السجائـــر الإلكتــرونيـة بيــن الــفـوائــــــد والأضــــرار
د. سناء الصادق
لا يختلف اثنان في الاعتراف بأضرار التدخين على صحة المدخن وصحة من يُجالسه، فالتدخين قاتل لكن ببطء فضلاً عن أضراره الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.
وطـرحت فـي الأسواق في الفترة الأخيرة سجائر إلكترونية باعتبارها بديلاً من السجائر التقليدية، فهـل يمكن الاستغناء عن السجائر التقليدية واستبدالها بشبيهة لها أكثر ثقلاً، ذات فلاتر غير رقيقة؟ وهل يمكن التدخين من دون اشتعال أو احتراق ليكون الأمر مقبولاً وتنتهي عبارات التحذير أو المنع مـــن التدخين في كل الأمكنة؟
وقد شهدت الأسواق منذ اكتشاف أضرار التبغ بدائل كثيرة من أجل المساعدة على الإقلاع عن التدخين، مثل مضغ العلكة ولصقة النيكوتين. وحالياً طرحت أحدث هذه البدائل وهي السجائر الإلكترونية التي تشهد إقبالاً كبيراً في كثير من الدول، فكيف تعمل هذه السيجارة؟ و ما أضرارها؟
ينتج عن احتراق التبغ نحو أربعة آلاف مركب كيميائي يتم استنشاقها. مئات من هذه المركبات الكيميائية سامة جداً، و50 منها مسببة للسرطان. لكن المدخنين يقولون إن التدخين متعة، ولا يريدون الإقلاع عنه على الرغم من أخطاره. وفي هذه الأثناء يزداد عدد المدخنين الذين يُقبلون على شراء السيجارة الإلكترونية، وهي قطعة من البلاستيك على شكل سيجارة في الشكل والحجم مكونة من ثلاثة أجزاء: بطارية يمكن إعادة شحنها، وخرطوشة صغيرة قابلة للاستبدال يوضع فيها السائل، ومبخر يعمل بالكهرباء ويخرج منه البخار.
وفي حال السحب «الشفط» من السيجارة الإلكترونية، يضيء في مقدمتها مصباح صغير أحمر بدلاً من الجمرة. وعندها يتبخر جزء من السائل الموجود فى الخرطوشة المملوءة بالنيكوتين بدرجات مختلفة من التركيز – الذائب في محلول البروبيلين غليكول، وهو المركب نفسه الذي يستخدم في آلات صنع الدخان الصنعي – إلى الفلتر المتصل بها، ويخرج من الفم سحب صغيرة بدلاً من دخان السيجارة العادية. هذا السائل يتكون من ماء و بروبيلين غليكول (المسؤول عن الضباب) ولكي يشعر مدخن السيجارة الإلكترونية وكأنه يدخن سيجارة عادية، فقد تم إضافة نكهة يصعب تمييزها عن نكهة سيجارة التبغ. وهناك أنواع من النكهات مثل النعناع و الشوكولاته والفانيليا.
غريبة لكنها مفيدة
وعلى الرغم من غرابة هذه السيجارة فإن لها – كما يقول منتجوها – فوائد جمة؛ إذ إنها أقل ضرراً من سيجارة التبغ. فعلى الأقل يستنشق مدخن السيجارة الإلكترونية بخار النيكوتين والنكهات بدلاً من استنشاق الدخان المسبب للسرطان الناجم عن احتراق التبغ، مثل النيتروزامينات والبنزين والمعادن الثقيلة والفورمالدهايد وسيانيد الهدروجين.
لكن النيكوتين سام أيضاً، وهذا السائل الزيتي العديم اللون هو شكل من أشكال مخدرات الأعصاب، فإضافة إلى كون النيكوتين يساعد على الإدمان، فإن 50 ملغ منه كافية لقتل إنسان بالغ. وهذه الكمية يدخنها المدخن في يوم واحد فقط. لكن الجسم – لحسن الحظ – لا يحتفظ بكل هذه الكمية، ويمكن لمدخن السيجارة الإلكترونية التحكم في كمية النيكوتين، كما يمكن له الاستغناء عنه نهائياً.
يبلغ سعر السيجارة الإلكترونية حالياً نحو 50 يورو، وهذا ليس بالسعر القليل، لاسيما أن خرطوشة السائل تفرغ بسرعة، فهل ستساعد السيجارة الإلكترونية المدخنين على الإقلاع عن هذه العادة الضارة؟ من المبكر الإجابة عن هذا السؤال لعدم وجود دراسات علمية عن هذه السيجارة، لكن التدخين؛ سواء كان تقليدياً أو إلكترونياً فإنه ضار بالصحة.
جدل مستمر
منذ أن قدمت إحدى الشركات الصينية أوَّل سيجارة إلكترونية في مايو 2004 والجدل مستمر حولها، ولاسيما بعد أن أعلنت الشركة المنتجة أنها باعت نحو 600 ألف سيجارة في نهاية عام 2011.
