Doctor Muhammad Abdul qadir Alfiki
يرى كثير من علماء الجيولوجيا والأحافير أن الحياة استمرت من دون انقطاع على الأرض ثلاثة بلايين ونصف البليون سنة. ومع ذلك، فإن كل الأنواع تقريبا التي كانت موجودة فيما مضت قد انقرضت، ولم تترك وراءها إلا آثارها أو عظامها أو جثثها التي حُفظت بطريقة ما في الجليد أو الصخور أو تحت أطباق الثرى.
وربما ظنّ ظانٌّ أن دراسة تاريخ انقراض الأحياء على الأرض أمر غير ذي جدوى. فما الذي تفيده دراسة ظاهرة سلبية؟ وهل الإحاطة بأسرار الخلق الأول مفيدة لنا في حضارتنا الحديثة؟ وما أهمية البحث في أسباب فناء المخلوقات إذا كان ذلك أمرا طبيعيا يحدث على مر العصور المختلفة. فكم من أحياء سادت وانتشرت في شتى بقاع العالم وبحاره ثم بادت. وكم من أنواع جديدة ظهرت بعدما اختفى غيرها. فالموت والحياة سنّتان كونيتان مستمرتان.
والحقيقة التي لا يماري فيها أي عاقل منصف هي أن دراسة تاريخ الانقراض تهمّنا من أوجه كثيرة؛ فهي ضرورية للإحاطة بما أصاب التنوع البيولوجي على الأرض من دورات الحياة والموت. وكما يقول (دافيد م. روب) فإن الانقراض “هو إحدى القوى الدافعة للتطور وظهور الأنواع الجديدة. ودراسته تساعدنا على تفادي الأخطار التي تهدد التنوع البيولوجي. وهي أيضا مهمة بالنسبة للأنشطة البشرية التي قد تضرّ بالأنواع الأخرى من الأحياء. كما أن دراسة تاريخ الانقراض تمدنا بمنظور متكامل عن تأثيرات البيئة في كوكبنا الأرضي، وما نتوقعه من تأثيراتها في المستقبل.”
خمسة انقراضات معروفة
والانقراض يختلف في أنواعه. فهناك انقراضات جماعية هائلة، عدد المعروف منها خمسة فقط، هي تلك التي وقعت في العصور الجيولوجية المعروفة بالأوردوفيشي Ordovician، والديفوني Devonian، والبرمي Devonian، والثلاثي Triassic، والطباشيري Cretaceous. ويعتقد بعض العلماء أن هناك أربعة انقراضات رئيسية إضافية، حدثت خلال دهر الطلائع Proterozoic من عصر ما قبل الكمبري (الذي انتهى منذ 541 مليون سنة). ووفقا لبروثرو Prothero فإنه من بين 5 – 50 بليون نوع من الحيوانات والنباتات التي ظهرت على الأرض، فإنه لا يوجَد حيًّا الآن منها إلا ما نحو 40 مليون نوع، أي إن نسبة انقراض الأنواع على مدى تاريخ الحياة هي 99.9 %. وفي هذا الصدد، تشكل الانقراضات الجماعية أقل من 5 % من جميع الأنواع التي انقرضت.
ويعتقد لفيف من العلماء أيضا أننا نواجه الآن الانقراض الجماعي السادس، الذي يقوده الإنسان العاقل. وثمة أدلة كثيرة على أن هذا الانقراض بدأ بالتسارع منذ 500 عام. ومع ظهور أسلحة الدمار الشامل والسموم الصناعية والأدوية والنفايات الخطرة التي يتم التخلص منها في المحيطات والغلاف الجوي، يمكننا القول بأن الجنس البشري يسعى إلى تدمير ذاته، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى انقراض جماعي على مستوى العالم. ومع أن هناك عدة عوامل تقف وراء حوادث الانقراض، فإن استقراء وقائع التاريخ الجيولوجي للأرض يوضح أن معظم هذه الحوادث وقع من جراء واحد أو أكثر من العوامل الآتية:
1 – التبريد أو الاحترار العالمي.
2 – التجلد الكبير.
3 – التذبذبات في مستوى ارتفاع سطح البحر.
4 – نقص الأكسجين على المستوى العالمي.
5 – الانفجارات البركانية.
6 – ارتطام جرم سماوي (كويكب أو نيزك) بسطح الأرض.
