الثورات الصناعية الأربع: إطلالة تاريخية
Doctor Muhammad Abdul qadir Alfiki
إن المتتبع لتاريخ الاكتشافات والاختراعات العلمية يلاحظ ملمحين بارزين: أولهما: أن ثمة تحولا جذريا حدث في آلية حدوث هذه الاكتشافات والاختراعات؛ ففي الماضي كانت تتم على يدي شخص واحد، أما اليوم فإنها ثمرة جهد جماعي، يقوم على نتاج عدد لا يحصى من العلماء السابقين.
والثاني: أن المسافة الزمنية بين تواريخ حدوث الاكتشافات والاختراعات العظمى ضاقت فجوتها حاليا عما كانت عليه بالأمس. فبينما استغرق الأمر قرونا طوالا للانتقال من مرحلة الزراعة إلى عصر الصناعة، فإننا نعيش الآن في ضوء اكتشافات واختراعات جديدة لا يفصلها زمنيا إلا بضعة أعوام أو أشهر معدودات.
ولعل استقراء تاريخ الثورات الصناعية التي مرت بها البشرية في العصر الحديث يؤكد ذلك.
الثورة الصناعية الأولى
يرى مؤرخو العلوم أن الثورة الصناعية الأولى بدأت ولادتها رسميا في بريطانيا عام 1760 عندما اُخترِع المحرك البخاري. ومع أن هذا الاختراع يُنسب إلى الاسكتلندي (جيمس واط)، فإن هناك من سبقوه ومهّدوا له الطريق لهذا الاختراع.
فقد اخترع العالم العربي (بديع الزمان الجزري) مضخة المكبس التي مهدت السبيل لابتكار ذلك المحرك. وفي عام 1630، حصل الاسكتلندي (ديفيد رامزي)، على براءة اختراع لجهاز (لرفع المياه بواسطة النار). وفي عام 1712 اخترع (توماس نيوكومن) و(جون كالي) مضخة بخارية أكثر فعالية، سميت بمضخة (نيوكومن). وفي عام 1769 طور (جيمس واط) مضخة (نيوكومن)، حيث اكتشف أنّ تكثيف البخار بشكل منفصل يحافظ على حرارة أسطوانة المحرك، ثم صمم محرّكا ذا أسطوانة منفصلة عن الوعاء الذي يتمّ فيه تكثيف البخار. واخترع (واط) أيضا مكثفا لمحركه، مما جعله آلة تجارية ناجحة. وفي عام 1775، بدأ إنتاج هذا المحرك. وبحلول عام 1800، تم إنتاج نحو 500 وحدة منه.
وكان لاختراع (واط) دورٌ كبير في تطوير الثورة الصناعية الأولى؛ فقد أسهم هذا المحرك في التحول من الزراعة ومجتمع الإقطاع إلى عمليات التصنيع الجديدة. وشمل هذا التحول استخدام الفحم كطاقة رئيسية، لاسيما في تشغيل القطارات التي أصبحت بفضل المحرك البخاري وسيلة النقل الرئيسية. واستفادت صناعات النسيج والحديد والصلب والسفن من استخدام المحرّك البخاري. وفي عام 1778م، دُشّنت أول سفينة تسير بالبخار. وبمرور الأعوام حلت السفن التي تعمل بالمحركات البخارية محل السفن الشراعية، وتمكنت من عبور المحيطات. وتوالى تطوير تلك السفن البخارية إلى أن أصبحت أداة تجارية وعسكرية في أيدي الدول الكبرى. وبصفة عامة، كانت انعكاسات الثورة الصناعية الأولى على النظام الاقتصادي العالمي كبيرة جدا، حتى إنها غيّرت بشكل جذري طريقة الحياة، إذ أدت إلى ميكنة الزراعة والصناعة، ورفع الإنتاجية فيهما، ومهدت الطريق للثورات الصناعية الثلاث التي جاءت بعد ذلك.
