- الصقر الحر أو صقر الغزال يتميز بالقوة والرشاقة وسرعة الطيران والقدرة الفائقة على الصيد
- تواجه الصقر الحر أخطار عدة أهمها الأحداث الطبيعية أو الأنشطة البشرية التي تتسبب في تدمير وتدهور أو إضعاف التنوع البيولوجي
أسعد الفارس
كاتب علمي، ومساعد أبحاث في معهد الكويت للأبحاث العلمية سابقا (الكويت)
يعد نشر ثقافة الصيد بالصقور وزيادة المعرفة بالصقور من معالم الثقافة العربية، وجزءاً من هوية وتراث معظم البلاد العربية، بل رمزاً لعدد من البلدان العربية. ولاتزال الصقارة مهنة راسخة في الدول العربية ولاسيما في دول الخليج العربية؛ فثلث الصقارين في العالم هم من صقاري المنطقة العربية.
ويقترن اسم الصقور في ذهن المواطن العادي بأنواع محددة من الطيور الجارحة، وذلك لاستخدامها في رياضة القنص. غير أن الصقور من الناحية العلمية هي عائلة Falconidae من رتبة الطيور الجارحة Falconiformes فيها مابين 35-38 نوعاً مميزاً من الصقور. ولكل نوع صفاته وشكله وسلوكه، والبيئة التي يعيش فيها. ولكثير من الأنواع سلالات إقليمية خاصة بالقارات والأقاليم التي تعيش فيها.
ومن بين كل هذا الكم من الأنواع والسلالات توجد أنواع من الصقور ذات أهمية كبيرة في الصيد، فهي وحدها المعنية والجديرة باسم الصقور، حيث القوة والرشاقة وسرعة الطيران والقدرة على الصيد. ومن هذه الصقور الصقر الحر أو ما يعرف بصقر الغزال Saker falcon، واسمه العلمي Falco cherrug، وهو من الطيور المعروفة في الوطن العربي في رياضة القنص والصيد.
سمات مميزة
يحظى هذا النوع من الصقور باهتمام كبير من هواة القنص والصيد في العالم، لاسيما في الجزيرة العربية؛ لذكائه وقوته، وشكله الجميل، على الرغم من صعوبة تدريبه، وشدة بأسه. ويعد صقر الغزال من أكبر الصقور، فطوله يتراوح ما بين 47-55 سم، ووزنه الوسطي يبلغ نحو كيلوغرام واحد، وقدماه صفراوان، والمنقار رمادي أزرق، والقزحية بنية سوداء. والبالغ منها حلته رمادية شاحبة من الناحية العلوية، والقوادم بنية داكنة، وأغطية الجناح بنية فاتحة، والرأس والعنق والأجزاء السفلى فاتحة وتميل إلى اللون الأبيض لكنها منقطة بالبني. واليافع لايختلف كثيراً عن البالغ، ولكن يكثر فيه التنقيط على الأجزاء السفلى من الجسم. وبشكل عام فالذنب مقلم بتقليمات خفيفة، والرأس شاحب يميل نحو اللون الأبيض، وهذه علامة تميزة عن الصقور الحرة الوكرية والشواهين ذات الرؤوس الملونة أو المخططة. والأنثى أكبر من الذكر، وأشرس في الصيد، لذلك يفضلها الصقارون في الصيد لشجاعتها وشدة فتكها بالفرائس.
البيئة والانتشار
يرتاد صقر الغزال الأراضي المكشوفة والصحاري والأرض نصف الجرداء، والنجود والسهول. ويقضي الصيف في أوروبا وأواسط آسيا، ويستوطن في شمال تركيا وشمال إيران والعراق ويفرخ فيها، ويهاجر إلى الجنوب هرباً من الشتاء القارص. ويمر ببلاد الشام والجزيرة العربية مهاجراً في الخريف فيصل إلى أرتيريا والسودان وشمال أفريقيا. ويبني صقر الغزال عشه على الأرض الجرداء وعلى قمم الجبال، وأحياناً على الأشجار، والأنثى تضع من ثلاث إلى ست بيضات في العش.
ومناطق تكاثره الرئيسية هي في أوروبا لاسيما هنغاريا وأوكرانيا. أما في آسيا فتكمن معاقله في الصين وكازاخستان ومنغوليا وروسيا الآسيوية. وهذه الدول الأربع تضم نحو 90 % من مناطق التكاثر العالمية.
خطر الانقراض
نظراً لتناقص أعداده في البيئات العالمية وضعت خطة عالمية لحماية الصقر الحر من خطر الانقراض تتطلب شراكة جميع الدول المعنية بهذه الصقور. وستنفذ تلك الخطة ما بين عامي 2015-2024 . ومن أهداف الخطة إعادة تأسيس بيئة طبيعية ذات اكتفاء ذاتي للصقر الحر في مختلف مجموعاته، وضمان أن يكون استخدامه استخداماً مستداماً.
وتظهر تقارير دولية أن أعداد الصقر الحر شهدت تراجعاً كبيرا في السنوات العشرين الماضية يقدر بنحو 50 %، لذا أدرج الصقر ضمن الأنواع المهددة بالانقراض عالمياً عام 2012 من قبل الاتحاد العالمي لصون الطبيعة (IUCN) ، فأعداده المقدرة عالمياً عام 2013 تتراوح مابين 6100-14900 طير، وعددها الوسطي نحو 10500 طير.
