د.عادل محمد احمد
تعد الطاقة النووية أهم مصادر التقدم في القرن الحالي، وتساهم في إنتاج 16% من الكهرباء على مستوى العالم. ومعظم المفاعلات المنشأة حديثا تقع في قارة آسيا، في الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية، لكونها بلدانا تنمو اقتصاديا ولم تستفد بعد من كل الاستخدامات، على عكس الدول المتقدمة التي وصلت فيها استخدامات الطاقة النووية إلى أقصاها.
محاولات عربية
لم تستفد الدول العربية بعد من الطاقة النووية، على الرغم من كونها جميعا أطرافاً في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، ولم تقتحم تكنولوجيا المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء إلا دولة الإمارات العربية المتحدة، في حين تسعى بعض الدول العربية إلى خوض هذا الغمار. واستخدام المفاعلات البحثية في أغراض البحوث والتعليم وإنتاج النظائر المشعة لاستخداماتها الواسعة طبيا وزراعيا وصناعيا غير كاف؛ إذ إن هذه المفاعلات توجد فقط في مصر وليبيا والجزائر والمغرب، وهناك مفاعل صغير في كل من سوريا والأردن. هذا على الرغم من أهمية الطاقة النووية للدول العربية، سواء في الاستخدامات العلمية والطبية والزراعية والصناعية، أو لسد حاجتها المتزايدة لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر نظرا لتزايد السكان وارتفاع مستوى المعيشة. واتخذت الدول العربية قرارات لإنشاءعدة برامج نووية سلمية بعد إعلان القمة العربية في الخرطوم في مارس 2006 -للمرة الأولى- ودعم تطوير الاستخدام السلمي للطاقة النووية. وأقرت القمة التالية التي عقدت في عام 2007 قرارين أحدهما تعلق بتعاون عربي مشترك لتنمية الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والثاني طلب تشكيل مجموعة من الخبراء بمشاركة الهيئة العربية للطاقة الذرية للنظر في الوسائل والسبل لقيام مثل هذا التعاون في إطار عربي متكامل.
محطات الطاقة النوويةفي الوطن العربي
مصر
بدأت مصر باستخدام الطاقة النووية في أوائل الستينيات من القرن العشرين حين طُرح مشروع برنامج للطاقة النووية، لكنه توقف، ثم أعيد طرحه مرات عدة كان آخرها في سبتمبر 2006 بدراسة كل بدائل الطاقة بما فيها البديل النووي، واتخذ قرار بشأن موقع المحطة النووية الأولى في الضبعة، وجرى إصدار القانون النووي لتنظيم الأنشطة النووية والإشعاعية في 2010، ثم أنشئت هيئة الرقابة النووية، وتوقف البرنامج بسبب الأحداث التى شهدتها مصر في عام 2011، ثم أعيد إحياؤه في 2015.
دول الخليج العربي
في ديسمبر 2006 أعلنت دول الخليج العربي عن إمكانية الدخول في الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، وذلك في البيان الختامي لمجلس التعاون الخليجي بالرياض. وبالفعل فإنها بدأت بدراسة فعلية لتلك الاستخدامات. وعلى الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي دول رئيسية في إنتاج وتصدير النفط والغاز، فإن هذا لا ينفي حقها وحاجتها إلى إنتاج الطاقة النووية في إطار استعدادها لمرحلة ما بعد النفط؛ إذ إنها تعتمد على مصدر واحد هو النفط في إنتاج الكهرباء وتحلية المياه، وهما قضيتا وجود وأمن قومي بالنسبة لها، ومن ثم ينبغي وجود تخطيط طويل الأمد، وعدم الارتهان إلى مورد واحد ناضب، وهذا ما يفسر اتجاه بعض الدول النفطية مثل روسيا إلى التوسع في بناء محطات نووية. بيد أنه عقب حادثة فوكوشيما باليابان 2011 أجّلت بعض دول المجلس برامجها النووية، واستمرت الإمارات والسعودية في تطوير وإعداد البنية القانونية والتنظيمية، وتجهيز البنية الأساسية وتنمية القدرات البشرية الخاصة بذلك.
