د. عبدالله بدران
كما عاش حياته بعيداً عن أضواء الكاميرات وشاشات المحطات الفضائية، وصفحات الصحف والمجلات، وبريق الشهرة وإغواء المناصب، كذلك رحل في صمت شديد، وهدوء بالغ، بعد مرض ألم به، ولم يتطرق إلى خبر وفاته إلا قلة من وسائل الإعلام.
إنه الدكتور نبيل علي رائد حوسبة اللغة العربية تنظيماً وتطبيقاً وتعليماً، ومن أوائل الباحثين العرب الذين سعوا إلى الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات وتطويعها لخدمة اللغة العربية، لتكون تلك اللغة سهلة مستساغة يمكن استخدامها في الحواسيب، فضلا عن تسهيل نشرها وتعليمها، وتحبيبها لأبنائها وللناطقين بغيرها من اللغات، ولتطوير عملية الاشتقاق من جذورها الثرية.
وإذا كان الدكتور علي قد رحل عن عالمنا بداية العام الحالي عن عمر ناهز 78 عاماً بعد أن رصّع مسيرته العلمية بعدد من الجوائز القيمة، في مقدمتها جائزة الملك فيصل العالمية عام 2012 في اللغة العربية والأدب في مجال (المعالجة الحاسوبية للّغة العربية)، فإن إنجازاته ستبقى منارة للأجيال القادمة، وكتبه وأبحاثه ستظل مراجع علمية يستفيد منها جميع المعنيين بتطوير اللغة العربية، والحريصين على انتشارها، وستظل مسيرته المهنية والعلمية ملهمة لأولئك الغيورين على تلك اللغة الحية، الساعين إلى جعلها لغة طيعة للعلم والتعليم لدى أبنائها في جميع المراحل التعليمية.
وإذا كان ذلك العالم المصري قد عاش معظم حياته في بلاده مهندساً وخبيراً وباحثاً ومعلماً، فإن إنجازاته شملت الوطن العربي بكامله، وبصماته ظلت حية لدى جميع أبناء اللغة العربية الذين يستخدمون الحواسيب في أعمالهم ودراستهم. كما كان للكويت نصيب وافر من حياة ونشاط وإنجازات ذلك الرائد سواء من خلال عمله مع شركة (صخر) المتخصصة في مجال الحوسبة والمعلوماتية، أو كتبه التي نشر بعضها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أو مشاركاته في المحافل العلمية العديدة التي استضافتها الكويت في السنوات الماضية.
آراؤه اللغوية
بذل الدكتور نبيل جهوداً حثيثة للنهوض باللغة العربية ومواكبتها للتطورات الحاصلة في عصر المعلوماتية. وكان ينطلق في ذلك من رؤية تتمثل في أن اللغة العربية هي أبرز ملامح ثقافتنا العربية، وهي أكثر اللغات الإنسانية ارتباطاً بالهوية، وهي اللغة الإنسانية الوحيدة التي صمدت 17 قرناً، سجلاً أميناً لحضارة أمتها في ازدهارها وانتكاسها، وشاهداً على إبداع أبنائها، وهم يقودون ركب الحضارة.
وقال لي في آخر زيارة له إلى الكويت: «إن الأمة العربية أهملت لغتها أيما إهمال، لذا فإنها تعيش أزمة لغوية طاحنة، تفشت حتى كادت تصبح عاهة ثقافية مستديمة». وكان يرى بنظرة العالم الخبير أن جهد الإصلاح اللغوي في العقود الماضية، وخطابنا اللغوي الراهن، يعكس قصور معرفتنا باللغة العربية.
ويقول الدكتور نبيل عن اللغة العربية في إحدى محاضراته العلمية إنها أثبتت جدارتها على مرِّ العصور، وحقـّها في أن تصبح لغة عالمية، وشهد تاريخ الفتح الإسلامي على سرعة انتشارها واندماجها في بيئات لغوية متباينة. ونجحت في عصور الازدهار أن تكون أداة فاعلة لنقل المعرفة. ومن منظور فقه اللغة، تتسم اللغة العربية بالعديد من الخصائص الجوهرية التي تؤكد عالميتها، ومن أهمها، التزامها بالقاعدة الذهبية فيما يخص التوسط والتوازن اللغوي. فاللغة العربية تجمع بين كثير من خصائص اللغات الأخرى، على مستوى جميع فروعها اللغوية: كتابة وأصواتاً وصرفاً ونحواً ومعجما. وتتسم منظومة اللغة العربية بتوازن دقيق، وتآخ محسوب بين فروع اللغة المختلفة.
بين اللغة والحاسوب
كان الدكتور نبيل يقر بصعوبة معالجة اللغة العربية بالنظر إلى اللغات الأوروبية؛ لأن العربية أعقد اللغات السامية وأغناها صوتاً وصرفاً وعجماً، لكنه سعى إلى إبراز خصائص تلك اللغة، وخلص إلى فكرة مؤداها أن اللغة العربية لغة طبيعية قابلة للحوسبة والمعالجة الآلية شأنها في ذلك كشأن اللغات الطبيعية الأخرى.
وتلاقت بعض جهوده بجهود كان يبذلها عدد من الباحثين في معهد البحوث العلمية ومجمع اللغة العربية في دمشق بهذا الصدد.
وانطلاقاً من تلك الخبرة كثف الدكتور نبيل جهوده لوضع نموذج معلوماتي لمعالجة اللغة العربية، وتوصل إلى أن اللسانيات الحاسوبية تخول للباحث عدة أدوات ووسائل تمكنه من حوسبة اللغة العربية في الأمور الآتية:
< وسائل آلية لـ«تعمية» (تشفير) النصوص العربية بغية حفظ سرية المعلومات.
< ضبط النصوص العربية بأسلوب صرفي.
< اكتشاف الأخطاء الإملائية تلقائياً بأسلوب صرفي.
< اكتشاف الأخطاء النحوية وتصويبها تلقائياً.
< قراءة النصوص العربية آلياً.
< التشكيل التلقائي للنصوص العربية.
< تحليل الفائض الصرفي للنصوص العربية.
< تحليل الفائض النحوي للنصوص العربية.
< توليد الجمل العربية آلياً.
< تأليف النصوص العربية في شكل شبكات دلالية.
< تطبيق وسائل الدلالة التفضيلية في قراءة النصوص العربية غير المشكلة.
< تحديد أنماط النبر والتنغيم للكلمات والجمل العربية.
< تخمين الكلمات في نظم وتمييز وفهم الكلام آلياً.
تحليل «لغة المصدر» في نظم الترجمة الآلية من العربية إلى اللغات الأجنبية وتوليد لغة الهدف في الترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية.