من خلال مقارنة التسلسل الموسيقي لبروتين “سبايك” بقاعدة بيانات كبيرة من البروتينات، ربما يمكن العثور على بروتين أو دواء يمكنه أن يلتصق ببروتين “سبايك” مما يمنع فيروس كورونا من إصابة الخلية.
Dr. Tarek Kabil
أستاذ التقنية الحيوية المساعد، جامعة الباحة السعودية، وجامعة القاهرة، (مصر)
في محاولة لمزيد من فهم طريقة عمل وانتشار فيروس كورونا المستجد سارس-كوفي-2 (SARS-CoV-2)، المسؤول الآن عن أكثر من مليوني إصابة وعشرات الآلاف من الوفيات في أنحاء العالم، ترجم علماء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بنية بروتين الفيروس الجديد إلى موسيقى. وتوصل العلماء إلى طريقة يمكنك أن تستمع بها إلى موسيقى الفيروس من خلال ترجمة بنية بروتين “سبايك” الشهير إلى موسيقى.
ومنذ ظهور المرض المعروف باسم كوفيد-19 (Covid-19) نشر العلماء العديد من الصور في محاولة لفهم الفيروس التاجي الجديد سارس-كوفي-2 (SARS-CoV-2)، وكيفية التعامل معه.
وربما شاهد العالم العشرات من صور الفيروس التي يعد التاج من أهم سماته، وهو الشبيه بمسامير تنتشر على سطح الفيروس الذي ينطوي على ثلاث سلاسل بروتينية مطوية معا في نمط معقد.
وفي محاولة لمزيد من الفهم لهذا العامل الممرض الجديد توصل العلماء في معهد ماساتشوستس إلى طريقة يمكن من خلالها الاستماع إلى موسيقى الفيروس. وتمثل الأصوات التي يسمعها المرء جميع الجوانب المختلفة للبروتين الشبيه بالسنبلة الذي يبرز من سطح الفيروس ويساعده على الالتصاق بالخلايا. ومثل جميع البروتينات، يتكون بروتين “سبايك” من تركيبات متسلسلة من الأحماض الأمينية.
الصوتنة
باستخدام تقنية جديدة تسمى الصوتنة (Sonification، عيّن علماء من ذلك المعهد نوتة فريدة في نطاق موسيقي لكل حمض أميني، مع تحويل البروتين بكامله إلى درجة موسيقية أولية.
والصوتنة هي استخدام الأصوات (غير الكلامية) في نقل المعلومات، وقد استخدمت في عدة أجهزة منذ زمن، وأشهر تلك الأجهزة عداد غايغر Geiger counter، كما تستعمل في الظروف التي تحتاج إلى انتباه دائم لبعض المعلومات كالعلامات الحيوية للمريض في قاعة العمليات.
وتمثل الأصوات التي يمكن سماعها، دق الأجراس ورنين الأوتار ونغمات المزامير، جميع الجوانب المختلفة للبروتين المتشابك الذي يبرز سطح الفيروس ويساعده على الالتصاق بالخلايا.
يعكس حجم ومدة وإيقاع النوتات في النتيجة كيفية ترتيب الأحماض الأمينية التي تتكون منها البروتينات، وتتحول السلاسل المتشابكة إلى ألحان متقاطعة. وحلل العلماء “التكوين الاهتزازي” لهذا البروتين في ابتكار موسيقي بهدف فهم هذه الأنماط الاهتزازية الذي يعد أمرا مهما جدا في أمور عديدة أهمها تصميم الأدوية.
أدوية مناسبة
إن استخدام نهج موسيقي قد يستخدم أيضا لتصميم أدوية لمهاجمة الفيروس. على سبيل المثال، يمكن للعلماء البحث عن بروتين جديد يتطابق مع لحن وإيقاع الأجسام المضادة التي يمكن أن تتداخل مع قدرة الفيروس على العدوى.
ومثل أي شكل فني، فإنه يسلط الضوء على جوانب العالم من حولنا. ويقول العلماء إنه بينما تستمع إلى المقطع قد تُفاجأ بنغمة الموسيقى الممتعة وحتى الهادئة، لكنها تخدع آذاننا بالطريقة نفسها التي يخدع بها الفيروس خلايانا. إنه غاز متنكر في زي زائر ودود.
إن الشكل الجديد قد يساعد العلماء في العثور على مواقع على البروتين حيث قد تكون الأجسام المضادة أو الأدوية قادرة على الارتباط، وذلك ببساطة عن طريق البحث عن تسلسلات موسيقية محددة تتوافق مع هذه المواقع.
ويقول العلماء إن هذا أسرع وأكثر بديهية من الطرق التقليدية المستخدمة لدراسة البروتينات، مثل النمذجة الجزيئية. ويضيفون إنه من خلال مقارنة التسلسل الموسيقي لبروتين “سبايك” بقاعدة بيانات كبيرة من البروتينات المصنفة الأخرى، ربما يمكن في يوم من الأيام العثور على بروتين أو دواء يمكنه أن يلتصق ببروتين “سبايك” مما يمنع الفيروس من إصابة الخلية.
أما الآلات الموسيقية المستخدمة فقد كانت من اختيار العلماء الباحثين. في هذه الحالة، يعزف الكوتو الياباني النغمات، أما النوتة الرئيسية، وهي عبارة عن أصوات مهدئة، فقد تجلب بعض الراحة في وقت الشدة.
أما في الحياة الواقعية فتميل هذه الأحماض الأمينية إلى الالتفاف إلى حلزون أو التمدد في مستويات مختلفة على هيئة طيات. ويلتقط الباحثون هذه المزايا من خلال تغيير مدة النوتة الموسيقية وحجمها. وبسبب الحرارة فإن الاهتزازات الجزيئية تحصل أيضا على أصواتها الخاصة.
بنية الفيروس موسيقيا
يترجم العلماء بروتين فيروس كورونا إلى موسيقى لأسباب كثيرة، ويرون أن ذلك أسرع من الطرق التقليدية المستخدمة لدراسة البروتينات، مثل النمذجة الجزيئية.
وعندما ينجح العلماء في تدوين النوتات، فإن ذلك يساعدهم في العثور على مواقع في البروتين بسهولة، وهذا بدوره يمكّنهم من معرفة مواقع الارتباط المفترضة على سطح الفيروس في حال اكتشاف دواء، أو حتى للأجسام المضادة التي ينتجها الدم وتهاجم بروتينات الفيروس. كما أن العلماء يعولون على قاعدة بيانات ضخمة لبروتينات ترجمت إلى موسيقى حيث يأملون أن يجدوا شيئاً يلتصق ببروتينات الفيروس ويمنعه من إصابة الخلية.
إن هذه الهياكل صغيرة جدا بحيث لا يمكن للعين رؤيتها، ولكن يمكن سماعها. وترجمة البروتينات إلى صوت يمنح العلماء أداة أخرى لفهمها والتعامل معها، وحتى الطفرة الصغيرة يمكن أن تحد أو تعزز القدرة المسببة للأمراض بسبب هذا الفيروس.