنب مع العالم ثيوبالد سميث، بكتريا السالمونيلا في الخنازير التي استسلمت لهذا المرض والذي عُرف فيما بعد باسم كوليرا الخنازير hog cholera.
قصة ماري مالون
ولدت ماري مالون في أيرلندا وهاجرت إلى الولايات المتحدة في عام 1884. واعتبرت “مالون” أول وأشهر حامل ميكروب لحمى التيفوئيد في الولايات المتحدة. وعملت في البداية في عام 1906 طاهية لثري مصرفي بنيويورك يدعى تشارلز هنري وارن، ثم وظفت طاهية في العديد من المنازل الخاصة بنيويورك.
انتقلت “مالون” كطاهية من بيت إلى آخر ومن أسرة إلى أخرى، وانتقل معها وباء مرض التيفود الناتج عن بكتريا السالمونيلا، وتمثل مالون الحالة الأولى المعروفة لحامل الميكروب في الولايات المتحدة، حيث ثبت أنها كانت مسؤولة عن إصابة ما لا يقل عن 122 شخصا – منهم خمسة ماتوا بسبب العدوى التي كانت لا تعالج حينذاك وقبل اكتشاف المضادات الحيوية.
وفي عام 1907 كان قد أصيب نحو 3000 شخص في نيويورك بالسالمونيلا التيفية، بسبب مالون. ونظراً لعدم وجود مضادات حيوية ولقاحات واقية من المرض في ذلك الوقت كان لابد من اتخاذ إجراء ما حول مصدر العدوى.
فبعد تدخل الشرطة ووجود بكتريا السالمونيلا في برازها نفيت مالون، إلى مستشفى ريفرسايد بجزيرة نورث براذر، حيث وضعت في الحجر الصحي وحدها في كوخ باعتبارها أول وأشهر حاملة ميكروب حينذاك.
ناضلت بعدها مالون لتنال حريتها، إذ كان من المستغرب أن يتهم شخص بنشر العدوى وهو لا يعاني أي عرض مرضي.
وعلى الرغم من أن المحكمة العليا في نيويورك رفضت العريضة المقدمة منها والتي تطالب بالإفراج عنها، فإن مفوض الصحة في المدينة أشفق على مالون وأفرج عنها شريطة ألا تعمل مرة أخرى كطاهية. ومع ذلك، عادت مالون لمهنتها التي كانت قد أحبتها كثيراً كطاهية، وتسبب ذلك في تفشي التيفود مرة أخرى، فأعيدت للنفي في الجزيرة نفسها التي عاشت فيها حتى وفاتها في عام 1938.
لا يزال هناك الكثير من التكهنات بشأن المعاملة التي عوملت بها مالون على يد هيئة الصحة بنيويورك. فبدلا من العمل معها لجعلها تدرك أنها كانت أحد عوامل الخطر، فرضت الدولة عليها حجرا صحيا مرتين وتحولت بعدها إلى نوع من حيوانات التجارب المختبرية. وكثيرا ما يستشهد على هذه الحالة كمثال لكيفية إثارة نظام الرعاية الصحية للمواقف الاجتماعية المتحيزة نحو حاملي المرض.
تفشي السالمونيلا
درس المؤرخون والعلماء تفشيات المرض في الماضي، وخلصوا إلى استنتاج مفاده أن العديد من تلك التفشيات ربما تكون بسبب عدوى التيفود. وفي العام
430 قبل الميلاد ظهر طاعون يعتقد أنه تفش لحمى التيفوئيد قتل ثلث السكان في أثينا، التي كانت واحدة من المدن الأكثر نفوذا في الأمبراطورية اليونانية القديمة في ذلك الوقت.
وكانت العدوى بالسالمونيلا موجودة في أمريكا منذ أوائل القرن السادس عشر، إذ يعتقد أن حمى التيفوئيد كانت مسؤولة عن مصرع أكثر من 6000 مستوطن بين عامي 1607 و 1624. كما كانت حمى التيفوئيد هي القاتل الرئيسي في الحرب الإسبانية الامريكية عام 1898.
وبسبب التطعيمات والتقدم في مجال الصرف الصحي العام، انخفضت حالات الإصابة بحمى التيفوئيد في البلدان المتقدمة إلى نحو 5 حالات لكل مليون نسمة سنويا. ومع ذلك، لوحظت تفشيات تسببها سلالات السالمونيلا الأخرى.
