أسعد الفارس
نشهد على سطح الأرض مجموعات هائلة من أشكال الحياة تقدر أعدادها بالملايين، ومنها الكبير ومنها الصغير بدءاً من البكتيريا والأحياء المجهرية وانتهاءً بالحوت الأزرق الكبير. وكلها لا تعيش من دون الماء ويشكل الماء نسبة عالية في تراكيب أجسامها.
ويقسم علماء البيئة هذه الكائنات وفق تصنيفات معينة، فمنها ما يعيش على اليابسة ومنها ما يحيا في الأنهار والبحار والمحيطات، ومنها ما يعيش على اليابسة والماء. وهنالك أحياء ذاتية التغذية Autotroph كالنباتات الخضراء التي تصنع الغذاء العضوي من الماء والمواد المعدنية وثاني أكسيد الكربون بواسطة الكلوروفيل (اليخضور) ووجود ضوء الشمس وهي الأحياء المنتجة للغذاء، وهناك الأحياء غير ذاتية التغذية Heterotroph التي تحتاج إلى الغذاء العضوي الذي لصنيه النبات الأخضر.
وكل الأحياء التي ذكرت يعيش بعضها مع بعض في بيئات محددة، فتتأثر ببعض وتؤثر فيما حولها. وعلم البيولوجيا هو العلم الذي يدرس خصائص ومزايا الكائنات الحية، وعلاقتها فيما بينها وبالبيئة التي تعيش فيها. وتلك الكائنات تتباين في الشكل والحجم والتركيب والوراثة. والنوع Species في مفهومه العلمي وحدة متكاملة في صفاتها، يتكاثر ويحافظ على نفسه متوازناً داخلياً ومع البيئة، ويورث صفاته للأجيال القادمة ولا يتزاوج إلا مع نفسه (أفراده). ووفق علم التصنيف Taxinomia يجمع أفراد النوع الواحد تحت اسم النوع ومجموعة من الأنواع تشكل الجنس Genns، ومجموعة الأجناس تشكل العائلة Family، ومجموعة العوائل تشكل الرتبة… وهكذا مروراً بالطائفة class والشعبة (أو القسم في النباتات) حتى نصل إلى المملكة Kingdom.
وهناك مملكتان رئيسيتان في علم البيولوجيا: المملكة الحيوانية والمملكة النباتية. واقترح عالم النبات السويدي كارلوس لينيوس «1707 – 1778» أن تكتب مصطلحات التصنيف باللغة اللاتينية، فالاسم الأول هو اسم الجنس (يبدأ بحرف كبير) والاسم الثاني للنوع (يبدأ بحرف صغير) وهو ما يعرف بالتسمية الثنائية “Nomenclature” ثم نرتقي في سلم التصنيف حتى نصل بانتماء المسمى إلى الشعبة والمملكة.
التنوع البيولوجي والجيني
إن التنوع البيولوجي هو التنوع في أشكال الطبيعة الحية على سطح الأرض، ومصير الإنسان يرتبط بوجود هذا التنوع سليماً. والتنوع البيولوجي يشمل: التنوع البيولوجي، والتنوع الجيني، والتنوع في النظم البيئية.
أولاً- التباين النوعي (أو التنوع البيولوجي): هو وجود الأحياء في ملايين من الأنواع المختلفة، فكل نوع له صفات عامة تميزه عن غيره، وله تركيب وراثى (جيني) محدد يمنع تكاثره مع الأنواع الأخرى، وتعيش أفراده في بيئات محددة. وقد تتباين أرقام أعداد الأنواع الحية على سطح الأرض ما بين 2 – 10 ملايين نوع، موجودة في الصحاري والمحيطات والأنهار والبحيرات والغابات. وعلى الرغم من التقدم في تكنولوجيا علم التصنيف فلم يصنف من هذه الملايين من الأنواع سوى ما بين 1.4 ومليوني نوع، والعدد مرشح للزيادة مع اكتشاف أنواع جديدة. ومن هذه الأنواع: 750 ألف نوع من الحشرات و41 ألف نوعٍ من الفقاريات، و250 نوعاً من النباتات، والباقي من مجموعات اللافقاريات والفطريات والطحالب وغيرها من الكائنات الحية. وتعد المناطق الاستوائية أغنى المناطق في العالم بأنواع الأحياء المختلفة، غير أن هذه الأحياء مهددة بالانقراض بسبب التلوث والتدهور البيئي والنشاطات البشرية.
ثانياً- التنوع الجيني (الوراثي): يعد الحمض النووي المنقوص الأكسجين (DNA) في الكائنات الحية الراقية أساس مادة الوراثة. ولكل كائن حي طراز خاص به من الجينات لكن هذه الجينات تتنوع وتتجدد داخل كروموسومات الكائن الحي، فالجينات ديناميكية مع المحافظة على النمط العام للكائن الحي، ولابد من وجود فروق فردية بين كل فرد وآخر من أفراد النوع الواحد، وهذا ما نعنيه بالتنوع الجيني. وهذا التنوع يحدث بالتوزيع الحر للكروموسومات، والعبور المورثي أثناء الانقسام الاختزالي، وبعمليات الإخصاب العشوائي، وكلما كان التزاوج أو التلقيح بين أفراد متقاربة تقل إمكانية التنوع الوراثي.
هندسة الجينات
إن المعرفة الدقيقة بتكنولوجيا وتركيب الجينات قادنا إلى علم حديث متطور يدعى الهندسة الوراثية أو هندسة الجينات، فوظيفة الجينات التي أساسها الحمض النووي (DNA) هي:
> الإشراف على إنتاج مواد لازمة لاستمرار حياة خلايا الكائن الحي مثل البروتينات المهمة لبناء الخلية وعموم الجسم.
