بقلم د. قاسم زكي
يعاني سكان الوطن العربي عدم كفاية إنتاج الغذاء، لذا فهم يعتمدون على الاستيراد من الخارج بنسبة تصل إلى أكثر من %50 من حاجاتهم الغذائية، ومع غنى باطن الأرض العربية بمصادر الطاقة, فإن التحذير من قرب نضوبها وتطور الأبحاث ونتائجها الباهرة عالمياً لمصادر جديدة للطاقة يلقي مسؤولية علينا للبحث عن توفير الغذاء والدواء ومصادر جديدة للطاقة، وأيضاً مصادر بديلة للدخل القومي العربي. وربما يكون الحل في إدخال محاصيل جديدة إلى منظومة الزراعة العربية.
يبلغ سكان الوطن العربي أكثر من 360 مليون نسمة، وهم في تزايد كبير (معدل النمو السكاني السنوي يبلغ %3 وهو أعلى من المعدل العالمي البالغ %1.7)، مع أكبر نسبة من المناطق الصحراوية في العالم (%75 من مساحة الوطن العربي)، وفقر كبير في الموارد؛ فمن ندرة المياه، إلى قلة توافر مستلزمات الإنتاج الزراعي وارتفاع تكاليفها، وصغر مساحة الأراضي الخصبة، وتأخر الاعتماد على الزراعة الآلية، وضعف البنية الأساسية عموماً، وعدم توافر إمكانات تسويق وتخزين المنتجات الزراعية. ومن المشكلات الأساسية في الزراعة العربية (والدول النامية عموماً) الاعتماد على المحاصيل التقليدية فقط والزراعة بالأساليب القديمة.
ويلاحظ الباحثون أن العالم كله بات يعاني مشكلات زراعية جديدة، كتدهور خصوبة الأراضي، وقلة مياه الري وانخفاض جودتها، وظاهرة تغير المناخ، وانتشار الأمراض والأوبئة.
محاصيل المستقبل
كان لزاماً البحث عن نباتات جديدة كمحاصيل للمستقبل، لا تنافس المحاصيل التقليدية على الأراضي الخصبة، أو القدر القليل المتاح من المياه العذبة. لكنها يجب أن تساعد على زيادة الإنتاج، ومحاولة الوصول إلى درجة عالية من الاكتفاء الذاتي؛ في الغذاء والكساء والدواء والأعلاف ومصادر الطاقة بجانب المحاصيل التقليدية.
إن محاصيل المستقبل تلك لابد أن تتلاءم زراعتها وحاجاتها البيئية مع الظروف العربية، ويكون لها فوائد عديدة متنوعة للزراعة والصناعة، تلائم الزراعة في الأراضي المهمشة (الأراضي القليلة الخصوبة والصحراوية والملحية والقلوية)، وذات المقننات المائية القليلة، والتحمل العالي للعطش والملوحة، ويمكن ريها بمياه قليلة الجودة كالمياه العالية الملوحة أو مياه الصرف المعالج. كذا تُفضل النباتات التي لا تحتاج إلى خبرات زراعية وتقنيات صناعية عالية، ويسهل تدريب الخريجين والمزارعين عليها. ولابد أن يسهل تسويق منتجاتها، وتتحمل النقل والتخزين والتصدير تحت الظروف المتباينة. كما يُحذر أن يسبب دخولها في نشر آفات أو أمراض زراعية جديدة.
التنوع الحيوي
ومع غنى الطبيعية بالتنوع الحيوي (Biodiversity)، وكونها لا تزال حُبلى بما لم تتناوله بعد أيدي مربي النبات، ومن خلال تتبع الأبحاث واللقاءات العلمية ومواقع الإنترنت ونوافذ الإعلام العالمية والمنظمات الدولية؛ تم التعرف إلى العديد من النباتات الجديدة الواعدة التي تمت تجربة زراعتها بنجاح في بعض الدول العربية أو دول أخرى مشابهة لظروفنا الصحراوية، وأثبتت جدواها في الدخول إلى منظومة الزراعة العربية، مع التسليم بالحاجة إلى مزيد من البحث لإنتاج أصناف أكثر ملاءمة وإنتاجاً، والتعرف إلى مقاومتها للآفات والأمراض التي قد تتعرض لها في البيئة العربية.
ولعل بعض هذه النباتات (محاصيل المستقبل) تكون عربية المنشأ، كنباتات برية تحتاج إلى الاستئناس، أو ربما قادمة من الخارج وتمت تجربتها بنجاح، وتحتاج فقط إلى إطلاقها. ولنا أن نرشح بعض هذه النباتات لتصبح مشروعاً قومياً عربياً يزرع بمساحات كبيرة، وتتكامل معها منظومة التصنيع، مثل نباتات: الجوجوبا، الكنوا، الإستيفيا، المورنجا، الجاتروفا، الكوخيا والمانغروف. وهي نباتات تعتبر جديدة على الزراعة العربية، وربما تساعد على معالجة مشكلات الإنتاج الزراعي والطاقة.