د. محمد شريف الإسكندراني
تستند البشرية إلى رصيد هائل من أنواع من مصادر خامات الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي، لتلبية حاجاتها المتزايدة من الطاقة . ولا يوجد شك بأن الوقود الأحفوري يتربع على قائمة الموارد الأساسية الموظفة في توليد الطاقة التي نحتاج إليها. ومع تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري الناجمة عن عمليات حرق الوقود الأحفوري، ومع زيادة الطلب العالمي على الطاقة المواكب لتحسن مستويات المعيشة في كثير من الدول الواقعة جنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية والتي ترفعت عن تصنيفها السابق كدول فقيرة ونامية، فتسامت إلى مرتبة الدول المتحولة، وبالتوازي مع التنافس الدولي والنزاعات الرامية للهيمنة على موارد النفط والطاقة وما يصاحب ذلك من توترات سياسية، تواجه البشرية اليوم تحديات جسيمة ربما لم تواجهها منذ العصر الجليدي.
هذا في الوقت الذي تزايدت فيه هواجس المتخصصين في مجال الطاقة ورؤيتهم المتعلقة بعجز البشرية عن تلبية حاجاتنا المستقبلية من الطاقة، حيث ترجح التقارير ارتفاع معدلات الاستهلاك العالمي من الطاقة مما هي عليه اليوم 13.7 تيراوات (التيراوات TW = ألف جيجاوات = مليون ميجاوات) لتبلغ معدلات تراوح بين 30 – 40 تيراوات، وذلك بعد أربعة عقود من الآن! وتُظهر تلك التقارير أنه قبل انتهاء عام 2030 سيتجاوز الطلب العالمي على الطاقة أكثر من %50 مما هو عليه حالياً.
غاز الهدروجين
وفي مقابل ذلك، فإن غاز الهدروجين يعد مصدراً مهماً من مصادر الطاقة الجديدة، حيث يوفر حلاً ممكناً لتلبية الحاجات العالمية من الطاقة الآمنة النظيفة، والحد من انبعاثات غازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.
وتمثل مسألة تخزين الهدروجين في بطاريات وخزانات القضية الرئيسية والتحدي الحقيقي الشاغل لعقول وجهود العلماء والمتخصصين في مجال توظيف الوقود الهدروجيني للحصول على الطاقة النظيفة. لذلك يجري العلماء أبحاثاً خاصة بتوظيف تكنولوجيا النانو في إنتاج حبيبات لمواد نانوية مبتكرة، تتمتع بقدرتها على تخزين غاز الهدروجين بسعات فائقة.
اقتصاد الهدروجين
دأب الباحثون والعلماء المتخصصون في مجال الطاقة البديلة منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، على البحث عن بدائل ممكنة لمصادر الطاقة التقليدية، بحيث يمكن استغلالها لتحل تدريجياً محل الوقود الأحفوري الذي تتناقص احتياطياته سنة بعد أخرى بصورة مزعجة ومخيفة.
وأثمرت تلك الجهود المضنية والمستمرة إيجاد عدد لا بأس به من مصادر متاحة للطاقة البديلة، مثل الرياح، والإشعاع الشمسي، وتيارات المحيطات، والمد والجزر وحركة الأمواج.
بيد أن تلك المصادر الجديدة للطاقة لا تُستخدم بشكل مباشر في الصور المألوفة (سائلة أو غازية) من الوقود، مما أدى بنا إلى الوقوف على مفترق الطرق للاختيار والمفاضلة بين تخليق مركبات وقود صنعية مثل البنزين والغازات والميثانول، أو توظيف غاز الهدروجين كمصدر مهم تتوافر فيه عناصر الكفاءة والتوافق البيئي. وعلى الرغم من كون الهدروجين عنصراً كيميائياً مهماً ومعروفاً للبشرية بتطبيقاته المختلفة منذ أمد بعيد؛ فإنه منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي اكتسى بعداً بيئياً واقتصادياً مهماً، وذلك بعد أن رجح العلماء إمكانية استغلاله كمصدر مهم لتوليد الطاقة النظيفة.
ومع تزايد شغف العالم في الحد من التلوث، ومع تصاعد خطط حكومات العالم الرامية إلى ايجاد مصادر متنوعة من الطاقة النظيفة غير التقليدية، تضاعف خلال السنوات العشرين الماضية عدد الأبحاث العلمية ومشروعات البحث والتطوير الخاصة بتطبيقات الهدروجين فى مجال إنتاج وتخزين الوقود النظيف أو الأخضر. ومع تنامي التطبيقات في هذا المجال، تزايدت الآمال المعقودة على قدرة اقتصاد الهدروجين على توفير حلول عملية ممكنة تُلبي الحاجات العالمية من الطاقة النظيفة، والحد من انبعاثات غازات الدفيئة المؤدية إلى ظاهرة الاحتباس الحراري التي يعانيها عالمنا اليوم.
