Natural Sciences

التحول في نظام الطاقة العالمي: خريطة طريق لعام 2050

د. عبد الله بدران

بحلول عام 2050، يمكن لجميع البلدان أن تحقق زيادة كبيرة في نسبة الطاقة المتجددة ضمن مجموع استخداماتها من الطاقة . ومصادر الطاقة المتجددة قادرة على تعويض 60% أو أكثر من مجموع الاستهلاك النهائي من الطاقة لكثير من الدول. وعلى سبيل المثال، يمكن للصين أن تزيد حصة الطاقة المتجددة في استخداماتها من الطاقة من %7 في عام 2015 إلى %67 في عام 2050. وفي الاتحاد الأوروبي، يمكن أن ترتفع هذه الحصة من نحو %17 إلى أكثر من 70%. وقد تشهد الهند والولايات المتحدة ارتفاعا في حصص الطاقة المتجددة بمقدار الثلثين أو أكثر.

هذه إحدى النتائج التي خلص إليها تقرير عالمي حديث أعدته الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إرينا) بعنوان (التحول في نظام الطاقة العالمي..خريطة طريق لعام 2050). داعيا إلى التوسع في تبني مصادر الطاقة المتجددة وكفاءة استهلاك الطاقة عبر جميع القطاعات، بحيث يرتفع إجمالي حصة الطاقة المتجددة من نحو %15 من مجموع إمدادات الطاقة الأولية في عام 2015 إلى نحو الثلثين بحلول عام 2050. ولتحقيق الأهداف المناخية المنشودة، لا بد من خفض كثافة استهلاك الطاقة في الاقتصاد العالمي بمقدار الثلثين بحلول عام 2050 بما يخفض مجموع إمدادات الطاقة الأولية في ذلك العام إلى ما دون مستويات عام 2015 بقليل. وعلى الرغم من النمو السكاني والاقتصادي الكبير، فإنه يمكن تحقيق ذلك عبر تحسين كفاءة استهلاك الطاقة بصورة ملحوظة.

الطاقة وكفاءة استهلاكها
وقال التقرير في ملخصه التنفيذي إن الطاقة المتجددة وكفاءة استهلاك الطاقة تشكلان الركيزتين الأساسيتين لإنجاز التحول المنشود في قطاع الطاقة. ولئن كانت المسارات المختلفة قادرة على الحد من ظاهرة تغير المناخ، فإن هاتين الركيزتين تشكلان المسار الأمثل لإنجاز معظم الخفض المطلوب في الانبعاثات الغازية بالسرعة اللازمة؛ حيث يمكنهما معا تحقيق ما يزيد عن %90 من التخفيضات المطلوبة في الانبعاثات الكربونية المرتبطة بالطاقة، وذلك باستخدام تقنيات آمنة وموثوقة وميسورة التكلفة ومتاحة على نطاق واسع.
يسعى اتفاق المناخ التاريخي، الذي وقع في باريس عام 2015 إلى الحد من معدل ارتفاع درجات الحرارة عالميا بحيث لا يتجاوز درجتين مئويتين في القرن الحالي مقارنةً بمستويات ما قبل العصر الصناعي. وتشكل مصادر الطاقة المتجددة، مقرونةً بالتحسن السريع في كفاءة استهلاك الطاقة، حجر الأساس في إيجاد حل فعال لظاهرة تغير المناخ.
ويرى التقرير أن الحفاظ على مقدار الارتفاع العالمي في درجة الحرارة بما يقل عن درجتين مئويتين ممكن من الناحية التقنية و سيعود بفائدة أكبر من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، قياسا بالمسار الناتج عن الخطط والسياسات الحالية، ومع ذلك، فلا بد أن يخضع نظام الطاقة العالمي لعملية تحول عميقة، من نظام يعتمد اعتماداً كبيراً على أنواع الوقود الأحفوري إلى نظام يعزز الكفاءة ويقوم على الطاقة المتجددة. إن مثل هذا التحول في الطاقة العالمية – الذي يُنظر إليه على أنه ذروة «الانتقال في الطاقة» والذي يجري تنفيذه بالفعل في بلدان كثيرة قادر على خلق عالم أكثر ازدهارا وشمولا.