الثورة الصناعية الثانية
بدأت الثورة الصناعية الثانية رسميا في عام 1900، مع اختراع محرك الاحتراق الداخلي. وقد أسهمت جهود علماء سابقين في التمهيد لهذه الثورة. فثمة أجزاء مختلفة من منظومة محرك الاحتراق الداخلي تم اختراعها أو وضع أسس تصميمها من قبل. فذراع التدوير الآلية، مثلا، وصفها (بنو موسى) في (كتاب الحيل). وعمود الحدبات (عمود الكامة) اخترعه (الجزري). وفي عام 1798، بنى (جون ستيفنز) أول محرك احتراق داخلي أمريكي يعمل بذراع التدوير المزدوجة. وفي عام 1823، حصل (صامويل براون) على براءة اختراع لأول محرك احتراق داخلي صالح للتطبيقات الصناعية. وفي عام 1826، حصل (صمويل موري) على براءة اختراع للمفحِّم (الكاربريتر). وفي عام 1885، نجح (كارل بنز) في ابتكار محرك احتراق داخلي يعمل بالغازولين. وفي الوقت نفسه، نجح (غوتليب دايملر)، على انفراد، في ذلك أيضا.
ومما مهد للثورة الصناعية الثانية أيضا استخدام طريقة (بسمر) لتصنيع الصلب، واكتشاف النفط وتكريره، حيث استخدِم الغازولين والديزل في إدارة محركات السيارات التي تعمل بأحد نوعي محركات الاحتراق الداخلي. وأسهم اكتشاف (توماس إديسون) للكهرباء في تفجير الثورة الصناعية الثانية، حيث شاع استعمال المصباح الكهربائي اعتبارا من 1880، وانتشر استخدام الكهرباء في المجال الصناعي على نطاق واسع.
ومع بداية القرن العشرين، دخل العالم عهد السيارة ذات المحرك التي شكلت تحولا جذريا في مفهوم المواصلات. كما شاع استخدام القطار ذي المحرك. وبعد ذلك توالت الإنجازات العلمية بظهور الهاتف والإذاعة والتلفزيون والطائرة. وقد استفادت الثورة الصناعية الثانية من الطاقة الكهربائية في تعزيز الإنتاج الضخم، وكان ذلك أهم سماتها، وبدأ ذلك مع إبداعات (هنري فورد) الذي ابتكر في عام 1908 خط الإنتاج الشامل لصناعة السيارات. واستمرت الثورة الصناعية في اختراعاتها تدريجيًا، فدخل العالم عصر الميكنة بشكل موسع جدا، خصوصا بعد اكتشاف الخلايا الضوئية، وهو ما سهل عملية الإنتاج.
وقد أدت الثورة الصناعية الثانية إلى تغيير أنماط حياة الإنسان على وجه الأرض. فإلى هذه الثورة يُنسب شكل النظام الاقتصادي الدولي الذي نعيشه حاليا. ويمكن القول إن هذه الثورة كانت اللبنة الأساسية لشكل النظم الاقتصادية الموجودة على مستوى العالم.
الثورة الصناعية الثالثة
بدأت هذه الثورة في عام 1960، واستمرت حتى عام 2000. وكانت للحواسيب والروبوتات اليد الطولى في قيادة هذه الثورة، التي عرفــت بالثــورة الرقميــة.
ففي مجال الحواسيب قام (جون أتاناسوف) في عام 1937 ببناء أول حاسوب رقمي إلكتروني. وفي عام 1946 شيد (جون فون نيومان) أول حاسوب يعمل بنظام الأرقام الثنائية. وفي العام نفسه، تم بناء الحاسوب (يونيفاك 1) الذي كان أول حاسوب للتطبيقات التجارية والحكومية.
