د.م. حسين عزيز صالح
المعهد العالي للبحوث والدراسات الزلزالية، جامعة دمشق، المدير العام السابق للهيئة العليا للبحث العلمي (سورية)
يواجه العالم زيادات سريعة في الاستهلاك والطلب على الموارد المعدنية لاستخدامها في صناعات شتى تتطلبها الثورة الصناعية الرابعة التي يشهدها العالم حاليا، وهذا يتطلب تطبيق البحث العلمي والتطوير التقاني والابتكار في استكشاف المعادن والتنقيب عنها بفعالية. وتوفر النظم الجيومعلوماتيةgeoinformation technologies أدوات متطورة لتفسير وتحليل الصور الفضائية والجوية بأساليب التحليل البصري أوالرقمي، واستخلاص المعلومات وتقديمها على شكل صور مُعالجة وخرائط وتقارير وجداول إحصائية، وهو ما يساعد على تحقيق عدد كبير من الأهداف وتنفيذ تطبيقات عديدة. وأهم هذه التطبيقات إدارة خطر الكوارث الطبيعية والتكنولوجية، ومسح وتقييم الموارد الطبيعية وإدارتها، ودراسة الموارد المائية ومصادرها، ودراسة الطبيعة الجيولوجية والجيومورفولوجية للأرض والبحث عن الثروات المعدنية. فالجيومعلوماتية تشمل التخصصات العلمية المتنوعة مثل التصوير الجوي، ونظم المعلومات الجغرافية، والأنظمة العالمية لتحديد المواقع باستخدام الأقمار الاصطناعية، والاستشعار عن بعد.
يوفر الاستشعار عن بعد الصور الفضائية على شكل رقمي، وتكون متضمنة للبيانات البيئية والتوضعات الخاصة بالمعالم الجغرافية لشكل الأرض على مساحات شاسعة تغطي كامل المنطقة الجغرافية، لكن النقطة الضعيفة لهذه التقنية هي تأثُرها بالغيوم، وهذا يؤثر في دقة الصور ووضوحها. ويمكن التغلب على قسم كبير من نقاط الضعف هذه باستخدام الأنظمة العالمية لتحديد المواقع عبر الأقمار الاصطناعية. فالاستشعار عن بعد ليس تقنية محددة، لكنه مصطلح شامل لعدد من التقنيات والأدوات والأجهزة التي تشمل مجموعة من الرادارات والسونار والتصوير من خلال نطاقات طيفية متعددة للتعرف على الأهداف وجمع بيانات عنها دون الملامسة الفيزيائية. يُعرف السونار بالتقنية التي تستخدم انتشار الصوت للتواصل مع أو الكشف عن الأشياء على سطح الماء أو تحته. أما نظم المعلومات الجغرافية (المستخدمة جنباً إلى جنب مع الاستشعار عن بعد في عمليات التعدين) فهي برامج حاسوبية تتميز بالمقدرة الفائقة على جمع وإدارة ومعالجة المعلومات والبيانات ذات الطبيعية المكانية (بيانات تصف معالم جغرافية سطح الأرض) وتوثيقها وتداولها وتحليلها وإظهارها وتصنيفها في قاعدة بيانات، واستخدامها بفعالية في دراسة عمليات التعدين وتحليلها. ومن ثم يمكن إدماج المعطيات واستخراج مجموعة كبرى من خرائط الجيولوجية حسب الطلب والتطبيقات والجهات المستعملة.
مسح استقصائي للمعادن
يستخدم الاستشعار البصري عن بعد optical remote أجهزة استشعار مرئية وقريبة من الأشعة تحت الحمراء والموجة القصيرة لتكوين صور لسطح الأرض عن طريق الكشف عن الإشعاع الشمسي المنعكس من الأهداف على الأرض. وفيما يخص التنقيب عن المعادن، يُعد الاستشعار البصري عن بعد تقنية تُستخدم في مرحلة المسح الاستقصائي بسبب الرؤية البصرية المتكاملة synoptic view التي تفيد في اكتشاف المناطق الصخرية الحاوية على معادن في وقت أقل وبتكلفة منخفضة. تعتمد هذه الرؤية في التمييز بين المواد الجيولوجية المختلفة على سطح الأرض على طريقة تفاعل الإشعاع الكهرومغناطيسي مع السمات المختلفة للصخور، التي تتكون من مجموعات من المعادن ذات نسب متباينة من العناصر المتنوعة. ولا يمكن تطبيق هذه التقنية بفعالية على مناطق الغطاء النباتي الكثيفة لأن الصورة تُعبر عادةً عن أطياف الانعكاس reflectance spectra للغطاء النباتي، وليس للصخور والتربة الموجودة تحت هذا الغطاء. إن نمو النبات عملية معقدة بسبب اعتمادها على تناول العناصر الغذائية الأساسية، بما في ذلك المعادن الموجودة في التربة التي يؤدي امتصاصها إلى تغيرات في نشاط البناء الضوئي ومحتويات الكلوروفيل (اليخضور). ومن ثم فإن طرق معالجة الصور لتعزيز مظاهر الصخور والتربة الممعدنة باستخدام أطياف الانعكاس غير فعالة في مثل هذه الظروف المتعلقة بالغطاء النباتي. إن الطريقة المفيدة الوحيدة لاستكشاف المعادن في ضوء هذه الظروف هي التمييز بين الأنماط الطيفية المميزة للحالات الشاذة في الغطاء النباتي التي يُسبّبها التمعدن. للاستفادة من خاصية هذا التمييز الناجم عن تغيرات الانعكاس مع كل من نشاط النبات واختلاف أطول الموجات، تم تطوير مؤشر الغطاء النباتي vegetation index الذي يساعد على تحديد التمعدن الذي تخفيه النباتات من خلال المعالجة الحسابية للانعكاس في نطاقات طيفية متعددة على بيانات صور الأقمار الاصطناعية متعددة الأطياف multispectral images.