لذا فلم يكن غريباً أن تُخلع على الوقود الهدروجيني قلادة الوقود المستقبلي الأخضر (Green Fuel of the Future).
خواص متميزة
يستند الاهتمام العالمي الموجه نحو تطوير التقنيات المستخدمة في توظيف الهدروجين كأحد أهم مصادر الوقود الواعدة، وعلى الأخص في مجال خلايا وقود المركبات الكهربائية، إلى عدد من الخواص المتميزة التى يحتكرها هذا الوقود دون غيره من مصادر الوقود الأخرى، والتي يمكن إيجازها في النقاط الآتية:
> يعد الهدروجين العنصر الكيميائي الأخف وزناً في قائمة عناصر الجدول الدوري، وهو بذلك يمثل أعلى نسبة طاقة مقترنة بالوزن Energy-to-Weight Ratio، عند مقارنته بأي وقود آخر مولد للطاقة. فعلى سبيل المثال، تمثل الطاقة التي يحويها كيلوغرام واحد من غاز الهدروجن ثلاثة أضعاف الطاقة التي يحويها الوزن نفسه من البنزين.
> يتميز الهدروجين بكونه غازاً غير سام عديم اللون والرائحة؛ نظراً لأنه لا يحتوي على عنصر الكربون، لذا فإنه لا ينتج عن احتراقه انبعاث أي غاز مضر أو ملوث للبيئة (بخار الماء هو المُنتج الوحيد الناجم عن حرق الوقود الهدروجيني)، ويمكن الحصول عليه من مصادر مختلفة للطاقة الأولية. هذا إضافة إلى إمكان إنتاجه بسهولة من مصادر الطاقة المتجددة النظيفة.
> يمكن تخزينه للاستفادة من طاقته عند الحاجة.
التحديات والصعاب
وعلى الرغم من تلك المزايا والخواص الفريدة التي يتمتع بها الوقود الهدروجيني، فإنه ما زال هناك العديد من المشكلات والعقبات التي يتعين حلها قبل التطلع إلى إنتاجية عالية وتطبيقات كثيرة للهدروجين في مجال الطاقة البديلة الموجهة لتسيير السيارات والمركبات. ويمكن إيجاز تلك التحديات التكنولوجية التي تَحول دون استغلال طاقة الهدروجين بصورة اقتصادية في النقاط الآتية:
< تتمثل أولى هذه العقبات في التكلفة الإنتاجية الآمنة والفعالة لغاز الهدروجين. وفي الوقت الراهن، يتم إنتاج نحو %48 من هذا الغاز من خلال تقنية تهذيب وإصلاح بخار الميثان Methane Steam Reforming، في الوقت الذي يتم فيه إنتاج نحو %30 منه من خلال طرق إصلاح وتهذيب زيت النفط/النافثا. وتوظف تقنية تغويز الفحم Coal Gasification (أي تحول الفحم الصلب إلى غاز) في إنتاج نحو %18 من غاز الهدروجين، في حين يتم الحصول على %3.9 فقط من هذا الغاز عن طريق التحليل الكهربائي للماء.
ويتضح مما سبق ذكره أنّ الجزء الأكبر من غاز الهدروجين ما زال يعتمد في إنتاجه على تقنيات تعتمد على الوقود الأحفوري، المؤدي إلى انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون كمنتج ثانوي، وذلك نظراً لرخص الإنتاج النسبي لها إذا ما قُورنت بتقنية التحليل الكهربائي للمياه. وتُبذل الجهود حالياً لتخفيض سعر تكلفة إنتاج غاز الهدروجين عن طريق تقنية التحليل الكهربائي بهدف الوصول إلى مُنتج غازي
لا يتعدى سعر الكيلوغرام منه ثلاثة دولارات أمريكية.
< أما ثاني العوائق التكنولوجية فيتعلق بتطوير خلايا الوقود المعروفة باسم أغشية التبادل البروتوني Proton Exchange Membrane Fuel Cells (PEMFC) التي تُعد الخلايا الأساسية الأكثر ملاءمة لنقل غاز الهدروجين. وتنصب الجهود البحثية الحالية على توسيع نطاق خدمة تلك الخلايا لزيادة مصداقيتها في إنتاج الطاقة الهدروجينية، وابتكار سبل متطورة تعمل على تخفيض سعر الإنتاج الحالي للكيلوواط الواحد من الطاقة المُستمدة منها من مستوى 200 دولار أمريكي إلى نحو 30 دولاراً، ما يؤدي إلى إمكانية تطبيقها على المستوى التجاري.
