د. أحمد مغربي
الأرجح أن باريس وحركة (السترات الصفر) تصلح نموذجاً مكثفاً عن أبرز مسارات العلوم والتكنولوجيا في عام 2018! هل بدت الكلمات غريبة؟ إذاً، لنتأمل قليلاً. بعد 50 سنة على عام 1968 استعاضت باريس عن متمرديها الطلبة بحركة (السترات الصفر) المتسربلة بالتطرف في رفض التعدد الثقافي، وبالعداء لـلعلوم المرتبطة بالمناخ؛ بداية من احتجاجها على ضريبة البيئة على الوقود، مروراً بتقاطعها مع الرئيس دونالد ترامب الذي ألغى توقيع بلاده على (اتفاقية باريس الدولية للمناخ). وفي مقابل تأييد ترامب المعلن للانقسام الفرنسي حول المناخ، برز مشهد الانقسام الأمريكي حول الأمر نفسه في الحضور الكثيف لرؤساء بلديات المدن الأمريكية الكبرى كنيويورك ولوس أنجلوس في قمة دولية استضافتها بولندا عن المناخ، وخلصت إلى التشديد على ضرورة تطبيق (اتفاقية باريس)، للجم الارتفاع في حرارة الأرض ضمن 1.5 درجة مع حلول عام 2050.
وهناك خيط ربط باريس بالتقنيات الرقمية، متمثّلاً في أن حركة (السترات الصفر) وُلدت في الفضاء الافتراضي للإنترنت، وأدت مواقع التواصل الاجتماعي دوراً محورياً في تحركاتها وانتشارها، إضافة إلى اعتماد معظم أفرادها على تلك المواقع، إلى حدّ ظهور سؤال عن مدى علاقتها بظاهرة (الأخبار الكاذبة). هل مصادفة أن تلك المواقع المثقلة بظواهر (الأخبار الكاذبة) أسهمت في وصول ترامب للرئاسة، ثم تبيّن أنها كانت من أدوات التلاعب بالجمهور، وفق ما ظهر في فضيحة (كامبردج آناليتكا) التي أطاحت بالأوهام حول القدرات الإعلامية لهذه المواقع؟ ألم يكن مدويّاً في 2018 استجواب مارك زوكربرغ، رئيس (فيسبوك)، أمام برلمانات غربية وأمريكية، بشأن عدم قدرة موقعه وبرامج الذكاء الاصطناعي فيه، على حماية بيانات الجمهور، إضافة إلى فشله في التصدي لظاهرة (الأخبار الكاذبة)؟
زادت كثافة العلاقة بين التقنيات وأوضاع السياسة في باريس، مع سعي فرنسا إلى تمويل خطتها لتحسين معيشة الأقل دخلاً، من مصادر أبرزها زيادة الضرائب على الشركات الكبرى في المعلوماتية والاتصالات، ومعظم تلك الشركات أمريكية. هل يولّد ذلك تأثيراً سلبياً على خطط ترامب الاقتصادية، وهي تعتمد كثيراً على قطاع التكنولوجيا الرقمية، ما يعيد التوتر بين ضفتي الأطلسي بشأن شركات المعلوماتية وأعمالها، على غرار ما حصل في أواخر ولاية الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما؟ لننتظر ولنر!
الفضاء والعلوم الأساسيّة
> عادت وكالة (ناسا) إلى المريخ عبر هبوط المسبار “إنسايت” على أرضه لاستكشاف تركيبته الجيولوجية.
> للمرة الأولى تطلق شركة قطاع خاص هي (سبايس إكس) صاروخاً فضائياً ثقيلاً، بل مساوياً لأضخم ما صنعته الدول تاريخياً لاستكشاف الفضاء. حمل الصاروخ اسم «فالكون 9»، وبلغ طوله 70 متراً وعرضه 12 مترا.
> الصين تستكشف الجانب المظلم من القمر بواسطة المسبار (تشانغ – 4) الذي وصل إلى مداره القمري، ويتوقع هبوطه على القمر في أوائل 2019. تشارك السعودية في هذه المهمة التي ستدرس الجانب المظم من القمر.
> صنع أمريكيون كاميرا تعمل بسرعة عشرة تريليونات لقطة في الثانية، وتستطيع عرض الضوء بالتصوير البطيء.
> بعد عمله في الفضاء 11 سنة، وسفره 6.9 بليون كيلومتر، تعطّل المسبار (داون) الذي يعمل بالدفع الأيوني ويدور حول أجرام قرب الشمس.
> تغيّر المعيار المعتمد عالمياً للكيلوغرام، وصار (مكوّناً) من معادلات رياضيّة في الفيزياء، وأحيل الكيلوغرام المعياري الفرنسي إلى التقاعد.
