Eng. Mohammed Alhassan
قبل نحو أربعة أشهر، وبالتحديد في 12 مايو الماضي، استفاق العالم على سلسلة من الهجمات الإلكترونية غير المسبوقة، بلغ عددها نحو 75 ألف هجوم، استهـــــدفت الابتزاز المادي للأفراد والمؤسسات عبر برمجيات عرفت باسم «طلب الفدية»، وطالت شركات ومؤسسات في القطاعين العام والخاص، وأحدثت أضرارا لمئات الآلاف من الأشخاص في العالم، فضلا عن خسائر مادية قدرت ببلايين الدولارات.
ولم تتوقف تلك الهجمات عند الحد الذي بلغتــــه في يومها الأول، بل استمرت في الأيام التالية تضرب في كل بقعة تصل إليهــــا، وكان المسؤولون عنها يطلبون من مشغل الحاسوب أو المؤسسة المستهدفة بعد حجب إمكانية الدخول إلى الملفات، دفع مبالغ مالية مقابل استعادة السيطرة عليها والتحكم فيها.
وسبق ذلك الفيروس المسؤول عن الهجمات قبل نحو 30 عاما، وبالتحديد في عام 1988، فيروس “قاتل” أدى إلى إصابة نحو عشرة في المئة من الحواسيب المتصلة بالإنترنت في العالم بشلل تام، وعجزها عن أداء أي عمل، بعد أن تسلل إليها ما عرف (بدودة يونكس)، مما تسبب في تعطيل نحو 6000 حاسوب وإلحاق خسائر مادية بالمتضررين قدرت بنحو 100 مليون دولار·
ويعزى ذلك الفيروس إلى روبرت موريس الذي كان طالبا في جامعة كورنيل بالولايات المتحدة الأمريكية، وكان يحاول إنشاء تلك الدودة من أجل هدف علمي هو تحديد اتساع الفضاء السيبراني، لكن عندما واجهت تلك الدودة خطأً حرجًا، فقد تحولت إلى فيروس تمكن من استنساخ وتكرار نفسه بسرعة، وبدأ يصيب الحواسيب ويؤدي إلى شللها.
الأخطار الهائلة
إن هذه الهجمات الإلكترونية المتتالية التي يشنها قراصنة هواة أو مجرمون محترفون من أمكنة مختلفة أخذت تؤرق دول العالم، وتستدعي الحذر الشديد والانتباه الدائم من الجهات المعنية فيها، وتفعيل الرقابة المستمرة، فضلا عن تشغيل كل البرامج الخاصة بالحماية من هذه الهجمات أو الحد من أخطارها. وهذا الأرق سببه الأخطار الكبيرة التي يمكن أن تحدثها هذه الهجمات على المرافق العامة أو الخاصة، كالمطارات ومحطات القطارات والحافلات والمستشفيات، أو على المؤسسات والشركات الحيوية في القطاع الخاص، كالبنوك والاتصالات والاستثمار والتجزئة، فضلا عن الأفراد العاديين.
إن هذه الهجمات لا تنطوي على أضرار مادية مباشرة فقط، بل إن الضرر الكبير يتمثل في تعطيل أعمال ومسؤوليات المؤسسات العامة والخاصة وكذا الأفراد، وتأجيل مشروعاتهم، والإضرار بمصالحهم الفورية، وربما بوفاة عدد كبير من الأشخاص الموجودين في المستشفيات أو أمكنة تتعرض للخطر كالحرائق أو المفاعلات أو مصانع الأسلحة والمتفجرات.
