د. عبدالله بدران
العدد 113، إبريل-يونيو، 2021
على الرغم من تفشي جائحة كوفيدـ19 في دول العالم، والتداعيات الكثيرة التي نجمت عنها، فقد شهد العالم تطورا لافتا في الاستثمار العالمي السنوي في مجال تحول الطاقة، إذ بلغ نحو 500 بليون دولار في عام 2020، وذلك للمرة الأولى في تاريخه، كما شهد انخفاضا في عدد السكان المحرومين من إمدادات الكهرباء ليبلغ أقل من 800 مليون شخص مقارنة بنحو 2.1 بليون شخص قبل عشر سنوات.
وهذه الأرقام التي أعلنها المنتدى الاقتصادي العالمي في تقرير (تعزيز التحول الفعال في مجال الطاقة 2021) الصادر في إبريل من هذا العام استندت إلى رؤى مستمدة من مؤشر التحول في مجال الطاقةETI ، الذي يقيس أداء 115 اقتصاداً حاليا فيما يخص أنظمة الطاقة الخاصة بهم عبر الأبعاد الثلاثة لمثلث الطاقة؛ وهي التنمية الاقتصادية والنمو والاستدامة البيئية، وأمن الطاقة ومؤشرات النفاذ والوصول، والاستعداد للتحول إلى أنظمة طاقة آمنة ومستدامة ومعقولة التكلفة وشاملة. واستخدم التقرير هذا العام منهجية ETI محسنة تأخذ في عين الاعتبار التغيرات الأخيرة في مشهد الطاقة العالمي، والضرورة الملحة لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ.
ويتتبع تقرير هذا العام التقدم المحرز خلال العقد الماضي، الذي شهد بقاء قائمة أفضل الاقتصادات أداء في المؤشر ثابتة نوعا خلال تلك الفترة، إذ تشاركت هذه الاقتصادات العديد من السمات مثل المستويات المنخفضة من استخدامات الوقود الأحفوري ومشتقاته ومستويات معززة من أمن الطاقة، وبيئة تنظيمية قوية من شأنها دفع تحول الطاقة.
ومن أهم النتائج التي خلص إليها التقرير أنه مع استمرار تقدم الدول في التحول إلى الطاقة النظيفة، لا بد من تجذير التحول في الممارسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لضمان تقدم مستدام، وأن زيادة قدرة الطاقة المتجددة لدى الدول المستوردة للطاقة بشكل خاص ساعدت على تحقيق تقدم ملحوظ في كل من الاستدامة البيئية وأمن الطاقة.
سرعة التحول ومرونته
مع دخول العالم عقد العمل والتنفيذ بشأن تغير المناخ، لا بد أن ينصب تركيزه على سرعة التحول ومرونته. فمع انتقال الطاقة إلى ما بعد المرحلة الأولى، سيكون التقدم المتزايد والمستدام أكثر صعوبة بسبب المشهد المتطور للمخاطر على تحول الطاقة. كان هذا تعليق رئيس قسم الطاقة والمواد لدى المنتدى الاقتصادي العالمي روبرتو بوكا على نتائج التقرير، وأضاف: “” تُظهر نتائج تقرير هذا العام أن 92 دولة من أصل 115 دولة مشمولة في التقرير حسنت من أدائها الإجمالي على مدار السنوات العشر الماضية، مما يؤكد الاتجاه الإيجابي والزخم الثابت لتحّول الطاقة العالمي”.
وشهد كل من مؤشر الاستدامة البيئية وأمن الطاقة ومؤشرات النفاذ والوصول، تحسناً ملحوظاً هذا العام، وتعهدت ثمانية من أكبر عشرة اقتصادات عالمية بالوصول إلى انبعاثات صفرية بحلول منتصف القرن. وعلى الرغم من هذا الزخم، تُظهر النتائج أيضا أن 10 % من الاقتصادات فقط تمكنت من تحقيق تقدم ثابت ومستمر في مؤشر التحول في مجال الطاقة ETI على مدار السنوات العشر الماضية. الأمر الذي يدل على التعقيد المتأصل لتحدي تحول الطاقة، والذي يتوضح من عدم إحراز أي تقدم يُذكر في مؤشر التنمية الاقتصادية والنمو، بشكل أساسي من خلال الآثار المالية، واضطرابات سوق العمل، وتحديات القدرة على تحمل التكاليف الناتجة عن تحول الطاقة. إضافة إلى ذلك، فإن كثافة الكربون في مزيج الطاقة آخذة في الارتفاع في العديد من الاقتصادات الناشئة في آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء.