ومن عام 1951 وحتى عام 1958، استمرت فترة ما يسمى بالجيل الأول من أجيال الحواسيب، وهو جيل اتسم بالاعتماد على الصمامات المفرغة في تشغيله. وقد أسهم ابتكار الترانزستور والرقائق الإلكترونية في الاتجاه إلى إنتاج الحواسيب الشخصية، حيث بُنِي أولها (المعروف بسيمون) في جامعة كولومبيا. وقد طوّر (جون لينتز) هذا الجهاز، وأطلقته شركة (IBM) عام 1957.
وبعد عام 1958 ظهر الجيل الثاني من أجيال الحاسوب، وذلك عقب اختراع الترانزستور. وقد استمر هذا الجيل حتى عام 1964.
وفيما يتعلق بالروبوتات، فإنه يمكن اقتفاء جذورها إلى أجهزة آلية اُخترعت منذ عدة قرون، وأطلق عليها (الآلات الذاتية الحركة). ومن أشهر أمثلتها ما جاء في كتاب (الحيل للجزري)، فقد وصف العديد منها وشرح كيفية استعمالها.
وفي عام 1913، كان (جورج) George من أوائل الروبوتات التي ظهرت، وكان طيارا آليا.
وفي عام 1948 اخترع (وليام غراي) والتر روبوتات إلكترونية بسيطة تُظهر سلوكًا أحيائيًا، وذات ثلاث عجلات.
وفي عام 1956، ظهر أول الروبوتات المخصصة لأهداف تجارية، حيث صممها (جورج ديفول الابن). وقد اُستخدِمت في مصانع السيارات لرفع قطع ساخنة من المعادن.
ومع بدء الثورة الصناعية الثالثة في عام 1960 حدث تقدم كبير في مجال الروبوتات، حيث شاع تصميمها وإنتاجها لاستخدامها في مختلف الصناعات وفي وسائل المواصلات. ففي عام 1963، تم تطوير ذراع روبوتية لمساعدة المعوقين. وفي عام 1972 أكملت جامعة واسيدا بناء الروبوت (وابوت- 1)، الذي اُعتبِر أول روبوت ذكي ذي صفات بشرية. وفي عام 1994، ابتكر (جون أدلر) الروبوت (سيبرنايف) Cyberknife، الذي كان بإمكانه إجراء عمليات جراحية لإزالة الأورام. وفي عام 2000، ابتكرت (هوندا) روبوتها (أسيمو)، الذي كان قادرا على الجري والسير والتواصل مع البشر، والتعرف إلى الوجوه والبيئة والأصوات.
وفي عام 1964، عرض (دوغلاس إنغلبارت) نموذجًا أوليًا للحاسوب الحديث، باستخدام الماوس وواجهة المستخدم. وفي العام نفسه، أتمت شركة IBM عائلة نظم 360، المزودة بالترانزستورات والدارات المتكاملة. ومنذ ذلك التاريخ بدأ جيل حواسيب الدارات المتكاملة، الذي عُرِف باسم: الجيل الثالث، والذي استمر حتى عام 1970.
وفي عام 1971، ظهرت أولى الشرائح المتكاملة بواسطة شركة (إنتل) التي اُستخدِمت كمعالج دقيق. وكان ذلك إيذانا ببدء عصر الجيل الرابع من أجيال الحاسوب، الذي استمر حتى عام 1990. وبعد ذلك، ظهر الجيل الخامس من أجيال الحاسوب أو الجيل الأول من الحاسوب الاستدلالي.
وهكذا كانت الثورة الرقمية أساس الثورة الصناعية الثالثة، حيث أسهمت في تغيير أنماط الاقتصاد والحياة في مجتمعاتنا، وأسهمت في إدخال الحواسيب والروبوتات في معظم مناحي التصنيع والاتصالات والتعليم.
