المهندس أمجد قاسم
ترتبط كلمة الإشعاعات لدى كثير من الناس بالأخطار والكوارث النووية، إلا أن الحقيقة تدحض بعض تلك المزاعم، فعلى الرغم من أخطار بعضها، فإن لكثير من تلك الإشعاعات دوراً مفيداً للإنسان، وقدمت خدمات جليلة على امتداد نحو قرن من الزمن. علماً أنه في كل لحظة تخترق أجسامنا آلاف الأنواع من الأشعة، ولم يعرف الإنسان ماهيتها حتى وقت قريب نسبياً، بعد أن تنبه عدد من الباحثين لها، وجرى الكشف عن أنواعها وهويتها وفوائدها وأضرارها.
الإشعاع ظاهرة طبيعية قديمة منذ نشأة الأرض، وهي جزء ثابت في حياتنا اليومية. والإشعاع طاقة تنبعث من مصدر ما، وتنتقل خلال الوسط المحيط بها، سواء كان الوسط مادياً أو فراغاً، وقد يحدث امتصاص كلي أو جزئي لهذه الطاقة من الوسط المحيط، أو قد تخترق الوسط دون حدوث أي امتصاص لها. والإشعاع قد يكون على هيئة موجات أو جسيمات ويعتمد على مصدره، وهو نوعان: مؤين وغير مؤين.
ويعد عام 1895 بداية التعرف إلى هذه الظاهرة، إذ اكتشف عالم الفيزياء ويليام كونراد رونتغن الأشعة السينية X، حينما كان يجري بعض التجارب على أنبوب كروكس.ونشرت صحيفة (لندن تايم) نبأ هذا الاكتشاف المهم في عام 1896. وشاع في العالم صورة يد زوجة رونتغن وقد ظهر فيها خاتم زواجهما. وفي العام نفسه لاحظ العالم أنطوان هنري بيكريل وجود أشعة مشابهة للسينية تنطلق بشكل تلقائي من أملاح اليورانيوم، وسجل هذه الظاهرة في الأول من شهر مارس 1896، وبذلك جرى اكتشاف ظاهرة النشاط الإشعاعي.
وتتابعت بعد ذلك أبحاث عدد من الفيزيائيين، ومنهم (فريق كوري) الذي ضم ماري سكلودوفسكا وزوجها بيير كوري، والذي تمكن من الكشف عن ماهية الأشعة المنطلقة من اليورانيوم، التي تختلف عن الأشعة السينية، واتفق حينذاك على إطلاق مصطلح جديد على ذلك هو النشاط الإشعاعي. وأثبت هذا الفريق أن النشاط الإشعاعي
لا يقتصر على اليورانيوم فحسب، بل إنَّ بعض العناصر تتميز بنشاطها الإشعاعي كالثوريوم والبولونيوم والراديوم. وتم التعرف إلى ثلاثة أنواع من الأشعة الصادرة، هي ألفا Alpha، وبيتا Beta، وغاما Gamma.
أشعة مؤينة وغير مؤينة
تقسم الأشعة إلى نوعين: مؤينة وغير مؤينة. والأشعة غير المؤينة هي أي نوع من الأشعة لا يمتلك طاقة كامنة لإحداث تغيير تركيبي في الذرات أو الجزيئات للمادة التي تلامسها، فلا ينتج عن ذلك النوع من الأشعة أيونات ذات شحنة، وهذا لا ينفي حدوث بعض التأثيرات لبعض أنواع الأشعة غير المؤينة عند التعرض لكثير منها.
ومن الأمثلة على الأشعة غير المؤينة، معظم الإشعاعات الواردة من الشمس، والاتصالات اللاسلكية، وموجات الراديو، والميكروويف، والأشعة تحت الحمراء، وإشعاعات الهواتف النقالة، وهذا النوع من الأشعة يتميز بانخفاض طاقته وموجته الواسعة.
أما الأشعة المؤينة، فهي تحدث تغييرات واضحة في تركيب الأنسجة الحية التي تتعرض لها. ومن الأمثلة عليها، الأشعة السينية، والإشعاعات النووية، حيث ينتقل جزء من طاقة هذه الإشعاعات إلى إلكترونات ذرات الوسط المحيط، فتمتصه وتكسبها طاقة حركية وبالتالي تتكون أيونات موجبة وسالبة.
النظائر المشعة
تتكون الذرة من نواة تحتوي على بروتونات ونيوترونات، وإلكترونات تدور حولها، إضافة إلى عدد من الجسيمات النووية الدقيقة، وتتميز الذرات في أن بعضها يكون مستقراً (خاملاً) وبعضها يكون غير مستقر (نشط)، حيث يكون لها نشاط إشعاعي أو انبعاث لأشعة نووية، كأشعة ألفا وبيتا وغاما.
وهذه العناصر الكيميائية المشعة، التي تكون أنويتها غير مستقرة، يكون لها نفس عدد البروتونات المشابهة للذرة المستقرة من العنصر نفسه، لكن تختلف في عدد النيوترونات، وبالتالي يتكون نظير العنصر أو ما يعرف بالنظير المشع، فمثلاً عنصر الفسفور يكون له أكثر من نظير، كالفسفور31-،
والفسفور32-، والفسفور-33، أما اليورانيوم فيوجد له أيضاً أكثر من نظير
كاليورانيوم233-، واليورانيوم235-، واليورانيوم238-، وبناء عليه فإن النظائر الخاصة بعنصر واحد تختلف قليلاً في أوزانها الذرية على الرغم من تشابهها في الصفات الكيميائية.
ونظراً لانبعاث الأشعة من تلك النظائر المشعة بشكل مستمر، فإنَّ نشاطها الإشعاعي يتناقص مع مرور الوقت، وهذا يعرف بعمر النصف، الذي هو عبارة عن المدة الزمنية اللازمة لهبوط النشاط الإشعاعي لأي نظير إلى النصف، والذي يراوح بين بضع ثوان وآلاف السنوات، تبعا لنوع النظير المشع.
ويمكن تصنيع عدد كبير من النظائر المشعة مختبرياً عن طريق قصف الذرة المستقرة في مسارعات الجسيمات بجسيمات دقيقة، مثل النيوترونات أو البروتونات أو ألفا وغيرها، وعملية القصف تلك تؤدي إلى تغير استقرار الذرة وطاقتها، فمثلاً عند قصف
الكوبلت – 59 المستقر ببروتون يتحول إلى الكوبلت – 60 المشع. وإضافة إلى استخدام مسارعات الجسيمات (السيكلوترون) لإنتاج النظائر المشعة، فإنه يمكن إنتاجها في المفاعلات النووية، ومن أهمها مفاعلات الفيض النيوتروني المعتدل، كما يمكن إنتاجها من مولدات خاصة ويتم الحصول على نظائر مشعة قصيرة العمر ناتجة عن نظائر مشعة طويلة العمر منتجة مسبقاً من مسارعات أو مفاعلات.
ويؤدي تحلل أنوية النظائر المشعة إلى انطلاق عدد كبير من الجسيمات النووية والإشعاعات الكهرمغنطيسية، كجسيمات ألفا وبيتا، وبعض أنواع الإشعاعات الكهرمغنطيسية، كأشعة غاما، فأشعة ألفا ذات طبيعة موجبة وأشعة بيتا ذات طبيعة سالبة، أمَّا أشعة غاما التي هي أمواج كهرمغنطيسية فتتميز بقصر موجاتها وهي ذات نفاذ واختراق عاليين، ونواتج التحلل تلك، لها استخدامات كثيرة ومتعددة، كالمجالات الصناعية، والزراعية، والجيولوجية، والبحث العلمي، وإنتاج الطاقة، ودراسة تركيب المادة، والتعرف إلى جودة المنتجات، ومراقبة خطوط الإنتاج، وتحسين سلالات المحاصيل الزراعية والحيوانية، وتعقيم اللحوم والخضراوات والحبوب، وحفظ الأغذية، وغيرها من التطبيقات والاستعمالات المهمة، إلا أن أبرز تلك التطبيقات هو في المجال الطبي.
الاستخدامات الطبية
استرعت التأثيرات البيولوجية للعناصر المشعة انتباه عدد من الباحثين عند اكتشافها، ففي مطلع القرن الماضي لاحظ العالم بيكرل حدوث بقعة حمراء على جلد بطنه عندما كان يحمل في جيب ردائه قارورة تحتوي على الراديوم، وكان يجهل وقتها تأثيرها البيولوجي، وقد سُميَ هذا التأثير بحرق بيكرل، وتنبه الباحثون إلى التأثيرات البيولوجية للعناصر المشعة على جسم الإنسان. وقد درس الكيميائيان الألمانيان واكهوف وجيسل بالتعاون مع فريق كوري والعالم بيكرل، الحروق التي أصيب بها الأخير، وتم تسجيل كثير من الملاحظات المهمة، واستخدم مصطلح erythema doses للدلالة على الجرعة الإشعاعية المحدثة للتغيرات البيولوجية.