طرق التخزين التقليدية
تُعد مسألة تخزين الهدروجين في حاويات مناسبة هي العقبة التقنية الثالثة والأكثر تعقيداً. فغني عن البيان أنَّه من الصعوبة بمكان تخزين غاز الهدروجين تحت الضغط الجوي العادي، وذلك نظراً لتدني قيمة كثافة هذا الغاز وخفته من ناحية الوزن. وهذا يعني ضرورة الاستعانة بخزانات وقود عملاقة فائقة السعة كي تُزود بها المركبات. ويتجسد حجم هذه المشكلة إذا ما علمنا أنه لتخزين 4 كيلوغرامات فقط من غاز الهدروجين يتعين تزويد المركبة بخزان وقود ضخم تبلغ سعته نحو 225 لتراً، أو تزويدها بخمسة خزانات وقود تبلغ سعة الواحد منها نحو 45 لتراً، أي ما يعادل حجم (بالون) قطره نحو خمسة مترات! وهذا يستحيل تطبيقه من وجهة النظر العملية والفنية.
ومن ثم فقد تم طرح عدد من التقنيات التقليدية الخاصة بتخزين الهدروجين على نحو يتلاءم مع التطبيقات العملية له كوقود للمركبات. وبصورة عامة، فإنه يمكن تخزين غاز الهدروجين من خلال ثلاث تقنيات هي: ضغط الغاز وتعبئته، تسييل الغاز، أو من خلال تخزين الغاز داخل الهياكل البلورية للفلزات والسبائك في صورة هدريدات فلزية صلبة.
هذا وتُعد تقنية ضغط الغاز، وتقنية إسالته، التقنيتين التقليديتين المستخدمتين لتخزين الهدروجين في الصورة الغازية أو السائلة على التوالي. ويعقد الجدول المرفق مقارنة بين هاتين التقنيتين من حيث الأساليب المُستخدمة وعيوب كل واحدة منها. وتمثل التقنية الأولى نمطاً غير آمن في تعبئة وتخزين الهدروجين على صورته الغازية، وذلك رجوعاً إلى قيم الضغوط العالية المستخدمة في كبس الغاز وضغطه داخل أسطوانات الشحن، والتي تراوح بين 200 و300 ضعف الضغط الجوي العادي. فيما توفر التقنية الثانية الخاصة بإسالة غاز الهدروجين عند درجات حرارة شديدة الانخفاض (252- درجة مئوية) بعداً تكنولوجياً مهماً، إذ إنها تزيد من كتلة الغاز الذي يمكن تعبئته داخل خزان وقود المركبة بمقدار الضعف، وذلك مقارنة بالطريقة الأولى.
وعلى الرغم من المزايا التي يمكن أن توفرها تلك التقنية، فإنَّ قيمة درجة الحرارة الحرجة للهدروجين وهي 241- درجة مئوية (الزيادة الموجبة في تلك القيمة تؤدي إلى تبخر الهدروجين المُسال وتحوله من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية) تُمثل صعوبة بالغة عند التطبيق الفعلي، وذلك نظراً لكون خزانات وقود الهدروجين السائل تكون مفتوحة وليست مغلقة (وذلك من أجل تجنب زيادة الضغوط على الجدران الداخلية لخزان الوقود) الأمر الذي يعني فقدان كم هائل من الوقود السائل وتحوله إلى صورة غازية لا يستفاد منها. إضافة إلى هذا فإن مسألة تسييل غاز الهدروجين في حد ذاتها تُعد أسلوباً باهظ التكاليف، حيث يؤدي إلى رفع التكلفة الإنتاجية لوقود الهدروجين بنسبة تصل إلى %50على أقل تقدير.
ويتضح لنا مما سبق، أنه على الرغم من المزايا المتعددة للوقود الهدروجيني، فإن التقنيات التقليدية المستخدمة في تخزينه بصورتيه الغازية والسائلة مازالت قاصرة وغير قابلة للتطبيق على الوجه الأمثل.
