التلوث البيئي الزراعي والإخلال بالتنمية المستدامة
بدأت الزراعة منذ نحوعشرة آلاف عام في آسيا، وانتشرت بسرعة غرباً لتتجه في نهاية الأمر جنوباً إلى أفريقيا وأوروبا وأمريكا. ونشأت المحاصيل الزراعية عن الأنواع النباتية البرية. وتعد الزراعة أكبر المهن على وجه الأرض فهي التي تمد العالم بحاجاته من الغذاء يومياً التي تصل إلى 7.3 بليون طن من الألبان سنوياً، وتشغل نحو %40 من مساحة الأرض التي نعيش عليها، وتستهلك %70 من موارد العالم المائية، و%30 من المجتمعات الخضراء في العالم.
وبات العالم يواجه العديد من التحديات وبخاصة المجتمعات النامية، منها الزيادة المطردة في تعداد السكان والزيادة في استهلاك الغذاء والتوسع في الإنتاج الصناعي، مما يتطلب الاتجاه بالزراعة نحو مفهوم جديد هو الاستدامة.
الزراعة والبيئة
والزراعة من أكثر النشاطات الإنسانية اعتماداً على البيئة، ومن ثم فإن الاهتمام باستدامة الزراعة يجب أن يكون ذا أولوية متقدمة ليس فقط لارتباطها بأهداف الإنتاج والتنمية والأمن الغذائي، ولكن أيضاً لضرورتها للمحافظة على بيئة أكثر توازناً. وعلى الرغم من أن السياسات الزراعية التقليدية أحدثت طفرة كبيرة في الإنتاجية وحققت فائضاً كبيراً بإنتاج الغذاء في أجزاء كبيرة من العالم، فإن ذلك تم على حساب البيئة والأراضي الزراعية، حيث فقدت التربة مكوناتها الغذائية، كما أدى تكثيف استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية إلى تلوث التربة وفقدان التنوع البيولوجي وتصحر الأراضي الزراعية، ومن ثم فإنه في سبيل سعي التنمية الزراعية المستدامة إلى تحقيق الأمن الغذائي وتعظيم العائد من الموارد الزراعية يجب أن نحافظ على تلك الموارد ونحميها من التلوث والتدهور والاعتداء.
هذا ويرتبط المجتمع الإنساني ارتباطاً وثيقاً بعناصر البيئة الطبيعية من خلال عملية تبادلية للمواد الإنتاجية أو الاستهلاكية، وتتميز العلاقة التبادلية الاستهلاكية بأنها ترتكز على جانبين، الجانب الأول منها يظهر الإنسان ككائن بيولوجي (حي) يرتبط بعناصر الطبيعة، وتمده البيئة الطبيعية بسائر العناصر والظروف الملائمة لاستمراره، ومنها العناصر الغذائية المتعددة والمختلفة، أما الجانب الثاني من العلاقة التبادلية فيظهر فيه الإنسان ككائن اجتماعي داخل جماعة معينة هدفها تحقيق أقصى إشباع ممكن لحاجاته عن طريق العملية الإنتاجية، ومنها إنتاج السلع والمواد الزراعية لإشباع حاجاته الغذائية، وفي كل مرحلة من مراحل الإنتاج والاستهلاك تنبعث مخلفات يتم إرجاعها إلى البيئة الطبيعية، ومنها على سبيل المثال المخلفات الزراعية، مما يؤثر في القدرة النباتية للتربة وتلوث مياه الشرب، وتلوث الهواء عند حرق هذه المخلفات.
الزراعة والغذاء واستخدام الأراضي
في معظم مراحل التاريخ، كانت زيادة الإنتاج الغذائي تجرى بصورة أساسية عن طريق توسيع المناطق المزروعة، إلا أنه في العقود القليلة الأخيرة كان العامل الرئيسي لهذه الزيادة زيادة الغلة المحصولية، ومن المتوقع أن يتواصل هذا الاتجاه، ويشمل القيود على توسيع الأراضي المزروعة، وندرة الأراضي الزراعية العالية الجودة، ومزاحمة الاستخدامات البديلة للأراضي، وخطر التدهور البيئي للأراضي الزراعية الحدية والغابات.
وعلى الرغم من أن الاستهلاك البشري المباشر للحبوب يشكل الاستخدام الأمثل للإمدادات الغذائية، فإن المزيد من الأراضي في البلدان النامية أصبح يستخدم لزراعة حبوب الأعلاف، وعليق المواشي لاستيفاء الميول الغذائية المتزايدة نحو منتجات اللحوم والألبان.