> أول قمر اصطناعي أردني مصغّر، أطلق إلى الفضاء، وصنعه فريق عمل أردني ضمّ طلبة جامعيين. وكذلك أطلقت الإمارات قمراً اصطناعياً من صنع محلي، حمله صاروخ انطلق من مركز (تانيغاشيما) في اليابان.
> فارق عالم الفيزياء البريطاني ستيفن هوكينغ الحياة، تاركاً إرثاً علمياً ضخماً عن الثقوب السوداء، خصوصاً الأشعة التي تصدرها وهي حملت اسمه (أشعة هوكينغ) لأنه اكتشفها.
المعلوماتية والاتصالات والذكاء الاصطناعي
> بعد سلسلة فضائح من بينها (كامبردج آناليتكا) والتدخل الروسي الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، وفشله في حماية بيانات الجمهور، أقرتّ (فيسبوك) بفشلها في اقتحام الإعلام، بل صرح مؤسس الموقع مارك زوكربرغ بضرورة عودته إلى مهمته الأولى كأداة للتواصل بين الأهل والأصدقاء والمعارف. وأشار زوكربرغ إلى تغيير خورازميات الذكاء الاصطناعي التي تدير (فيسبوك)، كي تصير أقل اهتماماً بالإعلام العام. وفي سنة واحدة صعدت فيها صورة صحافة الورق (والإعلام المتلفز)، خصوصاً في صراع (واشنطن بوست) و(نيويورك تايمز) وقناة (سي أن أن) مع البيت الأبيض، يمكن وضع إشارة كبرى على خروج مواقع التواصل من الإعلام العام، مع نصر صغير للصحافة والإعلام المتلفز. ويجب الاستدراك بأن ذلك المشهد ربما لا يدوم طويلاً!
> فاجأت الصين العالم بصنع أول مذيع تلفزيوني افتراضي يعمل بالذكاء الاصطناعي.
> أظهرت دراسة أن 92.5 % من علماء الحاسوب في أمريكا لا يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي سيصل إلى مستوى الذكاء البشري في الخمسين سنة المقبلة.
> في إنجاز تاريخي، كانت شركة (آبل) أول شركات الثورة الرقمية في الوصول إلى حجم بليون دولار.
> تدهور مستمر في عملة (بيتكوين) الرقمية (انطلقت في 2009) بل وصلت إلى نحو ثلاثة آلاف دولار، بعد ملامستها مستوى 20 ألف دولار في 2017. وتثير عمليات تعدينها مخاوف بيئية تتصل «بالتهامها» الكهرباء والمعادن.
> بدأت الإمارات في استخدام تقنية (إي سيم كارد) للاتصال لاسلكياً بالإنترنت، مع إعطاء المستخدم حريّة التنقّل مباشرة بين المشغلين المحليين والدوليين.
> صدر (إعلان باريس للثقة والأمن على الإنترنت)، في سياق مؤتمر اليونسكو عن (حوكمة الإنترنت).
> إضافة إلى ظهور مجموعة دراسات عن العلاقة بين الإنترنت والعنف بين الشباب، جاء انتشار فيروس الانتحار الإلكتروني (غبار القرد) ليذكّر بإخلالات لاحصر لها في علاقة البشر مع الشاشات الرقمية.
بيئة وطاقة بديلة
> ثقب طبقة الأوزون يتقلص بصورة حاسمة في الطبقات العليا من الغلاف الجوي، لكن وللأسف، لا يزال الثقب يتوسع في طبقات يراوح ارتفاعها بين 10 و24 كيلومتراً، وهي التي يستخدمها البشر بكثافة!
> أثبتت دراسة أمريكية موسّعة وجود علاقة مباشرة بين الاحتباس الحراري والميل إلى الانتحار، خصوصاً في أمريكا والمكسيك!
> تعمل مؤسسة (سوفت بنك) اليابانية على مشروع سعودي يعتبر الأضخم عالمياً في الطاقة الشمسيّة، إذ يصل إنتاجه إلى 200 غيغاواط/ساعة في 2030، ثم ترتفع إلى 400 غيغاواط/ساعة بفضل تقنيات الطاقة المركبة، وتقدر كلفته بنحو 200 بليون دولار.
> يعتبر الهيدروجين مصدراً مهماً للطاقة النظيفة والقوية، لأن احتراقه لا يولد سوى الماء، لكن الحصول عليه بفصله كهربائياً من الماء مثلاً، يحتاج لطاقة كهرباء كبيرة ومكلفة. ويعتقد فريق علمي أمريكي أنه حل تلك المشكلة بابتكار مادة نانويّة تستطيع استخراج الهيدروجين من مياه البحر، من دون الحاجة إلى طاقة سوى… ضوء الشمس!