تعدد السلالات
يعد الصقر الحر من الصقور متعددة السلالات، ويكون الاختلاف نسبياً من الغرب إلى الشرق، فتميل صقوره لتصبح أكثر شحوباً، وتكون أجزاؤها العلوية أكثر تخطيطا. ويجمعها خبراء التصنيف في سلالتين أساسيتين هما:
- سلالة الصقر الحر الأبيض والأشقر Falco cherrug cherrug:
تعد هذه السلالة عند الصقارين النموذج الحقيقي والمثالي للصقر الحر، والمفضلة لجمالها وحسن منظرها. والصقر الحر الأبيض أو الأشقر ليس بحاجة إلى وصف وتبيان عند الصقارين بلونيه البني الفاتح أو الأشقر. وتختلف شدة هذا اللون من صقر إلى آخر، وهو من الصفات المعتمدة في تقييم الصقر وتثمينه، فيفضل ما كان شاحباً وفاتحاً برأس يميل إلى البياض. و تعيش صقور هذه السلالة في منطقة الفولغا بروسيا و منغوليا وأفغانستان، وتهاجر جنوباً لتقضي فصل الشتاء ما بين شمال أفريقيا وشمال غرب الهند مروراً بالعراق وإيران وباكستان.
- سلالة الصقر الحر (وكري الحرار)c.milvipes:
لون صقور هذه السلالة بني فاتح في منطقة الظهر، مع وجود خطوط فاتحة اللون غير واضحة تماما، وقد يميل لون الظهر إلى اللون الرمادي المشوب بالزرقة الخفيفة. تستوطن هذه الصقور سهول روسيا، وتهاجر إلى إيران، وأفغانستان وغربي الصين، والعراق وإيران وباكستان. والصقارون العرب يطلقون تسمية (وكري الحرار) على صقور هذه السلالة. ويبدو أن المقصود هو أن هذه السلالة نتيجة تزاوج بين الصقر الحر والصقر الوكري F.biarmicus غير أن ذلك ليس صحيحا؛ فهذه السلالة مستقلة عن سلالات الصقر الحر.
لكن بعض خبراء الصقور يرى أن التقسيم إلى سلالتين يتجاهل مجموعات المواقع الجغرافية والاختلافات الكبيرة في الأنماط الظاهرية، ولهذا يميزون الصقر الحر في نحو 13 سلالة. وعلى الرغم من أن صحة بعض هذه السلالات لاتزال غير مؤكدة، فالوضع التصنيفي لصقر ألتاي Altai Sakers مثير للجدل؛ لأن بعضهم يعتبره نوعاً مستقلاً من أنواع الصقور.
وأظهرت دراسة جينية حللت 186 عينة من السلالات التي تغطي قسماً كبيراً من المجموعة عدم وجود دعم لأي من التقسيمات الفرعية، مما يدل على أن الصقر الحر متعدد الأشكال بدلاً من متعدد السلالات، وأن هذه الأشكال لم تصل بعد إلى مستوى السلالة.
ومن التجارب التي أجريت على تربية الصقور في الأسر أنه تم تهجين الصقر الحر مع الصقر القطامي (أو صقر الجير) F.rusticolus، وهذا لايحدث في أي مكان آخر، لأنه لايوجد تداخل بالنسبة لمناطق هذين النوعين في البرية، مما يدل على أن صقور هذه المجموعة غير متمايزة وراثياً بشكل واضح.
تهديدات وأخطار
تواجه الصقر الحر تهديدات وأخطار عدة أهمها الأحداث الطبيعية أو الأنشطة البشرية التي تسببت أو تتسبب في تدمير وتدهور أو إضعاف التنوع البيولوجي والعمليات الطبيعية. ومن أهم هذه الأخطار:
- الصعق الكهربائي على خطوط الكهرباء: في أوروبا وأفريقيا كان الصعق مرتفعاً، وفي آسيا كان الوضع حرجاً، أما في الشرق الأوسط فالنفوق بالكهرباء كان متوسطاً.
- الأسر غير المنظم والمستدام: كان التأثير المقدر لأسر الصقور مرتفعاً في أوروبا وأفريقيا، وحرجاً في آسيا، ومتوسطاً في الشرق الأوسط. ومعظم الصقورالمتوسطة تؤسر أثناء هجرتها في فصل الخريف.
- التسمم بالمبيدات: يعد تسمم الصقور بالمواد الكيميائية السامة مرتفعاً في أوروبا، ومتوسطاً في آسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا.
- الاختلاط الجيني: الناتج عن تربية الصقور الهجينة البرية مع الصقر الحر؛ فالصقور الهجينة التي تربى في الأسر قد تهرب من الأقفاص، أو قد تضيع خلال عملية التدريب على الصيد، أو أثناء إطلاق سراحها. وقد تتزاوج الصقور الهجينة الهاربة مع الصقور الحرة في البرية، أو تنشىء بيئة لها على حساب بيئة الصقور الحرة الأصلية المقيمة، مما يؤثر في السلامة الوراثية للصقر الحر. وقد تتأثر السلامة الوراثية للصقر الحر عن طريق التهجينات غير المدروسة التي يجريها الإنسان.