ويمكن القول إن أول من استخدم العناصر المشعة للعلاج كان الدكتور دانلوس، حيث عالج عدداً من مرضاه المصابين ببعض الأمراض الجلدية في مستشفى سانت لويس بباريس، واستخدم عنصر الراديوم.
وفي عام 1903 استُعمل هذا العنصر المشع لعلاج مرض السرطان، بعد أن ظهرت فائدته في القضاء على بعض الأورام الخبيثة، كما استعمل في حينه لعلاج الأكزيما وتضخم الغدة الدرقية ومسامير القدم وحتى لإزالة الشعر غير المرغوب.
وفي البداية ابتكرت وسائل بسيطة للتعامل مع العناصر المشعة والاستفادة منها طبياً، حيث كان يتم وضعها في أنابيب خاصة توضع في حاويات مصنوعة من الفضة أو الذهب أو البلاتين أو الرصاص أو النيكل، وهذه الحاويات تسمى الحجب أو الستائر، وهي بسمك 0.1 – 2 ملم، وتحتوي على فتحة صغيرة للسماح للأشعة بالنفاذ منها، ويتم تقريب تلك الأنابيب المشعة من العضو المصاب سواء كان خارج الجسم أو داخله، كما استعملت أحياناً بعض العناصر المشعة بشكل مباشر دون استخدام منبع محجب.
أخطار إشعاعية
ونظراً للأخطار الإشعاعية لأملاح الراديوم، وإجراءات السلامة العامة الواجب اتخاذها عند التعامل مع هذا العنصر المشع، استخدمت منابع الرادون في كثير من التطبيقات الطبية، ففي عام 1914 استخدم الرادون للمرة الأولى في علاج بعض الأمراض الجلدية، وقد تميز الرادون بعمر قصير نسبياً، ويبلغ نحو أربعة أيام فقط، وأعقب ذلك في عام 1920 اعتماد استعمال الرادون بدلاً من أملاح الراديوم في العلاج الطبي الإشعاعي في الولايات المتحدة الأمريكية.
ومع التقدم العلمي في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، تم الاستغناء عن الراديوم، وابتكرت أنظمة خاصة للعلاج الإشعاعي، حيث استخدمت منابع أشعة غاما من الكوبلت، واستخدمت نظائر مشعة صناعية للذهب والأريديوم، وتم وضع آليات دقيقة في الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية للتخلص من منابع الراديوم المستخدمة.
ومع ذلك، ونظراً لقلة المعلومات الكيميائية والفيزيائية حول العناصر المشعة في النصف الأول من القرن الماضي، وعدم توافر معلومات كافية حول أخطارها، فقد استخدمت بشكل مبالغ فيه لعلاج عدد كبير من الأمراض، فاستخدم الماء المشبع بالرادون لعلاج مرض السل وأمراض الجهاز الهضمي والعصبي وتنظيم نشاط غدد الجسم والنشاط الإنزيمي. وكان يتم إدخال الرادون عن طريق مياه الشرب أو بحقن عضلية أو وريدية أو تحت الجلد أو عن طريق التنفس.
ومع توالي الأبحاث الطبية والمراقبات السريرية، بدأت تتكشف أخطار استخدام العناصر المشعة في المجال الطبي دون وجود معايير صارمة، كما تم تحديد الأمراض التي يمكن استخدام العناصر المشعة لعلاجها، ومن أهمها القضاء على الأورام السرطانية.
وعلى الرغم من ذلك، فقد تواصل استخدام العناصر المشعة في الأغراض الطبية والعلاجية والتجميلية، لكن مع زيادة وعي الناس وحملات التوعية وزيادة معارف الباحثين بتلك العناصر وأخطارها، أدى ذلك إلى تراجع ما كان يشاع عن أهمية تلك العناصر في شفاء عدد كبير من الأمراض، وتمت معرفة الحدود الآمنة لها وأخطارها وكيفية التعامل معها، وأصبح استخدامها مقتصراً على المتخصصين ممن يمتلكون المعرفة العلمية التي تؤهلهم للتعامل مع تلك المواد الخطرة.
الاستخدامات الحديثة
تستخدم حالياً الإشعاعات المؤينة في المجالات الطبية لغرضين أساسيين؛ تشخيص ومعرفة وجود مرض معين، وإجراء المعالجة الطبية لذلك المرض باستخدام الأشعة الذرية.
