تجارب مثيرة للقاحات ضد المخدرات
نورا الشريف
تجد دول العالم صعوبة بالغة في معالجة الإدمان بين الشباب، وحتى بعد العلاج قد يتعرض بعض المتعافين من الإدمان إلى انتكاسة ويعود إلى التعاطي وأخذ جرعات مفرطة مميتة. ويعود السبب في ذلك إلى أثر المخدرات في الجهاز العصبي، ومن ثم عدم قدرة الشخص على مقاومة الرغبة في التعاطي. ويعتقد بعض الأشخاص أن الانتكاسة تأتي بلا مقدمات، لكن علمياً فإنها تبدأ بأفكار متوترة تتولد لدى المتعافي، وما إن يبدأ بالتفكير في تلك النشوة أو الأثر الذي يعتقد أنه يزيل همومه أو يفصله عن واقعه حتى تتحرك لديه الرغبة في العودة للتعاطي، أو ما يسمى الشوق.
وخلال تلك الفترة يتمكن بعض المتعافين من الإدمان – عن طريق المداومة على العلاج – من تخطي المرحلة والتغلب على الشوق، والاستعاضة عن ذلك بإنجازات إيجابية، في حين يظل البعض الآخر أسير هذه الرغبة.
إحصاءات أممية
ووفق مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة UNODC فإنَ هناك نحو ربع بليون مدمن على مستوى العالم، وعلى مختلف أنواع المخدرات. ويبلغ الإنتاج اللاشرعي للمخدرات الثقيلة والخفيفة نحو 448 طنا سنوياً، والأكثر مدعاة للقلق أنَ نحو 29.5 مليون من متعاطي المخدرات يعانون اضطرابات ناشئة عن تعاطي المخدرات، مما يعني أن تعاطيهم للمخدرات ضارُّ إلى درجة أنهم قد يصبحون رهنا للمخدرات وبحاجة إلى العلاج.
ومن أجل معالجة الإدمان بين الشباب وضمان عدم انتكاستهم مجدداً بعد العلاج طوّر العلماء استراتيجية واعدة لتعزيز وقف وتعاطي الهيروين تتمثل في التطعيم باللقاحات.
تطور اللقاحات الأفيونية
في عام 1970 أعلن عدد من الباحثين تطوير لقاح ضد المورفين، وجرى استخدام الأجسام المضادة التي تنتجها الأرانب الملقحة عن طريق المقايسة المناعية الشعاعية للمورفين. وفي عام 1972 ذكر بعض الباحثين أن لدى دم مستخدمي الهيروين أجساما مضادة ضد المورفين. وفي عام 1975، أجرى باحثون عملية تحصين للأرانب بنجاح ضد المورفين باستخدام لقاح متقارن. ولما كان الهيروين يتحلل بسرعة كبيرة إلى -6 أستيل مورفين في مصل المستخدمين فإن هذا اللقاح يكون مفيداً ضد المورفين والهيروين.
غير أنه لم يحدث سوى تقدم ضئيل جداً في هذا الميدان خلال العشرين سنة التالية، ويعزى ذلك جزئياً إلى أن المعالجة بالميثادون لإدمان الهيروين أصبحت تستخدم على نطاق واسع. ومن المثير للاهتمام ملاحظة أن تطور اللقاحات ضد الأمفيتامين ربما اتبع المسار نفسه تقريباً عبر تقارير مبكرة في السبعينيات.
أما اللقاحات الخاصة بالكوكايين فنشرت تقارير عنها في منتصف التسعينيات حينما ظهرت أبحاث عن اللقاحات المتقارنة بالمخدرات ركزت على الكوكايين والنيكوتين. وبعد ذلك نشر أستاذ الكيمياء والعضو في معهد سكاغز Skaggs للبيولوجيا الكيميائية الدكتور كيم جاندا عدداً من الأبحاث في هذا المجال نحو عام 2013، ونشر هو ومجموعته عام 2016 بحثا عن لقاح ضد الفينتايل Fentanyl. ولسوء الحظ فإن كل المحاولات المبذولة التي تعود إلى السبعينيات من القرن الماضي لإنتاج لقاح ضد المواد ذات المفعول الأفيوني فشلت بسبب مشكلات عدة منها ضعف تصميم الناشبة hapten (أداة تستطيع التوحد نوعياً مع ضد، لكنها لا تستطيع استنباط استجابة مناعية نوعية عند إدخالها إلى الجسم. ويمكن للنواشب أن تتحول إلى مستمنعات، أي يمكن جعلها تستنبط استجابة مناعية نوعية، إذا اتحدت مع ناقل؛ مثل بروتين، أو أي جزيء كبير)، وسوء اختيار المادة المساعدة. وافتقرت اللقاحات السابقة إلى التطوير الدقيق ما قبل السريري، ولم تُظهِر القدرة على منع تأثير المخدرات في العديد من الإجراءات السلوكية.
