د. حمود الدوسري
كلية علوم الحاسب والمعلومات، جامعة الملك سعود (السعودية)
البيانات هي الحقائق والإحصاءات التي نجمعها عن شيء معين، وتعرف تقنياً بأنها كل ما نستطيع تخزينه في الحاسوب من أرقام ورموز وصور ونصوص. وتشكل البيانات في الثورة التقنية اللغة التي من خلالها يتخاطب الإنسان مع الآلة، إذ يدخل المستخدم بعض البيانات، ويستخدم الحاسوب بعض البرامج لمعالجتها، ثم يستخرج النتائج ويخزنها في قواعد بيانات.
وأدى انتشار استخدام شبكة الإنترنت والأجهزة الذكية، وكذلك التحول إلى الأنظمة الإلكترونية، إلى توليد كم هائل من البيانات في مختلف المجالات؛ في العلوم الإنسانية والطبيعية والاجتماعية والهندسة والطب. ويطلق على هذا الكم الهائل من البيانات بالبيانات الضخمة، التي فرضت تحديات جديدة أدت إلى الحاجة لتطوير تقنيات جديدة لتخزين هذه البيانات ومعالجتها، حتى يتم استخراج أنماط ومعارف تساعد صنّاع القرار وراسمي الاستراتيجيات على تقييم كفاءة والمنظمة وفاعليتها، وتطوير عملها، وضمان جودة الخدمات التي تقدمها.
وكذلك أدى استخدام الناس لمنصات الشبكات الاجتماعية إلى إنتاج كم هائل من البيانات بحجم كبير وتنسيقات متعددة من صور ونصوص ومقاطع صوتية وفيديوهات. وهذا الكم الكبير والهائل والمتنوع من البيانات أُطلق عليه مصطلح “البيانات الضخمة” الذي أضيف إلى قاموس أكسفورد في عام 2013. ويعرف المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا البيانات الضخمة بأنها مجموعة بيانات واسعة النطاق في خصائص الحجم والسرعة والتباين، وتتطلب بنية قابلة للتوسع في التخزين والتحليل الفعال، أي إنها تلك البيانات التي يتجاوز حجمها قدرة أدوات وبرامج قواعد البيانات التقليدية في تخزينها وإدارتها وتحليلها.
واستخدمت البيانات الضخمة في عدة مجالات لدفع عجلة التطور والتنمية. ويمكن تصنيف تقنية المعلومات والتحول الرقمي باعتبارها عاملاً جوهرياً في نجاح الخطط التشغيلية لأي منظمة. وفي المقابل يعتبر تحليل البيانات الضخمة والاستثمار فيها عاملاً جوهرياً في نجاح الخطط الاستراتيجية للمنظمات من خلال استخدام وتطبيق أدوات معينة لتحليلها لاستكشاف واقع المنظمة أو التنبؤ بالتحديات والفرص المستقبلية.
إسهامات في التنمية الإدارية
أسهم التحول من التعاملات الورقية إلى التعاملات الإلكترونية في متابعة الإجراءات الإدارية وجمع بيانات عنها بصورة آلية، وهو أمر كان غير متاح سابقاً مع التعاملات الورقية. وهذه البيانات تشكل ثروة لصناع القرار للتنقيب فيها وتحليلها للخروج بعلوم ومعارف تساعد على تطوير وتحسين العملية الإدارية في كل القطاعات.
