فلك وعلم الكونيات

هل من حياة في الكواكب الآخرى؟

د.نضال قسوم

لا يزال الإنسان يتساءل عن وجود الحياة خارج الأرض، لاسيما من النوع المتطوّر (نباتات، حيوانات، أجناس عاقلة). ولا يزال يبحث عن أي شكل من أشكال الحياة، حتى البدائيّ منها، في أيّ بقعة من الكون، وذلك بطرق متنوّعة.
هناك عوامل تجعل وجود الحياة أكثر احتمالاً في أمكنة بعينها، ومن تلك – على وجه الخصوص – توافر الماء السائل، في الحاضر أو الماضي. ولذلك فقد تركّز البحث عن الحياة ضمن المجموعة الشمسية على المرّيخ الذي كان يحوي بحاراً واسعة في الماضي، وعلى أجرام مثل يوروبا وأنسيليدوس وسيريس، وهي أقمار أو كويكبات يُحتمل وجود كميات كبيرة من الماء السائل تحت سطوحها الجليدية، كما تشير الأرصاد.

لكننا لم نعثر بعد على أي جسم حيّ، حتى البكتيريا، في أيّ مكان من المجموعة الشمسية، علماً أننا لم نرسل مسابير وعربات مزوّدة بأجهزة يمكنها البحث عن الحياة إلا إلى المريخ. لكن هناك مشروعات لإرسال مسابير إلى الأجرام الأخرى (خاصة قمر المشتري يوروبا، الذي أعلنت وكالة ناسا عن خطة لإرسال مركبة إليه خلال عقد أوعقدين من الزمن).

آلاف الكواكب
ومع اكتشاف آلاف الكواكب «الخارجية» exoplanets (خارج المجموعة الشمسية) تحوّل الاهتمام بصورة كبيرة إلى تلك الأجرام، حيث يحتمل وجود الحياة، بل بصورة أكثر تطوّراً، إذ يحتمل أن تكون تلك الكواكب تكوّنت قبل الأرض والمجموعة الشمسية، لأنّ عمر المجرة يفوق عمر الأرض وأخواتها بستة أو سبعة مليارات سنة.
قبل أقل من 20 سنة لم نكن قد اكتشفنا أيّ كوكب خارج نظامنا الشمسيّ، وإن كانت ثمة قناعة مطلقة لدى الفلكيين أنها موجودة بأعداد لا تحصى. واليوم لدينا معلومات مؤكدة عن نحو ألفي كوكب «خارجي» متنوعة جداً في الأحجام والكتل، وعلى مسافات متباينة من نجومها التي تدور حولها، مما يفتح الباب أمام التساؤل عن إمكانية وجود الحياة على بعضها، ولو بأشكالها البدائية.
وحالياً، يبحث الفلكيون عن الكواكب الخارجية، أيّا كانت أحجامها وظروفها الفيزيائية، ولكنّ الأهمّ عندهم هي تلك الكواكب المشابهة للأرض من حيث الحجم والكتلة، إذ بذلك تكون صخريّة، مع احتمال وجود غلاف جوي مناسب بغازاته وضغطه، وكذلك من حيث مداراتها حول نجومها على مسافات تجعل معدّل درجة الحرارة على الكوكب فوق الصفر، بحيث يكون الماء، إن وجد على السطح، سائلاً.
لكن كيف يتم البحث عن تلك الكواكب، الصغيرة أو الكبيرة، ثم البحث عن الحياة عليها؟
هناك طرق مختلفة لذلك، معتمدة حاليا، نستعرضها هنا باختصار.
التصوير المباشر:
الطريقة المبسطة (في الشرح) والأصعب (في التنفيذ) هي التصوير المباشر؛ نحاول التقاط صورة لكوكب يدور حول نجم من نجوم المجرة. إنها بلا شكّ عملية صعبة جداً، لأنَّ النجوم كلها بعيدة عنا جداً ولا تظهر إلا كنقاط حتى عند التصوير بالمقاريب الكبيرة والكاميرات المتقدمة، فما بالكم إذا بكواكبها، التي تصغرها بعشر مرات إلى مئة مرة من حيث القطر!
لكننا مع ذلك استطعنا تصوير نحو 40 كوكباً من بين الألفين المكتشفة حتى الآن، مما يدل على تقدّم عملية البحث عن الكواكب والعوالم الخارجية.

رصد النجوم:
الطريقة الثانية؛ هي أن نرصد النجم ونتابع إذا كان هناك انزياح في طيفه بصورة دوريّة (ما يعرف بظاهرة دوبلر)، إذ إن هذا الانزياح يدلّ على حركة النجم بصورة دوريّة (مقترباً قليلاً جداً بالنسبة للراصد الأرضي ومبتعداً عنه).
وهذا يشير إلى وجود كوكب يدور حوله، متسبباً في جذبه باتجاهه أثناء حركته الدورانية. ومن مقدار الانزياح في طيف النجم يمكن تقدير سرعة الكوكب ومن ثمّ كتلته وبعده عن نجمه.

رصد اللمعان:
الطريقة الثالثة؛ وهي الأكثر استخداماً اليوم وبخاصة بعد إطلاق ناسا للمرصد الفضائي Kepler (بمقراب قطره نحو متر) سنة 2009. وتتمثل في رصد الأمكنة القريبة من النجوم، والنظر إلى تغيّرات لمعانها بصورة دورية، إن جزءاً صغيراً من ضوء النجم (يراوح بين 0.01 % و1 %) سيحجب كلما مرّ كوكب أمامه.
فإذا تغيّر لمعان نجم ما بصورة دوريّة وبمقدار ما؛ نستنج وجود كوكب تابع للنجم، ونستنتج بعضاً من خصائصه مثل حجمه ومداره.

