– العالم على وشك ضياع الفرصة المتاحة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والإبقاء على درجات الحرارة دون 1.5 درجة سيليزية
– إذا كانت الالتزامات ستؤدي إلى خفض الانبعاثات بنسبة 7.6 % كل عام بين عامي 2020 و2030 ، فيمكننا الحد من الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة سيليزية
محمد الحسن
كاتب علمي، وإعلامي
ربما تكون البشرية على موعد مع كارثة بيئية في المستقبل القريب تقضي على ” الأخضر واليابس”، وتؤدي إلى وفيات عديدة، وتدفق الملايين من اللاجئين والنازحين إلى أمكنة جديدة، وتسبب دمارا هائلا للبنى التحتية، وتبدلات كبيرة في حياة الكائنات الحية، وفقدانا للمكاسب الحضارية التي حققتها الدول والمجتمعات خلال العقود الماضية.
وهذه الكارثة البيئية التي تعد نتاج عدة عقود من الإهمال والتسويف والجهل والتجاهل، حذر منها التقرير السنوي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة الخاص بما يسمى “فجوة الانبعاثات”، مطالبا بخفض انبعاثات غازات الدفيئة العالمية بنسبة 7 % كل عام على مدار العقد المقبل للسير على الطريق الصحيح في إبقاء ارتفاع درجات الحرارة دون مستوى 1.5 درجة سيليزية، وتقليل الاختلالات المناخية إلى أدنى حد ممكن على حياة البشر والكائنات الحية التي تعيش على هذا الكوكب، واقتصادات دوله.
وفي كل عام يقيم تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة الفجوة بين الانبعاثات المتوقعة في عام 2030 والمستويات التي تتفق مع أهداف إبقاء ارتفاع درجات الحرارة دون مستوى 1.5 درجة سيليزية ودرجتين سيليزيتين وفق اتفاق باريس. ويركز على إمكانات القطاعات المختارة لتنفيذ تخفيضات للانبعاثات، وهو ينظر في تقريره الأخير على الانتقال في مجال الطاقة وإمكانية الكفاءة في استخدام المواد، التي قد تقطع شوطًا طويلا في سد فجوة الانبعاثات.
فشل جماعي
وتعليقا على التقرير قالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إنغر أندرسن: ” فشلنا الجماعي في العمل مبكراً وبقوة فيما يتعلق بتغير المناخ يعني أنه يجب علينا الآن أن نحقق تخفيضات كبيرة في الانبعاثات؛ أكثر من 7 % كل عام، إذا تجاوزناه نزولا بالتساوي على مدار العقد المقبل”. وأضافت: “نحن بحاجة إلى تحقيق انتصارات سريعة ونحن نطلق تحولات تغير المناخ المجتمعية الجذرية، أو ستجعل التأخيرات أيضًا الهدف المتمثل في إبقاء ارتفاع درجات الحرارة دون مستوى 1.5 درجة سيليزية بعيد المنال”.
ويُظهر التقرير أننا على وشك فقدان تحقيق هدف الوصول إلى 1.5 درجة سيليزية وإدانة البشرية بمستقبل له آثار خطرة على تغير المناخ، وأنه إذا كنا سنعتمد فقط على التزامات المناخ الحالية لاتفاق باريس، فمن المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة إلى 3.2 درجة سيليزية خلال هذا القرن. وقد ارتفعت درجات الحرارة العالمية بالفعل بمقدار 1.1 درجة سيليزية، مما أدى إلى ظهور آثار ذلك على المجتمعات في مناطق عديدة. ويرى العلماء أنه للحصول على المسار الصحيح للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية والإبقاء على درجات الحرارة دون 1.5 درجة سيليزية، فإنه يجب أن تنخفض الانبعاثات بصورة سريعة لتصل إلى 25 جيغاطن بحلول عام 2030.
ويتمثل التحدي الذي تواجهه المجتمعات في أنه استنادا إلى الالتزامات الحالية بخفض الانبعاثات، فإن الانبعاثات تسير على الطريق الصحيح للوصول إلى 56 جيغاطن من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030؛ أي أكثر من ضعف ما ينبغي أن تكون عليه. وبصورة جماعية، فإنه إذا كانت الالتزامات والسياسات والإجراءات يمكن أن تؤدي إلى خفض الانبعاثات بنسبة 7.6 % كل عام بين عامي 2020 و2030 ، فيمكننا الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة سيليزية.