ويشير مفهوم التنمية إلى عملية التطور التي تطرأ على مجال معين من مجالات الحياة، وتهدف إلى الارتقاء بالحياة الإنسانية والوصول بها إلى درجة الرفاهية من خلال توفير كل حاجات الناس. وتأخذ هذه التنمية أشكالا وصور متنوعة، مثل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية. والتنمية الإدارية تشير إلى مضمون التحديث والإصلاح والتطوير الإداري. وتظهر النظريات الإدارية القديمة والمعاصرة أن تلك التنمية ليست عملية تلقائية ولا يمكن استيرادها، وإنما هي عملية تغيير مستمر في النظم واللوائح والهياكل الإدارية والعلاقات التشريعية وأنماط السلوك الإداري تأتي استجابة لمحاولات التطوير التي تبذلها الدول لحل المشكلات الإدارية. ويُعرف أحد المفكرين التنمية الإدارية بأنها الجهود التي يجب بذلها بصورة مستمرة لتطوير الجهاز الإداري في الدول لرفع مستوى القدرة الإدارية للدولة، وبصورة عامة فإن التنمية الإدارية جزء مهم وأساسي من التنمية الشاملة التي تسعى إليها الدول لإرساء قواعد الإصلاح ومحاربة الفساد.
والتنمية الإدارية هي في صلبها عملية مستمرة تهدف إلى إصلاح وتطوير العمليات الإدارية في المنظمات، لكن هذه التنمية ليست عملية تلقائية ولا يمكن استيرادها لأنها تتفاعل مع المتغيرات في البيئة والثقافة المحلية؛ فالتنمية التي تناسب مجتمعاً ما لا يعني بالضرورة مناسبتها لمجتمع آخر. وتفرض خصوصية التنمية الإدارية تحديات على العاملين في هذا المجال تكمن في فهم البيئة والثقافة المحلية. ومن الأمور التي تختلف من بيئة إلى أخرى الإجراءات التي تتخذها المنظمات لتنفيذ مهامها، والتي تخضع لقوانين البلد وثقافته. لذا فإن التنمية الإدارية تتطلب متابعة دورية للإجراءات الحالية للمنظمة ومن ثم تقييمها وتحسينها.
وتهدف التنمية الإدارية إلى الإشراف على كل أعمال المنظمة ووضع آليات وتشريعات تسمح لمجلس الإدارة في أي منظمة بمساءلة الإدارة التنفيذية. وتواجه المنظمات تحديات عدة في هذا الجانب أبرزها مدى الالتزام بتطبيق معايير المراجعة والتدقيق المالي والحد من الممارسات السلبية، وكذلك تفعيل وحدة المخاطر والمراقبة. ومن أبرز التحديات أيضاً آلية مراقبة العمليات الداخلية وتقييم تحسنها وتحقيق الضبط الداخلي، وتصويب وتقويم أداء المؤسسة من خلال الالتزام بالمتطلبات القانونية والإدارية. أما في جانب محاربة الفساد، ولكون الفساد ألد أعداء التنمية الإدارية وتطويرها، فإن المنظمات تواجه تحديات عدة أبرزها الحد من السلوك غير الأخلاقي والتلاعب في الجوانب الإدارية، وفحص خلفيات الموظفين المتقدمين لشغل الوظائف وسجلاتهم الوظيفية السابقة لضمان نزاهتهم وشفافيتهم.
تحليل البيانات في عالم الإدارة
بالنظر إلى إمكانات البيانات الضخمة من جهة والتحديات التي تواجهها التنمية الإدارية من جهة أخرى يتضح مدى الحاجة لتطبيق تقنيات وأدوات التحليل في بيانات المجال الإداري. وتساعد البيانات الضخمة على تحقيق العديد من أهداف التنمية الإدارية. ولأن تلك التنمية عملية مستمرة فإن جمع البيانات الضخمة عن الإجراءات بصورة مستمرة سيساهم في مراقبتها واكتشاف أي نمط أو سلوك غير طبيعي، كما تساهم تلك البيانات في التحقق من الالتزام بمعايير المنظمة، وتحقيق كفاءة عالية في أعمالها من ناحية تقليل الوقت والجهد والمال في تنفيذ المهام، والمحافظة على الموارد والحد من هدرها.