التغيرات الزمنية:
الطريقة الرابعة؛ هي أن ننظر إلى التغيّرات الزمنية في لمعان وطيف النجم، لأنه إذا كان هناك كوكب بالقرب منه فسيؤثر فيه فيزيائياً، ويؤدّي ذلك الى تغيّر في إصدارات الطاقة من طرف النجم.

مسار الضوء:
أما الطريقة الخامسة والأخيرة فهي ما يسمى (microlensing)، حيث يقوم الكوكب بدور العدسة فيحرّف مسار ضوء النجم إلينا، تماماً مثلما تؤثّر العدسة في الشعاع الضوئي الذي يخترقها.
فإذا رصدنا النجم ووجدنا ضوءه يشكّل حلقة أو عدة نقاط ضوئية، فإننا نستنتج أنّ ثمة كوكبا (لا نراه) يتسبب في ذلك، ونستنتج كتلة هذا الكوكب وموقعه.

طرق محسَّنة الدقة
إنَّ جميع تلك الطرق حديثة، إذ لم تستخدم إلا خلال العشرين سنة الأخيرة. وقد تحسّنت دقتها كثيراً مع ارتفاع وتيرة الاكتشافات حديثا. بل إنَّنا صِرنا نَبحثُ عنِ الكواكب الشبيهة بكوكبنا، تلك التي تراوح كتلها بين 0.7 و1.5 من كتلة الأرض، وبأقطار تراوح بين 0.7 و1.2 من قطر الأرض.
وتتمثّل أهمية هذه الكواكب في زيادة احتمال احتضانها للحياة إذا كانت موجودة حول نجوم مشابهة للشمس أو أصغر منها قليلاً، وبالذات إذا كانت على مسافة مناسبة منها، أي إذا وجدت في ما يسمى بـ«المنطقة القابلة للعيش» (Habitable Zone)، حيث تكون درجة الحرارة فوق الصفر قليلا ويكون الماء (إذا وجد هناك) سائلاً. ثم إذا كان الكوكب متوسط الحجم، بحيث يحمل غلافاً جوياً مناسباً، فإن وجود الحياة يكون حينها وارداً جداً.
وفي المرحلة التالية من استكشافنا لتلك الكواكب المناسبة (مبدئياً) لوجود الحياة، ننتقل إلى البحث عن آثار الحياة عليها، ما دمنا غير قادرين على الوصول إلى تلك الأجرام (إذ تتطلب الرحلة إليها بالصواريخ مئات الآلاف أو الملايين من السنين).

آثار الحياة
«آثار الحياة» هي تلك الغازات التي توجد في الغلاف الجوي للكوكب، وتكون مرتبطة بتفاعلات حيوية، مثل الأكسجين (الذي تطلقه النباتات عن طريق عملية التمثيل (التركيب) الضوئي)، والميثان (الذي ينتج إما عن ظواهر بركانية أو حيوية، مثل تحلّل الميكروبات أو بقايا بعض الأجسام الحية)، والأوزون وبعض المركّبات التي يعدها العلماء واسمات حيوية
(bio-markers).
لكنّ هذا البرنامج البحثيّ يعتبرخارج حيّز التنفيذ حالياً، وإن كانت الجوانب النظرية منه مدروسة ومفهومة تماماً، ومن المتوقّع أن يتم تطبيق بعض المشروعات المتعلّقة به خلال العقد أو العقدين المقبلين.

بحث عن حياة عاقلة
أما البحث عن الحياة العاقلة والأجناس المتقدمة في المجرة وباقي الكون فهو جار منذ أكثر من نصف قرن. ويختلف العلماء كثيراً في توقعهم لوجودها في الفضاء. فمنهم من يرى في الأعداد الرهيبة للكواكب المشابهة للأرض والتي تدور حول نجوم مشابهة للشمس (إذ تبلغ نحو 10 مليارات كوكب في التقدير الأحدث) حجة كافية للاعتقاد بوجود حياة أكثر تطوّرا منا.
وفي المقابل فإن هناك عدداً لا بأس به من العلماء؛ يرون أنَّ ظهور الحياة في حد ذاته عملية صعبة واحتماله ضئيل، ناهيك عن تطوّرها إلى مستوى عاقل ومتقدم تكنولوجيا دون حدوث كارثة تدمّر تلك الحياة والحضارة التي ظهرت.
وقد وضعت مشروعات عدة للبحث عن مثل تلك الأجناس العاقلة، بافتراض أنَّها وصلت إلى مستوى التواصل بالأمواج الراديوية أو بومضات الليزر، وأيضاً بافتراض أنها أرسلت رسائل تخبر بها الأجناس الأخرى عن نفسها، كما فعلنا نحن قبل سنوات، من خلال وضع رسائل على المركبات المرسلة الى أطراف المجموعة الشمسية.
لقد شكّلت مسألة وجود الحياة والأجناس في الفضاء موضوع تساؤل للإنسان منذ القدم. وحاليا ، مع تطوّر تقنيات البحث الفلكي صار بمقدورنا محاولة الإجابة علميّاً عن تلك الأسئلة: أولاً من خلال البحث عن الكواكب الخارجية (في المجرة)، لاسيما منها تلك التي تناسب وجود الحياة، ثم البحث عن واسمات حيوية، أي الغازات التي تدلّ على وجود تفاعلات حيوية على سطح الكوكب، فضلاً عن البحث عن إشارات ذكية وتكنولوجية ترسلها أجناس عاقلة (إن وجدت) من كواكبها.
ولعل العقود المقبلة تقدم كميات مهمة ومثيرة من المعلومات الفلكية، تزيد من اهتمام العلماء والمثقفين، وحتى العامّة، بهذا الموضوع الشائق. >

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى