د. فهد حامد العنزي
يوماً بعد يوم يزداد إدمان الأطفال على الأجهزة الحديثة كالحواسيب والهواتف الذكية وأجهزة الألعاب المختلفة التي تضخها الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا والإلكترونيات في الأسواق العالمية، وتستهدف بها تلك الشريحة العمرية المهمة من دون أن تلقي بالاً لما يترتب عليها من أخطار تربوية أو مشكلات صحية ونفسية.
وفي ضوء الدعاية الهائلة التي تنشرها تلك الشركات العالمية للإقبال على منتجاتها، والانشغال الكبير للآباء والأمهات في أعمالهم اليومية المتزايدة، ينكب الأطفال على تلك الأجهزة وما تحويه من مضامين متنوعة في مقدمتها الألعاب الترفيهية، على حساب النشاطات الرياضية المفيدة، أو الهوايات التي تحفز الإبداع وتشجع على البحث والتفكير.
وحديثاً، أثبتت دراسة علمية أجراها باحثون بريطانيون أن الأطفال في العصر الحالي أصبحوا مدمنين على الحواسيب المحمولة والهواتف الذكية، حتى إنها سيطرت عليهم بشكل كبير، وأفقدتهم الرغبة في ممارسة الهوايات والنشاطات الاجتماعية والرياضية. ودعا الباحثون الآباء والأمهات والمسؤولين عن التربية والتعليم إلى الالتفات إلى تلك الظاهرة الخطرة، والعمل على تشجيع الأطفال على ممارسة هوايات القراءة وتعلم اللغات المختلفة، والخروج للتنزه في الأمكنة العامة، والحد من التعرض المفرط للوسائل التقنية الحديثة.
وحث الباحثون الآباء على وضع قوانين محددة يلتزم بها الأطفال؛ مثل عدم شراء أي جهاز من أجهزة الهواتف الذكية للأطفال حتى بلوغهم سن الخامسة عشرة، ومنع استخدام الحواسيب والإنترنت لساعات طويلة، وأن تراوح الفترة المسموحة يومياً للعمل على تلك الأجهزة بين ساعة وساعتين إلا في حالات الضرورة.
وثمة دراسات عدة أجريت في هذا المجال، وتبين من خلالها وجود آثار كثيرة لذلك الإدمان الذي يتزايد بصورة يومية، سواء في الدول المتقدمة أو النامية. وخرجت تلك الدراسات بعدد من النتائج والتوصيات المهمة.
فعلى سبيل المثال، نصح مدير المركز الألماني لأبحاث الإدمان في سن الطفولة والمراهقة بمركز هامبورغ – ابندورف الطبي الجامعي راينر توماسيوس الآباء بإخراج الحاسوب الشخصي من غرفة الطفل ووضعه في ردهة المنزل، معتبراً أن ذلك طريقة فعالة للحيلولة دون قضاء الأطفال وقتاً طويلاً أمام شاشات الحواسيب. وفيما يتعلق باستخدام الإنترنت نصح توماسيوس بألا يزيد استخدام الإنترنت على ساعة واحدة في اليوم للأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 11 و13 عاماً، وساعة ونصف الساعة لمن يتجاوزون 14 عاماً.
وقال الطبيب الألماني إنه يتعين على الأبوين أن يشعرا بالقلق إذا واجه الطفل صعوبة في التحكم في موعد بدء جلسة الإنترنت ومدتها ونهايتها، وإن ثمة علامات أخرى تشير إلى ذلك، بينها ظهور القلق والأرق وتوتر الأعصاب على الطفل عند عدم تصفحه للإنترنت.
آثار جسدية ونفسية
وهنالك توافق بين العديد من الدارسين والباحثين على أن الدور الذي أدته تكنولوجيا الاتصال الحديثة، وفي مقدمتها شبكة الإنترنت، في فتح عصر جديد من عصور الاتصال والتفاعل بين البشر، لكن على الجانب الآخر هنالك أيضاً مخاوف من الآثار السلبية الجسدية والنفسية التي تحدثها.
وأول من وضع مصطلح الإدمان على الإنترنت Internet Addiction عالمة النفس الأمريكية كيمبرلي يونغ Kimberly Young، التي تعد من أوائل أطباء النفس الذين عكفوا على دراسة هذه الظاهرة في الولايات المتحدة منذ عام 1994.
وتعرف يونغ الإدمان على الإنترنت بأنه استخدام الإنترنت أكثر من 38 ساعة أسبوعياً. وقد أسست عام 1999 مركز الإدمان على الإنترنت لبحث وعلاج هذه الظاهرة، وأصدرت كتابين حول هذه الظاهرة هما (الوقوع في شبكة الإنترنت) Caught in the Net، و(التورط في الشبكة) Tangled in the Web.