7 – حركيّة الصفائح (تكتونية الألواح).
8 – أشعة غاما.
9 – المرض.
وفي هذا الاستعراض التاريخي، سنوضح باختصار أبرز حوادث الانقراض الجماعي التي شهدها كوكب الأرض، منذ أقدم العصور.
الانقراض الجماعي الأول: أرض كرة الجليد:
قبل دهر الطلائع كان معظم الغلاف الجوي للأرض يتكون من الميثان وثاني أكسيد الكربون.
وقد بدأ الدهر السحيق (الأركي) Archaean era (الذي امتد من أربعة بلايين إلى 2.5 بليون سنة مضت) بفترة من الاحترار العالمي دامت نحو 600 مليون سنة، حيث ارتبط هذا الحدث بارتفاع مستوى كل من الميثان وثاني أكسيد الكربون، وبتأثير الدفيئة. وتبع ذلك ارتفاع في نسبة الأكسجين، وانخفاض الميثان، ثم حدوث تجمد عالمي global freezing، وذلك قبل 2.3 بليون سنة. ثم ارتفع الميثان مرة أخرى، مما أدى إلى حدوث احتباس حراري، ومن ثم انصهار الجليد على المستوى العالمي (قبل 1.8 بليون سنة). ولهذا السبب، من المرجح أن العديد من الأنواع أخذت طريقها للانقراض من جراء هذه الظروف المناخية العالمية المتطرفة. وقد وقع هذا الانقراض الجماعي في حقبة الطلائع القديمة Paleoproterozoic، وهو أول عصر جليدي عالمي. ويطلق العلماء على هذا الـحدث اسم حدث التأكسج الكبير Great Oxygenation Event. ويطرح بعض العلماء نظرية تقول إنه بعد فترة قليلة من هذا الحدث، تجمّد سطح كوكب الأرض بالكامل ليصبح أول كرة جليدية Snowball Earth. وهم يعتقدون أن سطح الكوكب بكامله كان صلبًا بشكل شبه مجمّد. وأسفر ذلك عن قتل جميع بدائيات النواة prokaryotes وحقيقيات النواة eukaryotes التي لم تتكيف مع درجات الحرارة المسببة للتجميد، وانخفاض تركيز الميثان، ووجود زيادة في نسبة الأكسجين.
ولما كانت كل أنواع الحياة في ذلك الماضي البعيد مجهرية، وكانت حقيقيات النواة – كما يُعتقَد – تتألف من أقل من نوعين من الخلايا، فإن معظم العلماء لا يميلون إلى جعل موت هذه الأنواع المجهرية أمرا يستحق أن يوصف بأنه “انقراض جماعي”.
أرض كرة الجليد الثانية
في وقت مبكر منذ نحو 800 مليون سنة، كان هناك الكثير من العوالق (البلانكتونات)، والبكتيريا الزرقاء الخيطية، والأوّليّات، والفطريات، والأميبيّات، وحقيقيات النواة، والطحالب البحرية التي تقوم بعملية البناء الضوئي، مما أدى إلى إطلاق الكثير من الأكسجين.ومنذ زهاء 730 مليون سنة، بدأت مستويات الميثان وثاني أكسيد الكربون بالانخفاض مع ارتفاع مستويات الأكسجين، وأدى ذلك إلى انخفاض درجات الحرارة، وبدأت الأرض بالتجمد.
ومنذ نحو 725 مليون سنة، بدأ عصر الجليد الإستروتي Sturtian العالمي. ويعتقد أن سطوح المحيطات واليابسة، من القطبين إلى خطوط العرض الاستوائية، تجمدت وأصبحت جليدية. ونتيجة لذلك، تعرض عدد كبير من الأنواع للانقراض.
أرض كرة الجليد الثالثة
منذ 640 مليون سنة، خضع كوكب الأرض لعصر جليدي عالمي آخر، عُرِف بالعصر الماريوني Marinoan. وأعقبت هذا العصر فترة تبريد أقل تطرفا، عرفت باسم فترة التبريد الجاسكيري Gaskiers، التي انتهت منذ نحو 580 مليون سنة. وربما نجمت هذه العصور الجليدية العالمية عن تراكم كل من الأكسجين وانبعاثات الرماد البركاني في الغلاف الجوي.
