د. داليا سليمان
اهتمت الحضارة الإنسانية طوال تاريخها بالمستقبل، لكنَّ هذا الاهتمام كان يتباين من فترة تاريخية إلى أخرى، ذلك أنَّ الإنسان يكون شغوفاً بمعرفة مصيره ومصير الجماعة التي ينتمي إليها، لاسيما التي تعكس الأخطار. والحضارات الإنسانية تختلف فيما بينها في الكيفية والصورة التي تعكس اهتمامها بالمستقبل، فقد عرفت الحضارات الشرقية القديمة والوسيطة الاهتمام بالمستقبل بما تجسد في التنبؤ، إذ تحدثنا المراجع التاريخية وكتب التراث عن لجوء الأفراد والأمراء للكهان والعرافين والمنجمين لمعرفة ما سيأتي، بل إن هذه “النبوءات” نفسها كانت محركة لبعض الأحداث التاريخية حين يؤمن بها الملوك والأمراء. وفي عصرنا الحديث ما تزال التنبؤات قائمة، وإن اختلفت طريقة تفكيرنا التي يعمل من خلالها وعينا في التعامل مع الأشياء لنحمي مستقبلنا، لكن كيف نعيد تدريب أنفسنا لنتعامل مع المستقبل في عالم جديد يمتلئ بتهديدات لم يسبق للبشرية أن واجهت مثيلاً لها من قبل، بدءاً من تلوث البيئة والأوبئة وزيادة عدد السكان، إلى المخزون النووي وغيره؟ وفي رأينا أن الإجابة تكمن في الثقافة العلمية والدراسات المستقبلية لتدعيم مناهج تطوير عقل الإنسان العربي بحيث يصلح لعالم جديد ينتظرنا.
ليس هناك أكثر إحباطاً للمرء من أن يثير قضية بديهية، لكنها تفرض نفسها بإلحاح شديد، فقد اعتدنا – لاسيما المعنيون منا بمسألة التنمية والتحدي الحضاري والتطلع نحو مستقبل أفضل لبلادنا – على أن يدور حديثنا حول مفاهيم كالأصالة والمعاصرة، والمنهج العقلي والمنهج العلمي، ونقل التكنولوجيا وتوطينها.. إلخ.
وفي الوقت الذي أصبحت فيه الدراسات المستقبلية ضرورة لا مفر منها للتنمية الحضارية؛ ظهرت خلال العقود الثلاثة الماضية أبحاث علمية مبنية أساساً على نماذج رياضية يعالجها الحاسوب، كان أولها وأشهرها النموذج الذي بنى عليه «نادي روما» تقريره الشهير «حدود النمو»، وأعقب ذلك ظهور نماذج أخرى عالمية يختلف بعضها عن بعض في المعالم والمتغيرات المستقلة والمسلم بها، أي الفروض النظرية التي حكمت وضع النموذج.
وتختلف الدراسات المستقبلية اختلافاً جوهرياً عن مفهوم البرنامج أو الخطة أو الاستراتيجية؛ فالدراسة المستقبلية ليست استهدافية ترمي إلى تحديد اتجاه أو فكر أو معتقد أو مجموعة محددة من الأهداف مسلم بها سلفاً، وهي لا تعد قراراً لأنها تطرح اختبارات مدروسة ومحسوبة على صناع القرار في مختلف المستويات، والقطاعات، فالدراسة المستقبلية تثمر مزيداً من وضوح التفكير والمعرفة يتيح لصناع القرار فرصاً أكبر للاختيار الرشيد مع بيان عائده وتكلفته على الأطراف المعنية.