الثورة الصناعية الرابعة
رسميا، بدأت الثورة الصناعية الرابعة مع بداية الألفية الجديدة، ولاتزال هذه الثورة مستمرة حتى الآن. وهي ثورة قادها عــدد مــن المحــركات الرئيســية، تتمثل في: التقدم في مجال الهندسة الوراثية، والإنترنت، وابتكار الطابعات الثلاثية الأبعاد، والــذكاء الاصطناعــي، والعمــلات الافتراضيــة، وإنترنــت الأشــياء، وغيرها. وتتسم هذه الثورة بدمج التقنيات التي ظهرت قبل ذلك، بالشكل الذي تمحى فيه الخطوط الفاصلة بين المجالات الفيزيائية والرقمية والبيولوجية. وسنرصد بإيجاز هنا أبرز مجالات تلك الثورة لنبين الكيفية التي كانت عليها بداياتها.
أولا- مجال الهندسة الوراثية:
في عام 1944، برهن عالم الجراثيم (أوزوالد أفري) أن جميع الكائنات الحية تحتوي على الجين (المورث) المعروف باسم الحمض النووي الريبوزي المنقوص الأكسجين DNA. وفي عام 1953، توصل (فرانسيس كرك) و(موريس ولكنز) و(جيمس واطسون) إلى تحديد تركيب جزيء DNA. وفي عام 1961، نجح (مارشال نيرنبرغ) في فك الشيفرة الوراثية، حين توصل إلى ترجمة المعلومات الجينية في الحمض النووي إلى بروتين.
وقد بدأت الإنجازات الكبيرة في مجال الهندسة الوراثية عام 1972، حين تمكن (هيربرت بوير) و(ستانلي كوهين) من ابتكار طريقة للاستنساخ الجيني الهندسي للجزيئات في خلية غريبة، وبذلك أمكنهما إجراء نقل مباشر لحمض DNA من كائن حي إلى آخر. وفي عام 1974، نجح (رودولف يانيش) في إنتاج أول حيوان معدل وراثيا في العالم (كان فأرا) من خلال إدخال الحمض النووي الأجنبي في جنينه.
وفي عام 1976 ظهرت البكتيريا المعدلة جينيا التي أنتجت الهرمون المثبط لهرمون النمو (السوماتوستاتين).
وفي عام 1978، اُستخدِمت البكتيريا المعدلة وراثيا في إنتاج الأنسولين لاستعماله في علاج مرض السكر.
وفي عام 1983 تم إدخال جين مقاوم للمضادات الحيوية في التبغ، مما أدى إلى الحصول على أول نبات معدَّل جينيا.
وفي عام 1984، نجح (ستين ولادسـن) في استنساخ أول حيوان ثديي (ماعز)، مستخدما نواة مستخرجة من خلية جنينية لماعز. وفي عام 1993، تم اكتشاف حمض (الرنا الميكروي) microRNA. وفي عام 1996، نجح (إيان ولموت) وزملاؤه في معهد روزلين بأدنبرا في استنساخ النعجة (دولي). وفي عام 1998، نجح الباحثون بجامعة (جونز هوبكنز) في تحفيز عملية التكاثر للخلايا الجذعية البشرية بالمختبر. وفي عام 2000، انتهى العلماء في مشروع الجينوم البشري من وضع مخطط أولي للخريطة الجينية البشرية. وفي العام نفسه، نشرت مجلة Science بحثًا عن الأرز الذهبي المخصب بفيتامين (أ)، الذي كان أول طعام تم تطويره لزيادة قيمته الغذائية. وفي عام 2003، تم نشر السلسلة الكاملة للجينوم البشري.
وحتى عام 2007، كان قد تم إنتاج أكثر من 2540 نوعا من النباتات المعدلة جينيا باستخدام الأشعة السينية. وبحلول عام 2010، كان عدد البلدان التي تزرع محاصيل تجريبية باستخدام التقنية الحيوية 29 بلدا.
وفي عام 2015، نجحت المختبرات الصينية في إنتاج قمح مقاوم للفطريات، وزيادة محصول الأرز.