ويقوم التشخيص الطبي الحديث للأمراض على استخدام عدد كبير من أنواع الأشعة، كالأشعة السينية التي تنتج من مدارات الذرات، أو باستخدام النظائر المشعة التي يتم تكوينها من خلال إحداث تغيرات في بنية أنوية بعض الذرات.
واستخدمت أشعة أكس (السينية) غير المقطعية منذ مطلع القرن الماضي للكشف عن العظام المكسورة والمشروخة، وهي تعتمد على مبدأ اختلاف درجة امتصاص أعضاء الجسم للأشعة، فالعظام لها درجة امتصاص كبيرة للأشعة، بسبب كثافتها العالية مقارنة بالأنسجة الحيوية الأخرى في الجسم، كما استخدمت الأشعة السينية للكشف عن الأورام والالتهابات وتقرحات الجهاز الهضمي والكشف عن الأجسام الغريبة التي قد تدخل في الجسم. أمَّا الأشعة السينية المقطعية فهي تمكن الأطباء من الحصول على صور متعددة لمقاطع الجسم، بحيث يتم التصوير بنظام الشرائح المقطعية للعضو أو الجزء المراد تصويره، ما يوفر صوراً عالية الدقة تبين كل التفاصيل الدقيقة الداخلية للعضو وتسهل عملية التشخيص.
الطب النووي
وكما كان للتقدم المعرفي دور كبير في استخدام النظائر المشعة في كثير من المجالات، كان أبرز تلك المجالات نشوء علم الطب النووي الذي كان له أكبر الأثر على صحة وحياة الإنسان، حيث يتخصص هذا العلم في التعرف إلى تفاعلات المواد المشعة مع المادة الحية في الجسم، من أجل تشخيص الأمراض والأورام وعلاجها، وقد أثبت هذا العلم مدى قدرته على الكشف المبكر عن الأورام والتعرف إلى وظائف أعضاء الجسم المختلفة، وقدرتها على القيام بوظائفها على أكمل وجه.
وفي عملية التصوير في الطب النووي، يتم إعطاء المريض بعض أنواع النظائر المشعة، سواء عن طريق الفم أو بالحقن الوريدية أو بأي طريقة أخرى، وهذه المواد يتم مزجها مع مواد كيميائية أخرى تعتمد على نوع العضو المراد تشخيصه وفحصه، ثم يتم استخدام أجهزة تصوير خاصة من ضمنها كاميرا غاما التي تلتقط الإشعاعات الصادرة عن المريض، وبالتحديد عن العضو الذي يتم فحصه، ويمكن من خلال هذه التقنية المتطورة تتبع حركة المادة المشعة في الجسم، والتعرف إلى مدى كفاءة وفاعلية أعضاء الجسم الداخلية، كما يمكن فحص انسداد أو تضيق أوردة وشرايين الجسم، وفحص كامل الجهاز الهضمي.
وتكمن أهمية الطب النووي، في قدرته على التشخيص الدقيق لعدد كبير من الأمراض، كتشخيص الأورام المختلفة، وقياس وظائف الغدد الصم وإفراز الهرمونات في الجسم، وتشخيص بعض أمراض القلب والجلطات الدموية، والكشف عن التهابات ونزف الأمعاء والكشف عن المشكلات التي تصيب الجهاز العظمي والبولي والليمفاوي والتنفسي، والأمراض التي تصيب الغدة الدرقية.
أما المسح الإشعاعي للقلب والأوعية الدموية والكشف عن انسداد الشرايين الرئيسية أو الفرعية ومعرفة أمكنة التضيقات والجلطات، فيستخدم مادة الثاليوم المشع أو التكنيزيوم، والمادة الأخيرة تستخدم أيضاً في فحوص الجهاز الهضمي إضافة إلى الكربون المشع الذي يعطى عن طريق الفم للكشف عن البكتيريا المسببة لالتهاب وقرحة المعدة.
وتعد المواد المشعة التي تستخدم في أغراض التشخيص الطبية والتي تصدر عنها أشعة غاما، غير ضارة إذا اتخذت إجراءات السلامة وفق قوانين الوقاية من الإشعاع، سواء في عمليات النقل أو التداول أو التحضير، كما أنها لا تشكل خطراً على صحة المريض، فهي تبقى زمناً قصيراً نسبياً في جسده، ويتم طرد كميات كبيرة منها عن طريق البول والعرق والتنفس والجهاز الإخراجي، كما أنَّ هذه المواد تتحلل فيزيائياً، إذ إن عمر النصف لها بوجه عام قصير، وهي أيضاً لا تؤثر على مرافقي المريض أو على الطاقم الطبي المعالج.