وقفة جادة
إن تأمل ظروفنا الراهنة يشير إلى أنها تستحق وقفة جادة ومعالجة هادئة، فمن المتفق عليه أن إحدى إشكاليات التراجع الحضاري والمادي في كل العصور، وما يحيط بهذا التراجع الحضاري من تراجع المنهج العقلي والعلمي، غياب «أنوار العقل» أو التعبير أو التفكير الواضح الذي يمكن أن تكون له تعريفات عديدة من أهمها الإدراك الواضح لأبعاد المسائل والمشكلات أو القضايا محل الاهتمام، ومن ثم القدرة على الصياغة الهادئة لكيفية مواجهة هذه المشكلات أو القضايا. والوضوح بهذا المعنى هو مقابل التشويش والاضطراب والتخبط في تحديد أبعاد المشكلة، ومن ثم العجز وعدم القدرة كنتيجة طبيعية لصياغة أفضل حلول لهذه المشكلة. والوضوح يعني القدرة على النفاذ إلى صلب المسائل وعزله عن المتغيرات الأخرى من دون تجاهل هذه المتغيرات أو تناسي تأثيرها. ومن الواضح أن هذه الآفة – أي غياب التفكير الواضح أو أنوار العقل – تصيب المجتمعات الأقل نمواً، كما تصيب المواطن في كل مكان، وهي تصبح أشد خطورة إذا كانت الشعوب تحت تأثير ضغوط و أعباء متزايدة، فكلما ضاق الخناق على الناس نتيجة تزايد أعباء الحياة ضعفت قدرتهم على التفكير الواضح واكتنف عقولهم الغموض والاضطراب في التفكير. وكلنا يعرف أن عنصر الازدحام أو الاختناق المروري – كمثال – ليس عنصر الضغط الوحيد علينا وإنما هناك جملة من عوامل الضغط والتحديات التي تحكم على الناس، فتتشابك مع عوامل هيكلية أخرى في البيئة الاجتماعية والثقافية، لتنتج إفرازات
عديدة من أهمها مسألة غياب التفكير الواضح. فالكل تقريباً يجري ويلهث وراء اعتبارات متعددة، وتتوه أهدافه ضمن هذه الحركة اللاهثة غير الواعية، ونظرة هادئة متأنية إلى ما يحيط بنا ستكشف بوضوح حجم هذه المعاناة.
مظاهر غياب التفكير الواضح
الحديث يمكن أن يمتد لساعات حول مظاهر غياب التفكير الواضح في حياتنا في كل المجالات، ولكي نكون واضحين أيضاً فإن هذه المظاهر تتشابك وتتداخل مع أبعاد أخرى كتراجع المنهج العقلي والعلمي، وغياب التخطيط.. إلخ. وتبدو المسألة كحلقة مفرغة؛ فكيف يمكن للمرء أن يتمكن من الإدراك العميق والواضح للعالم وما حوله، وهو يفكر تحت تأثير ضغوط مستمرة وتقاليد تتجاهل أسس التفكير العلمي والعملي لحساب اعتبارات أخرى، أهمها الاعتبارات الشخصية الضيقة، ومن ثم تجاهل المصلحة العامة في سبيل المصلحة الخاصة، معنى ذلك أننا أمام دائرة عبثية مؤلمة تستنزف الطاقات وتشتت الإدراك. ولعل القول بأهمية التفكير الواضح لا يقل عن تجاهل حجم هذه المشكلة في أوضاعنا الراهنة، لكن في واقع الأمر فإن جانباً مهماً من الحلول أو التصورات الممكنة يسير جنباً إلى جنب مع كثير من الحلول واستراتيجيات الإصلاح والتنمية في الوطن، فإذا كانت تأثيرات الضغوط والتوترات من أهم سمات عالمنا المعاصر، وما يؤديان إليه من مؤثرات سلبية على قدرة الإنسان في التعامل والتفكير الواضح، وهي قدرة أساسية لا بديل لها كي يمكن التغلب على هذه الضغوط، فإننا نجد أن أحد أهم هذه الحلول يتمثل ببساطة في تعزيز الدراسات المستقبلية والنهج العلمي في كل تصرفات حياتنا بتأصيل الثقافة العلمية لدى الجميع.
