أسعد الفارس
يحظى التنوع البيولوجي في النظم البيئية الصحراوية باهتمام خاص من مراكز أبحاث البيئة والعلوم الحياتية. وبيئة الكويت التي تتميز بأنها من البيئات الصحراوية متنوعة ومتكاملة، وذات أحياء فريدة، منها الأفاعي، وهي معروفة ومصنفة من الناحية العلمية، لكنها تحتاج إلى بحث في التفاصيل ودراسات هادفة.
تسمية ثنائية
وعندما نعتمد التسمية الثنائية للدلالة على نوع أم جنيب التابع للجنس المذكور، نكتب اسم النوع Cerastes cerastes وفقاً لتصنيفات لينوس Linnaeus عام 1758، وهو نوع الأفاعي الصحراوية ذات القرون الشائع في شبه الجزيرة العربية، غير أن هذا النوع يعد متعدد السلالات، وتعدد السلالات يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالبيئة الجغرافية.
وعندما تعرف السلالة ننتقل من التسمية الثنائية إلى التسمية الثلاثية، التي تكتب باللغة اللاتينية، فالاسم الأول يدل على الجنس، والاسم الثاني يدل على النوع، والاسم الثالث يدل على السلالة إن كانت مصنفة ومعروفة.
والأفاعي بصورة عامة تتألف من 18 عائلة ونحو 456 جنساً، وضمن تلك الأجناس ما بين 300 إلى 2900 نوع، وتزيد تلك الأرقام وتنقص كلما مضينا في تجديد التصنيفات.
الوصف والسلوك
(أم جنيب) من عائلة الفيبر Viperidae، ومن الجنس Cerastes، وهي أفاع سامة تنتشر في براري آسيا وأوروبا وأفريقيا ومدغشقر.
ذكرها الكولونيل هارولد ديكسون (أبو سعود) في الكويت في أكثر من مصدر. ولها وصف علمي متميز ومحدد: رقشاء دقيقة العنق، عريضة الرأس، على رأسها قرنان، وذات ذيل قصير وجسم ممتلئ، طولها الوسطي ما بين 80 و110 سنتيمترات، وتغطي الحراشف جسمها.
وفي (أم جنيب) أجهزة حسية متطورة مثل: العيون المفتوحة ذات البؤبؤ العمودي، والنقاط الحرارية في مقدمة الجسم التي ترصد حرارة جسم الفرائس في الظلام.
والعجيب في هذه الأفاعي – وفي أفاع أخرى – وجود عضو حسي صغير في سقف الحلق، على شكل حفرة أو حفرتين مبطن بغشاء مخاطي حساس يدعى عضو «جاكبسون».
يرتبط هذا العضو بلسان طويل متشعب، تخرجه الأفعى من الفم وتدخله بسرعة عندما تثار أو تشعر بالخطر؛ فهو يؤدي دوراً حسياً، إذا يجمع الشوارد المتطايرة من الأجسام القريبة من الأفعى، فتحدث تفاعلاً حسياً ينقله اللسان الرطب إلى عضو «جاكبسون» ومنه إلى الدماغ، ليتم تفسيره في آلية معقدة.
وفي فم هذه الأفاعي نابان قابلان للطي مثقوبان يتصلان بالغدد السامة على جانبي الرأس. وكثيراً ما تواجه (أم جنيب) العدو بفم مفتوح ليبقى النابان مشرعين، ولتنطلق بسرعة البرق لتنشبهما في جسم الفريسة ، فتحقن سمها القاتل ثم تنتظر قليلاً حتى تموت ثم تبتلعها.
قدرة فائقة على التخفي
ولدى (أم جنيب) قدرة فائقة على التمويه والتخفي، وقد تبقي نفسها مدفونة في الرمل باستثاء الرأس، بانتظار من تلدغه أو تفترسه. وقد تهرب فجأة فزعة مثارة بحركة تثنية جانبية، لذا تدعى (أم جنيب). وعلى جانبي جسمها شريط من الحراشف الخشنة تحكها ببعض عند التثني، فتصدر صوتاً خشناً أو كشكشة، تحذر به الأعداء من مغبة الاقتراب.