> إنتاج مواد ضرورية للجسم مثل: الأنسولين والهرمونات.
> تصحيح الخطأ الذي يحدث في الجينات وتعديل مسارها.
وعن طريق التكنولوجيا الحيوية يسعى العلماء لرسم خريطة جينية لكل كائن حي، والتعرف على البصمة الجينية له. فقد تعرف العلماء على 40 ألف جين من جينات البشر. والسعي قائم عبر الأبحاث للتعرف على المزيد.
من جهة أخرى، عندما نحافظ على التنوع البيولوجي من الدمار والتدهور، فإننا نحافظ على تنوعه الجيني (المورثي). وللحفاظ على التنوع الأخير هناك نوعان من البنوك:
أولاً-بنوك البذور: تجمع بذور النباتات المهمة أو المهددة بالانقراض في بنك خاص بالبذور لتستخدم في المستقبل كلما دعت الحاجة إليها، فمن بين 2000 – 3000 نوع من النباتات المنتجة للمحاصيل، هنالك 70 % منها حفظت بذورها (جيناتها) في بنوك البذور ببعض البلدان. وبهذا العمل نستوفي الأهداف العامة للاستراتيجية الخاصة بصون النباتات المهددة بالانقراض والنباتات المنتجة للمحاصيل الغذائية.
ثانياً- البنوك الجينية الخاصة بالحيوانات: وخصوصاً الحيوانات المهمة أو الحيوانات المهددة بالانقراض، ففيها تحفظ نطافها وبيوضها، وبعض من نسجها، وتستخدم من أجل تكاثرها وتجارب استنساخها.
وثمة تحديات نتجت من الاهتمام بالتنوع الجيني منها: أن الاهتمام بجينات النباتات الزراعية المنتجة للغذاء، وزراعتها على نطاق واسع كان على حساب النباتات الطبيعية البرية، وبكلام آخر الإخلال بالتوازن الجيني على سطح الأرض. ومثل ذلك يحدث بالنسبة للحيوانات العالية الإنتاج، مما أدى لتعرض خمس سلالات من المواشي لخطر الانقراض. فعلى سبيل المثال أدت تربية بقر (الهلوستين فريزيان) المنتج للحليب وانتشاره في العالم إلى العزوف عن تربية الأبقار المحلية البلدية، وهو منحى يخل بالتوازن الجيني بين المواشي.
ثالثاً- التنوع في النظم البيئية: النظم البيئية مجموعة من الكائنات الحية التي تعيش في بيئة محددة، تتفاعل مع عناصر البيئة غير الحية ومع بعضها، وتحافظ على استمرارية وجودها. وبكلام آخر يقسم العالم أساساً إلى أقاليم حياتية استناداً إلى توزيع صور الحياة النباتية، وإلى أنواع الحيوانات الموجودة في كل منطقة متميزة، فلكل إقليم نوعيات مختلفة من النباتات والحيوانات والطيور والحشرات، فالإقليم الحياتي عبارة عن نظام بيئي متوازن يختلف عن غيره على مستوى العالم. وهناك خمسة أنماط من الأقاليم الحياتية: (إقليم الغابات، وإقليم الحشائش، وإقليم الصحاري، وإقليم الجبال (الألبي) وإقليم التندرا)، وهي الموائل البرية التي تعيش فيها الأنواع الحيوانية والنباتية وغيرها، ويضيق المجال أن ندرس خصائص كل تلك الأقاليم أو الموائــــل البرية، غيــر أن أفضل المعلومــــــات المتوافرة هي المعلومات الخاصة بالأحـــــراج والغابات التي تشكل حالياً 31 % من مساحة اليابسة على كوكب الأرض. ويقدر أن الأحراج والغابات تحتوي على أكثر من نصف أنواع الحيوانات والنباتات البرية في العالم، ومعظمها تعيش في الغابات المدارية، وهي مسؤولة عن إنتاج ثلثي الإنتاج المادي الأولي على سطح الأرض بالعمليات الناتجة عن تحويل الطاقة الشمسية إلى مواد نباتية. والأقاليم أو الموائل الأرضية أخذت تتدهور بسبب التغيرات المناخية والتلوث، وقطع الأشجار وانتشار الزراعة؛ فثمة 30 % من الأراضي البرية تحولت إلى أراض زراعية، كما أن المشروعات الاقتصادية، وشق الطرق وإقامة السدود، جزأت الموائل الطبيعية بدرجة عالية، وهذا يهدد سلامة الأنواع وقدرتها على التكيف مع التغيرات المناخية. وعندما تتجزأ الموائل أو النظم البيئية الأرضية تضيق بأحيائها، فتقل فيها احتمالات التزاوج الناجح، ونقل المناعة ويندر الغذاء، فتختفي وتنقرض كثير من الأنواع ذات الطابع الجيني المميز. وأمام هذا التدهور وتلك الأخطار تبرز أهمية الحفاظ على التنوع البيولوجي بعد التناقص المتزايد في أجناس الحياة الفطرية باطراد، فمنذ السبعينيات من القرن الماضي فقدت النظم البيئية ثلث الحياة البرية التي تعيش فيها. وتعزى أهم أسباب ذلك إلى انتشار التلوث، والتوسع الحضاري والصيد الجائر.
وقد استشعر العالم هذه الأخطار فبدأ بإقامة المحميات، وبنوك البذور والجينات، وعقد الاتفاقيات المعنية بالتنوع البيولوجي.>