خطط طموحة
لو أن الدول اتخذت قبل عشر سنوات الإجراءات التي دعت إليها الجهات الأممية المعنية بتغير المناخ وخفض الانبعاثات، لكانت الانخفاضات السنوية المطلوبة للانبعاثات 0.7 % لارتفاع حراري قدره درجتان و3.3 % لارتفاع حراري قدره 1.5 درجة سيليزية. وللأسف الشديد فإن العالم حاليا بحاجة إلى خفض الانبعاثات بنسبة قدرها 7.6 % كل عام، في حين تُظهر حتى أكثر خطط العمل الوطنية طموحًا في مجال الالتزام بالحد من الانبعاثات السنوية نسبة تقل عن الهدف المنشود وهو 7.6%.
ويحتاج العالم إلى زيادة في الالتزامات بنسبة خمسة أضعاف. وفي كل يوم نتأخر فيه بخفض الانبعاثات تصبح التخفيضات أكثر حدة وصعوبة. وبحلول عام 2025، سيكون التخفيض المطلوب 15.5% كل عام مما يجعل تحقيق هدف 1.5 درجة سيليزية شبه مستحيل. وتأخر اتخاذ الإجراءات المناسبة يؤخر الحتمية. واتخاذ الإجراء المتأخر يؤثر بالسلب في أمور كثيرة أهمها حماية البحار والأمن الغذائي وتكيف البنية التحتية. وفي الوقت الذي ننتظر فيه خفض الانبعاثات بنسبة ملائمة، فإن البشرية مستمرة في إطلاقها في الغلاف الجوي، وبذلك يصبح الإقلال منها وتكلفتها أكثر صعوبة.
وإذا كان العالم راغبا في منع ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجتين سيليزيتين بحلول عام 2100، فيجب علينا التأكد من أن ناتجنا من الانبعاثات لا يتجاوز 40 غيغاطن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030. وللحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.8 درجة سيليزية بحلول نهاية القرن، فإن الانبعاثات يجب أن تكون أقل من ذلك، ولا تزيد على 34 بليون طن مكافئ من ذلك الغاز بحلول عام 2030. أما للحيلولة دون ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة سيليزية بحلول عام 2100 فسيكون إجمالي الانبعاثات لدينا أقل من 24 غيغاطن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وفق ما ذكر التقرير.
لماذا يعد الإبقاء على درجات دون 1.5 درجة سيليزية مهما؟
- عند ارتفاع درجات الحرارة بنسبة 1.5 درجة سيليزية، ستموت أكثر من 70 % من الشعاب المرجانية، لكن عند ارتفاع درجات الحرارة بنسبة درجتين سيُفقد أكثر من 99 % من جميع الشعاب المرجانية.
- قد تفقد الحشرات، التي تعتبر حيوية لتلقيح المحاصيل والنباتات، نصف موائلها عند ارتفاع الحرارة بنسبة 1.5 درجة سيليزية، لكن قد يتضاعف هذا عند ارتفاع الحرارة درجتين سيليزيتين.
- سيكون تجرد المحيط القطبي الشمالي من جليد البحر تمامًا في فصل الصيف احتمالًا واحدًا يحدث كل قرن عند الوصول إلى 1.5 درجة سيليزية، لكن قد يحدث مرة كل عشر سنوات عند الوصول إلى درجتين سيليزيتين.
- يعيش أكثر من ستة ملايين شخص في المناطق الساحلية المعرضة لارتفاع مستوى سطح البحر عند 1.5 درجة سيليزية، وعند الوصول إلى درجتين سيليزيتين سيؤثر ذلك على عشرة ملايين شخص آخر بحلول نهاية هذا القرن.
- من المرجّح أن يزيد تواتر وشدة الجفاف والعواصف والظواهر الجوية الشديدة عندما ترتفع الحرارة أكثر من 1.5 درجة سيليزية.
ماهي فجوة الانبعاثات؟
يمكن أيضًا تسمية الفجوة في الانبعاثات بـ “الفجوة في الالتزامات”، وهي تقيس الفجوة بين ما نحتاج إلى فعله، وبين ما نفعله بصورة عملية لمعالجة تغير المناخ. الفجوة هي الفرق بين المستوى المنخفض للانبعاثات الذي يجب على العالم أن يخفض انبعاثاته ليصل إليه، مقارنةً بالمستوى المتوقع للانبعاثات بناءً على التزامات الدول.