الأمية العلمية.. ضعف واغتراب
لقد أصبحت دراسة المستقبل أمراً مصيرياً للدولة التي ترغب في أن تساير العصر وتحقق التقدم والرخاء لمواطنيها، فالمستقبلية علم يهدف إلى توقع الأحداث المقبلة والاستعداد لها ومحاولة التأثير فيها، و تطوير طرق أفضل للتفكير في أمور عالم الغد، وفحص ودراسة الأساليب البديلة للتعامل مع مجموعة كبيرة من الظروف المستقبلية المتوقعة، ويجب ألا ننسى أننا جميعا نصيغ المستقبل بما نفعله أو بما نفشل في أن ننجزه في حياتنا اليومية. والمستقبلية بالمعنى العام هي دراسة وتوقع وتأمل وارتياد وبحث لأحداث الغد المتوقعة، وهي كانت دائماً محوراً رئيسياً للأحوال الإنسانية، فبقاء الإنسان نفسه يعتمد إلى حد كبير جداً على قدراته الواعية على تنظيم الأحداث الحالية في ضوء الخبرات السابقة والأهداف المستقبلية. ولقد تطورت المستقبلية بغية مواجهة التحديات التي سببتها التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية، إضافة إلى ذلك فإن المنظومات المختلفة وفروع العلوم الداخلة في هذا المجال وتشمل الرياضيات وعلم الاجتماع وعلم الأحياء وعلم النفس والإدارة وغيرها، كانت لها مساهماتها المتعددة، وأظهرت المستقبلية قابليتها للتفاعل والاستجابة للبيئة الاجتماعية والثقافية التي إن لم تكن منبثقة عنها، فإنها على الأقل نشأت فيها، ومن ثم يمكن التنبؤ بالتطور اللاحق، والتغير السريع الذي نعيشه في الوقت الحاضر يعني أن المستقبل قد يكون مختلفاً أكثر بالنسبة لنا عما كان للأجيال التي سبقتنا من البشر، وسيبدو عالم المستقبل مكاناً غريباً ما لم نجهز أنفسنا له، ولكي يتحقق ذلك يجب أن نبحث عن أي بصيص أمل لما يمكن أن يحدث في السنوات المقبلة، ويجب أن تكون أنماط التقدم البديلة فيها قد درست بعناية أكبر قبل اتخاذ قرار الاختيار.
إن المستقبل يحدق فينا، وهذا ما يحدث حقيقة، بحيث إن ما كان يعتبر من قبل “بعيد المدى” أصبح “قصير المدى”، لدرجة أن سرعة التغير تبدو كأنها تضغط السنوات إلى شهور وأيام.
الثقافة العلمية
إن الثقافة العلمية ببساطة هي المعرفة التي نحتاج إليها لكي نفهم العالم من حولنا، إنها خليط من الحقائق والمفردات والأفكار العلمية، وهي ليست الأمور التي يتخصص فيها الخبراء، ولكن المعلومات الأكثر عمومية. فالهندسة الوراثية والموصلات الفائقة والجسيمات دون الذرية والمواد الذكية وغيرها مما تجود به الأبحاث العلمية الحديثة أصبحت تحتل عناوين بارزة في الصحف اليومية، وهي موضوعات مهمة ومثيرة وتتناول القضايا التي تؤثر على حياتنا، إضافة إلى التحديات التي تهدد كوكبنا مثل التلوث وتأثير الاحتباس الحراري واحتمال اصطدام مذنبات أو كويكبات بكوكب الأرض.
في الوقت الحاضر أصبحت قدرتنا على فهم هذه القضايا لا تقل أهمية عن قدرتنا على القراءة، وإذا أمكننا التعامل مع الأخبار حول العلم بالطريقة نفسها التي نتعامل بها مع كل شيء آخر يبلغ علمنا أو يصل مسامعنا، فإننا نكون مثقفين علمياً. إن «الأمية العلمية» تجعل الإنسان يشعر بالاغتراب والضعف عندما لا يكون قادراً على تفسير بعض الموضوعات العلمية، إذ كيف يأمل أي شخص في تقدير الخيوط الكامنة العميقة للحياة الفكرية في عصره من دون أن يفهم العلم الذي يتناسب معها؟ والعلم تنتظم حلقاته حول بعض الأفكار المحورية التي تشكل أعمدة يرتكز عليها البناء بكامله، وهو إحدى وسائل مواجهة المستقبل.