> بيّنت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا)، مقرها أبوظبي، أن قطاع الطاقة المتجدّدة ولَّدَ 500 ألف وظيفة جديدة، فتخطى عدد العاملين فيه عتبة 10 ملايين شخص للمرة الأولى. وصنّفت الصين والبرازيل والولايات المتحدة والهند وألمانيا (على التوالي) في طليعة الدول في الطاقة المتجددة، لأن 70 % من الوظائف الجديدة ظهرت فيها، خصوصاً الصين التي جاء منها 60 % من الوظائف المستجدة.
طوّر علماء أمريكيون إنزيماً يستطيع «التهام» البلاستيك، ما فتح آفاقاً جديداً في محاربة تلوث البيئة بتلك المادة، خصوصاً البحار والمحيطات.
طب وبيولوجيا وجينات
> هل وُلِدَ أول إنسان مُعدّل جينيّاً؟ زعم العالِم الصيني هيه جيانكيو أنه استعمل تقنية (كريسبر) لتعديل جينات في تركيبة الجينوم عند توأمتين بهدف جعلهما منيعتين ضد فيروس الإيدز! عرض جيانكيو إنجازه أمام مؤتمر دولي مختص في هونغ كونغ، لكن علماء كثيرين أبدوا تشكّكاً علمياً في أنه أنجز ذلك فعلياً. هل مصادفة أن 2018 استهل على خبر استنساخ قردة، وهي حيوانات قريبة التركيب من البشر، في الصين أيضاً؟
>الإنسانيّة ليست مهددة بـ(المرض إكس)، على الرغم من وقوع كثير من الإعلام العربي في ذلك الخطأ. الصواب هو أن خبراء منظمة الصحة العالميّة وضعوا مخططاً نظرياً عن مواصفات بيولوجية وجينية إذا حدث أنها اجتمعت في ميكروب، فإنه يسبب عدوى يصعب على البشر صدّها.
> للمرة الأولى، استطاعت امرأة أن تحبل وتنجب برحم أُخِذَت من أنثى متوفاة.
> للمرة الأولى أنتج العلماء بويضات بشرية في أطباق المختبر، بدءا بأولى مراحلها في نسيج المبيض وحتى اكتمال نموها.
> على غرار احتفاء السياسة بمرور قرن على الحرب العالمية الأولى، تذكر العلماء عدوى (الأنفلونزا الإسبانية) التي ضربت العالم أواخر تلك الحرب، وحصدت أرواح نحو 50 مليوناً، ما يزيد بخمسة أضعاف عن الأرواح التي أُزهِقَتْ في تلك الحرب.
> اكتشاف يساعد على مكافحة البدانة. إذ جرى التعرّف على أعصاب في الدماغ مسؤولة عن الرغبة في تناول الشوكولاته والسكاكر أثناء التوتر.
> باستخدام خلايا جذعية، نجحت عملية جراحيّة في إعادة وصل الأعصاب في حبل شوكي مقطوع، ما أعاد القدرة على المشي عند فأر مشلول.
> الرياضة تقاوم (آلزايمر): نتيجة توصل إليها علماء أمريكيون عبر 11 ألف دراسة! وبينت دراسة أخرى أن دماغ البشر يستطيع أن يتجدد حتى سن الثمانين!
> أقرّت أمريكا استخدام دواء «فيتراكفي»/ «لاروترِستينيب» Larotrectinib الذي يوقف عمل جينات أنواع عدّة من السرطان.
> الأنكلوساكسون البيض الشُقْر يتحدرون من جدٍّ أول كان… أسود الجلد ومجعّد الشعر. توصل العلماء إلى هذه النتيجة بعد تحليل الحمض النووي لـ(إنسان شيدر) الذي يعود إلى أقدم هيكل عظمي بشري في بريطانيا، وقد عاش فيها قبل 10 آلاف سنة!
> في سياق عملهم على أساليب جديدة لمكافحة ظاهرة البكتيريا الخارقة (المقاومة للأدوية)، توصل علماء بريطانيون إلى رسم الخرائط الوراثية (الجينوم) لما يزيد على ثلاثة آلاف نوع من البكتيريا، من بينها عيّنات من ميكروب أُخِذَ من أنف العالم ألكسندر فلمينغ مخترع البنسلين، وسلالة بكتيريا تسبب إسهالات الـ(دوزنتاريا) ترجِعُ إلى جندي من الحرب العالمية الأولى.