المغرب العربي
أعلنت الجزائر في يناير 2007 الإعداد لمشروع إنتاج الكهرباء النووية وتحلية مياه البحر بواسطة الطاقة النووية. وأعلنت تونس أيضاً خطط بناء محطة للطاقة النووية بحلول عام 2020 بطاقة 900 ميغاوات تمثل 20% من احتياجاتها للكهرباء، ووقعت اتفاقية لذلك مع فرنسا في ديسمبر 2008 غير أن الأحداث السياسية التى شهدتها أوقفت المشروع. كما أعلنت المغرب عزمها بناء مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء. وأشارت تقارير إعلامية إلى إمكانية تقديم مساعدات أمريكية وفرنسية لبرنامج نووي سلمي ليبي، غير أن هذه البرامج توقفت نظرا للظروف السياسية التي عصفت بالوطن العربي.
برامج المحطات النووية العربية
يوجد حاليا أربع دول عربية لديها مشاريع محطات نووية لتوليد الكهرباء هي مصر والسعودية والإمارات والأردن. وقد أعلنت الإمارات برنامجها النووي في 2008 مستهدفا بناء 14 محطة نووية تنتج 20 ميغاوات على المدى البعيد، منها بناء أربع محطات نووية قدرة كل منها 1400 ميغاوات بإجمالي 5600 ميغاوات في موقع براكة بحلول 2020. وقد أعدت الإطار المؤسسي بإنشاء هيئة للطاقة الذرية كمشغل للمحطات، ثم أنشأت الهيئة الاتحادية للرقابة النووية، وهي الدولة العربية الوحيدة التي امتلكت أول محطة نووية لإنتاج الكهرباء، وتستكمل حاليا المحطة الثانية في الموقع نفسه. أما السعودية فقررت إدخال الطاقة النووية في مزيج الطاقة، وصدر الأمر السامي في عام 2017 بإنشاء( المشروع الوطني للطاقة النووية) مستهدفا إنشاء 16 مفاعلا بقدرة إجمالية قدرها 17000 ميغاوات، على أن تبدأ العمل عام 2022 وتستمر حتى 2030. وقد أعدت الإطار القانوني والتنظيمي لذلك فأنشأت هيئة الأمان النووي والإشعاعي.
وأعادت مصر إحياء برنامجها مرة أخرى في 2014، وطلبت إلى روسيا الاتحادية إنشاء أربعة مفاعلات نووية قدرة كل منها 1200 ميغاوات لإنتاج الكهرباء بإجمالي 4800 ميغاوات. وبالفعل وُقعت أربعة عقود في 11 ديسمبر 2017 لإنشاء أول مفاعل، وذلك من خلال مشاركة التصنيع المحلي في تصنيع المفاعل بنسبة 20% في المفاعل الأول تزيد إلى نسبة 35% في المفاعل الرابع. وصدر إذن قبول موقع المحطة في منطقة الضبعة، وقبول تقرير تقييم الأثر البيئي من هيئة الرقابة النووية المصرية، وجار استكمال إذن الإنشاء كإحدى مراحل الترخيص في حين يتوقع بدء التشييد منتصف 2020. وتخطط الأردن لإنشاء محطتين نوويتين قدرة كل منهما 1000 ميغاوات، وأعدت الإطار القانوني والتنظيمي فصدر القانون النووي، وأنشأت الهيئة الأردنية للرقابة النووية.
و هناك دول عربية أخرى تنظر في برنامج محطات نووية مثل الجزائر والمغرب وتونس.
معطيات جديدة
تثير التطورات النووية الأخيرة في البرامج النووية للدول العربية عدة قضايا، منها ما يتعلق أولا بمستقبل برامج الطاقة النووية في الوطن العربي وما يمكن أن تفضي إليه، وما يرتبط ثانياً بإمكانات التعاون النووي العربي لتحقيق تكامل عربي في المجال النووي، والرؤية المستقبلية لتحقيق ذلك؟ وتأتي أهمية استكشاف السيناريوهات المستقبلية من عدة أسباب تعود إلى تدهور الأوضاع النووية وتراجعها في بعض الدول العربية، مثل ما تم في العراق من إنهاء البنية الأساسية لإنشاء أي برنامج طاقة نووية، وماشهدته سوريا منذ 2011 من حروب وصراعات وتدمير ما رجحته تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنه كان مفاعلاً نووياً سرياً في منطقة دير الزور من قبل إسرائيل، و ما قامت به ليبيا منذ عام 2003 بالتخلص من جميع المواد والمعدات النووية إضافة إلى الصراع القائم فيها حالياً، هذا إضافة إلى غياب أي تخطيط فعلي لبرامج للطاقة النووية لتوليد الكهرباء سواء في اليمن نظرا للحرب التي تشهدها، أم السودان التي تشهد عدم استقرار سياسي، أم تونس التي شهدت ظروفا سياسية متوترة أيضاً.
