إن اســتـحـضـار الـــدراســات الــعـــتـيــقـة لمـجال الهندسـة في الرياضيات إلى عالمنا المعاصر يحتاج إلى منـظور مـختلف – إذ يـتحقق ذلك من خلال دمج نظـريات الرياضيات التقليدية في علوم الحوسبة Computational Science لتسليط ضوء جديد على المـشكلات الـقـديمة. وهـذا بالضـبط هو ما يـسعى عبدالله العـازمي إلى تحـقيقه.
العـازمي، وهـو رئـيـس قـســم الــرياضـيات وأستاذ مشارك في كلية العلوم بجامعة الكويت، حصل على درجة البكالوريوس من جامعة الكويت عام 2000. بعدها، حصل على منحة دراسية من جامعة الكويت وسافر إلى الولايات المتحدة حيث حصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة ولايـة كــولـورادو في عـامي 2004 و2007، علـى التوالي. تناولت أطروحته لنيل درجة الدكتوراه تصنيف الهياكل المنفصلة – الكائنات التوافقية أو التركيبات، بما في ذلك الرسوم البيانية والمسافات الخطية. خلال السنوات القليلة الماضية، نشر نحو 30 ورقة بحثية تغطي موضوعات تمثل تقاطعًا بين الرياضـيات البحتة والتطبيقية. من معامل التـحول الخـطي للـرسوم الـبيانية المتسـلسلة إلى تصنـيـف تكـويـنـات 223 المـتماثـلة الخـالية من المثلثات، كان لأبحاثه تأثير كبير في زيادة فهم عالم الرياضيات لهذه المفاهيم المتقدمة.
حـصل العـازمي على جـائزة جـابر الأحـمد للـبـاحـثـين الــشبـاب لـعـام 2021 من مـؤسـسة الكويت للتقدم العلمي (في مجال العلوم الطبيعية والرياضيات) تقديراً لمساهماته في المجال البحثي في الــكويـت. تـأســسـت تـلك الجــائـزة عـام 1988 بـمبـادرة من أمـير الـكويـت الـراحل الـشيخ جابر الأحمـد الجـابر الـصباح تقـديرا لإنجازات الأجيال الشابـة من العـلماء والبـاحثين الكويتيين.
قــال الـعــازمـي: “كـان الحــصــول علـى هـذه الجـائـزة مفـاجأة وشرفًا لي. في مـعـظـم الأحـيان يسـهـل الـتـغـاضي عن الـرياضيات البـحتة مقارنة بالموضـوعـات التـطـبيـقيـة الأخـرى، ويـرجع ذلك أسـاسًـا إلى صـعـوبـة رؤيـة الارتـبـاط بيـنهـا وبين الـعالم الــواقـعي. أنا سـعـيد جـدًا لأنـني أسـتطيع تسليط الـضـوء على موضـوع غير عادي نسبيًا بهذه الطريقة”.
يعمل العازمي في مجالي الرياضيات البحتة والتطبيقية، وهو يستمتع بشكل خاص بالعمل على الكائنات (العناصر) التوافقية. تعود دراسة الــهنــدسـة إلى أكثر من 5,000 عام، وبـينما قد يكون من السهل الافتراض أننا في الوقت الحالي نعرف كل شيء يجب معرفته، بيد أن الحال ليست كذلك في الواقع. قال العازمي: “نحن الآن قادرون على دراسة الأشياء من زاوية مختلفة، وبفهم مــخـتـلـف”. يدرس عـلمـاء الــرياضـيات الـكـائنات التوافـقية مـنذ نحو 300 عام، بـيد أن الاهتمام بهذه الدراسات تدنى حتى لم تعد محبذة قبل نحو 25 عامًا. ومع تقنيات وأدوات التحقيق الجديدة، حصلنا على فرصة لتحسين فهمنا.
أفــاد الــعـازمي: ” لــيـس بالإمــكـان دراســة الكائنات الأكبر يدويًا، لكن يمكننا حاليا استخدام خــوارزمــيــات مــن عـلـوم الحــاسـوب جـنبًــا إلى جـنـب مع نــظريـة الــرياضيـات… ومـن الـصـعب الـعـثـور على شـخــص يــمـكـنـه الــدمـج بـيـن كل من نظـرية الـرياضيـات والـتطـبيـقات باستخدام علـوم الحاسوب”.
لتــحـقــيـق ذلك، يـعمـل الـعــازمي بـشـكـل وثيـق مع عدد من علماء الرياضيات والباحثين، ومن بـيـنهم في الفترة الأخيرة ميليكا أنديليتش Milica Andelić وأنتون بيتن Anton Betten، وكلاهـما أسـتـاذ مــشـارك في قـسم الـرياضـيـات بـجـامـعـة الكـويت.
