الفوائد الشعورية والجسدية للكتابة التعبيرية
د. هدى رضوان
لطالما كانت جلسات الكتابة التعبيرية التي يقوم فيها الأشخاص بالكتابة عن التجارب العاطفية الصادمة ذات أثر فعال في صحتهم النفسية وتحسين حالتهم المزاجية والأعراض الجسدية التي يعانونها. وأثبتت الدراسات العلمية الحديثة جدوى الكتابة في تلك الجلسات وتأثيرها الكبير في المرضى النفسيين وفي الناجين من الصدمات العاطفية، حيث يقوم الميسرون بتشجيع المشاركين على الكتابة لمدة تراوح بين 15 و20 دقيقة في ثلاث إلى خمس جلسات متتالية أو متفرقة.
ويعبر الدكتور مصطفى محمود في إحدى مقالاته عن التأثير السحري الناتج عن التعبيرعن مكنونات النفس بالكتابة قائلاً: «وأحيانا يكون مجرد الاعتراف والإفشاء والمصارحة والمكاشفة ولو في الورق, ولو لإنسان لانراه ولا نعرفه.. أحيانا يكون مثل ذلك الإفشاء وإفراغ مكنون القلب راحة وحلاً. ولحظة صراحة من النفس قد تشفي من داء عضال تعجز كل الحيل عن مداواته. إن كتابة رسالة ليست أبداً أمراً صبيانياً, فالكلمة شيء ساحر.. وحينما تتجمع عواطفنا الحبيسة لتخرج في كلمة في الورق, فإن سحابة من الراحة تلفنا وكأنما انزاحت عن كاهلنا أعباء العالم كله».
ولوحظ أن التأثيرات المباشرة للكتابة التعبيرية المتمثلة في زيادة في الشعور بالضيق والأفكار السلبية واشتداد الأعراض الجسدية، مع تدهور الحالة المزاجية مقارنة بمجموعات القياس تكون عادة قصيرة الأمد.
لكن على المدى الطويل، فإن الدراسات أشارت إلى أن التحسن في الحالة الصحية والنفسية كان واضحاً. وقد كانت تلك التأثيرات واضحة في انخفاض عدد مرات الزيارات للمراكز الصحية نتيجة للتوتر، وتحسن وظائف الجهاز المناعي للجسم ووظائف الرئتين والكبد وفي انخفاض ضغط الدم. كما تمثل في انخفاض عدد الأيام التي يمكث فيها الشخص في المستشفى. وكان التأثير في الحالة النفسية متمثلا في تحسن الحالة المزاجية وانخفاض الشعور بالاكتئاب قبل الفحص الطبي الدوري. ولدى الأشخاص الذين تعرضوا لصدمات نفسية عنيفة, ساعدت الكتابة التعبيرية على تقليل مشاعر التجنب واجترار ذكريات الأحداث الصادمة لديهم.
وعلى الصعيد الاجتماعي، فإن الكتابة التعبيرية كان لها أثر في تقليل معدلات الانقطاع عن العمل، وساعدت على سرعة الحصول على وظيفة بعد فقد أخرى، إضافة إلى التحسن في ذاكرة الشخص والارتفاع الملحوظ في معدلات التحصيل العلمي والتغير الإيجابي في السلوكيات اللغوية والاجتماعية.
وفي دراسة تحليلية متقدمة تم فيها فحص 13 بحثاً علمياً استهدفت دراسة الكتابة التعبيرية لدى أشخاص أصحاء, توصل الدارسون إلى أن للكتابة التعبيرية تأثيراً صحياً إيجابياً في كل من الصحة النفسية والجسدية. وقد وجد أن هذا التأثير واضح ومشابه في المقدار للتأثير الناتج عن علاجات نفسية أخرى اتصفت بكونها أكثر اختراقا لخصوصية الشخص وتتطلب وقتا في تنفيذها كما أنها باهظة الثمن.
وفي تسع دراسات تحليلية بحثت حالات أشخاص مرضى, وجد أن التأثير الإيجابي الملحوظ في تلك الحالات كان أكثر وضوحا في تحسن الوضع الصحي الجسدي في حين لم يكن التأثير ملموساً في صحتهم النفسية، وبخاصة في حالات المرضى النفسيين. وعلى الرغم من أن التأثير في الحالات المرضية يعتبر ضعيفا مقارنة بالتأثير في الأصحاء, فإن الدراسات التحليلية بشكل عام تشير إلى أن الكتابة التعبيرية لها أثر إيجابي لا يمكن تجاهله في الحالات المرضية.
الحالات المستفيدة من الكتابة التعبيرية:
الحالات المرضية:
مقارنة بمجموعات القياس, أظهرت الكتابة التعبيرية نتائج إيجابية في بعض الحالات المرضية.فقد لوحظ تحسن في وظائف الرئتين في مرضى الربو. وألمح بعض الاطباء إلى أن مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي الذين خضعوا لجلسات الكتابة التعبيرية داخل المختبر قلت حدة الأعراض لديهم. وأشارت بعض الدراسات إلى تحسن الأعراض الجسدية والشعور بالألم لدى المرضى المصابين بالسرطان الذين مارسوا تلك الوسيلة مع انخفاض معدلات ترددهم على المراكز الصحية.
