محمد البسام
«أينما كنت، ومهما كنت تفعل، وأينما كنت تعيش، فإننا نحثك على المشاركة والمساهمة في مواجهة هذا التحدي الكبير: مياه مأمونة وصرف صحي للجميع، وإدارة موارد مياهنا بشكل مستدام. من أجل كل قطرة. حان وقت العمل.»
بهذه العبارة الشديدة التحذير أهاب فريق أممي بجميع أبناء البشرية الإسهام في الحفاظ على المياه، وإدارتها بصورة حكيمة، وصون مواردها لتبقى لأجيال اليوم وأبناء المستقبل، وتستفيد منها البشرية بصورة مستدامة.
تقرير أممي
ودعا الفريق في تقرير أممي صدر بعنوان (من أجل كل قطرة: خطة عمل المياه)، و تزامن إصداره مع احتفال العالم بيوم المياه العالمي في 22 مارس الماضي، إلى إحداث تحول جوهري في الطريقة التي يدير بها العالم المياه حتى يتسنى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا سيما الهدف السادس منها الذي ينص على ضمان توفر المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع.
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن امتنانه العميق لأعضاء الفريق على جهودهم في إصدار التقرير الذي تم تنسيقه من قبل البرنامج العالمي لتقييم الموارد المائية التابع لليونسكو، وكان ثمرة تعاون بين 31 هيئة تابعة للأمم المتحدة و39 مشاركا دوليا يشكلون لجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية.
وقال غوتيريش إن “توصيات الفريق يمكن أن تساعد على حماية الموارد المائية، وجعل الوصول إلى مياه الشرب المأمونة وتحسين الصرف الصحي حقيقة واقعة للجميع”، مشيرا إلى إدراك قادة العالم لأزمة المياه العالمية والحاجة إلى إعادة تقييم كيفية تقدير المياه وإدارتها.
وأثناء تقديم التقرير في المنتدى العالمي للمياه الذي استضافته البرازيل ، قالت المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي، “هناك حاجة إلى حلول جديدة في إدارة الموارد المائية لمواجهة التحديات الناشئة لأمن المياه الناجمة عن النمو السكاني وتغير المناخ… وإذا لم نفعل شيئا، فإن خمسة بلايين شخص سيعيشون في مناطق تفتقر إلى المياه بحلول عام 2050.»
شح المياه وخطر التهجير
المياه هي لبنة أساسية للحياة، وهي أكثر من مجرد ضرورة لإرواء العطش أو حماية الصحة، إنها أمر حيوي؛ فهي تخلق فرص عمل وتدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والإنسانية.
وحاليا يعمل نصف العاملين في العالم – 1.5 بليون شخص – في قطاعات ذات صلة بالمياه. إضافة إلى ذلك، تعتمد معظم الوظائف -بغض النظر عن القطاع- على المياه. وعلى الرغم من الصلة القوية بين الوظائف والمياه، فهناك الملايين من الأشخاص الذين يعتمدون على المياه لاكتساب أرزاقهم لا توفر لهم حمايات حقوق العمل الأساسية ولا يعترف بهم.
ويعيش حاليا أكثر من 663 مليون شخص من دون توفر إمدادات للمياه الصالحة للشرب على مقربة من منازلهم، فهم يقضون ساعات لا تحصى أو يقطعون مسافات طويلة للحصول على المياه، أو يواجهون الآثار الصحية لاستخدام المياه الملوثة.
وعودة إلى التقرير الأممي، إذ إن من أهم ما خلص إليه أن لأزمة المياه أبعادا عديدة، إذ يعاني 40 % من سكان العالم حاليا من شح المياه، وسيتعرض ما يصل إلى 700 مليون شخص إلى خطر التهجير بسبب شح المياه بحلول عام 2030. فضلا عن ذلك، يضطر أكثر من بليوني شخص إلى شرب المياه غير المأمونة، فيما لا يملك أكثر من 4.5 بليون شخص خدمات صرف صحي آمنة. كما تعاني النساء والفتيات بشكل غير متناسب عندما تنقص المياه وتسوء أوضاع الصرف الصحي، مما يؤثر في الصحة ويقيد في كثير من الأحيان فرص العمل والتعليم.
والطلب العالمي على المياه آخذ في الازدياد، وسيستمر في النمو بشكل كبير خلال العقدين المقبلين بسبب النمو السكاني والتنمية الاقتصادية وأنماط الاستهلاك المتغيرة.
وقال التقرير إنه بسبب تغير المناخ أصبحت المناطق الرطبة أكثر رطوبة، والمناطق الجافة أكثر جفافا. وإنه في الوقت الحالي يعيش نحو 3.6 بليون شخص، أي نحو نصف سكان العالم، في مناطق يحتمل أن تكون نادرة المياه على الأقل لمدة شهر واحد في السنة، ويمكن أن يزيد هذا العدد إلى ما بين 4.8 بليون إلى 5.7 بليون شخص بحلول عام 2050.
حلول من الطبيعة
وفي مقدمة التقرير حذر رئيس لجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية غيلبير إنغبو من اعتماد الإنسان لفترات طويلة على حلول غير صديقة للبيئة في إدارة المياه، وقال: “خلال فترة طويلة، اتجه العالم أولا نحو البنى الأساسية التي أنشأها الإنسان، والتي توصف بكونها (رمادية) بغرض تحسين إدارة المياه. وبذلك، تجاهل المعارف التقليدية للشعوب الأصلية التي تتبع نهجا تقوم على الطبيعة. وبعد ثلاث سنوات من اعتماد خطة التنمية المستدامة لعام 2030، فقد حان الوقت لإعادة النظر في الحلول القائمة على الطبيعة من أجل تحقيق أهداف إدارة المياه».
ويركز التقرير على مجموعة من الحلول القائمة على الطبيعة، حيث لا تُعتبر المياه بمثابة عنصر منعزل، بل تشكل جزءا لا يتجزأ من عملية طبيعية معقدة تتسم على وجه الخصوص بالتبخر أو هطول الأمطار أو امتصاص الأراضي للمياه. ويُشكل الغطاء النباتي عناصر تؤثر في دورة المياه، ويمكن التعامل معها لتحسين كميات ونوعية المياه المتوفرة.
ومن بين تلك الحلول، التي يمكن أن تساعد على حماية البشر من الفيضانات والمجاعة والتهديدات المتعلقة بالمياه إعادة تدوير مياه الأمطار في الصين، وتجديد الغابات في الهند، واستخدام الأراضي الرطبة الصناعية في أوكرانيا، وإتاحة المزيد من المساحات الخضراء في المدن، والحفاظ على المستنقعات والزراعة بأساليب تحافظ على صحة التربة.