وفي تعليق له على الوصول إلى تحول طاقة عالمي متكافئ، قال مقصت أشرف، العضو المنتدب المسؤول عن قطاع الطاقة لدى شركة أكسنتشر العالمية (التي أسهمت في إعداد التقرير): “للوصول إلى تحول مرن وعادل للطاقة في الوقت المناسب، وذي نتائج مستدامة لابد من إحداث تحّول وتغيّر جذري على مستوى النظم، بما في ذلك إعادة تصور شكل حياتنا وعملنا، ودعم اقتصاداتنا وإنتاج المواد واستهلاكها، الأمر الذي يتطلب تعاوناً قويا بين صناع السياسات وقادة الأعمال ومستهلكي الطاقة والمبتكرين”. وأضاف: “لقد كانت الرحلة إلى تحقيق التحول المتوازن الذي نعيشه اليوم بطيئة وشاقة، بيد أنها لا تنفك تكتسب المزيد من الزخم وتوفر للدول والشركات العديد من الفرص للنمو والازدهار على المدى الطويل”.
وكشفت الروابط الاجتماعية والاقتصادية والجيوسياسية لتحول الطاقة عن قابلية التأثر بالمخاطر والاضطرابات النظمية التي قد تهدد تقدم تحول الطاقة. ويقدم هذا التقرير ثلاث توصيات لتعزيز مرونة عملية تحول الطاقة؛ الأولى: العمل على الوصول إلى تحّول عادل من خلال إعطاء الأولوية لتدابير دعم الاقتصاد والقوى العاملة والمجتمع، والثانية: تعزيز الإمدادات الكهربائية في الوقت الذي نعمل فيه على إيجاد خيارات لتقليل اعتماد الصناعات على الكربون، والثالثة: جذب مصادر متنوعة ومرنة لرأس المال من مختلف القطاعات العامة والخاصة لتمويل استثمارات طويلة الأمد.
تصنيف الدول العربية
على الرغم من تراجع أداء بعض الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال عام 2020، بيد أن التوجه لا يزال إيجابياً إلى حد ما، وفق التقرير. ولعلّ الاعتماد الكبير على عوائد النفط هو ما يمثل التحدي الأكبر أمام الوصول إلى تحوّل مستدام إلى الطاقة النظيفة، لاسيما أنه يمكن لتنويع الاقتصاد ونظام الطاقة أن يحسن الآفاق. هذا ولا تزال دول عديدة في المنطقة تعاني تحديات عدة في أمن الطاقة ومؤشرات النفاذ والوصول، وترتكز بشكل كبير وأساسي على مصادر الطاقة الأولية. ومع ذلك، فقد رسمت العديد من دول المنطقة أهدافاً طموحة لنفسها لعام 2030 فيما يخصّ الطاقة المتجددة. ومن ثم، يمكن للعقد المقبل أن يقدم فرص استثمار هائلة في مجال تحول الطاقة قد تحقق فوائد كبيرة لمختلف دول المنطقة.
وعلى صعيد الدول العربية فقد حلت الكويت في المركز العاشر عربياً في مؤشر تحول الطاقة 2021 ، فيما تمكنت قطر من التربع على المركز الأول بين جاراتها العربيات، تتبعها الإمارات ثم المغرب. وقطر التي حلّت أولى إقليمياً وفي المركز الـ53 عالمياً شهدت أداءً إيجابياً جداً ومستقراً على مدار السنوات العشر الماضية في العديد من مؤشرات التقرير، الأمر الذي يدلّ على استعدادها لتفعيل انتقال الطاقة. كما تتصدر قطر الترتيب العالمي في مؤشر التنمية الاقتصادية والنمو، الأمر الذي ساهم فيه زيادة حصة قطاع الطاقة المحلي في الاقتصاد بشكل كبير. لكن مع بدء المزيد من الدول في خططها للوصول إلى انبعاثات صفرية، فإن من المتوقع أن ينخفض الطلب على الوقود الأحفوري متوسط الأجل، مما قد يخلق تحديات في النمو الاقتصادي للبلدان المعتمدة على تصدير هذه الموارد، ومنها قطر.