وبلغة الأرقام، فإن العالم يدفع ثمنًا باهظًا بسبب الهجمات الإلكترونية كل عام، وتكلف الجرائم الإلكترونية اقتصاد العالم نحو 575 بليون دولار سنويًا، وربما تبلغ قيمتها ثلاثة تريليونات دولار بحلول عام 2020، إذا لم تتخذ الحكومات التدابير اللازمة. ومن أجل وضع حد لتلك الهجمات تجهد الدول والمؤسسات المعنية لمحاربتها والحد من الأضرار الناجمة عنها. وتحرص على اتخاذ كل الإجراءات المناسبة للوقاية من تلك الهجمات قبل وقوعها، وبصورة خاصة الاستعانة بخدمات المبرمجين المتخصصين في عمليات القرصنة لمعرفة الثغرات التي قد يستغلها القراصنة في البرامج المختلفة، والعمل على سدها، وتحصينها لتبقى عصيَّة على أي مهاجم، فضلا عن تحديث كلمات المرور الأساسية، والحفاظ على سريتها الكاملة.
القرصنة والتجسس
ربما كانت العمليات الأولى للقرصنة متمثلة في عمليات اختراق انطلقت عام 1903. ففي ذلك العام كان الفيزيائي جون أمبروز فلمنغ يستعد لعرض ابتكار حديث تمثَّل في نظام تلغراف لاسلكي بعيد المدى ابتكره الإيطالي غوليلمو ماركوني، في محاولة لإثبات أن رسائل شيفرة مورس يمكن إرسالها لاسلكيا عبر مسافات طويلة. وكان الحدث أمام جمهور غفير في إحدى قاعات المعهد الملكي بلندن.
وقبل بدء العرض بقليل، بدأ الجهاز ينقر، مكوِّنا رسالة ما. بدأت الأحرف بالظهور، وتحولت إلى قصيدة ساخرة بشكل غير لائق تتهم ماركوني بخداع الجمهور. وكان المخترق هو المخترع البريطاني نيفيل ماسكيلين الذي اعتبر أن عمله «الاختراقي» استهدف كشف الثغرات الأمنية من أجل تحقيق المصلحة العامة.
أما كلمة القراصنة hackers فبدأت ككلمة تحمل معنى يختلف تماماً عما تحمله هذه الأيام، فقد كانت تشير إلى عبقرية من يعمل في برمجة الحواسيب وقدرتهم على ابتكار أنظمة وبرامج سريعة ومدهشة. ومن أشهر من اكتسب هذه الصفة دينيس ريتش و كين تومسون اللذان صمما برامج اليونكس الشهيرة عام 1969·
لكن تلك الكلمة بدأت تأخذ المنحى السلبي (الشرير) الذي صار يعرف به أصحاب الهجمات الإلكترونية المختلفة، وبدأ ذلك مع بداية الثمانينيات، وبالتحديد عام 1981، تزامنا مع إنتاج أول حاسوب شخصي من إنتاج شركة IBM · ذلك أن عملية القرصنة الإلكترونية كانت صعبة جدا لأسباب عديدة. وفي بداية الأمر عُرف قراصنة الحواسيب باسم (كراكرز) كوصف لمجموعة أشرار يلجؤون إلى حواسيب الآخرين منتهكين خصوصيتهم، وكتمييز لهم عن الهاكرز وهم الأخيار حينذاك. لكن بمرور الزمن أصبح اللفظ يطلق على الفريقين دون تمييز، وأصبحت العبرة بشيوع اللفظ لا بما يشير إليه· ثم أصبح يغلب على من يشنون الهجمات الإلكترونية السلبية (الشريرة) ويعطلون شبكات الحواسيب، ويشلون المرافق العامة أو الخاصة، سواء بسبب التسلية أو إثبات القدرات أو إلحاق الأذى الشديد أو كسب الأموال أو المصالح السياسية أو العسكرية أو الأمنية.
ولعل مجموعة «أنونيموس» (المجهولين) هي أشهر المجموعات التي تعمل في مجال القرصنة الإلكترونية، وهي تضم عددا كبيرا جدا من القراصنة المنتشرين حول العالم، وقد أصبحت ذات تأثير كبير في ما يسمى «الحرب الإلكترونية»، ونفذت العديد من الهجمات المؤثرة.