ثانيا- الإنترنت:
مع أن الميلاد الرسمي للشبكة العنكبوتية العالمية (الإنترنت) هو عام 1991، فإن هذا الإنجاز كان مسبوقا بإنجازات أخرى مهدت له الطريق، وساعدت على جعله حقيقة ملموسة. ففي عام 1958 اخترعت شركة (بل) أول مودم Modem يسمح بنقل البيانات الرقمية عبر خط الهاتف.
وفي عقد الستينيات، نشأت الإنترنت في وكالة مشروعات الأبحاث المتقدمة التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، وذلك من خلال شبكة كانت تسمى (أربانت) . وفي عام 1971 تم ربط 23 حاسوبا بشبكة “أربانت”، ووقتذاك، تم إرسال أول بريد إلكتروني عبر هذه الشبكة. وفي عام 1972، سمح لعلماء من خارج مشروع وزارة الدفاع الأمريكية باستخدام تلك الشبكة.
وخلال الفترة من عام 1980 إلى عام 1989، قادت الأبحاث التي أشرف عليها السير (بيرنرز لي) في المنظمة الأوروبيّة للأبحاث النوويّة (سيرن CERN) إلى تطوير شبكة المعلومات، ونتج عن ذلك ربط مُستندات النص التشعبي (HTML) بنظام معلومات يُمكن النفاذ إليه من أي موقع على الشبكة. وفي عام 1989 أطلق (بيرنرز لي) برنامجه للعاملين في (سيرن)، وأسماه: الشبكة العنكبوتية العالمية (الويب). وفي عام 1991 وفر (بيرنرز لي) برنامجه لأي مستخدم، وبذلك وُلِدَت الشبكة العنكبوتية العالمية.
وفي عام 1993، أقرت منظمة (سيرن) جعل شبكة (الويب) في متناول الجمهور. وفي العام نفسه، أطلق (مارك أندريسن) أول متصفح للإنترنت. وفي عام 1996، كان أول هاتف محمول ذي اتصال بالإنترنت هو نوكيا 9000 كوميونيكيتور.
ومنذ مُنتصف التسعينيّات، كان لشبكة الإنترنت تأثيرٌ ثوريّ في الثقافة والتجارة والتكنولوجيا، وشمل ذلك ظهور التراسل الفوري وتطوّر البريد الإلكترونيّ والمُكالمات الهاتفيّة ومكالمات الفيديو وانتشار مُنتديات النقاش والمدوّنات وشبكات التواصل الاجتماعيّ ومواقع التسوّق عبر الإنترنت. وبعد عام 2000 أصبحت البنية التحتية للإنترنت شبه ثابتة، وأصبح التطور واضحا أكثر على مستوى البرمجيات والخدمات التي تقدمها شبكة الإنترنت، مما مهد لظهور مواقع التواصل الاجتماعي. وفي الفترة من 2007 فما بعدها، حدثت ثورة الهواتف النقالة التي وفرت الوصول إلى الإنترنت لكثير من أفراد المجتمع البشري، وسمحت لهم بتبادل المعلومات ومناقشة الآراء.
ثالثا- الطباعة الثلاثية الأبعاد:
مع أن (يوهان غوتنبرغ) اخترع آلة الطباعة عام 1454، فإنها ظلت ردحا طويلا من الزمن ثنائية الأبعاد. وفي عام 1986 نجح (تشاك هل) في اختراع نظام التجسيم، فكان ذلك البذرة الأساسية لفكرة الطباعة الثلاثية الأبعاد، التي ابتكرها (إمانويل ساكس) في عام 1993. وقد استمر تطوير هذا النوع من الطباعة، إلى أن كانت الانطلاقة الكبرى لها في عام 2003.
وفي السنوات الأخيرة، أصبحت هذه التقنية تستخدم في صناعة المجوهرات، والأحذية، والتصميم الصناعي، والعمارة، والهندسة، والإنشاءات، والسيارات، والطائرات، وطب الأسنان والصناعات الطبية.