تخزين الهدروجين في الحالة الصلبة
تتمتع المواد الفلزية بقدرة عالية على امتصاص غاز الهدروجين وتخزينه وذلك على المستوى الذري، ومن ثم فهي تُعد بمنزلة خزانات لوقود الهدروجين. ينفرد الهدروجين بكونه عنصراً محبباً لدى معظم العناصر الفلزية وسبائكها، حيث تقوم بامتصاص ذراته وتخزينها داخل هياكلها في الحالة الصلبة Solid-State مكونة مركبات هدريدية تُعرف باسم الهدريدات الفلزية. وتتميز تلك الهدريدات بقدرتها الفائقة على استيعاب كميات كبيرة من غاز الهدروجين والاحتفاظ به داخل هياكل بنيتها الداخلية، لذا فهي تُعد أكثر ملاءمة وقدرة على تخزين الهدروجين إذا ما قورنت بالتقنيات التقليدية المستخدمة حتى اليوم في تخزين الهدروجين، إضافة إلى أنها تخلو من العيوب والمساوئ التقنية الموضحة في الجدول.
ويعد مركب هدريد المغنيسيوم من المواد المرغوبة في الاستخدام كمواد لتخزين الهدروجين، لكن عمليتي امتصاص وتفريغ غاز الهدروجين تتم بمعدلات حركية بطيئة، وعند درجات حرارة عالية تراوح بين 350 – 400 درجة مئوية، مما يقيد تطبيقاتها الفعلية. وبالعودة إلى قيم درجات الحرارة التي تتم عندها عمليتا شحن وتفريغ الهدروجين إلى/من المواد الفلزية؛ فإنه يمكن تقسيم تلك المواد إلى قسمين رئيسيين هما:
< فئة الهدريدات الفلزية التي تتم فيها عملية الشحن والتفريغ عند درجات منخفضة (50 – 70 درجة مئوية) ذات السعات المنخفضة في تخزين الهدروجين (أقل من %2 نسبة وزنية) مثل سبيكة هدريد الحديد تيتانيوم، وهدريد سبيكة اللانثانيوم نيكل.
< فئة الهدريدات الفلزية التي تتم فيها عملية الشحن والتفريغ عند درجات مرتفعة (300 – 400 درجة مئوية) ذات السعات العالية في تخزين الهدروجين (أعلى من %7.5 نسبة وزنية) مثل هدريد المغنيسيوم.
الهدريدات المركبة
وهناك فئة أخرى من المواد المُخزنة للهدروجين تعرف باسم الهدريدات المركبة؛ وهي عبارة عن المركبات الأيونية للأنيونات والكاتيونات الخاصة بمركبات العناصر الفلزية القلوية مثل مركب هدريد الصوديوم ألمنيوم، وهدريد الليثيوم بورون. وتتميز تلك الطائفة من هدريدات المواد بقدرة عالية على امتصاص وتخزين الهدروجين بكميات كبيرة (7.5 – %15 نسبة وزنية)، وذلك عند درجات حرارة تراوح بين 100 – 150 درجة مئوية. بيد أن درجة تفكك الهدروجين منها تتم عند درجات حرارة عالية تراوح بين 650-300 درجة مئوية وذلك على حسب المركب المستخدم.
تطبيقات تكنولوجيا النانو
نظراً للحاجة العملية الماسة إلى ابتكار طرق غير تقليدية وفعالة يمكن استخدامها في إنتاج مواد متقدمة لتخزين الهدروجين وتوظيفها في إنتاج خلايا الوقود الهدروجينية المستخدمة في السيارات التي تعمل بالهدروجين، فقد استحوَذ هذا الموضوع على اهتمام كبير من قبل مختلف المدارس العلمية والبحثية على مستوى العالم، ومنها معهد الكويت للأبحاث العلمية. وعلى الرغم من اتساع نطاق البحث والتطوير في هذا المجال الحيوي، فإن جميع النشاطات العلمية تتمحور وتتنافس في عدة نقاط يمكن إيجازها على النحو الآتي:
1 – إنتاج فئات متطورة وجديدة من المواد المتقدمة، وعلى الأخص فئة المواد النانوية التي تراوح مقاييس أبعاد أقطارها بين 1 – 100 نانومتر، ولها القدرة والسعة العالية على استيعاب وتخزين كميات كبيرة من الهدروجين بحيث تقوم بدور خزانات لغاز الهدروجين.
2 – تقليــــص قيـــم درجات الحرارة والضغــــوط التي يتم عندها عمليتا امتصــــاص حبيبات المادة وغاز الهــــدروجين وتفريغــــها له، بحيث تتقارب، وتكون أقل من 100 درجة مئوية، وعند ضغـــوط قريبة من الضغط الجوي العادي.
3 – حتميـــــة تمتع المواد المُقترحة لتخزين الهدروجين بسرعة حركية عالية Kinetics في معدلات امتصاص وإطلاق غاز الهدروجين.
4 – يجب أن تتمتع المــــواد المُخزنة للهـــــدروجين بارتفــــاع في زمن دورات الحيــــاة Cycle-Life-Time مـــما يضمن إعــــادة شحن وتفريغ الهدروجين لها.