سيناريوهات مستقبلية
يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات محتملة لانتشار الطاقة النووية في الوطن العربي تراوح بين استمرار الأوضاع النووية العربية الراهنة من ناحية، وبين سيناريو زيادة القدرات النووية واتساعها لدى عدة دول عربية، وسيناريو أخير يتمثل في انتشار برامج المحطات النووية االسلمية في الوطن العربي.
استمرار الأوضاع النووية العربية الراهنة
يعتمد هذا السيناريو على افتراض استمرار الوضع النووي العربي الحالي دون تغيير، والمتمثل في امتلاك دولة واحدة هي الإمارات مفاعلا لتوليد الكهرباء، وبقاء البرامج النووية لإنشاء محطات نووية لكل من مصر أو السعودية أو الأردن على ما هي عليه، واستمرار أوضاع مفاعلات البحوث النووية عند مستواها الحالي المتمثل في وجودها لدى كل من مصر والجزائر وسوريا والأردن والمغرب، مع بعض الاستخدامات الإشعاعية، سواء في المجال الطبي أم الصناعي لدى بعض الدول العربية الأخرى. وهذا سيناريو تشاؤمي مرفوض عربياً لأنه يكرس فجوة التكنولوجيا والمعرفة النووية القائمة حاليا بين الدول العربية وبين الطرفين غير العربيين في المنطقة وهما إسرائيل وإيران.
سيناريو تغير الأوضاع بزيادة القدرات النووية وانتشارها لدى عدة دول عربية
يعتمد هذا السيناريو على افتراض مفاده أن الظروف النووية في المنطقة قد تزيد الضغوط التي تدفع بعض الدول العربية إلى الإعلان عن قدرات نووية فنية عالية، مثل امتلاك معدات دورة الوقود النووي وإثراء اليورانيوم، أو امتلاك كميات من اليورانيوم المثرى بدرجات عالية، أو حتى امتلاك أسلحة نووية امتلكتها سابقا في فترة السيولة النووية، وأنها اضطرت – بسبب الظروف الإقليمية – للكشف عنها. هذا سيناريو قليل الاحتمال أيضا لتوافر المعلومات عن القدرات النووية العربية بشكل يصعب معه وجود مفاجآت كبيرة بشأنها.
سيناريو امتلاك وانتشار محطات نووية سلمية في الدول العربية
يعتمد هذا السيناريو على افتراض نجاح الدول العربية التي بدأت بإنشاء هذه المحطات النووية مثل مصر والسعودية في إنشاء وتشغيل هذه المحطات، واستكمال الإمارات لمحطاتها الثلاث الباقية وتشغيلها بعد أن تم تشغيل المحطة الأولى. كما تبدأ الدول التي تخطط حاليا لإنشاء محطات نووية بالتنفيذ مثل الأردن. وهذا السيناريو تفاؤلي ويشجع على حدوثه العروض المقدمة لهذه الدول من منتجي المفاعلات النووية، بيد أنه يلاحظ أن جميع هذه العروض لا تتضمن توريد تكنولوجيا إنتاج الوقود النووي اللازم لهذه المحطات، إذ يخضع توريد الوقود النووي لكامل سيطرة الدولة الموردة. ولذلك، يتعين تمسك الدول العربية بحقها في امتلاك دورة الوقود وإنتاج الوقود النووي اللازم لمحطاتها النووية عند إقدامها على ذلك.
