في شهر مارس، سافرت طالبات فصل دراسي من الصف الحادي عشر بمدرسة جمانة بنت أبي طالب في ضاحية عبدالله السالم إلى الفضاء الخارجي برفقة مدرّسة العلوم فضة المسلم. لم تكن المركبة التي حملت الطالبات إلى النجوم سفينة صاروخية، بل حافلة متوقفة عند باب مدرستهن – إنها “باص العلوم” الجديد.
قالت المسلم: “كانت المرة الأولى التي تشارك فيها طالباتي برحلة ميدانية من دون مغادرة المدرسة. كن متشوقات للتجربة”. على متن الحافلة، تعرفت الطالبات على النجوم والقمر والمجرة، وتعلمن كيفية استخدام التلسكوب. المجرة هي واحد من موضوعات كثيرة متاحة للطلبة والمعلمين على متن باص العلوم، وهو مشروع أطلقته التقدم العلمي للنشر والتوزيع – أحد مراكز مؤسسة الكويت للتقدم العلمي- بالتعاون مع مركز الكويت للابتكار.
وانطلق الباص هذا العام تزامناً مع الذكرى 62 لاستقلال الكويت والذكرى 32 لتحريرها، لكن تطوير المشروع بدأ في عام 2020. وكان ذلك جزءًا من التزام التقدم العلمي للنشر والتوزيع بتوسيع إنتاجها من المحتوى العالي الجودة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات لطلبة الكويت بدءًا من رياض الأطفال وحتى الصف الثاني عشر، وجعل العلوم جذابة ومتاحة للناشئة والشباب في جميع أنحاء البلاد. قالت ليلى الموسوي، نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة التقدم العلمي للنشر والتوزيع: “نحاول أن نجعل العلم تجربة خلابة- لا تتعلق بالقراءة فقط، بل بالمشاركة في العلوم”.
واستكمل المشروع بفضل المهارات والتكنولوجيا الوطنية التي يوفرها مركز الكويت للابتكار، وهي شركة صغيرة متوسطة مكرسة للنهوض باقتصاد المعرفة في الكويت من خلال البحث والتطوير والتدريب، تهتم بمشروعات التأثير الاجتماعي. وقد تواءمت فكرة بـاص العلوم مع أنشطة التأثير الاجتماعي لدى مركز الكويت للابتكار. قال محمد الرفاعي، الرئيس التنفيذي لمركز الكويت للابتكار إن العمل مع الشباب أمر حيوي لمهمة المركز، وباص العلوم هو واحد من أكبر مشروعاته حتى الآن.
تطوير باص العلوم في الكويت
استغرق الأمر ثلاث سنوات لإنجاز باص العلوم. أدت جائحة كوفيد إلى إبطاء العملية، لكن حتى أثناء الإغلاق المرتبط بكوفيد، قالت الموسوي إن فريقها واصل تطوير المناهج والتنسيق مع مركز الكويت للابتكار بشأن التصميم. وأوضحت: “اخترنا الموضوعات والمحتوى المنتقى من كبريات دور النشر العالمية وفقا للمنهج العلمي المدرس في مدارس الكويت. وطلبنا إلى مركز الكويت للابتكار تطوير الأنشطة المصاحبة بما يساهم في تعزيز مهارات الثورة الصناعية الرابعة”.
أطلقت التقدم العلمي “باص العلوم” لتحقيق ثلاثة أهداف: إتاحة الفرصة للناشئة لاستكشاف شغفهم بالعلوم؛ ومساعدة الطلبة على جسر الفجوة بين النظرية والتطبيق من خلال الأنشطة التفاعلية؛ وتضمين تقنيات التصنيع الرقمي حتى يتاح للطلبة تعلم مهارات الثورة الصناعية الرابعة، مستثمرين عامل الإبهار المكرس في التصميم الداخلي للحافلة.
وقالت الموسوي: “أردنا أن يدخل الطلبة إلى بيئة فريدة من نوعها، وأن تستحوذ عليهم الدهشة حينما يصعدون إلى الباص”. وأكدت المسلم أن الباص نجح في ذلك، وأن طالباتها “فوجئن” عندما دخلن باص العلوم وأحببن الجو العام.
قال الرفاعي إن تدريس تقنيات الثورة الصناعية الرابعة مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد والقطع بالليزر والأنظمة المدمجة والروبوتيات، يهيئ الطلبة للنجاح المهني: “نريد أن يفكر الطلبة بطريقة خلاقة ويفهموا مبادئ الثورة الصناعية الرابعة حتى يتمكنوا من استخدام هذه النظريات والأدوات في المستقبل لتأسيس شركاتهم وأعمالهم الخاصة، على سبيل المثال”.
بدأ باص العلوم زياراته الأولى للمدارس هذا العام. خلال مرحلته التجريبية، زار باص العلوم أكثر من 30 مدرسة واستقبل مئات الطلبة. في كل مدرسة، تتوقف الحافلة وتتنقل مجموعات الطلبة عبر المحطات المقامة خارج الباص وداخله. قالت الموسوي: “هناك محطة قراءة أو محطة نظرية، ومن ثم يجد الطلبة محطات تطبيق النظرية داخل الباص، ومحطة للتوعية بالمسارات المهنية للعديد من التخصصات الطبية”.
وقالت المسلم إن الدروس المتعلقة بالمجموعة الشمسية تركت انطباعًا كبيرًا لدى طالباتها عندما زارهن باص العلوم في مارس 2023. يرتبط الموضوع أيضًا بدروس درَّستها في فصلها الدراسي. وقالت: “خلال الفصل الدراسي الأول، درسنا المجرة والانفجار الكبير وحياة نجم، لذلك كان باص العلوم على صلة بذلك وأحبت الطالبات الموضوع أكثر”.
في الوقت نفسه، استمتع العديد من طلبة المدارس الثانوية بتعلم نظرية الموجات وفسيولوجيا عمل السمع، وهو أحد الموضوعات الأخرى في باص العلوم. بدأ هؤلاء الطلبة بالقراءة عن الأذن البشرية، ثم عملوا على تجميع نموذج يحاكي الدماغ البشري وطبلة الأذن لتطبيق النظرية. كما استمعوا إلى قصص محفزة عن تجربة دراسة الطب وممارسته من د.بشاير السعيدي ود.سبيكة الوزان من قسم الأنف والأذن والحنجرة بمستشفى جابر. قال الرفاعي: “عندما تحدثوا إلى نموذج الأذن، أخذت الأذن الصوت وحولته إلى إشارة يراها الطلبة على الشاشة. كان رد فعل الطلبة مذهلاً”. في العام المقبل، سيوفر الباص مزيدًا من الموضوعات لضمان أن يجد كل طالب شيئًا يثير اهتمامه.
الطريق نحو المستقبل
بعد الانتهاء من المرحلة التجريبية، يستعد باص العلوم للعام الدراسي المقبل. وهو سيعنى بتوفير مواضيع وأنشطة جديدة، وسيُدعى إليه متخصصون في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، مثل الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات، لكي يزوروا المدارس على متنه ويشرحوا للطلبة ما ينطوي عليه عملهم.
على الرغم من أن الموضوعات كانت محدودة خلال المراحل التجريبية، فإن المعلمين سيتمكنون في العام المقبل من طلب موضوعات محددة عندما يطلبون زيارة باص العلوم حرصًا على أن تتوافق الأنشطة مع ما يتعلمه الطلبة في الفصل. كما يعد الباص مشاريع لفصل الصيف، بما في ذلك زيارة المكتبات العامة ومستشفيات الأطفال ومراكز رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة لتوفير الإثراء العلمي للشباب خارج المدارس.
قالت المسلم إنها تأمل أن يعود باص العلوم إلى مدرستها في الفصل الدراسي المقبل حتى يتمكن مزيد من الطلبة من الاستفادة من تجربة التعلم الفريدة. زارت طالبات المسلم في الصف الحادي عشر الباص أثناء محطته الأولى في المدرسة، وعندما تحدثن عنه مع زميلاتهن في الصفوف الأخرى، ازداد الاهتمام به. وقالت المسلم: ” الكل يريد أن يعود الباص”.
وقالت الموسوي إن الفريق متحمس لتلبية الطلب المتزايد على الباص: “نريد الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المدارس والتجمعات، على أمل استثمار اهتمامهم وشغفهم بالعلوم وهم ما زالوا صغارًا. نأمل أن يلهم الجيل المقبل من العلماء والمبتكرين”.
بقلم ماريانا دينين
تصوير: عمر السيد عمر