كهرباء بلا كربون
إن قطاع الكهرباء الخالي من الكربون، الذي تغلب عليه مصادر الطاقة المتجددة، يندرج في صلب عملية الانتقال إلى مستقبل الطاقة المستدامة، وفق ما يقول التقرير. ويضيف إن حصة الطاقة المتجددة في قطاع الكهرباء قد ترتفع من %25 في عام 2017 إلى %85 بحلول عام 2050. وسيكون ذلك غالبا من خلال النمو في توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وسيتطلب هذا التحول وضع منهجيات جديدة في تخطيط منظومات الكهرباء، وعمليات النظم والسوق، والأنظمة والسياسات العامة. وحالما تصبح الكهرباء منخفضة الكربون هي المصدر الرئيسي للطاقة، عندها قد تتضاعف حصة الكهرباء المستهلكة في قطاعات الاستخدام النهائي من %20 تقريبا في عام 2015 إلى %40 في عام 2050. وستصبح المركبات الكهربائية والمضخات الحرارية أكثر شيوعا في معظم أنحاء العالم. أما من حيث الطاقة، فمن شأن الكهرباء المتجددة أن توفر نحو %60 من مجموع استخدام الطاقة المتجددة، وهذا أكثر بمرتين ونصف من مساهمتها الحالية في إجمالي استهلاك الطاقة المتجددة.
و شكلت الطاقة المتجددة نحو ربع إجمالي القدرة الإنتاجية العالمية من الطاقة، وهذا رقم قياسي جديد. كما تم تسجيل أرقام قياسية جديدة على صعيد توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، حيث زاد توليد الطاقة الشمسية الكهرضوئية بمقدار 94 جيجاوات وطاقة الرياح بمقدار 47 جيجاوات بما فيها 4 جيجاوات من طاقة الرياح البرية. ويرى التقرير أن على قطاعات الصناعة والنقل والبناء أن تستخدم مزيدا من الطاقة المتجددة. وفي هذا السياق، يمكن للكتلة الحيوية أن توفر نحو ثلثي الطاقة المتجددة المطلوبة لاستخدامات التدفئة والوقود، على حين توفر الطاقة الحرارية الشمسية نحو الربع، وتوفر الطاقة الحرارية الأرضية وغيرها من المصادر المتجددة النسبة المتبقية.

فوائد اقتصادية
يركز التقرير على الفوائد الاقتصادية الناجمة عن التحول في نظام الطاقة العالمي، ويوضح أن التكاليف الإضافية لهذا التحول على المدى الطويل قد تبلغ 1.7 تريليون دولار أمريكي سنويا في عام 2050، بيد أن وفورات التكلفة الناجمة عن انخفاض معدلات تلوث الهواء وتحسن مستويات الصحة العامة وتراجع الضرر البيئي ستفوق هذه التكاليف بكثير. والوفورات المحققة ضمن هذه الجوانب الثلاثة وحدها ستبلغ وسطيا ستة تريليونات دولار أمريكي بحلول عام 2050. إضافة إلى ذلك، من شأن عملية التحول هذه أن تحسن البصمة الاقتصادية والاجتماعية لنظام الطاقة العالمي بدرجة كبيرة قياسا مع نهج العمل المعتمد حاليا، عدا تحسين معدلات الرفاهية والناتج المحلي الإجمالي والتوظيف. وعلى صعيد الاقتصاد العالمي، سيرتفع الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050 في كلا السيناريوهين المرجعي والتحولي. حيث إن التحول في نظام الطاقة يحفز نشاطا اقتصاديا يضاف إلى النمو الممكن توقعه ضمن نهج العمل المعتمد حاليا. وسيبلغ الربح التراكمي الناجم عن ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي من عام 2018 حتى عام 2050 نحو 52 تريليون دولار.

البصمة الاقتصادية والاجتماعية
ويرى التقرير أن الاستثمار الإضافي الكبير في التقنيات المنخفضة الكربون سيكون مطلوبا مقارنة بالسياسات الحالية والمزمعة. فالحاجة تستدعي زيادة الاستثمار في نظام الطاقة بين عامي 2015 و 2050 بنسبة %30 تقريبا – من 93 تريليون دولار أمريكي وفقا للسياسات الحالية والمزمعة إلى 120 تريليون دولار – لتمكين عملية التحول في نظام الطاقة. وقد تتمحور معظم استثمارات الطاقة حول تقنيات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة. ويعتبر فهم البصمة— الاقتصادية والاجتماعية لتحول نظام الطاقة أمرا أساسيا لتحسين النتائج. فالتحول في نظام الطاقة لا يمكن التفكير فيه بمعزل عن المنظومة الاقتصادية والاجتماعية التي يحدث فيها. ويمكن اتباع مسارات تحول مختلفة، فضلا عن تحولات شتى في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية. وتسعى خريطة طريق الطاقة المتجددة إلى تحسين البصمة الاقتصادية والاجتماعية العالمية لنظام الطاقة (قياسا بالحالة المرجعية). وبحلول عام 2050، سيثمر ذلك ارتفاع معدلات الرفاهية بنسبة %15، والناتج المحلي الإجمالي بنسبة %1، والوظائف بنسبة %0.1. ويتوقع التقرير أن يؤدي تحول نظام الطاقة إلى فقدان 7.4 مليون وظيفة في قطاع الوقود الأحفوري بحلول عام 2050، لكنه سيخلق في المقابل 19 مليون وظيفة جديدة في مجالات الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، وتحسين الشبكات، ومرونة الطاقة، وهذا يعني في المحصلة كسب 11.6 مليون وظيفة.

Show More

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Check Also
Close
Back to top button