حسام حسني بدار
هناك أدلة متزايدة على أنّ المنتجات البلاستيكية التي توصف عند معظم النـــاس بأنها «آمنة» ليست آمنة بالقدْر المفترض. وهو ما تظهره نتائج أبحاث عدة تنشرها مؤسسات ومراكز علمية متخصصة في الدول المتطورة بين مدة وأخرى. ولعل من أحدث هذه الأبحاث دراسة نشرها اتحاد الجمعيات الأمريكية للبيولوجيا التجريبية FASEB)) في مجلته العلمية FASEB JOURNAL أظهرت أنّ التعرّض لثنائي الفينول أ “BPA” خلال فترة الحمل يؤدي إلى تغيرات جينية قد تتسبب بمشكلات إنجاب دائمة لدى المواليد الإناث.
وثنائي الفينول أ مادة كيميائية صناعية تستخدم في صناعة البلاستيك منذ عام 1957. وغالباً ما تستخدم في البلاستيك المخصص لاحتواء الأطعمة الغذائية والمشروبات ومنها زجاجات المياه.
والتعرض لهذه المادة أثناء الحمل ربما يؤثر بشكل دائم على الأجنة. وتوصلت الدراسة إلى هذه النتائج عبر تعريض الفئران الجنينية لمادة (BPA) خلال فترة الحمل و دراسة الجينات والحمض النووي (DNA) في أرحام الأجنّة الإناث. وأظهرت النتائج أن التعرض للمادة أثر بشكل دائم في الرحم من خلال خفض تنظيم التغير الجيني. وأدت هذه التغيرات الجينية بالفئران إلى الإفراط في الاستجابة لهرمون الإستروجين طوال فترة البلوغ بعد فترة طويلة من التعرض للمادة. وهذا يشير إلى أنّ التعرض المبكر لمادة الـ (BPA ) “برمج” الرحم وراثيا على أن يكون لديه فرط استجابة لهرمون الإستروجين. ومن المعروف أنّ الحساسية الشديدة لهرمون الإستروجين يمكن أن تؤدي إلى مشكلات في الخصوبة، وإلى بلوغ مبكر، وتغير في التطور الثديي ووظيفة الإنجاب، إضافة إلى مجموعة متنوعة من السرطانات المرتبطة بالهرمونات.
استخدامات متنوعة
تستخدم مادة ثنائي الفينول أ على نطاق واسع في صناعة البلاستيك وغيرها من المواد. وتشمل أمثلة الاستخدام زجاجات المياه وزجاجات رضاعة الأطفال، والراتنجات الإيبوكسية التي تستخدم لتغليف المعلبات الغذائية، ومواد الأسنان المانعة للتسرب. ويشير الباحثون إلى أن الذعر من استخدام هذه المادة في صناعة زجاجات رضاعة الأطفال ربما يكون غيْضا من فيْض، ويستذكرون بهذا الصدد مادة ثنائي إيثيل ستيلبوستيرول (DES) التي تعد شكلا اصطناعيا من هرمون الإستروجين وُصفت للنساء الحوامل بين عامي 1940 و 1971 لأنها كما كان يُعتقد تمنع الإجهاض. وقد سببت المادة تشوهات خلقية وأمراضا سرطانية لدى النساء الشابات اللواتي أعطين هذه الهرمونات أثناء الحمل. لذا، يحذر الباحثون من مادة الفينول أ لاحتمال احتوائها على أخطار جينية مماثلة عبر الأجيال.
دراسة فرنسية
وفي سياق الأضرار المحتملة من استخدام الإنسان للمنتجات البلاستيكية التي تحتوي على ثنائي الفينول أ (BPA)، أشارت دراسة علميّة صادرة عن المعهد الفرنسي للصحة والبحوث الطبية (INSERM ) إلى العثور على كميات كبيرة من هذه المادة – التي تستخدم أيضا في تصنيع الطلاءات الواقية داخل علب المشروبات والمعلبات الغذائية، وفي تبطين أنابيب المياه- في دم الإنسان، والبول، والسائل الذي يحيط بالجنين والمشيمة. ومن ثم فإن لها آثارا سلبية كبيرة على الإنجاب، والنمو والتمثيل الغذائي لدى حيوانات المختبر. ويشتبه بشدة في أنْ يكون لها الآثار نفسها على البشر.
وكإجراء وقائي، فرضت أوروبا في يناير 2011 حظرا على تصنيع وتسويق زجاجات رضاعة الأطفال التي تحتوي على ثنائي الفينول أ. وتم توسيع نطاق الحظر في فرنسا اعتبارا من يوليو 2015 ليشمل جميع أوعية المواد الغذائية.
