على الرغم من أن الكويت دولة غنية بالنفط، فإنها تواجه تغيُّرًا في المشهد العالمي للطاقة يتسم بتقلب أسعار النفط وتغير الطلب وتقلبات السوق. ومن المرجح أن يزداد الوضع سوءًا بسبب آثار جائحة كوفيد19-. لضمان التنمية الاقتصادية والازدهار في السنوات المقبلة، تسعى الكويت إلى تنويع مزيج مصادر الطاقة لديها، وسط تركيز عالمي على التنمية المستدامة.
وقال الدكتور أسامة الصايغ، المدير التنفيذي لمركز أبحاث الطاقة والبناء في معهد الكويت للأبحاث العلمية: “نشهد انخفاضًا في الطلب العالمي على صادرات النفط والمنتجات النفطية منذ بضع سنوات، مما يعني انخفاضًا في عوائد الكويت. وقد تساعد الطاقة المتجددة على تقليل استخدامنا للوقود الأحفوري محليًا، ومن ثم توفير مزيد من الطاقة، للأسواق الدولية، وبالتالي من الإيرادات”.
خارطة طريق للطاقة الكويتية
الصايغ هو أحد المسؤولين الرئيسيين عن صياغة توقعات الطاقة في الكويت، وهو مشروع تحويلي يوفر سيناريوهات مفصلة للعرض والطلب لتوليد الطاقة الكهربائية على المستوى الوطني وتحلية المياه حتى عام 2035. ويقيّم المشروع الاتجاهات المستقبلية للتقنيات المتجددة، فضلاً عن إمكانات السوق والتأثيرات البيئية والفرص الصناعية. وستكون البيانات بمثابة خارطة طريق لتسهيل تحقيق نقلة في مجال الطاقة في الكويت.
تركز الكويت حاليًا على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لكن هذه الجهود تعوقها محدودية الأراضي المتاحة. وقال الصايغ: “تبلغ مساحة الكويت نحو 18 ألف كم2، والطاقة المتجددة، وبخاصة طاقة الرياح، تتطلب مساحات كبيرة من الأراضي. لذا، فقد فضلنا الطاقة الشمسية على طاقة الرياح. نعتقد أن مزيجًا من هذه التقنيات – نحو 80 % من الطاقة الشمسية و20 % من طاقة الرياح – ربما يعزز الاستخدام الأمثل للأراضي المحدودة في الكويت”.
أدرك الصايغ وفريقه في وقت مبكر أن الطاقة الشمسية ستكون العنصر المركزي بسبب محدودية الأراضي والحاجة إلى بناء محطات لتوليد الطاقة، فضلاً عن خلايا الطاقة الشمسية المتكاملة المستخدمة في الأبنية. تهدف الكويت إلى تلبية 15 % من احتياجاتها من الطاقة من خلال موارد الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، وهذا يساوي إنتاج 4.5 غيغاوات من الطاقة. قال الصايغ: “أكملنا الآن المرحلة الأولى من مجمع الشقايا للطاقات المتجددة بقدرة إجمالية مركبة تبلغ 70 ميغاواط من مزيج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. المشروع صغير لكنه مهم لأنه يفتح الباب أمام مشاريع مستقبلية”.
وفي هذا العام، كان يُفترض أن يتم إنشاء محطة أخرى بقدرة مركبة تبلغ 1.5 غيغاوات من الكهرباء في الموقع نفسه في المرحلة الثانية من مشروع الشقايا، المعروف أيضًا باسم مشروع الدبدبة. لكن بسبب مسائل إجرائية، فضلاً عن عدم وجود سياسات تعاقدية بالانتفاع من الأراضي العامة وشراء الطاقة وإطار تنظيمي للطاقة المتجددة، فقد تم تحويل المشروع من القطاع النفطي إلى وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة وهيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
يعمل الصايغ أيضا مع هيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص ووزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة للتحضير للمرحلة الثالثة من مشروع الشقايا التي تهدف إلى توليد 1.5 غيغاواط إضافية، إضافة إلى المرحلة الثانية. من المقرر أن يبدأ العمل في المشروع في عام 2022 مع توقع إنجازه في عام 2026. وبحلول عام 2035، يتوقع أن تولد محطة الشقايا المركزية بجميع مراحلها 4 غيغاوات.
هناك أيضًا خطة لتوليد الطاقة الموزعة، وهذا يعني أن من المتوقع أن تقدم المباني العامة والمدارس مجتمعة 500 ميغاوات بحلول 2027/2028. في محاولة لتشجيع تركيب ألواح الطاقة الشمسية في المنازل، تبني الكويت شبكة طاقة موزعة من شأنها أن تسمح بالعمل بسياسات القياس الصافي لإنتاج الكهرباء التي يستفيد منها السكان عمومًا.
قال الصايغ: “إذا أراد الناس الاستثمار في الطاقة المتجددة، فهم يحتاجون إلى أن يعرفوا بالتحديد ما الذي يدفعونه مقابل ماذا، ومع من يتبادلون الكهرباء. لتمكين مثل هذه التعاملات، نحتاج إلى البنية التحتية المناسبة حتى يتمكن الناس من مراقبة استخدامهم ورصيدهم. ما زالت هذه القطعة مفقودة من الصورة العامة”.
حان الوقت للتحول نحو الطاقة الخضراء
من خلال الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، يمكن للكويت المطالبة بوحدات من أرصدة الكربون مقابل ما تقلِّله من انبعاثات غازات الدفيئة. إضافة إلى ذلك، بموجب الاتفاقيات الدولية المتعلقة بتغير المناخ، يمكن للكويت بيع هذه الأرصدة إلى الدول الأقل تصنيعًا التي لا تزال غير قادرة على تقليل انبعاثات الكربون، مما يضمن الرفاهية التشغيلية لصناعات النفط والبتروكيماويات لديها. كان لوباء كوفيد19- تأثير كبير في توقعات الطاقة في الكويت. ويدرس الصايغ وفريقه الكيفية التي يمكن بها للفيروس أن يؤثر في أنماط استهلاك الناس. على سبيل المثال، منذ عدة أشهر، يقضي الناس وقتًا أطول في المنازل ويستهلكون الكهرباء والمياه أكثر من المعتاد. ويأتي نحو 95 % من إمدادات المياه في الكويت من محطات تحلية المياه التي تستخدم قدرًا كبيرًا من الطاقة.
ولذا جعل الصايغ هدفه التالي تقييم كمية الطاقة والمياه المؤكدة التي يستهلكها الكويتيون بسبب الجائحة. ويرغب الباحثون في دراسة آثار حظر التجول والتباعد الاجتماعي على قطاع الأعمال التجارية والصناعة. وسيحتاجون أيضًا إلى دراسة الكيفية التي يؤثر وفقها كوفيد19- في الكويت كاقتصاد نفطي.
كما أن الكويت ترى في مصادر الطاقة المتجددة فرصة للتعاون وتبادل المعرفة مع جاراتها في الخليج. فمنذ أكثر من عقدين، ربطت دول مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم البحرين والكويت وسلطنة عُمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، محطات الطاقة لديها بشبكة مترابطة.
ويرى الصايغ أن تنويع مصادر الطاقة في هذه الشبكة سيسهم في تعزيزها بما يعود بالفائدة على جميع دول مجلس التعاون الخليجي، إذ إنه سيجعلها أكثر موثوقية ومرونة في مواجهة أي مشكلة قد تطرأ مستقبلا.