إن الضوء هو نوع خاص من الإشعاع الكهرومغناطيسي الذي يمكن رؤيته واستشعاره من قبل العين البشرية، لكن هذه الطاقة موجودة في مجموعة واسعة من الأطوال الموجية. لذلك، ينقسم مدى الطيف الكهرومغناطيسي إلى أقسام تعتمد على الطول الموجي، ويتراوح من أقصر طول موجي للأشعة الذي يشتمل على أشعة غاما gamma (التي يتراوح طولها الموجي بين 6-10 ميكرونات أو أقل) إلى أطول طول موجي الذي يشتمل على أشعة الراديو radio (التي لها أطوال موجية من عدة كيلومترات)، وبينهما يوجد العديد من مدى الطيف الكهرومغناطيسي الذي له فائدة في الاستشعار عن بعد.
ويحصل الجيولوجيون على فائدة مزدوجة من استخدام الصور متعددة الأطياف؛ لأن نطاقات الأشعة تحت الحمراء ذات الموجات القصيرة حساسة للتغيرات في محتوى التربة والصخور، مما يجعل من الممكن التمييز بين بعض أنواع الصخور الأساسية. يعرض الجدول المرفق انعكاسات بعض المعادن المختلفة للحبيبات التي يقل قطرها عن 0.001 مم، حيث يمكن (على سبيل المثال) ملاحظة زيادة انعكاس الأطياف المختلفة من معدن الكوارتز وانخفاضها من معدن البيوتيت، في حين يُظهر الشكل المرافق صورة لمعدن في اليسار (باللون الأبيض والأسود) وذلك قبل معالجتها بالاستشعار عن بعد، وصورة للمعدن ذاته في اليمين (الملونة بعدة ألوان مثل الأزرق والأصفر) وذلك بعد معالجتها بالاستشعار عن بعد.
استشعار فضائي وجوي
تنقسم طرق الاستشعار عن بعد تبعاً لوسائل عمل أجهزة الالتقاط إلى الاستشعار الفضائي والاستشعار الجوي. في الاستشعار الفضائي تُحمَّل أجهزة الالتقاط على سطوح الأقمار الاصطناعية التي تدور على ارتفاعات عالية جداً، في حين توضع أجهزة الالتقاط في الاستشعار الجوي على الطائرات التي تطير على ارتفاعات منخفضة نسبياً. أما بالنسبة لنوع البيانات المُستقبلة، فيمكن تصنيف الاستشعار عن بعد إلى استشعار إيجابي، وآخر سلبي. تكون البيانات المُستقبلة في الاستشعار الإيجابي انعكاسات طيفية حيث ترسل الأقمار الاصطناعية موجات كهرومغناطيسية إلى سطح الأرض فتصطدم بها وتنعكس ليستقبلها الرادار الذي يرسلها إلى محطات الاستقبال الأرضية. في حالات التنقيب عن المعادن، يسهم استخدام أشعة الرادار في الاستشعار الإيجابي في اختراق السطح مما يُمكّن من رصد الموارد الأرضية تحت السطحية. أما البيانات المُستقبلة في الاستشعار السلبي فتكون عبارة عن الانبعاث الطيفي من سطح الأرض والأجسام التي عليها، وتُعرف هذه الانعكاسات أو الانبعاثات بالبيانات الرقمية.