هل من نهضة بعد الكبوة؟
إننا نعيش عصر المعرفة وانفجار المعلومات حيث ينحو العالم، وبخاصة الدول المتقدمة، نحو وحدة المعرفة Unity of Knowledge إذ ينبغي الربط بين العلوم التطبيقية والرياضية والإنسانية، فيما يعرف باسم العلوم البينية Interdisciplinary Sciences بدلاً من اعتبار كل علم أو مجال وحدة منفصلة، وهو نوع من المفهوم المتكامل للعلوم والثقافة العلمية تتطلبه طبيعة العصر الكوني أو العولمي الذي نعيشه. وكما يتضح من المصطلح الأجنبي فإن المعنى ينصرف إلى تداخل أومشاركة بين علوم قائمة بالفعل؛ أي إن العلم البيني المتداخل ليس بحال ولا يمكن أن يكون علماً تأسيسياً ينشأ مستقبلاً منذ البداية، ولو عدنا إلى تاريخ تطور العلوم لوجدناها تكاد تتخذ مساراً حلزونياً صاعداً يستوقف النظر – من الاندماج إلى الانفصال إلى التكامل – فقد نشأت العلوم جميعاً في رحم الفلسفة، لذا سميت الفلسفة بأم العلوم، ولم يكن ممكناً خلال تلك البداية الجنينية القديمة أن نتبين حدوداً بين علم وآخر. لقد كانت تلك العلوم الجنينية متداخلة إلى حد يستحيل معه تمايزها، ولم يكن وارداً بطبيعة الحال أن ننظر إليها باعتبار أنها علوم بينية/متداخلة بالمفهوم الذي نعرفه اليوم، ومع تطور حاجات البشر أخذت العلوم تستقل الواحد تلو الآخر عن الفلسفة. على أن الأمر المهم هنا الذي تفتقده الخبرة العربية هو ارتباط العلم كنسق خاص للمعرفة بالنسق العام الفلسفي والاجتماعي لها في اتجاه متنام حتى دار الأخير في فلك الأول، مما أسس لعلاقة وثيقة قوامها التداخل المعرفي بين العلم والأيديولوجيا في الثقافات الحية المدققة، إذ جعل لهما أرضية مشتركة هي الواقع التاريخي الذي يسعيان أصلاً إلى تفسيره، وبهذا المعنى تحركت الأيديولوجيات – الحقيقية لا الوهمية – تجاه المعرفة العلمية حتى خضعت لسلطانها وأخذت تدير الجدل معها من داخلها لأنها استندت في هذا الجدل إلى نموذج المقياس العلمي التاريخي.
الخصوصية العلمية
ويبقى السؤال الأهم: كيف نبني الخصوصية العلمية العربية؟
في تصوري أن الخصوصية العلمية هي تلك التي تتضمن فضلا عن النسبية الثقافية قدرة الفعل التاريخي مع تحقيق التوازن بينهما، كما أتصور أن بلوغ هذه الخصوصية في الحياة الثقافية العربية يستلزم عدداً من الشروط أهمها:
أولاً: تجميد صيغة «الأصالة – المعاصرة» التي حملت لواء التعبير عن الخصوصية طوال القرن الماضي، ليس فقط لأنها حُمِّلت «عنوة» بتراث ميتافيزيقي كبير غطى معالمها وأحال مفرداتها «لخيال أسطوري»، ولكن أيضاً لأنها تقوم في مبناها على علاقة سلبية بالزمن، تجعل منه أو تتصوره مضاداً للأصالة ونقيضاً «للهوية» التي لا تجد تجسيدها الكامل والفاعل إلا في تلك اللحظة عند «بداية التاريخ»، وبالتالي فإنَّ حركتها تجاه اللحظة «الراهنة» لم تكن سوى معول هدم لفاعلية وتحقق هذه الهوية، وعندئذ فالماضي بالضرورة هو الأنبل، أما المستقبل فمملوء بالأخطار والشكوك!
ثانياً: اعتماد صيغة بديلة لها تقوم على علاقة الثقافة العلمية بالواقع، وهي الخصوصية الكونية، في تصوري أن هذه الصيغة هي الأنسب لطرح الشكل الثقافي للحوار العام؛ لأنها توفر عدة مزايا هي:
• أنها لا تقوم على تناقض مبدئي مع التاريخ، ولكنها تؤسس على تمايز نسبي في إطار الواقع، والمقدس لديها ليس «الماضي» ولكن «الهوية». وهو أمر مشروع تماماً، لأن الهدف يصبح تأكيد الخاص بعيداً عن تجميد التاريخ. فالخصوصية هنا ليست أصالة الماضي، ولكنها أصالة القيم المستمرة في التاريخ حفظاً للذات، أما الكونية فهي قمة تداعي المعاصرة لتأسيس بنية تحتية قادرة من خلال العلم على استحضار العالم كمتصل لا كمتجانس في سبيلها للإحاطة به دون قدرة غالباً على دمج أطرافه في داخله، بغض النظر عن أي دعوى تكذبها ممارسات الكونية نفسها.
