بقلم: أسعد الفارس
كان البر الكويتي البيئة الطبيعية لكثير من الحيوانات التي تعرضت لضغوط مختلفة وعوامل متغيرة أدت إلى انقراض بعضها، فيما يتجه بعضها الآخر للانقراض، فقد تم القضاء على الغزلان والنعام والفهود وغيرها من الحيوانات؛ بسبب التصحر والتلوث والتغيرات المناخية والصيد الجائر، وتدمير مواطنها الطبيعية، إضافة إلى سوء استغلال الموارد، والتوسع في العمران، ومواصلة النشاطات البشرية، وغيرها من العوامل التي تؤدي في النهاية إلى انقراض الحيوانات أو هجرتها من بيئتها الطبيعية إلى أخرى جديدة ربما لا تناسبها.
وربما تقل أعداد بعض الحيوانات في البيئة المحلية؛ مما يجعلها في قائمة الحيوانات المهددة بالانقراض (القائمة الحمراء) التي يصدرها الاتحاد الدولي للمحافظة على البيئة.
والغزال من الحيوانات التي فقدت من البر الكويتي، بعد أن كانت حتى أمد قريب تملأ السهل والوعر في بر الكويت وفي عموم براري شبه الجزيرة العربية.
فالغزال كان ينتشر في مساحات واسعة من الوطن العربي، من البحر الأبيض المتوسط حتى المحيط الهندي، ومن البحر الأحمر حتى الخليج العربي، فضلاً عن وسط وشرق آسيا والعراق وبلاد الشام وإفريقيا.
وكان من الكثرة بمكان حتى إن المسافر في البراري كان لا يحمل معه إلا الماء والقليل من الزاد، فلحم الغزال وعموم الطرائد التي يصطادها في الطريق كانت تكفيه مؤونة السفر.
الغزال في تراثنا البيئي
كانت العرب تعجب بالغزلان، وتعدها من الطرائد المفضلة للحمها الطري اللذيذ، ولحسن جمالها، ولغرائبها السلوكية، فقد كانت العرب تعجب من أن الغزال عندما يفتقد الماء يتنشق النسيم، وقد يشرب الماء المالح، ويأكل الحنظل.
وقال الزمخشري في كتاب (ربيع الأبرار): أي شيء أعجب من حيوان يستعذب الحنظل ويستحليه، ويستعذب ماء البحر الأجاج.
وذكر أن الغزال يعد من أطيب الحيوانات أفواهاً، وفي جماله وجمال النساء خمس خصال: كبر عينها مع حسنها وطول جيدها، وطيب أفواهها، وحسن أعجازها، ونور جسمها.
والغزال عند ولادته يدعى الطلا، وفي سنته الأولى يدعى الخشف، وعندما يبلغ أشده يدعى الغزال، وإذا ما بانت قرنه، فهو شادن. والغزال من الظباء؛ ولهذا فإن اسم الظباء يدل عليه.
والغزال شديد اليقظة؛ دائم الصحة ونادراً ما يمرض حتى يدركه الموت.
عملية توطين الغزلان
إعادة التوطين (Reintroduction) تعني إدخال أنواع منقرضة من الحيوانات الفطرية في البيئات التي كانت توجد فيها سابقا. والغزال كان يذكر من قبل في عموم البر الكويتي، ثم تناقصت أعداده وانحسر إلى الشمال منذ عام 1973، ولم يعد يشاهد في البر الكويتي منذ ذلك التاريخ.
لكن بقاياه لا تزال تذكر في بعض المناطق من شبه الجزيرة العربية وفي إفريقيا وبعض الدول المجاورة؛ ولهذا يمكن نقل أنواع الغزلان التي كانت تعيش في البر الكويتي من تلك الجهات وإعادة توطينها في البيئة الكويتية من جديد، فالبيئة الكويتية كانت البيئة الطبيعية لتلك الغزلان قبل أن تنقرض منها. وتتطلب عملية إعادة التوطين تحديد أنواع الغزلان التي كانت تعيش في البيئة الكويتية، ووصفها، والتعرف إلى مواقعها من سلم التصنيف الحيواني؛ فجنس الغزال Gazella من طائفة الحيوانات اللبونة Mammalia الحقيقية التي تشمل أرقى الحيوانات الفقارية، من حيث البنية والوظيفة والسلوك، ومن رتبة مزدوجات الأصابع Artidactyla في تلك الطائفة، ومن ثم يعود الجنس إلى عائلة البقر Bovidae وتحت عائلة الظباء Antilopinae التي تضم الظباء وبقر الوحش.
ويضم جنس الغزال نحو عشرة أنواع مختلفة في العالم، فعيشها عادة يكون في الأقاليم الجافة وشبه الجافة. أما المعروف منها في شبه الجزيرة العربية فثلاثة أنواع هي: غزال الريم أو الغزال الأبيض ومسكنه الرمال، والغزال العفري الذي لونه بين البياض والحمرة، والغزال الجبلي أو الأدم ولونه يميل إلى اللون البني الأسمر.
والأنواع الثلاثة كلها كانت تعيش في البيئة الكويتية، غير أن الأدم يعد أقلها انتشاراً؛ لأنه لا يطيق درجات الحرارة العالية. وقد ذكر المؤرخ ديكسون (أبوسعود) الأنواع الثلاثة في البيئة الكويتية في الثلاثينيات من القرن الماضي في كتابيه: (عرب الصحراء) و(الكويت وجاراتها).