التنقيب عن المعادن
إن التحدي الأكبر الذي يواجه عمال المناجم في استكشاف المعادن هو الحصول على أكبر قدرٍ ممكن من المعلومات الدقيقة التي من دونها تصبح عملية البحث عن هذه المعادن باهظة الثمن، وتحتاج إلى زمن أطول، ويمكن أيضا إضاعة المعادن النادرة بسهولة. وهنا تبرز أهمية بيانات الاستشعار عن بعد في التنقيب عن المعادن من خلال تأمين وجمع معلومات حول الأجسام المادية بواسطة قياس الإشعاع الكهرومغناطيسي والجسيمات والإشارات الطيفية المنبعثة من هذه الأجسام التي يتم العثور عليها وتقييمها، من دون الحاجة إلى عمليات الاستكشاف الضخمة في أقصر وقت ممكن وبأقل تكلفة. تُعد أنظمة الأقمار الاصطناعية (مثلاً،Landsat ،WorldView ،SPOT ، RapidEye ،EROS ، إلخ) من أهم المصادر المتنوعة لتوفير الصور الفضائية التي تُعد من أهم أنواع البيانات البصرية والطيفية. وبدمج هذه البيانات في بيانات الخرائط الميدانية والجيوفيزيائية، ومن ثم تحليلها، يمكن تحقيق عملية فعالة في الاستكشاف المبكر عن هذه المعادن، وذلك من خلال اكتساب الفهم الجيولوجي وخلق رؤى جديدة طوال عملية التنقيب عنها.
وهناك أربع مراحل لبرنامج استكشاف المعادن باستخدام الاستشعار عن بعد يغطي مساحات استكشاف كبيرة من سطح الأرض واختيار المناطق التي تتطلب مزيدًا من الدراسات التفصيلية في أقصر وقت ممكن وبأقل تكلفة، وهي كما يلي:
أولاً) إجراء عمليات الاستطلاع الميداني باستخدام خريطة، عادة بمقياس 1:500000، لتحديد منطقة الدراسة المراد إجراء عمليات التنقيب فيها. وتكون مساحتها التقريبية بحدود 50×40 كم، ويتم أيضا توصيف أنواع الغطاء الأرضي باستخدام خريطة استخدامات الأراضي المقسمة بشبكات تربيعية 50×50 متراً لاستخراج المعلومات الطبوغرافية التي تُعطي فكرة لفهم التاريخ الجيومورفي للمنطقة المدروسة وتحديد البنى المسؤولة عن الرواسب المعدنية.
ثانياً) عمليات التحقق والبحث الأولي: وتتضمن التحضيرات الجيولوجية من خلال تجميع الوحدات الجيولوجية من الخريطة الجيولوجية الرقمية، ورسم خرائط التحليل الجيولوجي على أساس الصورة الطيفية المميزة للمعادن المختلفة التي يتم الحصول عليها بالاستشعار عن بعد، إذ إن لكل مجموعة من المعادن خصائص طيفية مختلفة (أي تحديد السمات الجيولوجية بناءً على الخلفية الجيولوجية والمفاهيم التي تشير إلى منطقة التمعدن). بعد ذلك، تُحدد مواقع الاستكشافات الجيوفيزيائية والجيوكيميائية وتُنشأ قاعدة البيانات الجيولوجية لاستكشاف المعادن باستخدام نظم المعلومات الجغرافية.
ثالثاً) عمليات الاستكشاف التفصيلي للسطح وتحت السطح: وفيها يتم تحسين استخدام تقنيات معالجة صور الأقمار الاصطناعية المستندة إلى نظم المعلومات الجغرافية للحصول على المزيد من التفاصيل، مثل حساب مؤشر الغطاء النباتي والتجانس الجيوفيزيائي لتحديد التغييرات الشاذة المفاجئة وتحليلها، بهدف إزالة تأثيراتها المرتبطة بقيم مؤشر الغطاء النباتي وبيانات الجاذبية. في هذه المرحلة، تتكون عملية التنقيب عن المعادن من عدة خطوات تبدأ على نطاق صغير وتتطور إلى نطاق واسع. ففي كل خطوة، يتم جمع ومعالجة ودمج البيانات الجيولوجية والطبوغرافية والجيوفيزيائية والجيوكيميائية، وبعدها تُحدد مناطق الاهتمام من الخرائط والرسوم البيانية للتوضعات المعدنية، ومن ثم تصبح منطقة الدراسة أصغر. وهذا يسمح بحفر استكشاف أكثر استهدافاً وفعالية من حيث توفير الوقت والمال وخفض التكلفة العادية لاستكشاف المعادن.
رابعاً) عمليات الاستكشاف السطحي التفصيلي: وهي تحدد الاستكشاف المعدني في العمق بواسطة المسوح الجيوفيزيائية المحمولة جواً أو السطحية، والبدء بعمليات الحفر بهدف التعرف على الصخور المعدلة حرارياً ببصمتها الطيفية.