لقاح واعد
وثمة لقاح واعد ضد المواد ذات المفعول الأفيوني، وهو لقاح الهيروين، وقد وضع الصيغة الأولى له عام 2013 فريق بقيادة جاندا وتبين أنها فعالة وآمنة في كل نماذج الفئران والرئيسيات غير البشرية.
وللوهلة الأولى قد تبدو فكرة غريبة أن جزيئات صغيرة مثل الهيروين والكوكايين وغيرها تطلق استجابة مناعية من تلقاء نفسها. وما فعله العلماء على مدار السنوات ال 25 الماضية هو خداع الجهاز المناعي للتعرف إلى المخدرات كجسم غريب.
ويعمل اللقاح من خلال تدريب أجسام مضادة لجهاز المناعة على التعرف إلى جزيئات الهيروين وتقييدها ومنعها من الوصول إلى الدماغ، وهذا من شأنه منعها من الوصول إلى المستقبِلات التي تجعل مستخدم الهيروين عادة يشعر بالرضا، وفي الوقت نفسه تعمل على قصور الجهاز التنفسي الذي يعد السبب الرئيسي لوفيات الجرعة الزائدة. ويعتقد الباحثون أن منع نشوة الهيروين سيساعد على القضاء على الدافع للعديد من المدمنين للانتكاس والعودة إلى تعاطي المخدرات.
إن جزيء الهيروين لا يحث بشكل طبيعي استجابة الأجسام المضادة، لذلك يربطه العلماء ببروتين ناقل ينبه الجهاز المناعي لبدء صنع الأجسام المضادة. ويضيف الباحثون عنصراً يسمى المادة المساعدة إلى اللقاح، وهي إضافات (مثل أملاح الألمنيوم والسكوالين) من المواد التي تزيد من الاستجابة المناعية من خلال آليات لم تعرف طريقتها بعد بصورة كاملة.
بحث جديد
وفي يونيو عام 2017 نشرت مجلة الجمعية الكيميائية الأمريكية بحثا عن تطوير لقاح الهيروين من خلال تقييم شامل لبنية الناشبة والبروتين الناقل والمساعد والجرعات. وأدى تحصين الفئران والقرود الريسيوس بصيغة اللقاح المحسَنة إلى توليد مناعة ضدية للهيروين، وهو ما أسهم في تقليل فعاليته بأقل من 15 ضعفاً، فضلا عن أن آثار اللقاح ظلت ثابتة واستمرت لأكثر من ثمانية أشهر مما يجعله أول لقاح ضد المواد ذات المفعول الأفيوني يبلغ هذه المرحلة. وذكرت الدراسة أن التطعيمات تكون أكثر فعالية مع الجرعات المعززة في المستقبل.
وثمة دراسة نشرتها مجلة Molecular Pharmaceutic في فبراير الماضي، وتحقق الباحثون فيها من كيفية عمل 20 توليفة مختلفة من البروتينات الحاملة / المواد المساعدة، بما في ذلك ثبات التخزين استنادا إلى درجة الحرارة ووقت الخزن وما إذا كانت التركيبة بصورة سائل أو مسحوق. وأظهرت تجاربهم في نماذج القوارض أن أفضل صيغة لقاح تحتوي على بروتين حامل يدعى ذوفان الكزاز ( توكسويد الكزاز TT) والمادة المساعدة تدعى الأوم (الشب) ومادة صناعية من DNA-Oligonukleotid اسمها 1CPGODN.
وكان اكتشاف أن الشب يعمل كأفضل مساعد ذا أهمية خاصة لكونه من المواد القليلة المساعدة المستخدمة في اللقاحات التي وافقت عليها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية. ووجد الباحثون أيضاً أنه لم يكن هناك فرق في نجاح الصيغة سواء كانت مسحوقة أو سائلة.
وأظهرت الدراسة أن أفضل صياغة للقاح أظهرت حماية ضد الجرعات المميتة من الهيروين، وهذا مهم بشكل خاص لأن العديد من مدمني المخدر استسلموا للجرعات الزائدة والموت أثناء محاولتهم الإقلاع عن المخدرات. و بهذه الدراسة أثبت الباحثون أن اللقاح آمن وفعال في النماذج الحيوانية تحت ظروف سريرية مستقرة، مع الاعتماد على مادة مساعدة موثوق فيها.
لم يؤد هذا اللقاح مفعوله إلا ضد الهيروين، ويسعى العلماء إلى تطويره ليكون فعالا ضد كل أنواع المخدرات أملا في تخلص العالم من هذه الآفة الكارثية على البشرية جمعاء.
اين اسم كاتب المقالة ؟
شكرا لك دكتور عبدالله واستاذ كريم