بقلم د. قاسم زكي
تحتفل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو “FAO”) بيوم الغذاء العالمي في السادس عشر من أكتوبر من كل عام، وهو يوافق اليوم الذي أُنشئت فيه منظمة الأمم المتحدة عام 1945. لكن هذا اليوم لم يكن سوى مناسبة للتحسر والحزن، كما هو في كل عام، مع استمرار معاناة ملايين الجوعى حول العالم، حيث بات نحو تُسع سكان العالم جوعى، ولا يجدون ما يسدون به رمقهم.
وكانت منظمة (فاو) النشيطة أصيبت بالفزع ومعها العالم بأسره، عندما تجاوز عدد الجوعى حاجز المليار نسمة (1.023 مليار) في عام 2009. وعلى الرغم من التقدم في مكافحة الجوع فما زال هناك نحو 800 مليون نسمة يعانون نقص التغذية المزمن حتى نهاية العام الماضي. ويُعزى هذا في جزء منه إلى الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية وإلى الأزمات المالية.
وقال المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة جوزيه جرازيانو دا سيلفا أمام زعماء العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية سبتمبر 2015: «إن الأمن الغذائي والتغذية والزراعة المستدامة هي السبيل إلى تحقيق كامل الأهداف الإنمائية المستدامة وخفض نسبة الجوع إلى الصفر بحلول عام 2030».
وذكر أن السنوات الـ 15 المقبلة تتطلب استثمارات إضافية بمقدار 160 دولاراً سنوياً لكل شخص يعيش في براثن الفقر المدقع، من أجل بلوغ هدف القضاء على الجوع.
وفي أكتوبر 2010 صدر تقرير يحذر من أن زعماء العالم بعيدون تماماً عن الهدف الذي وضع
عام 1990، بخفض عدد الجوعى في العالم إلى النصف بحلول عام 2015.
ملايين الجوعى
يعاني الأمن الغذائي مشكلات عامة في كل أرجاء المعمورة، لكن عدم الأمن يعشعش بحرية في دول العالم النامي، فلكي يكون شعب ما آمناً غذائياً يجب أن يكون الغذاء متاحاً له في جميع الأوقات، مع سهولة الحصول عليه، سواء من ناحية الأسعار أو الأسواق، وأن يوفي هذا الغذاء بالحاجة إليه صحياً ويحوي كل المكونات التي يطلبها الجسم البشرى.
لكن الملاحظ أن نحو %11 من سكان العالم اليوم يعانون الجوع، معظمهم في آسيا (نحو 512 مليون جائع)، وتأتي أفريقيا في المرتبة الثانية من حيث عدد الجوعى (نحو 233 مليون جائع) على الرغم من أن جوعى أفريقيا يمثلون أعلى نسبة جوعى إلى عدد السكان الكلي للقارة على مستوى العالم، ثم جوعى أمريكا الجنوبية والكاريبي (وهم يتجاوزون 35 مليوناً)، وحتى العالم المتقدم، لم ينج من الجوعى، ففيه نحو 15 مليوناً من الجوعى، حسب إحصائيات منظمة الأغذية والزراعة للعام الماضي.
وعلى الرغم من الأعداد الكبيرة المسجلة أخيراً لجوعى العالم (794.6 مليون نسمة)، فإن نسبتهم (%10.9) أقل من نسبتهم فى الأعوام الماضية، فمثلاً في الفترة بين عامي 1969 و1971 بلغت نسبتهم %26 من سكان المعمورة (وكانت أعدادهم 958 مليوناً).
وشهدت الـ 50 سنة الماضية نمواً اقتصادياً وزراعياً ملحوظاً (إبان الثورة الخضراء وتوابعها)، مما ساهم في توفير الغذاء والكساء لملايين البشر، وحالياً يعيش العالم ثورة تكنولوجية غير مسبوقة، لذا فإنه يسعى لخفض معدل الجوع والفقر وأعداد الجوعى والفقراء إلى النصف بحلول عام 2015، وإلى الصفر بحلول عام 2030 وفق الأهداف الإنمائية للألفية.
الأمن الغذائي
ومما يؤثر على الأمن الغذائي للشعوب الظروف غير المستقرة للحياة الاجتماعية والسياسية، كالحروب والنزاعات الأهلية والكوارث الطبيعية والأوبئة والتي تحول دون النمو الاقتصادي، إضافة إلى التذبذب في النظام الاقتصادي والتجارة العالمية كالأزمات المالية، إلى جانب صعوبة استغلال الموارد الطبيعية، وضعف الموارد البشرية المدربة على الإنتاج، وعدم المساواة بين الجنسين، وعدم كفاءة العملية التعليمية، وسوء صحة البشر، وغياب الحكومات الرشيدة.
ولا يتوقف تأثير الجوع في الدول النامية على صحة البشر وزيادة معدل الوفيات فقط (حيث يتسبب سوء التغذية في نحو نصف عدد حالات الوفيات (45%) بين الأطفال دون سن الخامسة – أي نحو 3.1 مليون حالة وفاة كل عام)، بل يتعداه بتأثيره الجلي على انخفاض معدل ممارسة الأنشطة، فالطلاب الجوعى يقل معدل تحصيلهم الدراسي عن أقرانهم، وكذلك تقل قدرة العمال على الإنتاج، أما ثالثة الأثافي، فإن الدول التي تعاني هذه المشكلات تحتاج إلى مساعدات غذائية خارجية، غالباً ما تستعمل للضغط على سياستها الخارجية، ومن ثم نقص سيادتها بين دول العالم.
وهنالك تهديدات خارجية جديدة، فها هي ظاهرة التغير المناخي تعيق التقدم في الزراعة وتخفض من إنتاج المحاصيل وتزيد من الآفات الزراعية، والدول المتقدمة تلجأ للحصول على الطاقة من المحاصيل الغذائية (فيما يعرف بالوقود الحيوي وذلك بإنتاج الإيثانول من الذرة والقمح، والديزل الحيوي من المحاصيل الزيتية)، ثم تأتي الأزمات المالية العاتية لتغرق كل شيء، ناهيك عن الصراعات السياسية والعسكرية في القارة.
و لعل المخرج الوحيد من تلك الأزمات وأخواتها هو تبني سياسات واضحة لحسن استغلال الموارد الطبيعية التى حباها الله للقارة، والاهتمام بالإنسان الأفريقي كمورد بشري مهم، والتعاون بين دول القارة وتقليل الاعتماد على الدول الخارجية، سعيا نحو الاكتفاء الذاتي.
ولعل لأفريقيا مزايا عديدة أخرى إلى جانب غناها بالموارد الطبيعية، فقد كشف تقرير حديث أن لدى أفريقيا جنوب الصحراء أكبر نسبة من الشباب في العالم، وتوقع التقرير أن تستمر هذه الميزة لعقود.
وقال التقرير إنه سيكون في القارة الأفريقية في سنة 2050 نحو 349 مليون شاب أي %29 من مجموع الشباب في العالم بارتفاع كبير عن %9 في عام 1950. فنعم الأمة التي يغلب عليها الشباب، بشرط حسن تدريبهم و إعدادهم للمستقبل.