المهندس أمجد قاسم
لم يكن المسعى الذي توجهت إليه دول عديدة باستغلال بعض المحاصيل الزراعية لإنتاج الوقود الحيوي خيارا سهلا، ولا توجها مر مرور الكرام؛ إذ واجه انتقادات حادة وتحديات جمة، بسبب استخدام بعض أنواع الغلال والمحاصيل الزراعية المخصصة لسد الحاجة للغذاء في إنتاج هذا النوع من الوقود، وكذلك بسبب تخصيص مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية لزراعة نباتات تستخدم لإنتاج الوقود، وما رافق ذلك من استهلاك لكميات هائلة من المياه والمخصبات والمبيدات الزراعية.
لقد زاد الاهتمام في عدد من الدول المتقدمة بالوقود الحيوي كمصدر للطاقة المتجددة، لاعتبارات بيئية ولتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري التقليدي الذي يتسبب في انبعاثات غازية ضارة بالبيئة، ولرغبة بعض الدول في تقليل اعتمادها على مصادر الطاقة المستوردة. لكن ذلك قوبل باشتراطات عدة ، فاشترط الاتحاد الأوروبي – على سبيل المثال- خلط ما نسبته 5 – 8 % من الوقود الحيوي بالوقود التقليدي المستخدم في وسائط النقل، على أن تصل النسبة إلى 20 % في عام 2020، مما عزز من أهمية هذا النوع من الوقود وأصبح إنتاجه يحقق عائدا اقتصاديا للمزارعين والمهتمين بإنتاجه وتسويقه. كما أن استخدام الوقود الحيوي يشكل نموذجا للتنمية المستدامة دون أن يكون ذلك على حساب الثروات الطبيعية للأرض ومقدرات الأجيال القادمة.
أجيال الوقود الحيوي
سعى الباحثون إلى تطوير صناعة الوقود الحيوي، إذ تم استخدام بعض المحاصيل الزراعية لإنتاج الوقود، كالذرة والقمح وقصب السكر للحصول على الإيثانول الحيوي، كما تم استخدام بذور اللفت وفول الصويا وزيت النخيل وزيت الجوز للحصول على الديزل الحيوي الذي يعد بديلا من السولار التقليدي. وأطلق على الوقود الحيوي المنتج من تلك المحاصيل الزراعية (الجيل الأول) لكنه قوبل باعتراضات واسعة، نظرا لاعتماده على سلة الغذاء العالمية، مما شجع الباحثين على إنتاج (الجيل الثاني) من الوقود الحيوي الذي يعتمد على أجزاء النباتات غير الصالحة للاستهلاك البشري، كسيقان القمح والذرة والرز، إلا أن هذا سيتسبب في حرمان التربة من تلك المخلفات العضوية التي تسهم في زيادة خصوبتها. ومع ازدياد الاهتمام عالميا بالوقود الحيوي، تم تطوير (الجيل الثالث) منه الذي يعتمد على استخدام الطحالب لإنتاج هذا النوع من الوقود، حيث أظهرت الأبحاث وجود قدرة كبيرة لبعض أنواع الطحالب على إنتاج الوقود الحيوي. وسعى فريق من الباحثين إلى إنتاج (الجيل الرابع) من هذا الوقود الذي يعتمد على بعض أنواع الكائنات الحية الدقيقة المعدلة وراثيا.
الجاتروفا وقودا
تستخدم بعض المحاصيل الزراعية لإنتاج الديزل الحيوي، لكن ذلك أدى إلى ارتفاع حاد في أسعارها وتهديد لتوافرها كغذاء للإنسان، وخصوصا في الدول النامية التي تزرعها وتصدرها للدول الغنية لاستخدامها لإنتاج الوقود، وهذا عزز من أهمية اللجوء إلى نباتات لا تصلح بذورها للاستهلاك البشري، ومن أهمها نبات الجاتروفا Jatropha غير الصالح كغذاء لأن ثماره سامة. إلا أن هذا النبات يحتوي على نسبة عالية من الزيت، كما أن زراعته لا تتطلب عناية خاصة، إذ يمكن أن ينمو في التربة الفقيرة ويروى بمياه الصرف الصحي المعالجة أو بالمياه الجارية المنخفضة الجودة.