وفي عام 1985 وقع أحد أعنف تفشيات السالمونيلا في الولايات المتحدة، عندما تم الإبلاغ عن نحو 6149 حالة من حالات السالمونيلا التيفية الفأرية بين الأشخاص الذين استهلكوا حليبا مبسترا في ولاية إيلينوي الشمالية (منها 5770 تم تأكيدها مختبرياً).
السالمونيلا… ما هي؟
السالمونيلا هي أنواع من البكتريا التي تسبب عادة الأمراض المنقولة بالأغذية، والتي تسمى بأمراض “التسمم الغذائي”. وتقدر عدد حالات الإصابة بالسالمونيلا في الولايات المتحدة سنويا بنحو مليون حالة.
وقد ارتبط انتشار العدوى بميكروب السالمونيلا بتناول الأغذية الملوثة وخاصةً الدجاج والبيض. وثبت أن بعض الأغذية ترتبط بذلك، مثل اللحم المفروم والتونة ولحم الخنزير والطماطم والخيار وزبدة الفول السوداني.
أعراض الإصابة
ثمة أعراض عدة تظهر الإصابة بالسالمونيلا، منها الإسهال لأكثر من 3 أيام جنبا إلى جنب مع ارتفاع في درجة حرارة الجسم لأكثر من 38.5 درجة. وأحياناً يكون البراز دمويا، وأحياناً يصاب المريض بالقيء. ومع طول فترة القيء والجفاف يعاني المريض من علامات الجفاف، مثل:قلة كمية البول وجفاف الفم والحلق والدوخة عند الوقوف.
ويصاب الإنسان بميكروب السالمونيلا إذا تناول الأطعمة الملوثة بالبكتريا مثل تناول الدجاج والخضراوات والبيض والفواكه ولحم البقر غير المطهو جيداً. والأطعمة الملوثة عادة ما تبدو ذات رائحة ونكهة طبيعية، وهذا هو السبب في أنه يجب أن نعرف جيداً كيفية الوقاية من عدوى السالمونيلا.
ومرض السالمونيلا يمكن أن يكون خطيراً لبعض الناس. وفي معظم الحالات، يستمر المرض بين 7-4 أيام ثم يتم التعافي تلقائياً دون علاج بالمضادات الحيوية. وتظهر الأعراض عادة بعد 48-6 ساعة من تناول الطعام الملوث. وقد تطول هذه الفترة في بعض الحالات. وأحياناً يكون الإسهال شديداً مما يتطلب دخول المستشفى. وعلى الرغم من أن أي شخص يمكن أن يصاب بعدوى السالمونيلا، فإن كبار السن، والأطفال الرضع، والأشخاص الذين يعانون ضعفا في جهاز المناعة قد يكونون أكثر عرضة لتطور المرض وظهور مضاعفات خطيرة عليهم.
ولكل حالة واحدة من السالمونيلا التي يتم تأكيدها بالفحص المختبري هناك نحو 29 لم يتم تأكيدها وهي موجودة في الواقع. ومعظم الناس الذين يصابون بأعراض التسمم الغذائي عادة لا يذهبون إلى الطبيب، ومن ثم لا يتم فحصهم في المختبر، لذا فإن الحجم الحقيقي لحالات السالمونيلا غير معروف واقعياً. وهذا هو السبب في أن السالمونيلا قد تؤدي إلى مزيد من الحالات أكثر مما نتوقع. وتقول الهيئات الصحية العالمية إن الإبلاغ عن حالات مشتبه فيها للأمراض المنقولة عن طريق الأغذية إلى سلطات وزارة الصحة المحلية قد يساعد المحققين على تحديد تفشي المرض، ومن ثم إيجاد الطرق الكفيلة بمنع حدوث التفشيات مرة أخرى.
ويعتبر مرض السالمونيلا من الأمراض الصيفية، إذ يشيع في الطقس الحار؛ لأن ذلك الجو يخلق الظروف المثالية لنمو ميكروب السالمونيلا. وعند تناول الطعام في الهواء الطلق في فصل الصيف، يجب الحرص على وضع الأغذية في الثلاجة أو تجميد الأغذية السريعة التلف، كما يجب تناول الأطعمة الجاهزة، وبقايا الطعام في غضون ساعتين (أو ساعة واحدة إذا كانت درجة الحرارة الخارجية 32 درجة مئوية أو أكثر).
ولتجنب السالمونيلا، يجب عدم تناول البيض النيىء أو المسلوق سلقاً خفيفاً. فالسالمونيلا يمكن أن تلوث البيض العادي المظهر تماما. كما أن الطبخ ( السلق الجيد أو القلي) يقلل من عدد البكتريا في البيضة.