وتألف هذه الأفاعي المناطق الرملية الناعمة التي تكثر فيها الشجيرات النباتية، إذ تدفن جسمها في الرمال باستثناء الرأس. وعيونها تبقى مفتوحة لترقب الفرائس ومن يقترب منها، غير أنَّها تحدث فوقها دائرة من الرمل مميزة تدل عليها من بعد عدة أمتار، وعندما تشتد حرارة الرمل في النهار تخرج لتستظل تحت الشجيرات النباتية.
وهي عادة ليلية النشاط؛ لأسباب عدة منها: كون البيئة التي تعيش فيها بيئة صحراوية حارة، ترتفع فيها درجة الحرارة في النهار، وتهبط في الليل، ولأنَّ فرائسها الرئيسة من القوارض، والقوارض ليلية النشاط. غير أنّها ذات نشاط فصلي شأنها شأن بقية الحيوانات ذات الدم البارد، تختفي في الشتاء (مرحلة البيات الشتوي)، وتظهر في نهاية الربيع لتمارس نشاطها الصيفي.
ولوحظت شراهتها لطلب الغذاء في الخريف، فتقوم بتخزين الدهون والأغذية في جيوب خاصة في داخل مؤخرة الجسم، لتواجه بها مرحلة البيات الشتوي. ويتغير مزاجها بين الليل والنهار، ففي النهار تكون خاملة ووديعة فيمكن الاقتراب منها، وفي آخر النهار والليل حتى الساعات الأولى من الصباح تكون نشطة ومتحفزة وخطرة تضرب كل من يقترب منها. وهي لاتتقن المطاردة بل تكمن للفريسة وتنقض عليها بسرعة البرق، وتساعدها على تحديد مكان الفريسة الجسيمات الحرارية والعيون المفتوحة واللسان المتحرك.
منفصلة الجنس
(أم جنيب) أفاع منفصلة الجنس، فيها الذكر وفيها الأنثى، والعلامة التي يمكن بها تمييز الذكر عن الأنثى هي أن طول الذيل في الذكر أطول من الذيل في الأنثى، وطول الذيل يشكل من 10 إلى %15 من مجموع طول الجسم.
يتم التزاوج بين الذكر والأنثى في طقوس خاصة في نهاية الربيع ومطلع الصيف، فتقوم الأنثى بعد التزاوج بوضع مابين 15 – 20 بيضة مخصبة، وتفقس عندما تحيطها بجسمها وبالرمل الحار لعدة أسابيع، والصغار تصل إلى سن البلوغ بعد سنتين من الفقس.
سم يخرب الأنسجة
وهذه الأفاعي سامة وسمومها نوعية وذات تأثيرات خاصة في موضع اللدغ، فهي من السموم التي تخرب الأنسجة والخلايا Cytotoxins، في حين يؤثر سموم الأفاعي الأخرى منها في الدم مباشرة، ومنها ما يؤثر في الأعصاب.
وتعد الأفاعي الصحراوية ذات القرون من عناصر التنوع الحيوي في البيئة، وهي تؤدي دوراً مهماً في التوازن العددي بين الأحياء لكونها تتغذى بالقوارض والسحالي والطيور الصغيرة والحشرات، وقد كثرت أعدادها أخيرا في بعض المحميات في الكويت.
وللحد من أعدادها يجب السماح للحيوانات التي تتغذى بها بأن ترتاد بيئتها مثل: الورل الصحراوي وعقاب الحيات. وللأفاعي (أم جنيب) أهمية طبية، إذ يمكن أن تصنع من سمومها أمصال مضادة لسموم الأفاعي، وخصوصاً عندما تربى في الأسر.