أسعد الفارس
منذ أن أطلق الاقتصادي الإنجليزي مالتوس تحذيره الشهير من ازدياد عدد سكان الأرض بصورة متسارعة لا تتناسب مع النمو الحاصل في الإنتاج الغذائي على الأرض، أخذت الدول تعد عدتها لتلك الكارثة لتحافظ على أمنها الغذائي، وتدرأ المجاعة عن مجتمعاتها، فزادت من رقعة المساحات المزروعة، وصارت تزرعها في مواسم متتالية مستخدمة التسميد الكيميائي والمبيدات للقضاء على الآفات والحشرات. لكن تبين بعد حين أن توقعات مالتوس لم تكن صائبة، وأن الإجراءات التي اتخذتها تلك الدول أدت إلى أضرار جسيمة ظهرت آثارها على مدار سنوات عديدة، لاسيما على البيئة وصحة الإنسان.
صحيح أن الفطريات والبكتيريا والحشرات المختلفة قد تصيب النباتات، وتدمر المحاصيل، لكن المبيدات التي تكافحها تحمل معها أضرارا واضحة على البيئة والحياة الفطرية. وهذه بحد ذاتها مشكلة تدفعنا للتساؤل: هل مبيدات الحشرات دواء أم وباء..؟!
مجموعات المبيدات
المبيدات Pesticides مصطلح عام نعني به مبيدات الأعشاب والحشرات وغير ذلك، وعندما يتعلق الأمر بالحشرات نعني به مبيدات الحشرات وحدها، فمبيدات الحشرات مواد كيميائية ومركبات كثيرة، أدخلت مع بعضها بنسب مختلفة، وأخذت تسميات تجارية تعد بالمئات في الأسواق. وعلى الرغم من تعدد التسميات فإنه يمكن تصنيفها في ثلاث مجموعات، هي:
المركبات الهيدروكربونية الكلورية: منها الـ د.د.ت، والليندال، والألدرين، والأندرين، والهبتاكلور، والكلورودانو، والتكسافين.
المركبات العضوية الفسفورية: منها: الباريثون، والملايثون والدي سلفتون.
مركبات الكرباميت المختلفة.
وكان القرن الـ 18 على موعد مع بدء استخدام المواد السامة، فاستخدم الزرنيخ والزئبق والنحاس ونبات العنصيل لمقاومة القوارض وأمراض بعض النباتات. وعندما تطورت العلوم الحيوية والكيميائية في القرن العشرين، صنِّعت مواد كيميائية سامة استعملت لمكافحة الآفات المختلفة. وكان المرغوب منها أن تكون ثابتة دون تفكيك مدة طويلة ولا تتحلل بسهولة، وألا تكون نوعية، بل تستخدم في مقاومة كثير من الكائنات الحية الضارة. غير أن الديمومة ومقاومة التحليل تسببت في إبادة عدد كبير من الأحياء، فأخلت بالتوازن الحيوي في البيئة، مما دفع للبحث عن أساليب أخرى للمقاومة لا تضر بالبيئة.
فمن المجموعة الأولى – على سبيل المثال – استخدمت مادة الـ د.د.ت، التي ركبت عام 1874، والتي صنعها السويسري بول مولر، لمكافحة البعوض والذباب وغيرهما، فلاقت نجاحاً واسعاً في البداية، فازداد الطلب عليها في الأربعينيات من القرن الماضي بعد أن أثبتت فعاليتها. ثم تبين أن استعمال تلك المادة مدة طويلة سبب للبيئة دماراً كارثياً؛ فهذه المادة انتشرت في كل مكان، في الماء والهواء والتربة، وأبادت الكثير من الكائنات الحية.
ومن الخطأ القول إن كل الحشرات تضر بالمحاصيل أو تنقل الأوبئة، فمعظمها غير ضار بالمحاصيل، بل ومفيد عندما يفترس الحشرات الضارة، لكن المبيد يقتل الضارة منها والنافعة؛ مما دفع بلجنة حماية البيئة الأمريكية عام 1972 إلى أن ترفع توجيهاً بوقف استخدام هذه المادة كمبيد حشري، وذلك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من دمار حصل في البيئة بسبب استخدامها. أما المبيدات الأخرى مثل المبيدات الفسفورية العضوية (المجموعة الثانية) فهي أخف وطأة؛ فعندما ترش لا تعمر طويلاً، بل تفقد فاعليتها بعد أسبوعين على الأرجح، إذ تتأثر بالعوامل الجوية والحرارة والرياح، لكنها لا تخلو من الضرر ولاسيما في الأيام الأولى لرشها. فنحن إذاً أمام مفترق طرق بالنسبة للمبيدات، والموازنة غير السهلة بين النفع والضرر، لكن استعمالها لابد منه، فقد نحتاج إليها في:
مكافحة الحشرات الضارة والعناكب والديدان التي تصيب محاصيل الزراعة، وتقلل من إنتاجيتها.