قال العـازمي: “إن كـتـابـة الأوراق الـبحثـية وإجراء أبحاث الرياضيات أمرٌ صعبٌ بشكل خاص؛ لأن البرهان على الكيفية التي حققنا بها نتائجنا لا يقل أهمية – إن لم يكن أكثر أهمية – من النتيجة نفـسـها. بمـجـرد أن نـعـثر على مـسـألـة، عـلـينا أن نبرهن كيف ولماذا تكون النتيجة التي توصلنا إليها صحيحة. ويجب أن تكون هذه النتيجة صحيحة إلى الأبد، ولأي سيناريو”.
إن أحد الأسـئـلـة التي تدور دائـمًا في ذهـن العازمي هو ما إذا كان هناك كائن توافقي مع مجموعة لامنتهية من الكائنات. وأوضح: “للبحث في هـذا الأمر، نـأخـذ كـائنـًا واحدًا من الـهنـدسة التقلـيديـة، ثم نـقوم بهنـدسة الـكائن وتـفكيكه قبل استخدام البديهيات التي يتكون منها الكائن لنبدأ بإعادة بنائه… يُقال، من الـناحية النظرية، إن الكائن نفسه يمكن إنتاجه مرة أخرى. ولكن في كثير من الأحيان، يظهر كائن آخر أيضًا”.
بعد ذلك، يحتاج الباحث إلى أن يسأل نفسه ما إذا كانت هذه مصادفة، “وبالطبع، لا شيء في الرياضيات يُعد مصادفة حقًا”، أوضح العازمي. “هذا يعني أن الخطوات التي نتبعها لإعادة بناء كائن واحد يمكن استخدامها أيضًا لبناء كائن آخر. بهذه الطريقة، يمكننا اكتشاف كائنات لم يرها أحد من قبل. بطريقة ما، الأمر أشبه بالتنقيب عن الـذهب”. وبيـنما يمكن لنتائج هذه الأبحاث أن تكون مثيرة للحماس، بيد أنها في حد ذاتها لا تفي بمبادئ أبحاث الرياضيات. الأمر الأكثر أهمية هو كيفية توصل الباحثين إلى النتيجة ومدى إمكانية تكرارها.
يحتاج علماء الرياضيات أيضًا إلى التأكد من أن أحدًا لم يكتشف هذا الكائن قبلهم. قال العـازمي: “هـذا ما يجـعل الـتعاون الدولي مـهمًا بشكـل خـاص في مـجال الـرياضيات التـطبيقية”؛ لأنه إذا لم يشـارك علماء الرياضـيات اكتشافاتهم، فقد يتحمس أحد لما توصل إليه بحثه ليكتشف أن شخـصًا آخر توصل إلى النتـيجة نفـسها قبل عـشر سنوات.
إن البقاء على اطلاع على ما يدْرسه علماء الرياضيات الآخرون أمر ضروري، ولتحقيق هذه الغاية، يخطط العازمي لحضور مؤتمرات في تركيا وكوريا وأوروبا والولايات المتحدة خلال السنوات القليلة المقبلة، إضافة إلى تعاونه مع مجموعة واسعة من المؤسسات البحثية في الهند وإيران والولايات المتحدة وألمانيا وبلدان أخرى.
يحمل المشروع البحثي الذي يجريه العازمي حـالـيًـا عنـوان “تـصنـيـف الـكـائـنات الـتـوافـقيـة”، ويتضمن إنشاء قاعدة بيانات وشجرة تصنيف بحيث يمكن لأي عالم رياضيات أو باحث التحقق منها بسهولة لمعرفة ما إذا كان الشيء الذي يبحث عنه اكـتـُشف مسبـقًا أم لا. كما أنه يـقترب من إنهاء مدة أربع سنوات رئيسًا لقسم الرياضيات، ويتطـلع بعد ذلك إلى تكريس مزيد من الوقت لعائلته وطلبته، وبالطبع لأبحاثه. هذا يعني أن جائزة مؤسـسـة الكويت للتـقدم العلمي جاءت في الــوقـت المنـاسب. تتـمثل اهتـماماته البـحثية الرئيسية في نظرية الرسم البياني الطيفي والجبر (الخطي) والكـائنـات التوافقية، لذلك نتـوقع أن ينشر مزيدًا من الأوراق البحثية في هذه المجالات في السنوات المقبلة.
قـال الـــعــازمي: “بـيـنـمـا تـعني أبــحـاثـنـا في الرياضيات الكثير لعالم العلوم، فإنها لا تعد دائمًا قابلة للتطبيق في العالم الخارجي… أنا سعيد جدًا بنيلي هذه الجائزة، ولم أكن أتوقعها على الإطلاق. أود أن أتـقـدم بـخـالص شكري لكل من شارك في منـح هذه الجـائزة، من مـؤسسة الكويت للتقدم الـعـلمي، إلى لجـان الـتحـكيم والأصـدقاء والـزملاء الذين شجعوني على التقدم لها”.
بقلم إيما ستينهاوس