ويميل بعض الأشخاص إلى تصديق هذا الرقم على الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة عن حجم المبيعات، خصوصاً بعدما قدم البرنامج التلفزيوني الشهير (الأطباء The Doctors) السيجارة الإلكترونية من بين الوسائل الصحية الأكثر شهرة في عام 2008.
وعند تدخين السيجارة الإلكترونية فإنَّ ضغط الشفط يقوم بتشغيل حساس (sensor)، فيتم تشغيل ملف تسخين يقوم بتبخير سائل البروبيلين غليكول منتجاً الدخان، وتصمد خرطوشة النيكوتين الواحدة نحو 300 شفطة، وهو رقم كبير إذا علمنا أنَ السيجارة الحقيقية الواحدة تستغرق في المتوسط 15 شفطة، وأحياناً يكون مع السيجارة أكثر من خرطوشة تبغ لاستبدالها بالفارغة.
وتتوافر خرطوشة التبغ في جرعات مختلفة تتناسب ومزاج المدخنين، فهي إما عالية النيكوتين أو متوسطة أو منخفضة أو حتى من دون نيكوتين.
وعما إذا كانت السيجارة الإلكترونية تساعد على الإقلاع عن التدخين كما يشاع عنها؛ يؤكد ديفيد بيرنز الباحث في الأمراض المتعلقة بالتبغ في جامعة كاليفورنيا ضرورة إجراء اختبارات للدم لمعرفة ما إذا كان النيكوتين يصل إلى الدم أم لا لكي نعرف الإجابة.
دراسات واجتهادات
لم تتخذ إدارة الدواء والغذاء الأمريكية موقفاً محدداً من السيجارة الإلكترونية التي يقول منتجوها إنها أول سيجارة صحية، خالية من المواد الكيميائية والقطران الضارين بصحة المدخنين، حيث تحوي السيجارة الإلكترونية سائلاً نقياً من النيكوتين، من دون أي إضافة مضرة بالصحة كتلك التي تحويها السجائر التقليدية، على حد زعم منتجيها.
ويقول المنتجون إن السيجارة الإلكترونية تشبه لصقات النيكوتين، لكنها تتيح للمدخنين التدخين كالمعتاد، ولا تحوي أي مادة مسرطنة، وليس لها أي أعراض جانبية.
وعلى الرغم من محاولات إدارة الدواء والغذاء الأمريكية إيقاف استيراد السيجارة الإلكترونية منذ صيف 2012، فإن الإدارة الاتحادية لم تتحرك لمصادرة المنتج المطروح في الأسواق الأمريكية.
ويقول الدكتور ستيفن شرويدر، اختصاصي الإقلاع عن التدخين في المركز الطبي لجامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو: «النيكوتين ليس المسبب الوحيد للسرطان عند تدخين التبغ، وتدخين واستنشاق النيكوتين النقي ربما يكون خطراً، لكن ليس لدينا أدلة عن تأثيره في الصحة، وأثبت العلاج ببدائل عن التدخين – اللصاقات الطبية والعلكة – سلامةً ونجاحاً فائقاً في مساعدة المدخنين على الإقلاع عن هذه العادة المضرة بالصحة، لأن التدخين في مقدمة الأسباب المؤدية لمرض سرطان الرئة.
وأوضحت تقديرات حديثة أن عدد المدخنين في العالم يبلغ نحو 1.3 مليار مدخن ويتوقع أن يصل إلى الذروة مع حلول عام 2030.
آراء متضاربة
من ناحية أخرى، كشفت أبحاث طبية أن اللجوء إلى السيجارة الإلكترونية قد يضر برئة الإنسان، ويعمل على تدميرها، ففي محاولة لتقييم الآثار الجانبية السيئة على المدى القصير للسيجارة الإلكترونية، أجريت أبحاث على أكثر من 32 متطوعاً، 8 منهم من غير المدخنين، وطُلب من المشاركين في الدراسة الاستمرار في تدخين السيجارة الإلكترونية ـ مدة 10 دقائق، كي يتم قياس مستوى مقاومة وكفاءة أداء الجهاز التنفسي والرئة لديهم . وأظهرت المتابعة أن مقاومة مسارات الهواء بين غير المدخنين ارتفعت بنسبة %206 مقابل %182، وهو المتوسط بين الأشخاص العاديين.
وأظهرت نتائج دراسة أخرى أجريت في جامعة كومونولث بفرجينيا أن السجائر الإلكترونية التي تعمل على تبخير محلول النيكوتين بدلاً من حرق مادة التبغ، ليست ضارة بالصحة، بل إن تدخينها يشبه تدخين سيجارة عادية غير مشتعلة، وأن المدخنين الذين يستعملون هذه السجائر لا يحصلون على المادة المخدرة الموجودة في السجائر التقليدية.
وتبقى السيجارة الإلكترونية مسألة معلقة، على الأقل صحياً، حتى يتم نشر النتائج النهائية التي ستتوصل إليها المجموعة البحثية في منظمة الصحة العالمية والمسؤولة عن الأمور التنظيمية المختصة بمنتجات التبغ.