وللجاتروفا 476 نوعا، وموطنها منطقة الكاريبي في أمريكا الجنوبية. وفي القرن السابع عشر نقل بحارة برتغاليون هذا النبات إلى الهند، ثم انتشرت زراعته في دول كثيرة. ويراوح ارتفاع أشجار الجاتروفا بين 3 – 5 أمتار، وربما يبلغ 10 أمتار. وهذه الأشجار هي من عائلة Euphorbiaceae، وفروعها غليظة وأوراقها خماسية التفصيص غير مسننة طولها 8.5 سم وعريضة . ويمكن أن تثمر الشجرة مرتين في العام، ويبلغ محصول الشجرة الواحدة من البذور بعد ثلاث سنوات من 3 إلى 4 كغم. وما يميز بذور الجاتروفا ارتفاع نسبة الزيت فيها، إذ تراوح بين 35 – %40، في حين تبلغ نسبة الدهون المشبعة فيها %20 والزيوت غير المشبعة %79، وهذا الزيت غير صالح للاستهلاك البشري، إلا أنه مناسب كوقود حيث يشتعل بنسبة متدنية من الأبخرة الملوثة للبيئة.
مزايا عديدة
تتميز نباتات الجاتروفا بقدرتها على تحمل الجفاف وعدم حاجتها إلى كميات كبيرة من المياه أو عناية خاصة، وهي تستطيع النمو في التربة الفقيرة التي لا تصلح لزراعة المحاصيل الغذائية، أما ثمارها فهي على شكل جوزة تحتوي على بذور سوداء فيها نسبة كبيرة من الزيت، وهذا الزيت مر الطعم ولا يصلح للاستهلاك البشري، إلا أنه مع بعض المعالجات الكيميائية والفيزيائية يمكن تحويله إلى ديزل حيوي مناسب جدا لتشغيل محركات بعض وسائط النقل، سواء بصورة مباشرة أو عند خلطه بالوقود الأحفوري.
كذلك يستخدم زيت الجاتروفا في تشغيل الآلات الزراعية والإضاءة المنزلية وبعض الصناعات الكيميائية، كصناعة الصابون والشموع والغليسيرين، أما سيقان وفروع هذه النبتة فتستخدم لصناعة الورق والخشب المضغوط.
وأظهرت التجارب الزراعية أن أشجار الجاتروفا تتفوق على المحاصيل الزراعية الأخرى في إنتاج الزيت، حيث تعطي كمية من الزيت أكثر بعشرة أضعاف من الذرة، وأن الهكتار الواحد من فول الصويا في أمريكا أعطى 375 كيلوغراما من الزيت، والهكتار الواحد من بذور اللفت أعطى 1000 كيلوغرام من الزيت في حين أعطى الهكتار الواحد من الجاتروفا في الهند نحو 3000 كيلوغرام.
من جانب آخر، فإن أشجار الجاتروفا تساعد على الحد من التصحر ومقاومة انجراف التربة وتثبيت الكثبان الرملية، وتسهم أوراقها المتساقطة في رفع خصوبة التربة، إذ إنها سماد عضوي غني بالنيتروجين والبوتاسيوم والفسفور، كما تستخدم هذه النباتات لتسييج المزارع وحمايتها من اعتداءات الحيوانات.
وتتميز أشجار الجاتروفا بقدرتها العالية على احتجاز غاز ثاني أكسيد الكربون المتهم بظاهرة الاحتباس الحراري التي تعانيها الأرض حاليا، إذ يمكن لهكتار واحد مزروع منها امتصاص ما بين 17 و 25 طنا من غاز الكربون سنويا، ومقدرة تلك الأشجار تفوق أي طريقة أخرى لتنحية غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي للأرض، كما أن زراعة تلك الأشجار في البيئة الصحراوية وشبه الصحراوية سيساعد على تحسين المناخ فيها وزيادة الهطول المطري وتحسين نوعية التربة.
فرصة مواتية
وصفت أشجار الجاتروفا سابقا بأنها “نبتة شريرة ومتوحشة” فثمارها سامة وتنمو في كل الأمكنة ولم تكن ذات فائدة تذكر، إلا أن اكتشاف قدرتها العجيبة على إنتاج الزيت جعل بعض الناس يطلق عليها “الشجرة السحرية” أو “الشجرة المعجزة” التي ستسهم في دفع عجلة التقدم والتطور التقني بالوقود الحيوي المستخلص منها، وبينما تلجأ بعض الدول المتقدمة إلى إنتاج هذا النوع من الوقود من المحاصيل الغذائية، فإن الفرصة متاحة للدول النامية والفقيرة والتي تفتقد للأراضي الزراعية والمياه، لاستغلال أشجار الجاتروفا لإنتاج الوقود وإقامة مشروعات استثمارية ترفد مسيرة التنمية في تلك البلاد، وتعزز من دورها في المحافظة على بيئة كوكبنا الذي أنهكته ملايين الأطنان من الغازات السامة والخطيرة والمواد الملوثة التي طالت كل أصقاع الأرض.