د. أيمن الأحمد
مع تقدم الإنسان في العمر، وبلوغه مرحلة متقدمة فيه، تتأثر معظم أجهزة الجسم، وتظهر على أعضائه تغيرات عديدة، ويصاب بعضها بوهن شديد، فيما تظهر على الأخرى إشارات معينة تمثل دلالات واضحة على أن الشيخوخة بدأت تأخذ مجراها في ذلك الإنسان.
ولما كانت الأسنان أحد المعالم الظاهرة في الإنسان، وأحد أجزاء الجسم المرئية للجميع، فإن شكلها وصحتها وسلامتها تعطي إشارات واضحة على فتوتها أو شبابها أو شيخوختها، وتدل على العمر التقريبي لصاحبها، إضافة إلى معالم الأجزاء الأخرى كالوجه والجبهة والرقبة والعينين والشعر.
ونظرا لأهمية الأسنان من الناحية الصحية والنفسية والجمالية، ودورها في سلامة النطق وصحته، فإن من الضروري مراعاة سلامتها والمحافظة عليها طوال مراحل عمر الإنسان، ولاسيما في المراحل المبكرة لضمان الإبقاء على أكبر عدد منها سليما خلال الشيخوخة.
إن الحالة الفيزيولوجية للفم لدى الإنسان تتغير من مرحلة عمرية إلى أخرى، وتصبح ذات وضع أشد تعقيدا مع بلوغ مرحلة الشيخوخة، فحينها تتداخل عدة عوامل، تتعدى الفم لتشمل أمراضا أخرى تصيب الجسم، وتؤثر في نسبة العلاج لإعادة تأهيل الفم وتركيب الأسنان. وفي هذه الحال يجب دراسة الوضع العام لكل إنسان بلغ تلك المرحلة بصورة دقيقة، ووضع خطة مناسبة للعلاج تأخذ بعين الاعتبار وضع الأسنان والأنسجة الداعمة والحالة العامة للثة.
اللعاب وجفاف الفم
هنالك عدد من العوامل الفيزيولوجية التي تؤثر على صحة الأسنان عند المسنين لعل أهمها جفاف الفم وقلة إفراز اللعاب، وهذه الحالة تعرف طبيا باسم xerostomia، وفيها يتناقص إفراز اللعاب مع التقدم في السن، وهو ما يعني أن الفم سيصبح أقل قدرة على تنظيف نفسه من البكتيريا التي تلتصق بالأسنان؛ نظرا لأهمية اللعاب في ترطيب الفم وتوفير الحماية ضد البكتيريا. وهذا الجفاف سيؤثر على صحة اللثة ويزيد من فرصة تسوس الأسنان لدى المسن. إضافة إلى ذلك، فإن عددا كبيرا من المسنين يعانون جفاف الفم بسبب تناول أدوية مختلفة لمعالجة أمراض مصابين بها، ومنها أدوية الضغط والاكتئاب والقلق والسكري، أو لأنهم مصابون بأمراض سرطانية تستدعي معالجتهم بالأشعة.
تسوس الأسنان
أما المشكلة السنية الأخرى التي يواجهها المسنون فتتمثل في تسوس الأسنان. ومع أن هذه المشكلة يعانيها جميع أفراد المراحل العمرية، فإنها في مرحلة الشيخوخة أشد وقعا وأكثر انتشارا. وأكثر أنواع التسوس لدى المسنين تحصل في الجذور root caries وفي عنق السن cervical caries، وذلك بسبب انحسار اللثة الذي يكشف هاتين الطبقتين، فتصبح معرضة لتراكم البكتيريا وبقايا الطعام، ومن ثم حدوث التسوس.
وهذا التسوس قد يؤثر في التركيبات السنية، مما يعني أن الجسور والتيجان القديمة لدى المسن معرضة للتلف والسقوط لتعرض السن للتسوس، لذا يوصى المسنون باستخدام معجون الأسنان المركب من الفلورايد، واستخدام خيط تنظيف الأسنان يومياً للحد من تشكل التجاويف وتأمين حماية للأسنان، فضلا عن زيارة طبيب الأسنان بصورة دورية.
ويعاني المسنون أيضا مشكلة مرتبطة بالتقدم في العمر، تتمثل في خسارة الدعامة العظمية للسن. فقد تتطور بعض مشكلات الفم وتؤثر في المناطق العميقة للسن قبل أن تظهر على السطح وتتم ملاحظتها. وأكثرها مرتبط ببقاء اللويحة الجرثومية والجير على الأسنان واللثة، مما يؤدي في البداية إلى خدش النسيج اللثوي ثم إلى التهابه الذي يبدأ بسيطا وفي النسيج الرخو (اللثة فقط)، ثم يمتد إلى النسيج الصلب (العظم السنخي) الذي يبدأ في التآكل والذوبان، مؤديا إلى خسارة الدعامة العظمية. وعادة ما نظهر تداعيات خسارة العظمِ الداعم حول الأسنان بعد عدة سنوات من حدوث المشكلة، وتزداد وضوحا مع التقدم في السن، فتصبح الأسنان غير مستقرة وقابلة للسقوط. وربما لا يصاحبها الألم في معظم الحالات، لكن ذلك ربما يؤدي إلى تساقط الأسنان بشكل مفاجئ.