• إن عملية الفرز بين مقومات الخصوصية الكونية تبدو أسهل كثيراً منها بين الأصالة المعاصرة، على الرغم من وحدة المشكلة عملياً، لأنها من ناحية تدور في فلك حقبة تاريخية شاخصة أمامنا وتدور على أرضية نموذج قياسي علمي نعيشه، لذا فإن هناك إمكانية لحضور التاريخ في لحظته والعلم في نموذجه عند تصور بناء خصوصية تغدو في هذا السياق نسقاً معاشاً مجسداً في حياة الجماعة القائمة بالفرز، لا في حياة أسلفها القدماء، فهم أقدر على الإحاطة بمقوماتها وأهدافها المستخلصة من واقعهم.
• أن الـتأسيس الجديد للهوية عبر صيغة «الخصوصية – الكونية» بما يتضمنه ذلك من علاقة الثقافة العلمية بالواقع سيتيح فرصة ذهبية لتجاوز نسبي للانقسام الآخر الأفقي والأشد وطأة بين ثقافة النخبة وثقافة المجتمع، مما يساعد على زيادة تجانسها كضرورة لأي مشروع يحتاج إلى تعبئة اجتماعية قادرة على حفز جهود الجميع من أجل إيجاده. وبإيجاز فإن الإمكانية المتزايدة لتجاوز هذا الانقسام الأفقي سيتيحها انتقال مشكلة التجدد الثقافي من كونها أحلاماً تحلق في ذهنيات نخبة التجديد نفسها أو النخبة المثقفة على أفضل الأحوال، لتصبح أيديولوجيا قطاع كبير من الجماعة العربية، وذلك من خلال تعددية القضايا المتولدة يومياً من الواقع المعاش التي يمكنها تغذية الجدل بين الثقافة والمجتمع، مع ما يمكن إثارته من نقاش حولها يلفت نظر ويشد انتباه ذلك القطاع من المؤثرين والمتأثرين بهذه القضايا، والتي نذكر منها على سبيل المثال قضية الانفجار المعلوماتي برموزها، مثل الشبكة العنكبوتية وقضايا البيولوجيا كالاستنساخ البشري. وهي تعد فرصة متميزة لإقامة حوار حول ماهية «الخاص» الذي يعد سياجاً للهوية الوطنية – الدينية لا يمكن تجاوزه، وما هو عام كوني أو عولمي يتسم بالحيادية القيمية يمكن التعامل معه استثماراً وتفاعلاً مع العلم و الطبيعة.
الإيمان بالعلم
إن المجتمع العربي بحاجة إلى الإيمان بالعلم كوسيلة مهمة في تحقيق أهدافه وحل مشكلاته، فانتشار الوعي بإمكانات العلم يدفع ويساند التطور العلمي المنشود، وقد يكون إعطاء اهتمام أكبر بتدريس العلوم في المراحل الأساسية والجامعية، وكذلك عقد الندوات والمحاضرات العامة بغرض تثقيف الجماهير علمياً، إحدى الوسائل المتعددة لتوفير هذا المناخ الثقافي العلمي، كما أنَّ مجتمعنا العربي في حاجة إلى دعم الاتجاهات العلمية وتخليص تراثنا الثقافي والعلمي من بعض الرواسب التي لا تمت لثقافتنا العربية الأصيلة بصلة، وبالتالي فإنها تعوق تقدمنا العلمي، وقد يكون من المفيد أن تتجه أساليب تدريس العلوم من الناحية التلقينية إلى تعليم التلاميذ أسلوب التفكير العلمي كأسلوب حياة، كما أنَّ الإعلام العربي له دوره المهم في إحاطة المواطن العربي ببيئة ثقافية علمية مناسبة لنمو هذا الاتجاه، وكذلك فإنَّ الربط بين العلوم الطبيعية والإنسانية سيدعم القيمة الاجتماعية التي ستدفع إلى استخدام العلم استخداماً سليماً.
فهل لنا من نهضة بعد هذه الكبوة؟ نهضة قائمة على ثقافة علمية ودراسات مستقبلية أساسها العلم والتكنولوجيا؟
إنها طريقنا لمواجهة تحديات المستقبل وسط عالم مادي لا يرحم، فإما أن نكون أو لانكون. >