العلاج الذري
تستخدم عدد من النظائر المشعة للمعالجة الطبية، إما بطريقة التعرض الخارجي أو الداخلي للأشعة. ويستخدم لهذه الغاية عدد من النظائر المشعة للمعالجة الخارجية، كالكوبلت 60 (Co – 60) والسيزيوم 137 (Cs – 137)، حيث يتم تعريض الجزء المراد علاجه للمريض، كالورم السرطاني، للأشعة الصادرة عن نظير مشع موضوع في نظام آلي خاص مدرع بالرصاص وبه نافذة يتم التحكم فيها من بعد. وفي هذه الطريقة تعمل أشعة غاما على تدمير الورم بجرعات إشعاعية محددة وعلى عدة جلسات علاجية، وفي أحيان أخرى يتم توليد الأشعة العلاجية السينية، ذات الطاقة العالية في مسرعات خطية، فتكتسب الإلكترونات طاقة عالية قادرة على الوصول إلى الأورام السرطانية الداخلية في الجسم.
ولعل من أشهر التطبيقات العلاجية للنظائر المشعة، استخدام اليود – 131 لعلاج فرط نشاط الغدة الدرقية، وعلاج الأورام الخبيثة التي تصيبها وخصوصا بعد التدخل الجراحي، كذلك فقد استخدم السترنشيوم – 89 (Sr – 89) للتخفيف من آلام العظام التي تنتج عن بعض الأورام السرطانية، أما لعلاج أورام الخلايا الليمفاوية فتستخدم مادة اليتريوم Yittrim المشعة – 90.
ولا يقتصر دور النظائر المشعة على علاج الأورام الخبيثة والقضاء عليها، بل تستخدم في إجراء بعض أنواع التحاليل الطبية، كاستخدام بعض أنواعها في تقدير نسبة الهرمونات أو الفيروسات أو الفيتامينات في الدم، فمثلاً يستخدم نظير اليود – 125 للتعرف إلى هرمونات الغدة الدرقية، كذلك فإن الإشعاعات الذرية تستخدم في إنتاج الأمصال الطبية، إذ تعمل على إضعاف الميكروبات والجراثيم الموجودة فيها إلى الحد الآمن والذي يعطي جسم الإنسان المناعة المناسبة تجاهها، أيضاً فإن الإشعاع الذري يستخدم لتعقيم الأدوات الطبية قبيل إجراء العمليات الجراحية.
وعلى الرغم من الفوائد الجمة للأشعة، فإن تأثيراتها في صحة وسلامة الإنسان تفرض توخي أقصى درجات الدقة والانتباه، وخصوصاً الأشعة المؤينة القادرة على إحداث تأثيرات بيولوجية خطيرة على خلايا الجسم، فعند سقوط تلك الأشعة على الخلايا الحية، ينتقل جزء من طاقتها، وتتسبب في تأيين تلك الخلايا، إذ تتحرك بعض الإلكترونات وتنتج أيونات سالبة وموجبة وهذا يؤثر على أداء الخلايا الحية بشكل مباشر، كما تنتج جذور حرة ويكون تأثيرها واضحاً على الحمض النووي والإنزيمات والبروتينات التركيبية البنائية. وهذا التأثير يعتمد على نوع الإشعاع ومعدل الجرعة الإشعاعية والحساسية تجاه الإشعاع وقدرة الخلية على إعادة بناء نفسها من جديد، وهذه التأثيرات للأشعة يمكن أن تتسبب في موت الخلايا أو منع انقسامها أو حدوث اضطرابات في عملية انقسام الخلية أو أضرار جينية، كتحطم المادة الوراثية DNA الذي ينتج عنه تغييرات في الجينات الوراثية.
وعلى الرغم من ذلك، فإن استخدام الأشعة على اختلاف أنواعها والنظائر المشعة، أصبح في الوقت الحالي جزءاً مهماً من المعالجة الطبية، سواء من الناحية التشخيصية أو العلاجية. وعلى الرغم من التأثيرات الضارة للإشعاع، فإن استخدامها وفق الطرق والتعليمات السليمة التي نصت عليها الدساتير الطبية، حقق للإنسانية خطوات متقدمة في القضاء على بعض الأمراض المستعصية، فأصبحت التكنولوجيا الحديثة بكل إمكاناتها في خدمة الطبيب المعالج الذي يسعى نحو تخفيف آلام مرضاه، ومكنته من أن يعيد البسمة إلى وجوه أضناها المرض.