وقد هلكت أعداد لا تحصى من المخلوقات المجهرية، كما انقرض العديد من الأنواع خلال فترة التجلد الماريوني. وتوصف هذه الخسارة الجماعية في الأنواع الحية وقتذاك بأنها الانقراض الماريوني/ الجاسكيري.
الانقراض الجماعي في العصر الإدياكاري
بعد نهاية عصر التجلد الماريوني/ الجاسكيري، حدث احترار لكوكب الأرض، ثم ظهرت أنواع عديدة من أحياء العصر الإدياكاري Ediacaran التي يمكن رؤيتها بالعين المجردة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه منذ 540 مليون سنة، ومع بداية عصر الكمبري، انتهى العصر الإدياكاري بانقراض الأحياء التي سادت فيه.
انقراض الأنواع في الكمبري
كانت هناك أربعة انقراضات رئيسية خلال عصر الكمبري، أشهرها زوال ثلاثيات الفصوص، والأرثوسياثيدات التي كانت من الأحياء البانية للشعاب المرجانية. وعلى الرغم من أن بعض أنواع ثلاثيات الفصوص عادت إلى الظهور بعد ذلك، فإنه لم يكتب لها البقاء، إذ تعرضت للفناء مع عدة أنواع أخرى، مثل المسرجيات (عضديات الأرجل) ومخروطيات الأسنان.
وقد عُزِي ذلك إلى عدة أسباب: من بينها: الافتراس، والتبريد العالمي، وانخفاض مستوى سطح البحر، وانخفاض نسبة الأكسجين، والتغير في كيمياء مياه المحيطات.
انقراض العصر الأوردوفيشي
استمر العصر الأوردوفيشي من 510 ملايين إلى 440 مليون سنة مضت، وانتهى بانقراض جماعي ضخم. و يُعَد ثاني أكبر انقراض مدمر للحياة الحيوانية في تاريخ كوكبنا. فقد هلك أكثر من 100 عائلة من اللافقاريات البحرية، ووصلت عائلات أخرى إلى حالة شبيهة بالانقراض. وكان من بين الضحايا: نصف جميع عائلات المسرجيات والحزازيات، ومخروطيات الأسنان والغرابتوليتات ، والعديد من أنواع الأحياء البانية للشعاب المرجانية. ويعتقد أن السبب الرئيسي في انقراضات الأوردوفيشي هو التبريد والتجلد العالمي، إضافة إلى عوامل أخرى مثل حركة (تكتونية) الصفائح والانجراف القاري.
الانقراض الديفوني
اتسم العصر الديفوني Devonian (الذي امتد من 410 ملايين إلى 360 مليون سنة مضت) بتطور الأسماك العظمية، وظهور البرمائيات والحشرات، وجيل جديد من الأحياء البانية للشعاب المرجانية. وانتهى العصر الديفوني بانقراض جماعي، إذ اختفى أكثر من 70 % من جميع الأنواع بما في ذلك معظم بناة الشعاب المرجانية. وكان سبب الانقراض الديفوني هو العصر الجليدي العالمي، الذي ربما كان سببه تأثير اصطدام نيزك بالأرض.
انقراض العصر البرمي
امتد العصر البرمي من 290 مليونا إلى 248 مليون سنة مضت، وانتهى بانقراض جماعي كبير، حتى إنه يُعَدُّ الانقراض الأكثر تدميرًا في تاريخ كوكبنا، إذ إنه أثّر في البرمائيات والزواحف والثدييات، وبسببه دُمِّر نحو 95 % من جميع أنواع الحيوانات البحرية. وقد صيغت عدة نظريات حول أسباب هذا الانقراض، وهي أسباب تشمل: الاصطدام النيزكي بالأرض، والثورات البركانية، والتجلد الذي أعقبه احترار عالمي.
انقراض العصر الثلاثي (الترياسي)
تمتد فترة العصر الثلاثي (الترياسي) Triassic من نحو 250 مليونا إلى 200 مليون سنة مضت، وهي تتسم بتطور الزواحف الشبيهة بالثدييات، وأولى الفقاريات الطائرة، والزواحف المجنحة، فضلا عن تركّز جميع كتل اليابسة بالعالم في قارة واحدة عظمى هي: بانغيا Pangaea. ومن المعتقد أن مناخ (بانغيا) في ذلك العصر كان حارًا وجافًا.