وشهدت الإمارات، التي حلّت ثانية إقليمياً وفي المركز الـ 64 عالمياً، تقدماً مستقراً على مدار العقد الماضي في العديد من مؤشرات التقرير، الأمر الذي يدلّ على استعدادها لتفعيل انتقال الطاقة. وقد حلّت الإمارات ضمن ترتيب العشر الأوائل عالمياً في 12 من مؤشرات التقرير وهي: معدل إيصال الإمدادات الكهربائية، واستخدام الوقود الصلب، وجودة التزويد بالكهرباء، وحصة الكهرباء من توليد الفحم، وتنويع الاستيرادات المتممة، وتقييمات الارتفاع، وسعر بيع الغاز بالجملة، وصافي واردات الطاقة، واستقرار السياسات الخاصة بالطاقة، والسيادة القانونية، وجودة البنية التحتية للنقل، والبنية التحتية وبيئة الأعمال المبتكرة.
وجاء المغرب في المرتبة الثالثة عربياً والمرتبة 66 عالمياً. والتحدي الرئيسي أمام تحول الطاقة في المغرب يتمثل في معالجة الطلب المتزايد على الطاقة ودعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتحسين الاستدامة البيئية لنظام الطاقة.
وحلّت الأردن في المركز الرابع، تلتها سلطنة عمان، ثم مصر فالجزائر، ثم السعودية. أما المركز التاسع فكان من نصيب تونس، والعاشر للكويت (كما ذكرنا)، والحادي عشر للبحرين، أما لبنان فحل في المرتبة الثانية عشرة.
التصنيف العالمي
على الصعيد العالمي حلت دول غرب وشمال أوروبا في المراكز العشر الأوائل، حيث تصّدرت السويد المؤشر للعام الرابع على التوالي، تلتها النرويج ثم الدنمارك. وحققت الاقتصادات العشرة الأوائل تقدماً ملحوظاً في الاستدامة البيئية، وتحديداً في تقليل كثافة الكربون في مزيج الطاقة لديها، الأمر الذي يظهر أنه يحظى بدعم والتزام سياسي قوي واستثمارات في تحول الطاقة.
ومن بين دول مجموعة العشرين الاقتصادية حلت المملكة المتحدة في المركز السابع، وفرنسا في التاسع، وألمانيا في الثامن عشر، وهي الدول الوحيدة من تلك المجموعة التي حلت في المراكز العشرين الأولى، وثلاثتها مدعومة بتقدم قوي في الأداء في مؤشر الاستدامة البيئية. غير أن محصلات هذه الدول في مؤشر التنمية شهدت تراجعا على مدار العقد الماضي، وذلك بسبب تحديات القدرة على تحمل التكاليف.
وحلت الولايات المتحدة في المركز الرابع والعشرين، وإيطاليا في السابع والعشرين، واليابان في السابع والثلاثين. أما الصين التي حلت في المركز الثامن والستين، والهند التي حلت في المركز السابع والثمانين، وهما اللتان تشكلان مجتمعتين ثلث الطلب العالمي على الطاقة، فقد شهدتا تحسينات كبيرة على مدار العقد الماضي، على الرغم من استمرار استخدام الفحم بشكل كبير في مزيج الطاقة في كل منهما.
ومن بين البلدان المصدرة للطاقة، جاءت كندا في المركز الثاني والعشرين، وأستراليا في المركز الخامس والثلاثين، وروسيا في المركز الثالث والسبعين، والسعودية في المركز الحادي والثمانين عالميا في الوصول إلى الطاقة والبعد الأمني، نظراً لوفرة الاحتياطيات المحلية.