أما أهم استخدامات البيانات الضخمة وتحليلها بصورة عامة فيكمن في دعم القرارات. والجمع المستمر للبيانات يساعد على معرفة الواقع (تحليل وصفي) في حالة دقة البيانات وصحتها، وهذه الصورة ستساعد كل العاملين في المنظمة على اتخاذ القرارات التي تسهم في أداء مهامهم بصورة فعالة، وستساعد صناع القرار وراسمي الاستراتيجيات على التخطيط في الأمد البعيد. وهذه الخاصية مهمة في مجال التنمية الإدارية كونها عملية طويلة الأمد وآثارها تظهر على المدى البعيد. ومن أهم استخدامات البيانات الضخمة أيضا التنبؤ بالمستقبل (تحليل تنبؤي). وهذا النوع من التحليل يساعد متخذي القرار على اختبار بدائل عديدة وآثارها المحتملة (سيناريوهات ما إذا كان)، ويشكل رؤية ثاقبة لمحاولة معرفة مدى تأثير أي تغيير في الإجراءات على تحسين أداء المهام في المنظمة.
إجراءات ضرورية
حتى يتم الاستفادة من البيانات الضخمة في المجال الإداري في بيئة ما هناك عدة إجراءات يوصى بالأخذ بها، وهي تمثل الشروط التي يجب توفرها في أي منظمة حتى يتسنى لها الاستفادة من إمكانات تقنيات البيانات الضخمة في دعم عجلة التنمية الإدارية:
التحول للتعاملات الإلكترونية: تحويل عمل المنظمة إلى تعاملات إلكترونية بدلاً من العمليات الورقية سيوفر بيانات هائلة عن العمليات التي تتم داخل المنظمة من عدة جوانب؛ على الجانب التشغيلي، والمالي، والعلاقة مع العملاء. وبصورة عامة سيتيح ذلك نافذة للمنظمة توفر لها بيانات ضخمة لمراقبة كل العمليات الداخلية على المستويات كافة. وهذه البيانات الضخمة ستشكل مصدرا مهما للتنقيب في هذه البيانات واستخراج العلوم والمعارف التي تساعد على تطوير المنظمة ودعم اتخاذ القرارات فيها.
حوكمة البيانات: تهدف حوكمة البيانات إلى تنظيم البيانات وتصميمها وتعزيزها وحمايتها عبر دورة حياتها، وإلى توفير بيانات بجودة عالية يسهل الوصول لها للمرخص لهم فقط، وحمايتها من غيرهم، وهي عملية تنظيمية لبناء هيكل البيانات في المنظمة تتم بصورة مستمرة وعلى فترات متباعدة.
تصميم عمليات الأعمال: في إدارة عمليات الأعمال يُنظر إلى العمليات (الإجراءات) كأصول مهمة للمنظمة يجب فهمها وإدارتها وتطويرها. ويتضمن تصميم تلك الأعمال تحليلها بهدف تحديد العمليات الرئيسية والفرعية، ويهدف إلى تعريف الطرق التي تُنفذ بها العمليات لتحقيق الأهداف المنشودة للمنظمة. ويساعد وجود مثل هذا النموذج على مراجعة العمليات وتدقيقها للانتقال من العمليات الورقية إلى العمليات الإلكترونية، والتغيير الذي سيطرأ على تلك العمليات وإجراءاتها من جراء ذلك التحول (أتمتة بعض العمليات على سبيل المثال).
توفر شبكة بريد إلكتروني خاصة بالمنظمة: إن وجود شبكة بريد إلكتروني خاصة بالمنظمة سيوفر لها بيانات تساعدها على اكتشاف أنماط التواصل غير المرئية بين الموظفين من خلال رسائل البريد الإلكتروني (الإيميلات) بينهم (من ناحية عدد الرسائل ومحتواها). وتحليل تلك الشبكات الاجتماعية التي تشكلت من تبادل رسائل البريد الإلكتروني بين الموظفين سيساعد المنظمة على تحديد النقاط الحرجة التي ربما تؤدي إلى تعطل تنفيذ المهام وتأخرها، وكذلك تحديد المسارات الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية في عمل المنظمة ليتم تطويرها.