وانتهى العصر الثلاثي بانقراض جماعي أدى إلى فناء نحو نصف الأجناس البحرية ومعظم الزواحف البحرية. والأسباب المحتملة لحدوث هذا الانقراض كثيرة، من بينها آثار اصطدام كويكب بالأرض، وهو الأمر الذي ربما أسهم في تفتيت قارة (بانغيا). كما أن كوكب الأرض كان مصابًا بثورات بركانية ضخمة تزامنت مع تفكك تلك القارة. وثمة عوامل أخرى أسهمت في ذلك الانقراض، من بينها: الزيادة في تركيز ثاني أكسيد الكربون، وانخفاض مستويات كربونات الكالسيوم، وانخفاض مستويات الأكسجين ومن ثم زيادة حالات اختناق الأحياء نتيجة لنقص هذا الغاز الضروري لتنفسها، فضلا عن التبريد العالمي الذي ربما كان ناجما عن حجب أشعة الشمس بواسطة الحطام الذي تم انبعاثه في الغلاف الجوي بعد تأثير اصطدام كويكب بالأرض أو بسبب الانبعاثات البركانية.
انقراض العصر الطباشيري
بدأ العصر الطباشيري Cretaceous منذ نحو 135 مليون سنة، ووصل إلى نهاية مأساوية ومفاجئة منذ 65 مليون سنة. وعلى الرغم من أن انقراض العصر الطباشيري يرتبط عادة بالقضاء على الديناصورات فإن هناك تقديرات تشير إلى أن ما يصل إلى 85 % من جميع الأنواع فنيت فيما أطلق عليه اسم انقراض العصر الطباشيري/ الثلاثي. وكان من بين الضحايا مجموعة متنوعة من النباتات والزواحف البحرية والدياتومات وثنائيّات السوط والعوالق المجهرية.
ويرى علماء الأحافير أنه ربما تسببت كارثتان رئيسيتان في انقراض العصر الطباشيري/ الثلاثي، هما: تأثير اصطدام كويكب بالأرض، وثوران البراكين. فعلى سبيل المثال، تحتوي الرواسب التي تعود إلى تاريخ هذا الانقراض على تراكيز عالية من الإريديوم، والكوارتز المشوه، والبازلت، وكلها ترتبط بتأثير اصطدام كويكب أو نيزك. ومن الناحية العلمية، فإن للإريديوم مصدرين رئيسيين، هما: وشاح الأرض، والنيازك أو الكويكبات. لذلك، فإن انتشار الإريديوم على نطاق واسع، ووجود الكوارتز المشوه الذي يدل على التأثير العالي لقوة الاصطدام، إلى جانب وجود قطرات صغيرة من البازلت التي عادة ما تنجم عند ذوبان قشرة الأرض، يشير إلى أن الأرض قد ضربها كويكب، ربما في المنطقة التي تعرف اليوم باسم شبه جزيرة يوكاتان Yucatan Peninsula في المكسيك.
ومن ناحية أخرى، قيل إن الثورات البركانية نفثت كميات هائلة من الرماد في الجو، مما أدى إلى حجب أشعة الشمس وتسببها في انخفاض درجات الحرارة وتغيير كيمياء المحيطات والغلاف الجوي للأرض. كما قيل إن حادث انقراض العصر الطباشيري/ الثلاثي أسهمت فيه أيضا عوامل إضافية، مثل المرض. فقد كانت الديناصورات تعاني طفيليات مسببة للأمراض، وكانت هناك وقتذاك أعداد كبيرة من الحشرات اللادغة المصابة بالملاريا والمسببة للأمراض الأخرى، وكانت الديناصورات ضعيفة جدا بسبب المرض والجروح الملتهبة التي كانت أكثر تعرضا لها عند وقوع كارثة الاصطدام الكويكبي أو الثوران البركاني.
الانقراض الجماعي السادس
هل نحن ماضون قدمًا نحو الانقراض الجماعي السادس؟ يجيب العديد من أبرز العلماء المعاصرين عن هذا السؤال بـ «نعم»، ويذكرون أن الأنشطة البشرية هي المسؤولة عن ذلك. فقد صنعنا السموم والنفايات وأسلحة الدمار الشامل التي يمكن أن تدمر الكثير من أنواع الحياة الحيوانية على كوكبنا.