وتتطلب التنمية والنمو السكاني حصة متزايدة من الأرض لأغراض تشييد المساكن والصناعات والهياكل الأساسية. ومع ذلك فإن السبب الرئيسي لضياع الأراضي هو تدهورها. وعلى الرغم من التفاوت الكبير في التقديرات المتعلقة بمستوى الخسارة العالمية في إنتاجية الأراضي، فإن التحات الخطير يلي في كثير من الأحيان توسيع الأراضي الزراعية إلى منحدرات التلال، كما أن ملوحة التربة تعد مشكلة خطيرة في بعض المناطق. ويمكن أيضاً أن يؤدي الاحترار العالمي وتغير المناخ الطويل الأجل إلى تهديد الأراضي ذات الجودة العالية في بعض البلدان، نتيجة لارتفاع منسوب مياه البحر أو تدهور الأحوال الزراعية والإيكولوجية.
مفهوم التنمية المستدامة
مفهوم التنمية المستدامة أحكمت صياغته قبل عدة سنوات اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية، وعرفت اللجنة التنمية المستدامة بأنها «التنمية التي تفي بحاجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على الوفاء بحاجاتها». فالتنمية المستدامة هي قيام الأجيال الحالية من البشر بالعمل على توفير حاجاتها في الحاضر دون التغافل عن المستقبل، بالحرص على عدم استنزاف الثروات الطبيعية، وادخار نصيب أكبر منها للغد، مع بذل أقصى الجهد لعدم تلويث البيئة بدرجة تجعل من المستحيل على أجيال المستقبل أن تباشر الحياة بالمستوى الذي نعمت به الأجيال السابقة؛ أي ألا تعوق عمليات التنمية في الوقت الحاضر أجيال المستقبل الغد عن توفير حاجاتهم. وأصبحت التنمية المستدامة في الدول النامية الشغل الشاغل للمحافل الدولية، وبخاصة منظمات الأمم المتحدة المعنية بالتنمية والبيئة، ومجلس منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) والهيئات المختصة بالموارد الطبيعية ومصادر الطاقة، والمؤتمرات الدولية.
دعائم الاستدامة الزراعية
تتحقق الاستدامة في الزراعة من خلال ثلاث دعائم رئيسية :
الأولى : مراعاة تحقيق المردود الاقتصادي أو الربحية، وذلك بالنظر إلى النشاط الزراعي باعتباره استثمارا.
الثانية : خلق وابتكار النظم الاجتماعية الجديدة من خلال المشروعات الزراعية وتشغيل الأفراد المعنيين وتنميتهم وتدريبهم.
الثالثة : الحفاظ على البيئة وتنوعها من خلال البعد البيئي والاستدامة البيئية الزراعية.
وتتكامل هذه الدعائم من خلال استغلال كل الموارد المتاحة أفضل استغلال، وحمايتها وتنميتها من أجل توفير الغذاء الآمن النظيف والمنتجات الزراعية باستمرار وعلى المدى الطويل وبأقصى كفاية لأفراد المجتمع الزراعي المضطلع بتلك المشروعات الزراعية، وكذا المجتمع غير الزراعي.
كما تتحقق هذه الدعائم الربحية المرجوة لأصحاب الاستثمارات وتحافظ على البيئة المحيطة على المدى الطويل مع توفير التنوع البيئي، فإن لم تحافظ الزراعية على البيئة وتنوعها فلن تتوافر البيئة اللازمة لاستمرار الاستثمار الزراعي واستدامته، ومن ثم لن يتوافر الغذاء الكافي والأمن للمجتمع.
التنمية المستدامة للأراضي
يقتضي الأمر وضع نظام تخطيط شامل ومنطقي لاستخدامات جميع أنواع الأراضي (بما في ذلك الأراضي التي تدهورت نوعيتها) ولمختلف الأغراض، وفي الوقت نفسه ينبغي أن تدرس بعناية برامج منسقة لوقف التدهور في الأجلين القصير والطويل، وأي خطة قومية شاملة لمختلف أنواع استعمالات الأراضي ينبغي أن تأخذ في الحسبان نوعية الأراضي والأولويات لاستعمال هذه الأراضي والعائد الاجتماعي والاقتصادي والزيادة المتوقعة في الحاجة للاستعمالات المختلفة في المستقبل، وينبغي التركيز بشكل خاص على مشاركة الأطراف المعنية في إعداد وتنفيذ خطط استعمالات الأراضي. >
الف شكر للمقال القيم