رؤية استراتيجية للدول العربية
هناك ضرورة حتمية لأن تبادر الدول العربية بتنشيط برامجها النووية كقاطرة للتنمية والتقدم أولا وأيضاً باعتبارها أدوات للردع والتوازن في حالة انفلات الأوضاع النووية الإقليمية. ومن الخطوات الأساسية في هذا، بناء موقف وطني ووضع خطط لبناء محطات نووية لتوليد الكهرباء، ووضع الإطار القانوني والرقابي لذلك بما يفتح الباب أمام تقدم حقيقي في المجال النووي، وبصفة خاصة في مجالات بناء ودعم وتنمية القدرات البشرية التي تملك المعرفة الفنية، وقد تمثل مع المحطات النووية رادعاً تكنولوجياً، وكذلك وضع استراتيجيات وطنية للمشاركة المحلية للصناعة الوطنية (بعد إجراء تقييم لها) في إنشاء وتصنيع هذه المفاعلات، الأمر الذي يطور الصناعات المحلية في الدول العربية. وفي هذه الأجواء المضطربة يصبح بناء برنامج نووي سلمي متقدم خطوة مصيرية، ليس فقط بدافع الحفاظ على الأمن الوطني لكل دولة عربية، لكن أيضاً إعمالاً لحق قانوني متاح وفق المعاهدات النووية للاستفادة من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. ويدعم من موقف الدول العربية أنها منضمة إلى الاتفاقيات النووية الدولية، فمعاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية تضم كل الدول العربية، كما أن اتفاقية الحماية المادية للمواد النووية تضم 14 دولة عربية، أما اتفاقية التبليغ المبكر عن الحوادث النووية فقد صادقت عليها 17 دولة عربية، أما اتفاقية تقديم المساعدة الفنية في حالات الحوادث النووية فقد صادقت عليها 16 دولة عربية، في حين صادقت على الاتفاقية المشتركة بشأن أمان التصرف في الوقود المستهلك خمس دول عربية.
الأطر الحاكمة للدخول العربي في الطاقة النووية
إن عملية الدخول العربي في الاستخدام السلمي للطاقة النووية تحكمها عدة أطر، منها قضايا منع الانتشار النووي ومعايير الأمان، ولذلك يتطلب هذا الدخول جهودا مكثفة لبناء القدرات في مختلف المجالات العلمية وبالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبالشفافية التي تفرضها الاتفاقيات الدولية. وفيما يتعلق بمسألة التعاون العربي، هناك مجالات عديدة يمكن التعاون العربي فيها، وقد يكون أهم مجالين لهذا التعاون هما: أولا مشروع عربي مشترك لمنشأة نووية عربية لدورة الوقود النووي وإثراء اليورانيوم تضمن إمدادات الوقود النووي عربيا، على الرغم من إدراكنا لوجود معوقات أمام الدخول بجدية في هذا المشروع، مثل المبادرات الدولية المتعددة لتدويل دورة الوقود النووي، وإنشاء مراكز دولية لذلك تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ وثانيا الوضع الدولي الذي تحكمه المصالح، ومطالبة ما يسمى بالقادمين النوويين الجدد بعدم الدخول في إثراء اليورانيوم بما يتجاوز التزامات معاهدة منع الانتشار النووي. ومن ثمّ، عند دخول الدول العربية في هذا المجال لابد أن يكون لديها بديل تفاوضي، مع التمسك الصارم بالحق الأصيل للدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وفقا لمعاهدة منع انتشار الاسلحة النووية، ويجب عدم القبول بالتزامات إضافية تتجاوز التزاماتنا الأصلية الواردة في المعاهدات النووية.
أفضل سيناريو لتعزيز المصالح العربية
يصعب توقع حدوث أحد السيناريوهات بشكل جازم، لكن انتشار البرامج النووية السلمية أفضل السيناريوهات من منظور المصالح العربية، لما يتضمنه من تجنب أي تداعيات للسيناريوهات الأخرى. إن تجربة دولة الإمارات في بناء أول مفاعل نووي عربي لتوليد الكهرباء تقدم خبرة جديدة في الإعداد والتنفيذ للمحطات النووية لباقي الدول العربية، كما تبقى فكرة التعاون العربي في المجال النووي واجبة الترجمة الفعلية على أرض الواقع وبجهود الهيئة العربية للطاقة الذرية في ذللك التعاون. هناك فرصة للدول العربية المعنية بهذا التعاون، لاسيما مصر والسعودية والإمارات، لأخذ المبادرة لقيادة هذا العمل مع الدول العربية الأخرى والعمل على تحقيقه.