رابعا- الذكاء الاصطناعي:
شهدت أبحاث الذكاء الاصطناعي انطلاقة متميزة في أوائل عقد الثمانينيات من القرن العشرين، وكان ذلك بعد النجاح التجاري «للنظم الخبيرة»، وهي أحد برامج الذكاء الاصطناعي التي تحاكي المعرفة والمهارات التحليلية للخبراء البشريين. وفي أوائل القرن ال21، حقق الذكاء الاصطناعي نجاحات أكبر، حيث اُستخدِم في استخراج البيانات، والتشخيص الطبي، ومعالجة اللغات الطبيعية، وتمييز الأصوات، وتمييز وتحليل الصور، وتداول الأسهم، والتحكم الآلي، والقانون، والاكتشافات العلمية، وألعاب الفيديو، وغيرها.
خامسا- العملات الافتراضية:
أسهمت الثورة الصناعية الرابعة في ظهور العملات الافتراضية، وازدهار عمليات التعامل بها عبر الإنترنت. ففي الفترة ما بين عامي 1998 – 2005 أطلق المهندس الصيني (وي دي) Wei Dai فكرة التشفير النقدي اللامركزي، مما أدى إلى ظهور عملة بيتكوين Bitcoin الافتراضية بعد ذلك. وفي يناير 2009، أطلِقت النسخة الأولى من هذه العملة. وهي عملة لا وجود فيزيائيا لها، ويتم تداولها واستخدامها كأي عملة أخرى للشراء عبر الإنترنت. ويعزى اختراعها إلى الياباني (ساتوشي ناكاموتو). وفي شهر فبراير 2010 بدأ أول تعامل عالمي حقيقي باستخدام البيتكوين. وعاما بعد عام، ازداد الإقبال على هذه العملة، وازداد عدد الشركات التي تقبلها في معاملاتها. وبحلول عام 2016، أصبحت معظم مواقع الربح والاستثمار تتعامل بها.
سادسا- إنترنت الأشياء:
ظهر مصطلح «إنترنت الأشياء» Internet of Things (IoT) في عام 1999، حين أطلقه (كيفن أشتون) من شركة بروكتر وغامبل. وفي عام 2004، تم اقتراح نموذج التفكير لبيئة التوصيل البيني المستقبلية للأشياء. ومن خلال هذه البيئة، مكّن إنترنت الأشياء الإنسان من التحكّم بشكل فعاّل وسهل في الأشياء عن قرب وعن بُعد. فيستطيع المستخدم مثلاً التعرّف إلى محتويات ثلاجته عن بُعد من خلال الإنترنت. كما يمكن للثلاجة نفسها أن تتصل بحاسوب إدارة مركز توريد مواد غذائية لإخطاره عما بها من نقص من المواد الغذائية لإرسالها. واعتبارًا من عام 2016، تطورت تقنية إنترنت الأشياء، وأصبحت تطبيقاتها تشمل: الاتصال عن بعد بالسيارة، والتشغيل الآلي للأجهزة المنزلية الذكية التي تستخدم تقنية (واي فاي) WiFi للمراقبة عن بعد. وحاليا، يبلغ عدد الأجهزة التي تستفيد من هذه التقنية نحو 10 بلايين.
وهكذا، فإن التحولات التي نشهدها حاليا من خلال الثورة الصناعية الرابعة تُعَدُّ حدثا عالميا متميزا وإنجازا عصريا جديدا. وحجــم تأثيــر هــذه الثورة علــى كل مجــالات الحيــاة متســع وعميــق، ســواء علــى المجتمعــات أو الأفراد أو الأعمــال أو الحكومات، فهــي لا تغيــر فقــط مــن آليــة عمــل الأشــياء، بــل تغيــر من الطريقــة التــي ننظـر بهــا إلى أنفســنا. ومــن شــأن هذه الثــورة أن تلقــي بظلالهـا علـى كل مجالات الحياة.