القضاء على القوارض.
رش حظائر الحيوانات لتطهيرها والتخلص من الحشرات.
مكافحة الحشرات الطائرة والزاحفة الضارة بصحة الإنسان.
مكافحة الطفيليات التي تتطفل على الإنسان مثل: القمل والجرب.
مكافحة القوارض التي تنقل الأمراض.. الخ من الاستعمالات.
لكن الاستعمالات الخاطئة للمبيدات والجهل بأضرارها تجعل منها من أكثر ملوثات البيئة. ومن الأمثلة على ضرر بعض المبيدات أنها تقتل الأعداء الطبيعيين للحشرات الضارة، وتقلب التوازن بين الآفات وأعدائها الطبيعيين، فكينيا – على سبيل المثال- كانت تزرع البن، ورشت مبيد (البراثون) لمكافحة ضرر حشرة النطاط الكبير على أشجار البن. فاختفى النطاط فترة ثم عاد بكثرة، فتبين أن المبيد كان يقتل أحد الطفيليات التي تتكاثر على جسم النطاط وتحد من تكاثره، فعاد ليصبح واسع الانتشار بين أشجار البن.
المبيدات وصحة الإنسان
للمبيدات الحشرية أضرار كبيرة على الإنسان إما بشكل مباشر، وذلك بوصول المبيد الحشري أو أجزاء منه عن طريق اللمس أو الاستنشاق أو عن طريق الفم أو العين وذلك في الأماكن القريبة من أماكن استخدام المبيد، أو بطرق غير مباشرة عن طريق استهلاك المواد الغذائية والماء والهواء الملوثة بآثار المبيدات.
فقد تدخل جزيئات المبيد الحشري إلى جسم الإنسان على شكل غازات يحملها الهواء، وذلك عن طريق التنفس، فتصيبه بالتهابات حادة. كما أن الغازات التي تذوب في الماء تسبب التهابات في الرئة ثم ارتشاح ثم تليف، أما الغازات التي تذوب في الدهون فإنها تمر من خلال الرئة وتصل إلى الأعضاء التي توجد بها من خلال مجرى الدم مسببة العديد من الأمراض الحادة للكلية والكبد. وما يصل منها عن طريق بلع أبخرة وغازات المبيد إلى الجهاز الهضمي والبلعوم فإنه يسبب مرض الدرن.
وقد تخترق المبيدات السامة الجلد عند ملامستها له أو تدخل إلى الجهاز الهضمي عن طريق الخضار والفواكه الملوثة التي تحمل الآثار المتبقية من هذه السموم، ومن ثم تصل إلى الدم وإلى كل أعضاء الجسم فتستقر فيها، وتسبب عددا من الأمراض الخطيرة مثل أمراض الكبد والكلى والسرطان، إضافة إلى التشوهات الخلقية. وللمبيدات تأثير سلبي كبير في المياه والتربة والبيئة. ولما كانت البيئة الطبيعية تميل نحو التوازن، فعدد الأحياء بالنسبة إلى بعضها بعضا يميل نحو التوازن، وكل كائن حي يملك القدرة على التكاثر والانتشار لكن يحد من قدرته هذه نقص الغذاء، وتنازع البقاء ووجود الأعداء الطبيعيين، مما يجعل الأفراد الهالكة تعادل في نسبتها الأفراد المتوالدة الجديدة. والأحياء بشكل عام حلقة من الحلقات الطبيعية في الكون، وأي خلل يطرأ على هذا التوازن سينعكس على بيئة الأرض ومن عليها، وقد يوصلها إلى شفير الهاوية.
وتعد الكويت من البلاد التي حرصت على تحجيم أضرار المبيدات، فأصدرت لائحة بيئية فيها كل ما يخص المبيدات هي : اللائحة التنفيذية لقانون نظام المبيدات الصادر بالقانون رقم (21) السنة 2009، بالتعاون مع مجلس التعاون الخليجي، وحرصت على تطبيق المعايير العالمية لاستخدام المبيدات وإنتاجها، وحظرت استيراد بعض المبيدات الضارة.