العناية باللثة
تؤدي اللثة دورا مهما في حماية الأسنان وتثبيتها في السنخ، وهناك علاقة متبادلة بين الأسنان واللثة؛ إذ إن اللثة تثبت السن بالسنخ لتقوم بوظيفة الإطباق. ومن خلال قوة الإطباق تنشط اللثة والنسج الداعمة وتبقى حية لتمارس دورها الوظيفي.
وثمة عوامل كثيرة تسهم في التأثير على صحة اللثة والأنسجة الداعمة. وتصبح أمراض اللثة لدى كبار السن مزمنة، وتحدث بسبب تراكم العوامل الضارة في اللثة. وللتدخين دور سلبي في أمراض اللثة، فهو يسبب تلونا في سطح الأسنان واللثة معا، كما أن التركيبات المتحركة غير الجيدة، التي تضغط على اللثة وأنسجة الفم، قد تسبب تقرحات وتراكم البكتيريا والفطريات.
ولكي يحافظ المسن على اللثة سليمة قدر المستطاع ينبغي له فحصها بصورة دورية، واستخدام المضمضة العلاجية والمعاجين الخاصة للأسنان الحساسة التي غالبا ما تظهر مع تقدم العمر. وربما تطلب الأمر عمليات ترقيع اللثة المنحسرة عن الأسنان، لاسيما في الأسنان الأمامية لأهميتها الجمالية.
وتظهر الإحصائيات أن نحو 40 % من المسنين يصبحون تدريجيا بدون أسنان، ولعل من أهم الأسباب المؤدية إلى ذلك تراجع اللثة حول السن عن المستوى الطبيعي. والأجزاء من السن التي تنحسر عنها اللثة تكون أكثر حساسية للألم عند تناول أطعمة ومشروبات ساخنة أو باردة. وتصبح الأسنان أيضاً حساسة عند تعرضها للهواء البارد، أو عند تناول مشروبات وأطعمة حامضة أو حلوة.
التركيبات السنية
يلجأ الإنسان للتعويض عن الأسنان المفقودة أو علاج الأسنان المتهالكة والمكسورة باستخدام تعويضات لها تساعد على استعادة شكلها الجمالي والوظيفي. وتقسم التعويضات السنية إلى ثابتة ومتحركة. فالتعويضات الثابتة هي تلك التركيبات السنية التي تثبت في الفم بصورة دائمة ولا يمكن إزالتها إلا عن طريق طبيب الأسنان. ومن أنواعها زرع الأسنان، والتيجان والجسور، حيث يستخدم زرع الأسنان والجسور لتعويض الأسنان المفقودة. أما التيجان فهي تستخدم في تغطية الأسنان المتهالكة التي لا يمكن علاجها بالحشوات المعتادة.
أما التعويضات المتحركة فهي تركيبات يستطيع المريض إزالتها من الفم وإعادة تركيبها بنفسه. ويمكن استخدامها لتعويض عدد من الأسنان المفقودة. وهذا النوع من التعويضات قل استخدامه حاليا بسبب التقدم في زراعة الأسنان. ويتم اللجوء إليه أحيانا بصورة مؤقتة ليساعد المريض على مضغ الطعام وعلى عملية النطق قبل إجراء الزراعة السنية أو وضع التركيبات النهائية.
ويعاني كبار السن بسبب فقد الأسنان ويلجأون في بعض الأحيان إلى إجراء عملية الزراعة الجزئية أو الكلية، في حين يستخدم بعضهم التركيبات الثابتة. وقد يفقد المريض أسنانه منذ زمن طويل، الأمر الذي يسبب تفاقم حالة عدم تطابق الأسنان مع بعضها بعضا، وذلك نتيجة لميلان أو تحرك الأسنان المجاورة والمقابلة لناحية الفراغ بسبب الأسنان المفقودة. وهذا يؤدي إلى صعوبة إجراء التركيبة المناسبة، كونها تعتمد على وجود أسنان مائلة.
وقد يحبذ المرضى التركيبات الثابتة نظرا للمشكلات الناجمة عن المتحركة، سواء من ناحية وظيفتها كالمضغ، أو دورها التجميلي وحتى النفسي، في أحيان أخرى. أما العلاج بالزراعة فيعتمد في نجاحه على عوامل عدة من أهمها لدى المسن حالة العظم التي قد تتأثر بأمراض مزمنة كالسكري.
وهنالك مشكلة تواجه كبار السن حال استخدامهم التركيبات المتحركة أهمها تنظيفها، والتأكد من خلوها من بقايا الأطعمة، ونزعها قبل النوم. وينصح أبناء هذه الشريحة بوضع تلك التركيبات في الماء أثناء الليل، أو في محلول يحتوي على مضمضة الأسنان.