أخطار على الأسنان
وتظهر الدراسات أيضا أن التعرض المبكر لثنائي الفينول أ قد يضر بمينا الأسنان. فقد أظهر تحليل لأسنان الجرذان التي عُرّضت لهذه المادة خصائص عديدة مشتركة مع مرض مينا الأسنان المعروف باسم (نقص التمعدن في الأضراس القاطعة MIH) الذي يؤثر بشكل انتقائي في الأضراس الأولى والقواطع الدائمة. وتم العثور على مرض المينا هذا لدى نحو %18 من الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 6 و 8 سنوات. والأطفال الذين ابتلوا بهذه الحالة المرضية الحالية كانت أسنانهم تعاني من شدة الحساسية للألم والعرضة للتسوس. ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن الفترة التي تتشكل فيها هذه الأسنان (السنوات الأولى من الحياة) تتوافق مع الفترة التي يكون البشر فيها أكثر حساسية لثنائي الفينول أ.
وقد انضمّ المعهد الوطني لعلوم الصحة البيئية (NIEHS) إلى المهتمين بالخطر المحتمل من استخدام المواد البلاستيكية المحتوية على هذه المادة، فتناول في تقرير له بهذا الشأن الطرق المحتملة لتسرب تنائي الفينول أ إلى جسم الإنسان، وأسباب القلق المتنامي من هذه المادة والطرق المناسبة لتجنبها.
مصدر الأخطار
توجد مادة ثنائي الفينول أ في كثير من المنتجات. والمصدر الرئيسي للتعرض لها لدى معظم الناس يكون عن طريق الغذاء. فبينما يعتبر الماء والهواء والغبار مصادر أخرى للتعرض، فإن ما يرشح من هذه إلى الطعام والشراب هو المصدر الرئيسي للتعرض اليومي لدى معظم الناس.
فهذه المادة قد ترشح من الأغلفة الراتنجية الإيبوكسية الواقية الموجودة في الأغذية المعلبة، ومن منتجات استهلاكية كأدوات المائدة المصنوعة من البولي كربونات، وأوعية تخزين الطعام, ورضّاعات الأطفال. والدرجة التي ترشح فيها المادة من الزجاجات المصنوعة من البولي كربونات قد تعتمد بصورة أكبر على درجة حرارة السائل أو الزجاجة من اعتمادها على عمر الزجاجة نفسها.
القلق من الفينول أ
ثمة أشخاص كثيرون تنتابهم الهواجس من جرّاء وجود هذه المادة في بعض المواد البلاستيكية التي يستخدمونها. ومردّ هذا القلق يعود إلى أسباب عدة منها:
< أنّ الناس، بمن فيهم الأطفال، يتعرضون لهذه المادة عندما تترشح من طلاء الأطعمة المعلبة ومن المنتجات البلاستيكية، وأنّ أعلى الجرعات المقدرة المأخوذة منها تكون من نصيب الرضع والأطفال.
< أنّ %93 من عينات البول المأخوذة من أشخاص يبلغون ست سنوات فأكثر أظهرت وجود مستويات من المادة لديهم.
< أنّ الأدلة المأخوذة من دراسات على الحيوانات تشير إلى أنّ هذه المادة قد تسبب آثارا ضارة مثل السمنة، والسكري، والبلوغ المبكر، والربو، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والاضطرابات الإنجابية، وتطور البروستاتا، وسرطان الثدي والرحم، والآثار الجينية.
نصائح علمية
في ضوء القلق المتزايد من خطر مادة ثنائي الفينول أ ينصح معهد أمريكي حكومي ربات البيوت والمستهلكين بصورة عامة باتخاذ الإجراءات الوقائية المناسبة، ومنها:
1 – استخدام منتجات خالية من هذه المادة.
2 – التوقف عن استهلاك الأطعمة المعلبة بعلب معدنية لتفادي أخطار المادة.
3 – تجنّب وضع المنتجات البلاستيكية في الميكروويف أو في غسالة الصحون؛ لانّ البلاستيك قد يتفتت مع الزمن بفعل الحرارة وبالتالي تتسرب مادة الفينول أ إلى الأطعمة والمشروبات.
4 – استخدام بدائل عن المواد البلاستيكية والمعدنية، مثل الزجاج والخزف (البورسلين) والفولاذ المقاوم للصدأ.
وقد استجابت شركات عديدة متخصصة بصناعة المنتجات البلاستيكية لمخاوف المستهلكين، فطرحت منتجات بلاستيكية خالية من ثنائي الفينول أ. ويبدو أن المستقبل سيكون أكثر حزما في التعامل مع هذه المادة للحد من أخطارها على البشرية.