محمد البسام
لطالما كان تحقيق التنمية المستدامة هدفا دائما على جدول أعمال اجتماعات الأمم المتحدة، ومنظماتها التابعة لها، وتبعها في ذلك المنظمات والكيانات الإقليمية والقارية، ثم أخذت تتبناها الدول في كل أنحاء العالم؛ نظرا إلى الفوائد الكبيرة المجنية من ذلك، وانعكاسها على الموارد البشرية والطبيعية فيها.
وبينما كانت دول العالم تضع الاستراتيجيات المختلفة التي تسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة فيها، وتخطط في ذلك لعقود مقبلة، كان عدد من الدول العربية يعاني أوضاعا مأساوية؛ بسبب الحروب الطاحنة والصراعات العنيفة والأزمات الاقتصادية الشديدة، مما أدى إلى تأخر عملية التنمية فيها، بل حطم معظم الإنجازات التنموية التي تحققت في سنوات ماضية، وأعاد اقتصاد البلاد وبنيتها التحتية عقودا إلى الوراء.
ويتطرق أحدث تقرير نشر في هذا الشأن إلى تلك الأوضاع المأساوية ، وهو تقرير (التنمية المستدامة في مناخ عربي متغيّر) الذي أصدره (المنتدى العربي للبيئة والتنمية)، وكانت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي أحد داعميه، ونشره في مؤتمره الذي عقده في بيروت بنوفمبر الماضي ضمن تقاريره السنوية التي تستهدف ترسيخ الاعتماد على العلم في السياسات البيئية واتخاذ القرارات لتنمية الوطن العربي.
واللافت في المؤتمر هو التوصيات التي أطلقها في ختام أعماله والتي تضمنت ضرورة إدخال مبادئ التنمية المستدامة في مبادرات فض النزاعات وإحلال السلام وفي خطط إعادة الإعمار المرتقبة ، ودعوة البلدان العربية إلى تشجيع الاستثمارات في المشروعات الصديقة للبيئة، واعتماد رؤية بعيدة المدى واستراتيجية تنفيذية ذات أولويات بهدف دفع الاقتصادات العربية في مسار أخضر مستدام، وإنشاء جهاز وطني للتنمية المستدامة لضمان تكامل السياسات والمتابعة والتقييم، وأهمية التنسيق والتعاون بين البلدان العربية في تحقيق خطط التنمية، وتخصيص تمويل كاف لبرامج الأبحاث والتطوير التي تدعم التنمية المستدامة، وتعزيز دور القطاع الخاص والمجتمع الأهلي كشركاء في الجهود الحكومية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
بين الانهيار والطموح
ويقول التقرير إن هناك أكثر من 10 بلدان عربية من أصل 22 هي إما تحت الاحتلال وإما تعاني حروبا أو نزاعات، فيما عشرات الملايين من الأشخاص هم لاجئون أو نازحون داخلياً، ويفتقر كثيرون منهم إلى الحاجات والحقوق الأساسية. وحتى لو توقفت جميع النزاعات والحروب فوراً، فإن المنطقة العربية لا يمكنها الوفاء بموعد تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) بحلول سنة 2030 باستخدام الطرق التقليدية. فقد شهدت بلدان عربية كثيرة انهياراً على نطاق واسع خلال السنوات الماضية، مما حصر طموح بعضها في العودة إلى الوضع الذي كان سائداً عام 2010، ناهيك عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول سنة 2030.
وهذا التقرير يبني على التقارير الثمانية السابقة عن حالة البيئة العربية، التي أنتجها المنتدى العربي للبيئة والتنمية منذ عام 2008. ويسلط الضوء على خيارات السياسات المتوافرة للبلدان العربية كي تتمكن من تحقيق أهداف التنمية المستدامة، كما وضعها المجتمع العالمي، بحلول سنة 2030.
ويلفت التقرير النظر إلى حاجة ملحة للاستثمار في تنمية يكون محورها الإنسان، تعزز دمج حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في التنمية، ومبادئ المشاركة الشعبية الحقيقية والمساءلة والشفافية وعدم التمييز، في أجندة التنمية.
التنمية المستدامة ومقاصدها
يتضمن التقرير عددا من الفصول والدراسات والآراء، بدأت بفصل شامل من عدة أقسام عن التنمية المستدامة أعده عدد من الباحثين وتطرق إلى نشوء مفهوم التنمية المستدامة، وتحقيق أهدافها في مناخ متغير، ومتطلبات تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في الدول العربية، وتمويل هذه الأهداف، تلاه ملحق بعنوان (مقاصد أهداف التنمية المستدامة).
وتناول التقرير بحثين مطولين الأول بعنوان (الصحة: هدف تنموي مستدام من أجل الرفاهية والبقاء في العالم العربي) والآخر بعنوان (المساهمة في القضاء على الجوع في البلدان العربية).
آراء ودراسات
وفي باب آراء ودراسات حالة، تطرق التقرير إلى سبعة آراء تحدث النائب الأول لرئيس البنك الدولي لأجندة التنمية 2030 وعلاقات الأمم المتحدة والشركات الدكتور محمود محيي الدين في أولها عن (دور البنك الدولي في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة للدول العربية)، وتناول المدير العام للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية عبد الوهاب البدر في الثاني (دور مؤسسات التنمية العربية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للدول العربية)، فيما تحدث المدير العام لصندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد) سليمان الحربش عن موضوع ( كيف يساهم صندوق (أوفيد) في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في البلدان العربية؟ الهدف السابع: ضمان حصول الجميع بكلفة ميسورة على خدمات الطاقة الحديثة).
شراكة بين القطاعين العام والخاص
وفي الرأي الرابع تناقش الأمينة العامة لهيئة البيئة في أبوظبي رزان خليفة المبارك موضوع (الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص لتعزيز استجابة دولة الإمارات العربية المتحدة لأهداف التنمية المستدامة واتفاقية باريس حول المناخ)، وبحث الأكاديميون صوما بو جودة و ريما كرامي عكاري و فضلو خوري في الرأي الخامس في موضوع (تحديات التعليم المستدام في العالم العربي: الدور الحالي والمستقبلي للجامعة الأمريكية في بيروت)، فيما تناول الباحثون ريم نجداوي ومنية براهم و فيدال بيرينجيرو في الرأي السادس (الهدف السابع عشر من أهداف التنمية المستدامة: تعزيز وسائل التنفيذ وتنشيط الشراكة العالمية من أجل التنمية المستدامة لتحقيق أجندة التنمية المستدامة لسنة 2030 في المنطقة العربية)، وتطرق مستشار التعرضات الصحية البيئية في المركز الإقليمي لصحة البيئة (CEHA) التابع لمنظمة الصحة العالمية مازن ملكاوي ومدير المركز باسل اليوسفي إلى (الوقاية من المرض من خلال البيئات الصحية: تقييم العبء المرضي الناجم عن المخاطر البيئية في البلدان العربية).