إننا نشهد الآن أكبر أزمة في التنوع البيولوجي وأسرع انقراض جماعي في تاريخ الأرض. ويرجع ذلك بشكل كبير إلى:
< التدمير الذي يقوم به الإنسان للنظم الإيكولوجية.
< الاستغلال المفرط للأنواع والموارد الطبيعية.
< الزيادة السكانية البشرية.
< انتشار الزراعة.
< التلوث البيئي.
< إدخال أنواع غريبة في النظم الإيكولوجية.
ولم يعد هناك أدنى شك لدى علماء الأحياء بأن الأرض تواجه خسارة متصاعدة في الأنواع، مما يهدد بانقراض جماعي كبير يفوق في حجمه وعواقبه الانقراضات الخمسة الكبرى التي وقعت إبان التاريخ الجيولوجي القديم لكوكبنا. ومنذ عام 1993، قدّر إ. أ. ويلسون E.O. Wilson، عالم الأحياء في جامعة هارفارد، أن الأرض تفقد نحو 30 ألف نوع سنويًّا، وهو ما يعني فقدان ثلاثة أنواع في كل ساعة. وقد بدأ نفر من علماء الأحياء يشعرون أن أزمة التنوع البيولوجي المتمثلة في “الانقراض السادس” هي أكثر حدة، وأشد وطأة مما توقّعه ويلسون، وأن ملاحظة عواقبها الكارثية بات وشيكًا.
ويمكننا تقسيم الانقراض السادس إلى مرحلتين منفصلتين:
< المرحلة الأولى: بدأت منذ نحو 100 ألف عام، عندما بدأ أسلاف الإنسان المعاصر يتفرقون في أجزاء مختلفة من العالم.
< المرحلة الثانية: بدأت منذ نحو عشرة آلاف عام، عندما تحول البشر إلى الزراعة.
وقد بدأت المرحلة الأولى بعد فترة وجيزة من تطور الإنسان العاقل Homo sapiens في إفريقيا، وبدأ البشر – المماثلون لنا من الناحية التشريحية – في الهجرة إلى خارج هذه القارة، والانتشار في جميع أنحاء العالم. وقد وصل هؤلاء البشر إلى الشرق الأوسط قبل 90 ألف سنة. وكانوا في أوروبا منذ نحو 40000 سنة. وقد نجا إنسان نياندرتال Neanderthal، الذي عاش لفترة طويلة في أوروبا، من عواقب وصولنا أسلافنا، واستمر في وجوده عقب ذلك لفترة تقل عن 10000 سنة، لكنه اختفى بعد ذلك فجأة. ووفقا لما يراه كثير من علماء الإنسان القديم فإن البشر النياندرتاليون كانوا ضحايا وصول أسلافنا، إما بسبب الحروب المباشرة، أو بسبب الخسائر التي منوا بها من جراء المنافسة غير المتكافئة على الموارد البيئية. ففي كل مكان، بعد فترة وجيزة من وصول أفراد الجنس البشري المعاصر، انقرض العديد من الأنواع البشرية المحلية القديمة. فقد قام أسلافنا بما يلي:
> تعطيل النظم الإيكولوجية عن طريق الإفراط في صيد الأنواع الحيوانية، التي لم تكن عرضة للصيد من قِبل البشر السابقين (النياندرتاليين).
> نشر الكائنات الحية المسببة للأمراض الميكروبية.
ويشهد السجل الأحفوري على تدمير الإنسان للأنظمة الإيكولوجية (البيئية):
> لقد وصل البشر بأعداد كبيرة إلى أمريكا الشمالية منذ نحو 12500 سنة. والأماكن التي شهدت ذبح الماموث، والصنّاجات (الماستودونات)، والجاموس المنقرض، موثقة بشكل جيد في جميع أنحاء القارة.
> فقدت منطقة الكاريبي العديد من أنواعها الكبيرة عندما وصل البشر إليها قبل 8000 سنة.
> طال الانقراض عناصر من الحيوانات الضخمة الأسترالية في وقت سابق، عندما وصل البشر إليها منذ نحو 40000 سنة. وكذلك الأمر في مدغشقر، فقد وصل البشر إليها منذ 2000 عام، فاختفت بسرعة الأنواع الكبيرة من الحيوانات التي كانت تعيش فيها (مثل: طائر الفيل، وأحد أنواع فرس النهر، ونوع من الليمور الكبير الحجم).