أما مرضى نقص المناعة المكتسبة فقد ارتفعت معدلات الجهاز المناعي عندهم في رد فعل مشابه لتلقيهم العلاج الأحادي. وانخفضت مدة البقاء في المستشفى لمرضى التليف الكيسي بعد خضوعهم لجلسات الكتابة التعبيرية. وألمحت السيدات اللاتي كن يعانين آلام الحوض المزمنة إلى تحسن حالاتهن. وذكر الأشخاص الذين كانت لديهم شكوى متعلقة باضطراب في النوم أنهم أصبحوا لايواجهون صعوبة في نومهم.
الحالات النفسية:
لاحظ بعض الباحثين تأثير الكتابة التعبيرية في مجموعة مختارة سلفا من الأشخاص الناجين من أحداث صادمة أو من الذين يعانون بعض التعسر النفسي.وقد أسفرت تلك الدراسات عن نتائج مختلطة؛ فقد وجد أن هؤلاء الأشخاص استفادوا على مستوى الصحة الجسدية والنفسية، وقلت أعراض كرب ما بعد الصدمة لديهم.
ولم تلحظ فائدة تذكر لدى السجناء الذين يعانون أمراضا نفسية أو لدى ضحايا الكوارث الطبيعية أو الأشخاص الذين عانوا آثارا نفسية نتيجة لفشلهم في علاقات عاطفية.
وأظهرت النتائج بصورة عامة أن الفائدة النفسية العائدة على الأفراد تكون أكثر وضوحا عندما تكون الصدمات التي تعرضوا لها أو عندما تكون الأعراض التي يعانونها عنيفة وقوية.
الفروق الفردية:
وإضافة إلى دراسة حالات صحية بعينها, ناقش الباحثون لائحة الفروقات الفردية بغرض تحديد المجموعات التي تحقق استفادة من ممارسة الكتابة التعبيرية. وكانت نتائج تلك الدراسات متضاربة. ووجد بصورة عامة أن المتغيرات التي لاترتبط بالنتائج هي العمر, ودرجة الصدمة, ومستوى الحالة الصحية النفسية والجسدية, والحالة الشعورية السلبية, وأساليب المنع, والكشف أو الإفصاح السابق.
وكشفت دراسة تحليلية أجريت عام 1998 أن الكتابة التعبيرية تؤتي ثمارها في الذكور أكثر من الإناث, و في الأشخاص الذين يجدون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم كالمرضى الذين يعانون اضطرابات نفسجسمية أو الذين يظهرون تناقضا في سلوكهم كالأشخاص أصحاب الشخصية الحدية، مما يشجع على استخدام الكتابة التعبيرية مع أولئك الأشخاص.
إن الآثار الإيجابية للكتابة التعبيرية تستدعي أن يبدأ الأطباء في استخدام تلك الممارسة في الجلسات العلاجية بشكل حذر. ولاحظت إحدى الدراسات أن استخدام العقاقير يعطي تأثيرا متوسطا ومشابها لتأثير جلسات الكتابة التعبيرية مما يظهر أن الكتابة التعبيرية تعد تقدما هائلا في المجال الطبي.
التحذيرات والقيود
تتسبب الكتابة التعبيرية بصورة عامة في زيادة المشاعر السلبية بعد الكتابة مباشرة، لكن لم يظهر أن تسبب ذلك الضيق القصير الأجل في الإضرار أو في تشكيل خطر على المدى الطويل على الأشخاص المشاركين. ومع الأخذ في الاعتبار العدد الكبير من الدراسات التي أجريت حتى الآن، وعلى الرغم من الأعداد الضئيلة للأشخاص الذين تفاقمت لديهم الأعراض بعد الكتابة عن التجارب المؤلمة، فإن نموذج الكتابة التعبيرية يبدو آمنا إلى حد معقول للمشاركين. ومع ذلك، فمن المستحسن أن يكون واضحا للمرضى أن لديهم خيار التوقف عن الكتابة في أي وقت، إذا رغبوا، مع إعطائهم أرقام الاتصال المناسبة في حالة الشعور بأي شدة. وينبغي تشجيع المرضى على الكتابة لمدة أقصاها 20 دقيقة في كل دورة، بحيث لا تبدو مهمة شاقة عليهم، ومع ذلك فإن لهم حرية متابعة الكتابة إذا رغبوا في ذلك وإذا كان هذا ممكنا. وبغض النظر عن فوائد الكتابة التعبيرية، فإنه لا ينبغي أن تحل محل العلاج الطبي أو النفسي، بل ينبغي استخدامها كعامل مساعد للعلاج ريثما يتم إجراء المزيد من البحوث. >