وكانت يونغ قد أجرت في التسعينيات أول دراسة موثقة عن الإدمان على الإنترنت، شملت نحو 500 مستخدم للإنترنت، تركزت حول سلوكهم أثناء تصفحهم شبكة الإنترنت، حيث أجاب المشاركون في الدراسة بالإيجاب عن السؤال الذي وجه لهم وهو: عندما تتوقف عن استخدام الإنترنت، هل تعاني أعراض الانقطاع كالاكتئاب والقلق وسوء المزاج؟
وأظهرت النتائج أن المشمولين في الدراسة قضوا على الأقل 38 ساعة أسبوعياً على الإنترنت، مقارنة بنحو خمس ساعات فقط أسبوعياً لغير المدمنين، كما أن مدمني الإنترنت لم يتصفحوا الإنترنت من أجل الحصول على معلومات مفيدة لهم في أعمالهم أو دراساتهم، وإنما من أجل الاتصال بالآخرين والدردشة معهم.
أعراض الإدمان
تشتمل أعراض الإدمان على الإنترنت أعراضاً نفسية واجتماعية وجسدية، تؤثر على الحياة الاجتماعية والأسرية للفرد، ومن هذه الأعراض:
– الأعراض النفسية والاجتماعية:
تشمل الوحدة، والإحباط، والاكتئاب، والقلق، والتأخر عن العمل، وحدوث مشكلات أسرية وفقدان العلاقات الأسرية الاجتماعية، مثل قضاء وقت كاف مع الأسرة والأصدقاء.
– الأعراض الجسدية:
تشمل التعب والخمول والأرق، والحرمان من النوم، وآلام الظهر والرقبة، والتهاب العينين. إضافة إلى أخطار الإشعاعات الصادرة عن شاشات أجهزة الاتصال الحديثة، وتأثير المجالات المغنطيسية الصادرة عن الدارات الإلكترونية والكهربائية.
تأثيرات سلبية
على الرغم من فوائدها العديدة، فإن للأجهزة التقنية الحديثة واستعمالاتها المتنوعة تأثيرات سلبية على الأطفال، منها:
– تأثير سلبي على الذاكرة على الأمد الطويل.
– مساهمتها في انطواء الفرد وكآبته ووصوله إلى مرحلة الإدمان.
– الجلوس أمام الحاسوب مدة طويلة، قد يجعل بعض وظائف الدماغ خاملة، لاسيما الذاكرة الطويلة الأمد، إضافة إلى إجهاد الدماغ.
– الاستخدام المتزايد قد يزيد من صفات التوحد والانعزالية، وقلة التواصل مع الناس.
– قد تتسبب بأمراض عديدة كالسرطان، والأورام الدماغية، والصداع، والإجهاد العصبي والتعب، ومرض باركنسون (مرض الشلل الرعاش).
– قد تشكل خطراً على البشرة والمخ والكلى والأعضاء التناسلية، وأكثرها تعرضاً للخطر العين، الأمر الذي يجدد التساؤلات حول كيفية التعامل مع هذا العصر التكنولوجي في الوقت الذي يوسع فيه قاعدة مستخدميه على مستوى العالم بسرعة هائلة.
ووجدت إحدى الدراسات أن وضعية مستخدمي الحواسيب والهواتف الذكية قد تؤدي إلى آلام في الظهر والرقبة.
وتبين أن الهواتف الذكية التي تستخدم فيها شبكة الإنترنت يمكن أن تتسبب بإجهاد العين والصداع.
أما نوعية الألعاب التي يلعبها الأطفال فتختلف بين ألعاب الصراعات والحروب وبين ألعاب والذكاء والتركيب وغيرها من الألعاب التي تنشط الذاكرة. وتظهر الأبحاث العلمية أنه على الرغم من الفوائد التي قد تتضمنها بعض الألعاب فإن سلبياتها أكثر من إيجابياتها، لأن معظم الألعاب المستخدمة ذات مضامين سلبية ولها آثار سلبية جداً عليهم.
أضرار أجهزة اللمس (تاتش)
تتعدد الأجهزة التكنولوجية اللمسية التي يتنافس في استخدامها الأطفال، كالأجهزة السطحية اللمسية (الآي باد) التي يظهر ضررها في عدد من الأمور، منها:
– أمراض عديدة، كالتشنج في عضلات العنق، إضافة إلى أوجاع أخرى في العضلات التي تظهر عادة بسبب الجلوس الطويل غير الصحيح.
– يترافق استخدامها مع انحناء في الرأس والعنق، مقارنة بأجهزة الحاسوب التقليدية.
– الكسل والخمول الجسدي والفكري، والهذيان الذهني، الذي يترتب على الجلوس ساعات طويلة، والميل إلى العدوانية المفرطة.
– هناك دراسات وأبحاث سابقة أظهرت أن %90 من الأشخاص الذين يستخدمون الأجهزة اللمسية بإفراط يعانون مشكلات في العين.